أنا وأنت يا صاحبي

    • أنا وأنت يا صاحبي

      أنا وأنت يا صاحبي



      كان الحزنُ ، والغضبُ يكتسحانِ قلبي كإعـصارٍ جامحٍ متوقد القِوى وأنا أتابع بعينيي صاحـــبي عبد الله وهو يتوسط جماعةًً ما كنت لأرضى لنفسي أن أتوسطها ولو عفواً ، ولسانُ حالهِ يقول سبحان الله مغير الأحوالِ من حالٍ إلى حالٍ !

      تنازعتني شتى المخاوف وأنا أراه يتبادل أطراف الحديث معهم بعفوية ، وتبسط متجاهلاً ما شاع عن هؤلاء الفتية من سوء الخُلُقِ ، والمعشر !

      لم أدري لم أبتعد عني وترك صحبتي رغم أننا كنا نعم الأصدقاء .. فما جمع بيننا في وقت ليس ببعيد كان أكثر من مجرد صداقة – على الأقل من ناحيتي! – فلقد كنت أعده الأخ ، والصاحب ، والـرفيق .. ويـعلم الله أنني كنت شديد الاعتزاز بصحبته ، فلـقد كان عبد الله مــدعاة فــخر أستاذته ، وابتـهاجهم .. والـطالب الـذي يتنـاولون سـيرته بـالذكر الطيب ، والمديح في اجتماعاتهم . . كيف لا وهو الدائم التفوق في صفه ، ومدرسته منذ نعومة أظفاره ، بل واسمحوا لي أن أقول منذ أن وعت عينا عقله نور العلم ، وأدركت حواسه ما حولها من أحداث !!

      كان لماحاً شديدَ الذكاءِ .. فلقد منحه الله عقلاً متبصراً قادراً على استيعاب أصعب المواقف وأكثرها تعقيدا بحيث تغدو بين يديه كاللعبة يتناول أطرافها كيفما شاء فيبز أقرانه فيها .. أجل كان دائما ملكَ الساحةِ التي يخوضُ فيها .. أجل كان بلا مثيل!

      لم يكن الذكاء الصفة الوحيدة التي أمتاز بها صاحبي عبد الله .. فلقد كان كذلك كريمَ الخلقِ حلوَ المعشرِ لطيفَ الكلامِ .. وكانت لصحبته اثرٌ جميلٌ في النفسِ كالنسمةِ العطرةِ الرطبةِ عندما تهبُ عليكَ في صيفٍ قائظٍ ملتهبِ الأجواءِ ، فتنتعش روحك ، وتسمو في أجواء لم تألفها من قبل .. فلقد كانت لديه قدرة ٌغريبةٌ على اجتذابِ انتباهكَ إذا تحدث .. وقدرةٌ أكثر منها غرابة ًفي الانتقال بين شتى المواضيع ، وبساتين المعرفةِ بحيث لا يعرف المللُ إلى المستمع ِإليه طريقاً .. فلا تعجبوا من كثرةِ إطرائي له .. فقد كنت أعدهُ مَثَلِيَ الأعلى و منافسي الأقوى . ولا ضير في أن يعترف الشخص بمميزاتِ ندهِ ، ومنافسهِ ، بل ويسعى لصحبتهِ كذلك .

      اجتاحتني رغبة ملحة في أن أتجه نحوه وأجتذبه من وسط تلك الدوامة الفاسدة التي بدأت تجتذبه إلى أعماقها لتغرقه وسط سمها الزعاف .. عندئذ ، وأنا ما زلت في موقع من يتخذ القرار لا أن يقدم عليه التقت أعيننا .. فإذا بي ألمس بروداً لم ألفه من قبل في عينيه .. سرت قشعريرة باردة في أوصالي .. ووجدت نفسي أجمد عن التفكير وقد تركزت عيناي في عينيه ، وكأن كل منا يسبل أغوار الأخر بنظراته .. دام هذا الوضع لبرهةٍ من الزمنِ قبل أن تفترق أعيننا مرةً أخرى دون أن يقدم أحدنا على أمر ما .. ومضى هو مع صحبته الجديدة ، والضحكات الماجنة تنبعث بين الفينة ، والأخرى لتقطع مجرى حديثهم ، والنظرات المستهجنة ، وعبارات الاستنكار تشيعهم جميعاً .

      تابعت طريقي إلى البيت ، والوساوس تنقض علي ، وترهق تفكيري .. فليس هذا عبد الله الذي عرفته منذ صغري .. ليس هذا صاحبي ، ورفيقي الذي ألفته ، واعتدت عليه . ماذا جرى ؟ ماذا أصابه ؟ لماذا هذا البرود ؟ بحق الله لماذا؟!!

      لقد بدأ العام الدراسي منذ قرابة الشهر والنصف شهر أي أننا بتنا على مشارف امتحانات منتصف الفصل .. ولقد كان هذا الأمر يؤرق تفكيري ، والحصول على أعلا الدرجات شغلي الشاغل .. فكان انكبابي على دراستي ، ومذاكرتي متواصلاً . خاصة ًوأنني كنت في مرحلة انتقالية ، أنتقل بعدها من المرحلة الإعدادية إلى مرحلة الدراسة الثانوية .. وكنت أحرص على أن لا يزعج تفكيري أي شيء ٍ أخر .. ولكني الآن أجد نفسي مرغما ًعلى التفكير في صاحبي عبد الله الذي افتقدت أخباره منذ بداية العام الدراسي الجديد .

      دخلت إلى غرفتي ، واستلقيت على سريري ، وشعورٌ غريبٌ يسيطر على قلبي .. لم أجد في نفسي إقبالا على الدرس ، بل وجدتها تنفر منه نفور الضبي من كاسرٍ متوحشٍ .. وبعد شيء من التردد قررت زيارة عبد الله في منزله.
      كنت على باب الدار عندما استوقفني نداء أمي .
      قالت بشيء من الانزعاج : إلى أين يا محمد ؟! لقد وصلت للتو فقط !!
      أحسست بشيء من الحرج وغضضت بصري كعادتي إذا خاطبتني أمي عندما اقدم على ما يستنكر.
      رددت بخفوت : سأذهب إلى زيارة عبد الله يا أماه .
      تمتت أمي بدهشة : في هذا الوقت يا محمد ؟! أنك حتى لم تتناول غدائك بعد !
      نظرت إلى أمي برجاء .. وأكاد أجزم بأن وجهي كان مرءاة ًصادقة ً عكست بكل وضوح ما أعترك في نفسي الحائرة من شتى التساؤلات وذروة القلق .. وما كان حالي هذا ليخفى عن قلب وبصيرة أمي الرؤوم التي اكتفت بنظرةٍ واحدةٍ حتى تنفرج أساريرها فتستطرد منبهة ً وهي تعود إلى عملِها قائلةً : اذهب . ولكن إياك والتأخر .. فالوقت ليس بوقت مناسب للزيارة ، وبلغ سلامي إلى خالتك أم عبد الله.

      انطلقت والفرحة تملأ قلبي لأنها سمحت لي بزيارته .. وودت آنذاك لو أن لي جناحين فأطوي الطريق بهما طياً واقطعه في ثواني محدودة من شدة سعادتي .. فقد كانت بي رغبة عارمة أشبه بالهوس لمساعدة رفيق طفولتي ، وصاحبي وأن حاول هو تناسي هذه الصحبة ، وهذه الرفقة .

      لم استغرق سوى خمس دقائق حتى أصل لمنزل عبد الله الذي لا يبعد من منزلي كثيراً ، فقد كان من جيراننا البعيدين بعض الشيء .

      كان منزلهم (حوشاً) كبيراً اشتركت فيه مجموعة ٌمن الغرف على النطاق التقليدي .. فلقد كانت أسرته أسرة ًكبيرة ًتضم الوالدين ، والأبناء ، وأسرهم .. وكان عبد الله من اصغر الأبناء في هذه الأسرة التي تضم ما لا يقل عن أربعةٍ من الأسر صغيرة بالإضافة إلى الأسرة الرئيسية .

      لم تكن أسرتهم من ذوي المناصب ، والجاه .. ولم تكن كذلك من الأسر الميسورة الحال ، أو التي رزقها الله المال والغنى .. فقد أبدلهم المولى ما هو أثقل في ميزان حسناتهم . فلقد كانوا أناساً بسطاء على قدرٍ وافرٍ من الطيبة ، وسعة الصدر ، وشدة الاحترام .. بل أنهم كانوا كذلك أسرة مــلتزمة ، حـــسنة الأخــلاق ، والــسمعة.. وكــانت هذه الأسرة أكبر مثال للتعاون ، والتضامن ، والتكافل الاجتماعي . إذ كانت الأسرة الكبيرة تشمل الأسر الصغيرة فيها بالرعاية ، والتوجيه ، والنصح . في حين يعمل الكل من أجل راحة الجميع في هذه الأسرة الكبيرة بلا استثناء ... فيشعر الداخل إلى هذا ( الحوش) بأنه في خلية نحل نشطة الحركة ، وغزيرة الإنتاج .. أو أن هذا التجمع البشري البسيط ما هو إلا جسداً واحداً ينطبق عليه قول الرسول عليه افضـــل الــصلاة ، وأزكــى التسليـــــم : " لو أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى."

      طرقت الباب الحديدي بشيء من التردد ، والحياء ، فلقد كان الوقت وقت ظهيرة .. والناس تخلد للراحة ، والقيلولة في هذا الوقت .. ولكني ما كنت أستطيع صبراً ، والتفكير يكاد يزهق روحي ، ويأخذ بتلابيب عقلي.

      أوشك قلبي على الوثوب من وسط صدري عندما فتح الباب .. وإذا بالمستجيب لطرقي أم صاحبي عبد الله التي كنت أجلها ، وأحترمها أشد الإجلال ، والاحترام .. كعادتها تقف هادئة ً بوجهها الوقور السمح الذي طالما أسر كل من عاشرها عن قرب ، فلا يلبث أن يحمل لها في قلبه كل الاحترام ، والتقدير . ابتسمت بلطف لمرآي وقالت : من ؟! محمد؟! أهذا أنت يا ولدي! لم نرك من فترة ليست بالقصيرة!
      قلت وأنا أبتسم كذلك : الدراسة يا خالة .. تعلمين مدى أهمية هذه المرحلة بالنسبة لي ، وبالنسبة لعبد الله.
      قالت : على كل حال .. كيف هي أحوالك ، وأحوال أمك الغالية ؟! إن شاء الله على أحسن ما يكون.
      قلت : الحمد لله يا خالتي نحن بخير وعلى أتم حال .. لا ينقصنا شيء والفضل لله سبحانه وتعالى أولاً ، ولوالدي ثانيا .. وأمي تبلغك سلامها .
      قالت بانشراح : وعلى أمك السلام .
      صمتت لبرهة قبل أن تستطرد بشيء من الحيرة : وعبد الله؟! كيف هو أدائه في دراسته في هذه الفترة ؟! وأين هو ؟! حسبته معك !
      بغتّ لهذا السؤال فغصصت بريقي ووجدت صعوبة ً في الكلام .. ولم يغب ما طرأ علي من تغير عن عيني خالتي أم عبد الله وهي من خبرتني لسنين طوال .
      فبادرتني وعينها تصرخان بقلق بالغ : ما بالك يا محمد ؟! أخبرني هل أصاب ولدي مكروه ؟ لماذا لم يعد للساعة إلى البيت ؟
      قلت بصعوبة : لست أعلم .. لم أره إلا اليوم في ساحة المدرسة منذ بداية العام .. ولكن الفرصة لم تسنح لي لأبادله أطراف الحديث .. ولهذا أنا هنا .. أردت أن أطمئن عليه وعلى دراسته.
      ويبدوا أن قولي هذا قد بعث الرعب في قلبها فهتفت بي قائلة : أتقول أنك لم تره منذ بداية العام إلا اليوم؟! كيف هذا؟ وأنا أحسبه يذهب ويأتي معك كالعادة .. بل أنني أسمح له بالتأخر بعض الأحيان عن البيت ظنا مني أنه يدرس معك!
      هززت رأسي نافياً وقلت : أؤكد لك يا خالتي أنني لم أره منذ فترة ، بل أن أخباره انقطعت عني بلا مبرر فما عاد يزورني ولا يحادثني على غير عادته .. فقلت لنفسي فلأبادره أنا بالسؤال..
      أمتقع وجه أم عبد الله وتمتمت بخوف : إذن أين ذهب الولد؟! .. بل أين كان يذهب طول تلك الفترة؟!
      نظرت إليها بحيرة وبي في قلبي خوف أعلم أنه مهما كان لن يوازي خوف هذه الأم الطيبة التي سَكّنتُ اللوعة والحيرة في قلبها بكلامي.

      خفضت رأسي وأنا أعتذر منها وأستأذن بالانصراف ما دام عبد الله ليس موجودا في الدار فشيعتني بالدعاء والسلام رغم ارتجاف صوتها الخائف الملتاع وفي ذهن كلينا تسائل محدد ، أين هو عبد الله في هذه اللحظة ؟!

      كنت أقطع الطريق بتثاقل ، والحزن يأكل قلبي ، وينزح عليه نزوحاً .. ما كان علي أن أخبرها أنني لم ألتقه ، ولم أره طوال هذه الفترة .. لا بد أنها الآن تذرع المكان من شدة القلق ، والخوف .. أجل ما كن علي .. ولكن الأمر انتهى .. وربما كان من الأفضل أن تعرف فتجنب ولدها أصحاب السوء.. وعسى أن تكرهوا شيئاً ، وهو خير لكم .. تنهدت بحرقة وأحسست بنار الغضب تتصاعد لتعانق صفحة عقلي ، فتجعلها أشبه بسماء ملبدة بغيوم سوداء مرعدة ، ومبرقة.

      فجأة رأيته أمامي يمشي بلا مبالاة .. دهشت لمرآه .. كما دهش هو كذلك لمرآي قادما من اتجاه بيته .. توقف كلانا وأخذ يرمق صاحبه .. بادرته السلام قائلاً : كيف حالك يا عبد الله .
      ردّ بخفوت قائلاً : الحمد لله .
      ثم استطرد : وأنت ؟! كيف هي أحوالك .
      قلت وعيناي لا تفارقان عينيه : الحمد لله أحاول أن أبذل قصارى جهدي هذه السنة لأحرز نتيجة طيبة.
      مط شفتيه بلا مبالاة وبدا كأنه يهم بالذهاب .. ولكني استوقفته قائلاً : لقد رايتك اليوم في باحة المدرسة.
      قال : حسناً .
      وبدا وكأنه يقول لي وماذا في الأمر ..
      قلت بثبات : لم تعجبني حالك وأنا أراك تتوسط تلك المجموعة.
      قال ببرود : وما دخلك أنت ؟!
      قلت بشيء من العصبية : أتسألني ما دخلي ؟! هو حرصي على مصلحتك يا عبد الله .
      نظر إلي لفترة بصمت .. قبل أن يتابع سيره متجاهلا ً كلامي .. ناديته مراراً ولكنه لم يعر ندائي انتباهه ولم يكلف نفسه عناء الرد.

      تقاذفتني أمواج الحيرة أمام موقف صاحبي هذا .. بل أن حيرتي باتت أكبر وأشد وطئاً على قلبي بعد هذا ..

      وهنا بت متأكداً أن شيئاً أصاب حياة صاحبي عبد الله في مقتل .. صحيح أنني أجهل كنهه .. وصحيح أنني أجهل مدى عمق تأثير هذا الحدث في حياته .. ولكني أعرف أن صاحبي عبد الله لم يعد نفس الشخص الذي عرفته .

      كنت أراه من حين ٍإلى أخر وسط تلك الجماعة .. لا يكاد يميزه الناظر إليه من بينهم لانغماسه المفرط في الفساد .. وقد عــلمت من أساتذته أن مستواه قد أنخفض ، وأدائه قد ساء فبات مصدر تذمر أساتذته ، وشكواهم الدائمة .. وكان لا يفتأ يتشاجر معهم على أتفه الأسباب ، فيعرضون عنه ، ويحسنون معاملته لما يعرفونه عنه من تفوق سابق .. ولكنه كان يتمادى في ذلك ، ويفرط في توجيه الكلام اللاذع ، والجرح ، والإهانة ، مما حدا ببعض أساتذته أن يتخذوا موقفاً صارماً معه.

      في ذلك اليوم وبعد أن أنتهي اليوم الدراسي قررت أن أتكلم معه مرة أخرى .. كنت أحس بالتوتر خشية أن يردني خائباً كما ردني في المرة الأولى .. ولكني تجاهلت هذه الأفكار وأنا أقف منتظراً عند باب المدرسة .. خرج كالعادة وسط تلك الصحبة .. ناديته فألتفت إلي.
      قلت له : عبد الله أريد التحدث معك أن لم يكن لديك مانع ..
      صمت لبرهة ثم هز رأسه موافــقاً .. كنت على وشك التحدث إليه عندما أقترب منا صاحبٌ ثالثٌ .. اعتدنا مجالسته معاً قبل أن تتغير أحوال عبد الله ..

      قال الولد بشيء من العصبية حاول مداراتها وهو يسأل عبد الله : سمعت من البعض أنك تبحث عني وتتوعدني على أمر أجهله .. فما هي القصة ؟!

      توقعت أن ينكر عبد الله الموضوع برمته .. أو أن يشرح أسبابه للولد فهو صديقنا وصاحبنا قبل كل شيء .. ولكني تفاجأت عندما رأيت عبد الله يقفز على الولد بشكل غير متوقع وكأن الولد غريمٌ ، أو عدوٌ ينتوي الخلاص منه ، فيشبعه ضرباً بأسلوبٍ عدواني ٍ، وقاسي ٍ.. ولعمري أنه كان ينوي قتله لو لم نوقفه .. كانت الدماء تسيل من صاحبنا عندما تمكنا من ردع عبد الله .. وبسبب هذا التصرف ، ولأن الجميع شهد بأنه كان البادئ تعرض عبد الله للفصل المؤقت من المدرسة!!

      بقيت لأيام أتفكر بالموقف .. ترى لماذا أصبح عبد الله هكذا ؟! لماذا أمسى شديد التحسس سريع الاندفاع ؟! لماذا أصبح عدوانياً هكذا ؟! .. صحيح أنني أعلم أن هناك ما طرأ على حياته ، ولكني بالفعل أجهل ما هو المسبب الحقيقي .. ترى هل يحاول إثبات رجولته ، وقوته بهذه التصرفات ؟! أيرغب أن يظهر للجميع أنه رجل يفعل ما يشاء ، ويذهب أينما شاء ؟!

      أو ربما يحس بالاضطهاد بين أفراد أسرته كونه واحداً من اصغر الأبناء .. لا يسمع له رأي ولا يعطى له أي وزن ، وقيمة .. أيحاول أن يلفت أنـظار أسرته نحوه فتسبغ عليه شيئا أكبر من الاهتمام ؟!

      أم هي حالة أسرته الصعبة؟! .. ترى هل هو الضغط النفسي الذي يحس به من جراء عجزه عن مد يد العون لأسرته؟! أم ربما هو ما يوجه له من كلام ، وتوبيخ في بعض الأحيان جراء بعض المواقف ؟!

      أم قد يكون إحساسه بأن الكل يحسده ، ويكرهه ؟! ولهذا فهو يتجنب الجميع ؟! .. بالفعل كان الكثير من أصحابه يحسده على تفوقه ، بل ويحاول إيقاع عبد الله في المشاكل للحد من نجاحه فيتصيد هفواته ، وغلطاته .. وهناك من كان يتقرب منه بغرض المصلحة لا غير.. ولكنه يعلم أنني لست من هذا النوع !! يعلم أنني لست من النوع الاستغلالي!! يعلم أنني أحبه ، وأرغب في صداقته لا لمصلحةٍ ، أو منفعةٍ .. ولكن لأنني أحب شخصيته ، وأحب فيه الإنسان .. بل واذكر فيه العشرة التي جمعتنا .. فلماذا إذن يرد يدي التي أمدها له ؟! لماذا يبتعد عني وأنا من أقترب منه ؟! لماذا يا ناس ؟! لماذا؟! أحس برأسي يوشك أن ينفجر !!

      ربما و ربما و ربما ... الكثير من المسببات التي طرحها خيالي المحموم .. ولكن الله وحده يعلم أن صابت أو خابت .. الله وحده فقط.

      بعد تلك الحادثة أبتعد عنه كل أصحابه القدامى وأصبح الكل ينفر منه متناسياً ماضيه المشرف فأمسى بعد ذلك أكثر إنطوائية ًوبعداً عن الجميع .. حتى صحبة السوء التي كان يرافقها مؤخراً بات يتجنبها وينطوي على نفسه وكأنه يصنع بينه وبين الناس قوقعة صلبة تصدهم عنه.. كنت إذا رمقته في المدرسة على تلك الحال تمكن الحزن مني وغرس سهامه في قلبي .. فقد فقدت منافساً وصاحبا طالما قدرته.. ولذلك أحسست بنجاحي ذلك العام وتفوقي على مستوى المدرسة بلا طعم وكأنني لم أشقى في الدرس والتحضير .. فلقد كنت أتوق للتنافس لا للفوز السهل.. ولقد فقدت هذه المتعة.



      مرت ثلاث سنوات على تلك الأحداث المريرة في ذاكرتي .. والآن أنا على أبواب الثانوية العامة .. أهم مرحلة في حياة أي طالب علم .. والتي بقيت استعد لها لسنوات طوال .. وأعد الأيام عداً لأصل إليها ، فأتمكن من تحقيق حلمي بالدراسات العليا ، والجامعة .

      لقد مر يومان منذ أن بدأت الدراسة .. وقد مر اليوم الثالث على خير مثلما مر اليومان السابقان له ..كنت أغادر فناء المدرسة ، وأنا أحث الخطى لأصل سريعاً إلى البيت ، عندما لمحت عبد الله منزوياً في ركن من الأركان .. أنه يجلس بجانبي في الفصل ، ومع ذلك لسنا نتبادل أطراف الحديث غالباً .. أحست برغبة في أن أحادثه .. لم يعد عبد الله نفس الشخص الذي أصبح عليه عندما كان في الإعدادية العامة .. لقد عاد إلى خلقه الصالح ، وحميد طباعه .. ولكنه ظل على هدوءه ، وانعزاله المفرطين .. وكذلك لم يحاول أن يجتهد في دراسته.
      اقتربت منه فلمحني هو الأخر .. ابتسمت فابتسم بدوره .
      بادرته قائلا ً : أمشغولٌ اليوم ؟!
      قال بهدوء : لست أعتقد ذلك .
      فاستطردت قائلا ً : إذن ما رأيك بتناول الغداء معي .. أمي دائمة السؤال عنك ، وسيكون من دواعي سرورها أن تراك .
      أخذ يفكر في عرضي .. فاستحثثته قائلاً : لا تقل أنك تخجل مني يا رجل ، فنحن أصحاب وما بيننا عشرة عمر .. هيا ولا تضيع الوقت فلدينا أعمالٌ كثيرةٌ.

      وأمام إصراري لم يجد بداً من أن يقبل دعوتي .. ترافقنا طوال الطريق ، وأنا أحاول أن أفرج عنه بالحديث عن الدراسة ، والمدرسة وعن أحلامنا عندما كنا صغاراً وهو بالكاد يتحدث .. ولكني لم أعر هذا اهتمامي .. وواصلت أحدثه على أمل أن يتحدث على راحته هو الأخر .

      ولقد سعدت أمي بالفعل لرؤيته ، وغمرته بترحيبها الحار ، وهي تسأله عن أحواله ، وأحوال أمه .. فكان وجهه يختلج بسرورٍ بالغٍ - وأن حاول إخفاءه - بذلك الترحيب . وبعد تناول الغداء .. جلسنا معاً نتجاذب أطراف الحديث ويبدو أنني قد نجحت في حل عقدة لسانه فكان منشرحا بعض الشيء وهو يحدثني عن خططه .. سرني أن أجده يعتزم الرجوع إلى ما كان .. إذ لا بد للفارس من يوم يعود فيه لحصانه فيخوض مرةً أخرى في الميادين التي أعتاد الخوض فيها .. ووجدت نفسي لا إرادياً أندفع بسرور واشد على يده وأحتضنه بفرح فلقد سرني كلامه .
      قلت له أحاول أن أتأكد من صدقه : أجادٌ في ما تقول يا صديقي ؟1
      ابتسم عبد الله وقال : وهل يجوز لنا الهزر في مثل هذه المواضيع يا محمد ؟!
      مددت يدي إليه قائلاً : أعهد هو يا عبد الله ؟!
      احتضنت يديه يدي الممدودة وهو يقول بجدية والابتسامة تملأ وجهه فتزيده قربا إلى قلبي : عهد يا صاحبي .

      ومنذ ذلك اليوم تناوبنا زيارة بعضنا ونحن ندرس معاً ونحضر ونجتهد باذلين قصارى جهدنا لنحقق حلمنا .. وقد جاءت نتيجة الفصل الأول مبشرة ومكللة لأعمالنا وقد سررنا بها أيما سرور .. ومن ثم ضاعفنا جهودنا وزدنا من الضغط على أنفسنا حتى ننال نتيجة افضل .. وبالفعل كان لنا ما سعينا له وجاءت نتائجنا في نهاية السنة مشرفة ومشرقة . ووجدنا أنفسنا على أعتاب حلمنا العظيم بالجامعة والدراسة العليا .. تقدمنا بكلانا للبعثات .. فنال صاحبي بعثة لدولة البحرين الشقيقة وتمكنت أنا من الحصول على بعثة إلى الولايات المتحدة الأمريكية .

      وهكذا قدر لكل منا أن يسير في طريق .. ومع ذلك بقينا على اتصال .. وذلك العام عندما عدت إلى عمان كنت في أوائل المستقبلين لصاحبي عبد الله .. ولكني فوجئت به على حالٍ لا تسر .. كان نحيلاً هزيلا وتبدو عليه عوارض الاكتئاب ... حاولت أن أسري عنه ... أن أخرجه من اكتئابه هذا ... لم أعلم لحاله سببا وكأن عبد الله يحرص دوما أن يجعل أسباب تغيره سراً .. كان غامضا بعض الشيء ولكن غموضه هذا ما كان ليؤثر في معزتي له .. وما كنت لأسمح له بأن يدمر نفسه وبنفسه .. فحرصت على صحبته ومرافقته طوال فترة تواجدي في البلاد من شدة معزتي وحبي له .. ومع ذلك أحسست وكأنني أحفر في رمال الصحراء حفرةً ما قدر لها أن تكتمل أبداً .. ولقد كنت أشك في أن السبب سوء حالة أسرته ولكنه لم ينبس عن الموضوع ببنت شفه .

      وسافرت إلى الولايات المتحدة بعد نهاية الإجازة وأنا على جهلي بما حدث .. ويبدو أن صاحبي عبد الله كان يعشق عزلته تلك فيمنع أخباره عن الجميع ... كانت أعجز عن الاتصال به وإذا حدث واتصلت ما كنت لأجده كما أنه لم يكن يتعامل بنظام البريد الإلكتروني مما صعب علي مراسلته .

      كانت أخباره تصل إلي متقطعة مبهمة .. وكان هذا يحنقني ويغضبني ... فأرغب لو أمزق أي شيء يقع تحت يدي شر تمزيق بسبب الغضب المشتعل في صدري .

      حتى وصلني خبر مفاده أن عبد الله سيترك دراسته ويرجع للبلاد بعد أن تدنى مستواه .. نزل الخبر علي نزول الصاعقة فشغلني عن كل شيءٍ سواه .. ويبدو أن المفاجأة شلت عقلي عن التفكير فلم أدري ما أصنع .. وعندما عدت إلى صوابي قررت أن أتصل به مهما كان .. ولكني ترددت .. أجل ترددت مخافة أن ينظر إلى اتصالي هذا على أنه شفقة مني .. أو أني أسخر منه .. أو حتى أحقد عليه .. وما كنت لأرضى لنفسي أن أحتل هذه الصورة أمام عينيه وأنا من أعتبره أخي وصاحبي .. أجل ترددت ولم أدري ما اصنع وآلاف الأميال تفصل بيني وبينه .. وفي تلك الساعة وددت لو أنني لم أخذ هذه البعثة التي ألقتني في أقصى الأرض أو أنني ابتعثت للبحرين الشقيق مع صاحبي فربما منعت هذا من الحدوث .. كنت أعرف مدى رقة مشاعره وحساسيته ولهذا أدركت أن أصغر المواقف كان ليؤثر على مستواه الدراسي .. أحسست بالندم والذنب يشملاني من قمة رأس إلى أخمص قدمي .. ما عساي أفعل أجل ما عساي افعل .. وثم وصلني خبر أخر أنه ما رجع إلى ليبحث عن عمل .. وهنا جن جنوني .. إذ كنت أحس بنفسي كالمركب تتقاذفه الأمواج والرياح فلا يعلم أين هو ولا يدري أين وجهته ولا هدفه .. وكرهت الشعور بالضياع وكرهت أكثر شعوري بالعجز .
      وأخيرا بعد أن أرقت لأيام عدة قررت أن أتصل به لأريح قلبي المنهك من كل هذه الانفعالات التي سلبتني كل راحتي وحرمت مقلتي من نعمة النوم.
      جاءني صوته هادئا وكأنه فقد حتى لمسة الحياة ورنينها .
      غصصت بعبرتي ولم أدري ماذا أقول .. أحسست بها تخنقني وتكتم أنفاسي .. فعجزت حتى عن الكلام ..
      وصاحبي ينتظرني على الطرف الأخر
      قلت له بصعوبة : معك محمد يا عبد الله ..
      قال وقد تسللت إلى صوته نبرة فرح : أهلاً يا محمد كيف هي حالك يا صاحبي؟
      حاولت ابتلاع توتري وأنا أضبط نبرة صوتي قائلاً : بخير و الحمد لله يا عبد الله .. وأنت كيف هي أحوالك ؟
      قال بشيء من التردد الذي لم يخفى على أذني : الحمد لله على كل حال .
      قلت بعتاب صادق : أين أنت يا رجل ؟ لقد حاولت الاتصال بك مراراً وتكراراً .. ولكن يبدو أنك أصبحت تعشق العزلة!
      رد بخفوت شابه شيء من الحياء: مشاغل الحياة يا محمد .
      أستطرد باهتمام : ابشر ؟! كيف هي دراستك يا صاحبي ؟! أما زالت على نفس الحال ؟!
      قلت وقد سرني أن يتطرق لموضوع الدراسة دون أن أفتحه بنفسي ليريحني من هذا العناء : أجل أنا عند حسن ظنك بي !
      تابعت بعد ذلك قائلاً : وماذا عنك يا عبد الله ؟ أكل شيء على ما يرام مع دراستك ؟!
      تمتم قائلاً : الحمد لله .
      لم تبد الإجابة مقنعة لي فقلت بجديه : أخبرني كم ساعة معتمدة أخذت هذا الفصل؟ وما هي المواد التي ستأخذها ؟! هل سير خطتك على ما يرام ؟!
      صمت وبدا حائراً لوهلة ... ثم قال : لست أدري ما أقول لك يا محمد !
      قلت وقد حاولت أن أجعل نبرة صوتي هادئة وطبيعية أكثر ما يمكن: قل ما تشاء يا صاحبي فنحن أخوة ولا تخجل من الإفصاح لي عن ما يقلقك ويقض مضجعك.
      صمت مرة أخرى قبل أن يقول بصوت شبه مبحوح : لقد فصلت من الجامعة بسبب تدني درجاتي يا محمد.
      أهتز قلبي في مكانه ... إذن فقد كانت الأخبار صحيحه!!
      قلت بهدوء : لماذا؟! ألم تكن تدرس يا عبد الله ؟
      قال بحزن : كنت أبذل قصارى جهدي يا محمد ... ولكني كنت أعمل في نفس الوقت لأساعد في إعالة أسرتي ... أكنت تتوقع مني أن أتركها هكذا وأنا قادر على مساعدتها ؟! لقد ساءت صحة والدي .. وأخوتي الكبار يمارسون ضغوطهم علي لترك الدراسة والتفرغ للعمل .. فحالنا لا تسر.
      قلت والحزن يعتصر قلبي بقبضة لا تعرف الرحمة : لكن لماذا؟! لماذا لم تخبرني بهذا يا عبد الله ؟!
      قال باستسلام : وماذا كان بيدك لتفعله يا صاحبي ؟! لقد كان والدي معارضا لفكرة إكمالي لتعليمي منذ البدء ... كان يريدني قربه لأساعده في حمل مسؤوليات البيت مثلي مثل باقي أخوتي .. إنني أستحق ما جرى لي .. فقد كنت أحلم بما لم يقدر لي .
      هتفت به : ويحك لا تقل هذا يا عبد الله !!! لا أحب أن أسمع منك هذه الكلمات .. وما أدراك بما قدر لك وما كتبت لك ؟! هل أطلعت على اللوح المحفوظ فتتكلم بهذا الكلام جزافاً هكذا دون تقدير؟!
      أحسست بصوته الكسير يأتيني عبد الخط زاخراً بالألم : ماذا تريدني أن أفعل ؟! بالله عليك ... قل لي ماذا عساي افعل ؟! لقد فقدت كل شيء يا محمد .. وعلي الآن أن أودي واجبي تجاه أسرتي فابحث لي عن وظيفة اسهم بمردودها في تحسين حال الأسرة .
      قلت بحماس : بل قل أنك ستحاول إكمال دراستك يا عبد الله ... ما زال لديك الأمل .. حاول إتمامها في عمان ... أجل في بلادك ووسط أهلك في الجامعة هناك .. وسيكون بإمكانك أن تعمل كذلك يا عبد الله ... حاول ولن تخسر شيئاً. ولكن إياك أن تسمح لليأس بأن يتسلل إلى قلبك يا صاحبي أرجوك !! لا تسمح له بأن يقهرك أيها الكبير !! أجل أنت أكبر من أن تهزمك كل هذه الظروف ول كانت مجتمعه فأنت أكبر منها .. أجل أكبر منها .
      صمت وطال صمته هذه المرة حتى حسبت الخط قد قطع فبادرته قائلاً : معي يا عبد الله ؟!
      أردف بهدوء : أتعتقد أنه ما زالت لدي الفرصة يا محمد؟!
      قلت له مشجعاً : أجل ولم لا ؟ لماذا تقتل بذرة الأمل قبل أن تعرف مدى قدرتها على مقاومة الصعاب ؟! لماذا تئدها في مهدها يا صاحبي ؟! قاوم اليأس يا رجل .. قاوم من أجل أحلامك على الأقل!
      صمت برهة أخرى .. ثم جاءني صوته هذه المرة واثقا وقويا ً وهو يقول : أن شاء الله يا محمد .. أشكرك يا أخي على وقفتك هذه .. ولن أخيب ظنك بإذنه تعالى .
      أحسست بالحياة تتدفق عبر جسدي المكدود وكأن كلماته تلك كانت إكسير الحياة الذي كنت أتشوق لتجرعه .
      فقلت وأنا أودعه والفرحة تملاً قلبي هذه المرة : إذن على خير يا صاحبي .. وسأعيد الاتصال بك متى ما استطعت .
      قال بخفوت مملوء بالأمل الواثق الفتي الصارخ بالعنفوان: على خير يا صاحبي .. بل على خير يا أخي !
      ورغماً عني .. وبقلب يمتلأ بالشكر والعرفان لرب هذه السماء وكل هذا الوجود .. تمتمت وأنا أنزل سماعة الهاتف قائلاً : الحمد لله ! الحمد لله على كل شيء!

      التنين الاحمر
    • قصة رااائعة ... مؤثرة ...

      تعكس الصديق الذي يتمناه كل إنسان ...

      عزيزي التنين الأحمر

      سطورك حملتني إلى مكان راااائع ...

      وجعلت قلبي ينبض بشوق إلى صديقاتي ...

      الصداقة أهم ما يصادفنا في الحياة ...

      هي من تمنحنا كل شئ ...


      عزيزي

      كنت راااائعا ...

      أسلوبك الأدبيّ راقٍ جدا ...

      وحواراتك ...

      لقد نقلتنا إلى عالم آخر ..

      وأتمنى أن أقرأ لك المزيد ...

      إن شاء المولى ...


      تحياتي لك
      عدت والعود أحمدُ
    • التنين الأحمر ..


      أقول لكَ ولقصتك الرائعة .. أنت تستحق لقب الاديب الواعد .. قصة في غاية الروعة .. قصة طيبة وبداية مُحببة .. ولكني أراني مع هذه القصة بأحداثها تستنكف عن التخلص من بعض الشخصيات كالصديق الموصوف بالطيبة .. وكرم الخلق ( عبدالله ) فكثرة الوعظ والتوجيه جعلت من هذه القصة غير مرتبطة بالقيم الفنية أو الادبية ولكنها تقيدت بالقيود الانسانية وذلك لغاية التحقق الأخلاقي كما لاحظت من خلال وصف شخصية الصديق ( عبدالله ) وعليك أن تقرأ معي هذا المقطع ( اجتاحتني رغبة ملحة في أن أتجه نحوه وأجتذبه من وسط تلك الدوامة الفاسدة التي بدأت تجتذبه إلى أعماقها لتغرقه وسط سمها الزعاف .. عندئذ ، وأنا ما زلت في موقع من يتخذ القرار لا أن يقدم عليه التقت أعيننا .. فإذا بي ألمس بروداً لم ألفه من قبل في عينيه .. سرت قشعريرة باردة في أوصالي .. ووجدت نفسي أجمد عن التفكير وقد تركزت عيناي في عينيه ، وكأن كل منا يسبل أغوار الأخر بنظراته .. دام هذا الوضع لبرهةٍ من الزمنِ قبل أن تفترق أعيننا مرةً أخرى دون أن يقدم أحدنا على أمر ما .. ومضى هو مع صحبته الجديدة ، والضحكات الماجنة تنبعث بين الفينة ، والأخرى لتقطع مجرى حديثهم ، والنظرات المستهجنة ، وعبارات الاستنكار تشيعهم جميعاً . ) لماذا كانت الغاية هي الامتاع النفسي ..والأحداث تسير وفق رغباتنا التلقائية البسيطة .؟!

      والحقيقة ان القصة جذبتني نحو قرائتها بعمق .. وأتمنى عليك العودة إليها فلربما تحذف الكثير الذي لا داعي له .
      والامر الاخر فهذا رأي .. فقط .. ولا يعنيك بأي حال من الأحوال . فالقصة جدٌ طيبة . رغم الحشوَ المؤطر في وسطها .!!

      الف تحية من المرتاح وبيننا فاصل ونواصل .
      لن تستقيم الحياة إن لمْ يستقم عليها الانسان .!
      لن يُحبّ الله أحداً إلا إذا أحبّ الانسان غيره بصدق ..!!
      الحُبّ الحقيقي تتدفّق عاطفته كما يتدفّق الماء من أعلى قِمّة.!