كنت متكئًا على عصاى عندما غفوتُ على الكرسى .. انتبهت اثر تحطـُّم العصاة بعد أن تحوَّل جوفها إلى دقيقٍ ناعم . بفعل السُّوس والارَضَة .. تماسكتُ فى اللحظة الاخيرة , متجنبًا السُّقوط عبر ثـُقبِ اللـَّيل . كانت الارَضَة اللعينه قد كررت ذات فعلتها مع سقفِ وأثاث البيت , قلت فى نفسى يجب أن أجـِدَ حلا ً, و إلا تحوَّل البيتُ كلـُّه إلى رماد .
أتت( إيمى) تحمل قمريَّة , مدَّتها لى : ( أحد الاطفال الأشقياء حطـَّم جناحها ..).. امسكتها برفق وودّتُ لو بقيتْ إيمى .. كبرتْ كثيرًا, وصارت ( ملظلظة ).. تذكرت طفولتـَها الشَّقيَّة، والتصاقَها الدائم بى . كانت دائما تتسببُ فى الكوارث التى تـُنْسبُ إلى فى خاتمة المَطاف . فأنالُ بسببها العلقات السَّاخنه, دون أن أقول الحقيقة َ، فأشى بها.... وددتُ لو أقول لها شيئًا الآن, فلم استطع.. أشعر أحيانًا أن خالتى تعلمُ خفايا عقلى وقلبى, تجاه ابنتها.. حاولتُ أن أنسى, فتشاغلتُ بالقـُمْريَّة الصَّغيرة.. حدثتُ نفسى ( حديثةٌ عهد ٍ بالطيران على ما يبدو ..)..
تابعتُها بنظراتى وهى تتسربُ بجناحيها فى الفضاء اللامتناهى : تتضاءلُ, تتضاءلُ, تتضاءل...ثم تغيبُ فى الأفقِ الشَّفقىّ الوريف ..
شربت الشَّاى من يدى إيمى, ورحلتُ فى عينيها إلى آخر المساء.. كانت الشَّمس مجرد هالة خابية, خلف السُّحب الغائمة.. تشتتُ بين عينى إيمى و إيغال المساء... وقع خـُطَى الـَّليل الثـَّقيل, يبعثُ فى النـَّفسِ نوعًا غامضًا من الرَّهبة والتـَّحفـّز.. عوالمٌ مِن البَوْحِ والتـَّرددِ تتداخلُ, لتتلوى فى داخلى شيئًا مِن أشواق و مشاعر لم تفصح عن نفسها بوضوح..
كان الوقتُ مُتاخرًا. طلبت منى خالتى اصطحاب إيمى للتسوق.. أحسستُ بنفسى سعيدًا كطفلٍ غرير يوهب حلوى أو لُعْبَة يحبُّها.. طلبت منى إيمى أن نسيرَ على أقدامنا. بحثتُ فى جيوبى عن حلوى لأهديها لها.. عثرتُ على بقية أحلام طفوليَّة و لم أعثرْ على حلوى .. ونحن بمنتصفِ الطـَّريق, أحسستُ بها تودُّ قولَ شىء بعد نفاد صبرٍ طويل, وأحست بى كذلك أودُّ قولَ أشياء لفـَّها صمتٌ سحيق, مذ كنا صغارًا ...
تمدد الطـَّريقُ على المسافة الالتـِّوائية النَّادرة إلى هنا.. استوعبته, بنظرة خاطفة و اشتعلَ إحساسى فى صحن عينى إيمان.. كنت أغوصُ فيهما عميقًا, عميقا.. وكانت السَّماء مورقة, و وريف عينيها يورقُ سحبًا مُلـَّبدة بالغيوم.. كانت سماء عينيها لا تعكسُ سوى ما اصطحبنا من أحاسيسٍ عميقة منذ كنا صغارا, تلك الاحاسيس السِّريَّة, الصاخبة عميقة الغـَور ..
اتتنى العيد المنصرم توفى بالوعد الذى قطعته عليّ مذ عالجتُ جناحها المكسور .. كانت بعد صغيرة
لا تعتقد بالتئام الجُرْح، وانسداد الشَّرخ الشَّرشفيّ فى قبَّة السَّماء, التى غيَّبتها أخر مرَّة.. أنفقتُ زمنًا فى معالجتِها, ثم أطلقتُها للرِّيح, ومنذها أصبحتْ تنفقُ أيامًا من كل عيد معى.. تهبط ُ على النـَّافذة حين تجد غرفتى ممتلئة بمن أحب و أكره.. و حين تخلو الغرفة ُ إلا منى, وعلاقتى المتجددة بها. تهبط ُ على رأس مخدَّتى أو عند حافة السرير.. أقبِّلُ جناحيها.. أذيبُ لها السُّكَّر فى الماء.. أنثر لها الحبَّ.. نثرثر معًا.. أضحك, ثم ترحل, لتأت ِ فى عيد ٍ اخر.. سبعة سنوات و لم تتغيبْ أبدًا, لا أدرى ما الذى أخـَّرَها هذا العيد عن المجىء !؟!..
الطريقُ الملتوى كثعبان ٍ يُشعِلُ فى النـَّفس أحاسيسًا متداخلة.. أطلقت عربتان السباب بينهما, وانحرفتا على نحو مفاجىء و وقعت مقدمة إحداهما على حفرة.. كنت أحيط خصر ايمان باحدى يدى و جذبتها بالأخرى, تحسبا لأيِّ خطر. حين انقشع الخوفُ عن الطـَّريق الالتوائى.. لم انتبه إلا و هى على صدرى.. استعدتُ حواسى المغمدة فى الدفء..
مذ كنا نرتدى السراويل بعد و بيننا علاقة مبهمة. يفهمها الجميعُ ولا يجرؤن على تسميتها. اتذكـَّر كيف كنا نتركهم يتحدثون بتكرارٍ مملٍ عن أحداث القرية: القادمين والذاهبين، الذين توفوا مؤخرا. الذين اغتيل أحدهم برصاصة طائشة. والذين بعد لم تدلقهم مدن البترودولار على دروبنا المُنْهكَة .. المغتربون لأجلِ أنثى تضمدُ جراحاتِ أيامهم، وتلملمُ شظاياهم لتصوغ منها انشودة طويلة لا تحكى كالمعتاد احزان المغترب.. نعم أذكرُ كيف كنا نهرب لنزهو بعيدًا عن عوالمنا البهيَّة , سنين من الحبِّ المكبوت !! والمشاعر البريئة...
سكبتُ على مؤخرة العربة المقعية على الحفرة ذكرياتى الطفولية. و أنا انسحب من المكوث بين شسوع عينى إيمى.. احتوانا الشَّارع كأشياء صغيرة اعتادت أهانته كل يوم بأحذيتها .. كان الشَّارع قد أخذ يخلو شيئًا فشيئًا إلا من بعض السَّابلة والمارَّة المتفرقين على مسافات متباعدة هنا وهناك.. مسحتُ السَّماء ببصرى. كانت قد شُنَّت فى الأونة الأخيرة حملاتٌ لا هوادة فيها على مدينتنا, قلت لإيمى : ( نذر كارثة أخرى, بيوت المدينه المُتهالكَة لم تعدْ تحتمل ؟!..) نظرتْ إليّ و ابتسمت :- ( أين كنتَ بالأمس . انتظرتـُك طويلا ؟!) .." كنت هائمًا أغزلُ فى القلب مخلاة لـِحبِّ جميل " ... تضرَّجَ وجهها بـِحـُمرة ٍ لامست سواد اللـَّيل فى الكبد.. وسادت فترةٌ من الصمت الحميم.... آه لوتدرين إيمى كم اشتاق ضحكتك المطلَّه على عوالمٍ تدفنُ نفسَها بالصمت, أسرنى العشق و اتسع جلبابُه و فاض, وتمددتُ فى شوق ٍ وحنين.. بدأت خيوط ُ المطر ترفو أثواب الهواء الطليق. ثم تدلت تتكومُ على الأرض .. لم تعد رذاذًا؛ بل وابلا ً لاسع الوخز
ثرثرت فى أذنى العيد الماضى وقلت لها:- ( مدينتنا تكره الغرباء ! ) فعبست, فاضفت :- ( أنت لست غريبة ) فغردت و انطلقت من غنائها تنبؤات الزمن الآتي. كانت تودُّ أن تفعل شيئا لاجلى . هكذا أحسُّ بها كل عيد, و كنت مسكونًا بإيمى. لا أدرى لماذا تاخرت هذا العيد ؟!..
على حين غرة اشتد المطر.. ارسل مواويلَه المُرعبة..سحبت إيمى إلى مظلة على حافة الطريق.. كان الشَّارع قد خلى تمامًا من المارَّة, واللـَّيل ينذرُ بالتوغل فى خفاياه .. اخذ المطرُ يعبثُ بوجه إيمان, فتطاولت بقامتى لأحميها. تجرأ على ظهرها فخلعت سترتى. و أمرتها: ( ارتدي خذي هذه لئلا تـُصابى بالبرد ).. ( لكنك... ) .. اصررت, فتعنـَّتت, فكشرتُ لها عن انيابى. استسلمت وهى تضحك فى غبطة .. " تبقـَّى على حماية الجبهة الأمامية. تطاولتُ أكثر لأحمى وجهها . لم أشعر بوقع حبَّات المطر على ظهرى, كانت عيناها تتموجان بإحساسٍ دافق, تهيَّجت مكنوناتى كلها, و تراكمت فى داخلى شعلة من الأحاسيس والمشاعر الفياضة. رعدة قوية اهتزت لها المظلة. جعلت إيمان تندفع عميقًا عميقًا لتختبىء فى صدرى !!..
تنبهتُ إلى شىء يحط ُّعلى كتفى. أزحت وجهى عن تنفس إيمان المنتظم.. افلتت إيمان بذعر .. كانت القُمْريَّة تفردُ جناحيها على كتفى. مددتُ لها يدى فهبطتُ على راحتها. مددتُها لإيمان .. كان الفرح يطلُّ من عينى القُمْريَّة .. طارتْ من كفِّ إيمان لتحط َّ على كتفى.. غلفنا الصَّمتُ للحظة .. كان المطر قد توقـَّف منذ وقت ليس قصيرًا.. حنت إيمان راسها فى حياء. غردت القُمْريَّة كما لم تغردْ من قبل. ثم طارت .. تابعتُها بنظراتى وهى تتسربُ بجناحيها الفضاء اللامتناهى .. تتضاءلُ أكثر فأكثر ..غابت تمامًا واحتوانا الطـَّريق...
"
أتت( إيمى) تحمل قمريَّة , مدَّتها لى : ( أحد الاطفال الأشقياء حطـَّم جناحها ..).. امسكتها برفق وودّتُ لو بقيتْ إيمى .. كبرتْ كثيرًا, وصارت ( ملظلظة ).. تذكرت طفولتـَها الشَّقيَّة، والتصاقَها الدائم بى . كانت دائما تتسببُ فى الكوارث التى تـُنْسبُ إلى فى خاتمة المَطاف . فأنالُ بسببها العلقات السَّاخنه, دون أن أقول الحقيقة َ، فأشى بها.... وددتُ لو أقول لها شيئًا الآن, فلم استطع.. أشعر أحيانًا أن خالتى تعلمُ خفايا عقلى وقلبى, تجاه ابنتها.. حاولتُ أن أنسى, فتشاغلتُ بالقـُمْريَّة الصَّغيرة.. حدثتُ نفسى ( حديثةٌ عهد ٍ بالطيران على ما يبدو ..)..
تابعتُها بنظراتى وهى تتسربُ بجناحيها فى الفضاء اللامتناهى : تتضاءلُ, تتضاءلُ, تتضاءل...ثم تغيبُ فى الأفقِ الشَّفقىّ الوريف ..
شربت الشَّاى من يدى إيمى, ورحلتُ فى عينيها إلى آخر المساء.. كانت الشَّمس مجرد هالة خابية, خلف السُّحب الغائمة.. تشتتُ بين عينى إيمى و إيغال المساء... وقع خـُطَى الـَّليل الثـَّقيل, يبعثُ فى النـَّفسِ نوعًا غامضًا من الرَّهبة والتـَّحفـّز.. عوالمٌ مِن البَوْحِ والتـَّرددِ تتداخلُ, لتتلوى فى داخلى شيئًا مِن أشواق و مشاعر لم تفصح عن نفسها بوضوح..
كان الوقتُ مُتاخرًا. طلبت منى خالتى اصطحاب إيمى للتسوق.. أحسستُ بنفسى سعيدًا كطفلٍ غرير يوهب حلوى أو لُعْبَة يحبُّها.. طلبت منى إيمى أن نسيرَ على أقدامنا. بحثتُ فى جيوبى عن حلوى لأهديها لها.. عثرتُ على بقية أحلام طفوليَّة و لم أعثرْ على حلوى .. ونحن بمنتصفِ الطـَّريق, أحسستُ بها تودُّ قولَ شىء بعد نفاد صبرٍ طويل, وأحست بى كذلك أودُّ قولَ أشياء لفـَّها صمتٌ سحيق, مذ كنا صغارًا ...
تمدد الطـَّريقُ على المسافة الالتـِّوائية النَّادرة إلى هنا.. استوعبته, بنظرة خاطفة و اشتعلَ إحساسى فى صحن عينى إيمان.. كنت أغوصُ فيهما عميقًا, عميقا.. وكانت السَّماء مورقة, و وريف عينيها يورقُ سحبًا مُلـَّبدة بالغيوم.. كانت سماء عينيها لا تعكسُ سوى ما اصطحبنا من أحاسيسٍ عميقة منذ كنا صغارا, تلك الاحاسيس السِّريَّة, الصاخبة عميقة الغـَور ..
اتتنى العيد المنصرم توفى بالوعد الذى قطعته عليّ مذ عالجتُ جناحها المكسور .. كانت بعد صغيرة
لا تعتقد بالتئام الجُرْح، وانسداد الشَّرخ الشَّرشفيّ فى قبَّة السَّماء, التى غيَّبتها أخر مرَّة.. أنفقتُ زمنًا فى معالجتِها, ثم أطلقتُها للرِّيح, ومنذها أصبحتْ تنفقُ أيامًا من كل عيد معى.. تهبط ُ على النـَّافذة حين تجد غرفتى ممتلئة بمن أحب و أكره.. و حين تخلو الغرفة ُ إلا منى, وعلاقتى المتجددة بها. تهبط ُ على رأس مخدَّتى أو عند حافة السرير.. أقبِّلُ جناحيها.. أذيبُ لها السُّكَّر فى الماء.. أنثر لها الحبَّ.. نثرثر معًا.. أضحك, ثم ترحل, لتأت ِ فى عيد ٍ اخر.. سبعة سنوات و لم تتغيبْ أبدًا, لا أدرى ما الذى أخـَّرَها هذا العيد عن المجىء !؟!..
الطريقُ الملتوى كثعبان ٍ يُشعِلُ فى النـَّفس أحاسيسًا متداخلة.. أطلقت عربتان السباب بينهما, وانحرفتا على نحو مفاجىء و وقعت مقدمة إحداهما على حفرة.. كنت أحيط خصر ايمان باحدى يدى و جذبتها بالأخرى, تحسبا لأيِّ خطر. حين انقشع الخوفُ عن الطـَّريق الالتوائى.. لم انتبه إلا و هى على صدرى.. استعدتُ حواسى المغمدة فى الدفء..
مذ كنا نرتدى السراويل بعد و بيننا علاقة مبهمة. يفهمها الجميعُ ولا يجرؤن على تسميتها. اتذكـَّر كيف كنا نتركهم يتحدثون بتكرارٍ مملٍ عن أحداث القرية: القادمين والذاهبين، الذين توفوا مؤخرا. الذين اغتيل أحدهم برصاصة طائشة. والذين بعد لم تدلقهم مدن البترودولار على دروبنا المُنْهكَة .. المغتربون لأجلِ أنثى تضمدُ جراحاتِ أيامهم، وتلملمُ شظاياهم لتصوغ منها انشودة طويلة لا تحكى كالمعتاد احزان المغترب.. نعم أذكرُ كيف كنا نهرب لنزهو بعيدًا عن عوالمنا البهيَّة , سنين من الحبِّ المكبوت !! والمشاعر البريئة...
سكبتُ على مؤخرة العربة المقعية على الحفرة ذكرياتى الطفولية. و أنا انسحب من المكوث بين شسوع عينى إيمى.. احتوانا الشَّارع كأشياء صغيرة اعتادت أهانته كل يوم بأحذيتها .. كان الشَّارع قد أخذ يخلو شيئًا فشيئًا إلا من بعض السَّابلة والمارَّة المتفرقين على مسافات متباعدة هنا وهناك.. مسحتُ السَّماء ببصرى. كانت قد شُنَّت فى الأونة الأخيرة حملاتٌ لا هوادة فيها على مدينتنا, قلت لإيمى : ( نذر كارثة أخرى, بيوت المدينه المُتهالكَة لم تعدْ تحتمل ؟!..) نظرتْ إليّ و ابتسمت :- ( أين كنتَ بالأمس . انتظرتـُك طويلا ؟!) .." كنت هائمًا أغزلُ فى القلب مخلاة لـِحبِّ جميل " ... تضرَّجَ وجهها بـِحـُمرة ٍ لامست سواد اللـَّيل فى الكبد.. وسادت فترةٌ من الصمت الحميم.... آه لوتدرين إيمى كم اشتاق ضحكتك المطلَّه على عوالمٍ تدفنُ نفسَها بالصمت, أسرنى العشق و اتسع جلبابُه و فاض, وتمددتُ فى شوق ٍ وحنين.. بدأت خيوط ُ المطر ترفو أثواب الهواء الطليق. ثم تدلت تتكومُ على الأرض .. لم تعد رذاذًا؛ بل وابلا ً لاسع الوخز
ثرثرت فى أذنى العيد الماضى وقلت لها:- ( مدينتنا تكره الغرباء ! ) فعبست, فاضفت :- ( أنت لست غريبة ) فغردت و انطلقت من غنائها تنبؤات الزمن الآتي. كانت تودُّ أن تفعل شيئا لاجلى . هكذا أحسُّ بها كل عيد, و كنت مسكونًا بإيمى. لا أدرى لماذا تاخرت هذا العيد ؟!..
على حين غرة اشتد المطر.. ارسل مواويلَه المُرعبة..سحبت إيمى إلى مظلة على حافة الطريق.. كان الشَّارع قد خلى تمامًا من المارَّة, واللـَّيل ينذرُ بالتوغل فى خفاياه .. اخذ المطرُ يعبثُ بوجه إيمان, فتطاولت بقامتى لأحميها. تجرأ على ظهرها فخلعت سترتى. و أمرتها: ( ارتدي خذي هذه لئلا تـُصابى بالبرد ).. ( لكنك... ) .. اصررت, فتعنـَّتت, فكشرتُ لها عن انيابى. استسلمت وهى تضحك فى غبطة .. " تبقـَّى على حماية الجبهة الأمامية. تطاولتُ أكثر لأحمى وجهها . لم أشعر بوقع حبَّات المطر على ظهرى, كانت عيناها تتموجان بإحساسٍ دافق, تهيَّجت مكنوناتى كلها, و تراكمت فى داخلى شعلة من الأحاسيس والمشاعر الفياضة. رعدة قوية اهتزت لها المظلة. جعلت إيمان تندفع عميقًا عميقًا لتختبىء فى صدرى !!..
تنبهتُ إلى شىء يحط ُّعلى كتفى. أزحت وجهى عن تنفس إيمان المنتظم.. افلتت إيمان بذعر .. كانت القُمْريَّة تفردُ جناحيها على كتفى. مددتُ لها يدى فهبطتُ على راحتها. مددتُها لإيمان .. كان الفرح يطلُّ من عينى القُمْريَّة .. طارتْ من كفِّ إيمان لتحط َّ على كتفى.. غلفنا الصَّمتُ للحظة .. كان المطر قد توقـَّف منذ وقت ليس قصيرًا.. حنت إيمان راسها فى حياء. غردت القُمْريَّة كما لم تغردْ من قبل. ثم طارت .. تابعتُها بنظراتى وهى تتسربُ بجناحيها الفضاء اللامتناهى .. تتضاءلُ أكثر فأكثر ..غابت تمامًا واحتوانا الطـَّريق...
"