story

    • I have one good story thet i read it from my sister mail and i want to share it with you


      هذي الرواية عجبتني .. و حبيت أنقلهالكم على أجزاء .. إذا عجبتكم راح أكمل ..
      "
      حلمحياتي"مقدمة:تمضي الأيام لتحل مكانها أيام أخرى..ليكبر الصغير.. ويشيب الكبير.. لتكبر الأحلام ومعها تزداد فرصة تحقيقالأمنيات..هل حلمت يوما بامتلاك منزل كبير؟.. أو حتى فكرت بالحصول على سيارة منأحدث طراز..ما الذي منعك من تحقيق هذه الأمنيات؟.. أو ما الذي يمنعك الآن؟.. تكاسلام خيبة امل.. ام هو يا ترى الشعور بان الأحلام لا تتحقق..من قال هذا؟..جميعالناس على هذه الأرض الواسعة لا تكف عن التمني..وبالعزم والاصرار..حققوا ما يحلمونبه ويصبون إليه منذ ان كانوا صغارا..هي تمنت وحلمت.. ومع الايام كبر معها حلمهاهذا..هو تمنى أيضا.. وكان يطمح بتحقيق حلمه هذا..لكن أشياء كثيرة كانت تقفحائلا بينهما؟.. أشياء منعتهما من تحقيق هذا الحلم الجميل..التي ترفرف حولهالعصافير..عصافير الحب.....[/]




      *
      الجزء الاول *
      (
      هل هي وظيفةأحلامها؟)ابتسامة مليئة بالسعادة شملت وجه تلك الفتاة وهي تدلف الىمنزلها وتهتف قائلة بفرح: أبــــــــي.. أمـــــــي..خرجت والدتها من المطبخوقالت باستغراب: لم تصرخين هكذا يا (وعــــد)؟..قالت وعد بابتسامة واسعة وسعيدةوهي تلوح بكفيها: لقد تم قبولي في الوظيفة..ابتسمت والدتها وقالت : هذا سيريحنامن سماع صوت صراخك أخيرا..قالت وعد باستنكار : أمي.. ماذا تقولين..ابتسمتوالدتها وقالت وهي تعود لتدلف الى المطبخ: لا عليك.. مبارك يا وعد..ابتسمت وعدقائلة: أجل هذا ما كان يجب عليك قوله منذ البداية..لحظة واحدة.. لنخرج من سياقالقصة قليلا وأعرفكم بهذه الفتاة..اسمها وعد..فتاة في الثالثة والعشرينمن عمرها..ذات شعر كستنائي ينسدل على كتفيها بنعومة.. وعينان عسليتانواسعتان..بشرتها بيضاء صافية.. وملامحها الملائكية.. تزيد من جمالها..وعدفتاة مليئة بالمرح والحيوية..متفائلة .. اجتماعية ..وتكره الوحدة والانعزال.. تحبالحياة .. محبة للجميع..والجميع يحبها..لم تعرف معنا للكره في حياتها.. ولكنهاعنيدة ومتمردة..اغلب الأوقات.. مكابرة رافضة للاستسلام مهما حدث.. ابتسامتها ومرحهايجعلانها أشبه بالأطفال..لنعد الى القصة مجددا.. ها هي ذي وعد تهز كتفيهاوتتوجه نحو الدرج الذي يقود الى حيث غرفتها.. حين سمعت صوتا يأتي من خلفها وصاحبهيقول: صحفية.. أليس كذلك؟التفت الى صاحب الصوت وقالت وهي تعقد ساعديها امامصدرها : بلى هذا صحيح يا (هشـــام)..قال مبتسما: ما الذي يدفعهم لتوظيف فاقدواالأهلية في الصحف..رفعت حاجبيها وقالت: أنا يا هشام .. حسنا سترى ايهاالاحمق..وأردفت قائلة: ثم ما الذي جاء بك الى هنا؟..هز كتفيه وقال: دعوة منعمي لتناول الغداء انا وعائلتي في منزله..قالت ساخرة: لكني لا أرى سواكهنا..قال بهدوء: ذلك لأني كنت قريبا من المنزل بعد انتهاء فترةعملي..تريدون ان تعلموا من هو هشام اليس كذلك؟ خصوصا مع اسلوبه المبسط معوعد..حسنا هشام شاب في السادسة والعشرين من عمره .. ابن عم وعد..طموحومثابر ..مرح ولكنه هادئ نوعا ما..وهو أفضل من يقدم لك النصيحة فلديه أسلوب غريبللاقناع..قضى مع وعد اغلب ايام عمرهما..وهو يعمل مهندسا في احدىالشركات..ملامحه تتسم بسمرة خفيفة ووسامة..ذا شعر بني قاتم يميل الى السوادوعينين من اللون ذاته..فارع القامة..المهم نعود مرة اخرى..قالت وعد في تلكاللحظة: ولم تكون الأسبق للحضور الى هنا..ألم ترى غداءا في حياتك؟..قال ساخرا:بلى شاهدت.. ولكني اليوم هنا حتى أنغص عليك وقتك..قالت مبتسمة: وكيفهذا؟قال مبتسما بدوره: سأمنعك من تناول طعام الغداء..قالت بمرح: وتتناولهأنت أليس كذلك.. يا للجشع..قال وهو يتصنع الجدية : أتظنين بأنني امزح.. كلا..هيا اذهبي الى غرفتك .. لن تتناولي شيئا هذا اليوم..قالت وهي تتطلع اليهباستخفاف: حقا أرعبتني كثيرا.. ابتعد عن طريقي والا ندمت..عقد ساعديه امام صدرهوقال وهو يتعمد الوقوف في وجهها: وإذا لم أفعل..قالت بسخرية: ستحصل علىهذا....قالتها وركلت قدمه وأسرعت تجري مبتعدة عن المكان.. فهتف هشام بها قائلا:سأريك يا وعد..ضحكت بمرح وهي تتجه الى المطبخ.. الى حيث والدتها التي قالتمبتسمة وهي تلتفت لها: ماذا جرى لك؟قالت وابتسامتها المرحة لم تفارق شفتيها: لاشيء.. اخبريني يا أمي أتودين أي مساعدة؟..اشارت والدتها الى الأطباق وقالت: أجلضعيها على طاولة الطعام التي بالخارج..حملت الأطباق بحذر واتجهت نحو الردهة..حين سمعت صوت هشام يهتف بها: بامكاني دفعك حتى تسقطين أرضا وتتحطمين مع الاطباق ..
      ابتسمت وقالت وهي تضع الاطباق على الطاولة وتستعد لتنظيمها: ويهون عليك انتشوه هذا الجمال..قال ساخراً: ربما تزدادين جمالاً مع بعض الرضوض.. او ربماتتأدبين ولا تتطاولين على من هم أكبر منك سناً حينها..قالت بأسف مصطنع: معذرةيا جدي لم اعني ركلك بقدمي.. ذلك فقط حتى لا تتحداني مرة أخرى..قال وهو يلتقطأحد الأطباق: ماذا تعنين بقولك هذا.. تظنين انني سأصمت على ما فعلتيه..
      -
      وماذاستفعل اذا؟..
      -
      هذا..قالها وبكل برود رمى بالطبق ارضاً..ليتحطم بدوي قويوخصوصا مع أرضية الردهة الرخامية..فأغلقت وعد عينيها بقوة وقالت بحدة: أيهاالمجنون..اما والدة وعد فقد خرجت من المطبخ وهي تقول بخوف: ماذا حدث؟..قالهشام وهو يشير الى وعد: لقد كسرت طبقا وهي تحاول ان ترميه نحوي..صاحت وعدقائلة: لا تكذب يا هشام..والتفت الى والدتها لتقول: انه يكذب هو من رماه أرضامتعمدا..قالت والدتها بعصبية: لابد وانكما قد جننتما.. هيا نظفي ماتحطم..هتفت وعد قائلة: امي اقسم هو من رماه.. وهو من عليه ان ينظفال...قاطعتها والدتها بغضب: هذا يكفي.. هيا نظفي المكان قبل أن يصلعمك..انحنت وعد نحو الارض لتلتقط القطع المحطمة من الطبق وقالت وهي تتطلع الىهشام بنظرات غاضبة وحانقة: كله بسببك..ابتسم وقال: هذا حتى تتعلمي منأخطائك..تطلعت اليه بنظرة احتقار.. في حين مضى هو عنها وابتسامة انتصار تعلواشفتيه..وما ان انتهت من ازالة القطع المحطمة من الارض.. حتى ارتفع صوت رنين جرسالباب.. فنفضت يديها فبل ان تتوجه الى الباب وتفتحه .. واتسعت ابتسامتها وهي تقولمرحبة: اهلا بك يا (عماد).. مضى زمن طويل منذ أن رأيناك آخر مرة..قال بابتسامةهادئة: ليس طويلا الى ذلك الحد..فتحت الباب بشكل أكبر وقالت مبتسمة: نفضل الىالداخل..


      (
      عماد .. ابن خال وعد.. في التاسعة والعشرين من عمره.. لميتزوج بعد لانشغاله بالعمل في شركة والده.. يغلب عليه طابع الهدوء والرزانة..ويبدوا أكبر من عمره بسبب طريقة تفكيره..وسيم نوعا ما)قالت وعد في تلكاللحظة: هل جئت وحدك؟قال في هدوء:والداي سيحضران بعد قليل..قالت متسائلة:كيف هي أحوال العمل؟..
      -
      على مايرام.. ماذا عنك؟..هل وجدت عملاً؟..قالت فجأةوكأنها قد تذكرت أمرا ما:صحيح نسيت أن أخبرك.. لقد وجدت وظيفة أخيرا..وقد تم قبوليفيها..التفت لها وقال بابتسامة: مبارك يا وعد ..انت تستحقين الافضلدوما..قالت بابتسامة مرحة: شكرا لك.. أخجلت تواضعي..
      -
      وقد عملت في الصحافةكما كنت تطمحين.. صحيح؟..أومأت برأسها وقالت: بلى فقد كانت هذه وظيفةأحلامي..سألها قائلا: اين هي عمتي؟..قالت وهي تشير الى المطبخ: كالعادة لاتبارح المطبخ ابدا..قال في هدوء: عندما تتزوجين ستصبحين مثلها..قالت فيمرح: لا تجني علي أرجوك..لا أريد الزواج في حياتي وإذلال نفسي..
      -
      انها سنةالحياة يا وعد..وأي فتاة لابد لها ان تتزوج يوما ما وتغادر منزل اهلها..قالتمبتسمة: لا اظن ان هذا اليوم سيأتي قريبا..كاد أن يهم بقول شيئا ما.. لكن وعدصاحت قائلة منادية والدتها: أمي لقد حضر عماد..خرجت والدتها من المطبخ وقالتبابتسامة واسعة: عماد كيف حالك يا بني؟توجه نحوها وقال: بخير..كيف حالك أنتوحال عمي؟قالت مبتسمة: بخير..أخبرني أنت الم تفكر بالزواج بعد؟قال مبتسما:لم؟.. ألديك عروسا لي؟..تطلعت الى وعد وقالت بابتسامة حالمة: عروسكموجودة..شعرت وعد بالاحراج وقالت في سرعة محاولة التهرب من الموضوع: سأذهب الىغرفتي عن اذنكما..قالتها واسرعت تمضي الى الطابق الاعلى..في حين هزت والدتهارأسها وقالت: هذه الفتاة لن تكبر ابدا..قال عماد في هدوء: الفتيات في سنهايشعرون بالحيوية وبالطاقة التي تجعلهم يبدون كالأطفال في تصرفاتهم..انه وضع طبيعيلكل فتاة في سنها..قالت وهي تلتفت اليه: ولكن حقا.. الا تزال مصرا على عدمالزواج..قال وهو يهز كتفيه: ما الذي يدعوني للعجلة؟
      -
      وعد يا عماد لن تظلهكذا الى الابد.. إذ ربما يتقدم لها شاب وتقبل به.. او ربما تتعرف على أحدهم وتصرعلى الزواج به.. وعندها لن يمكننا فعل شيء سوى الرضوخ لمطلبها...ففي النهاية هذه هيحياتها.. وهي من تقرر من ترتبط به..قال عماد في هدوء: اسمعيني يا عمتي.. أنااعرف ان وعد لا تفكر بي كزوج المستقبل.. من جانبي فأنا اراها فتاة أحلام أي شاب..ولكن هي لا تراني فارس احلامها..قالت والدتها متسائلة: لو ناقشتها بالموضوعووافقت على فكرة الزواج بك..هل ستتقدم لها حينها رسميا وتتزوجها..قال مبتسما:بالتأكيد..وعد فتاة يتمناها أي شاب.. ولكن...بتر عبارته وصمت فاستحثته والدةوعد قائلة: لكن ماذا؟قال في هدوء: لا تفتحي معها الموضوع الآن دعيها تفرحبوظيفتها الجديدة.. لا اريد أن اكون سببا في ضيقها..قالت باستنكار: أي كلامتقوله؟..الزواج بك اصبح يسبب الضيق.. يجب عليها أن ترقص من السعادة لأنها سترتبطبشاب مثلك..قال عماد وهو يمسك بكتفها: ارجوك يا عمتي من أجلي..قالت وهيتزفر باستسلام: كما تشاء..
      *********
      استبدلت وعد ملا بسها في سرعة وتطلعتالى نفسها في المرآة بعد أن انتهت..كانت ترتدي فستانا أزرقا بلون السماءالصافية..وربطة شعر من اللون ذاته..ربطت بها بعض من خصلاتها لتترك الباقي ينسدل علىكتفيها..ولم تنسى ارتداء قلادة تحتوى على حجر كريم يشبه لون الفستان الى حدما..وكادت أن ترتدي حلقها لولا ان سمعت طرقات على الباب..فتطلعت الى الباب بنظرةسريعة وقالت: من؟جاءها صوت فتاة تقول: ومن غيري؟اسرعت وعد تفتح الباب وقالتبسعادة: (فرح) هذه أنت..قالت فرح مبتسمة وهي تدلف الى الداخل: أجل ..كيف حالكيا ايتها الصحفية المستقبلية؟..قالت وعد بفخر: لم أعد كذلك..انني ومنذ الغدسأكون صحفية حالية..قالت فرح بدهشة: أحقا ما تقولين؟اومأت وعد برأسها وقالتبسعادة: اليوم تم قبولي في صحيفة الشرق (اسم وهمي)..قالت فرح وهي تمسك بكفي وعدبسعادة: مبارك يا وعد..انا سعيدة لأجلك..ضحكت وعد بمرح وقالت: وأناكذلك..سألتها فرح قائلة: اخبريني يا وعد هل شاهدت هشام؟تبدلت ملامح وعد الىالحنق وقالت: اياك ان تتحدثي معي عن شقيقك هذا..ضحكت فرح وقالت: ولم؟.. ما الذيحدث بينكما مؤخرا؟..قالت وعد بضيق:اسأليه هو؟
      -
      سأفعل ولكني لم اعثر عليهبالمنزل..
      -
      أتمنى أن يكون قد رحل..قالت فرح مبتسمة: لم تكرهينشقيقي؟


      (
      فرح هي شقيقة هشام.. في الواحد والعشرين من العمر..مرحةولطيفة..رقيقة المشاعر والاحاسيس..لكنها خجولة ومنطوية على نفسها ..جميلة بملامحهاالنقية الخالية من أي مستحضرات للتجميل..لون شعرها وعينيها بنيان وهي تشبه في ذلكهشام)قالت وعد في سرعة: لا أكرهه.. ولكنه يغيظني بأفعاله..قالت فرحفجأة: آه..نسيت أن أخبرك الغداء جاهز بالأسفل ولقد طلبوا مني أن أستدعيك..قالتوعد بمرح: تستدعيني.. ومكثت معي.. فلنمضي قبل أن يرسلوا من يستدعيك أنتالاخرى..قالتها وخرجت من الغرفة وتبعتها فرح ..وقالت هذه الاخيرة: لقد شاهدتعماد بالأسفل.. لقد جاء مبكرا اليوم على غير عادته..قالت وعد مبتسمة: عماددائما يأتي في موعده..قالت فرح مبتسمة وهي تهبط مع وعد على درجات السلم:ما هذا؟..مديح لعماد..وذم في هشام..كلا أنا لا اقبل..
      (
      من هذا الذي يذمني؟)قالهاهشام وهو يتطلع اليهما من أسفل الدرج.. فقالت فرح مبتسمة: هشام.. اين كنت؟قالبلامبالاة: ذهبت لأتمشى قليلا في الحديقة الخلفية.. لم تخبريني من هذا السخيف الذيكان يذمني؟قالت وعد في حدة: أنا.. ماذا ستفعل؟قال ساخرا: يبدوا وانك قدعرفت أخيرا قدر نفسك وانك فتاة سخيفة..قالت بسخط: لم يطلب أحدهم رأيك..قالتفرح مبتسمة: ما بالك يا وعد .. هشام يمزح معك..قالت وعد بضيق: دمه ثقيل..ومزاحهسخيف..مال نحوها هشام وقال مبتسما: هل غضبت مني حقا؟..انني امزح معك لاغير..انت الأعلم بمعزتك لدي..التفت اليه وكادت ان تهم بقول شيئا ما ولكنابتسامته اذابت الغضب التي تحمله بداخلها فلم تستطع الا ان تبتسم وتقول ولكن معالقليل من العناد:كلا لا أعلم .. وخصوصا وانك جعلتني انظف المكان بسبب ما فعلتهانت..قال وهو يغمز لها بعينه: لا عليك سأنظف أنا المنزل بأكمله في المرةالقادمة..قالت وابتسامتها تتسع: مع الحديقة الخارجية ايضا..قال وهو يراهاتمضي عنه: لا تحلمي كثيرا.. لقد كنت أمزح لا غير..همست له فرح قائلة وهي تمضيالى جانبه: يبدوا وان وعد أنستك وجودنا..قال مبتسما: اني اراك يوميا وبصراحةمللت من رؤية وجهك.. اما وعد فلا اراها الا يوم واحد في الاسبوع..قالت بابتسامةخبيثة: مللت مني.. ام انها قد احتلت تفكيرك بالكامل.. حتى انك لم تعدترانا..قال بمكابرة: أي هراء تقولينه..قالت بابتسامة وهي تميل نحوه: أَقسمبأنك لا تحمل لها أي من المشاعر في قلبك..هز كتفيه وقال:هذا طبيعي لأنها ابنةعمي..
      -
      انت تعلم ما أعنيه فلا تتغابى يا....
      (
      فرح هيا ..ما الذي يوقفكهناك؟)كانت وعد هي ناطقة العبارة السابقة.. فقال هشام محاولا التهرب منالموضوع: هيا اذهبي اليها إنها تناديك..قالت مبتسمة بخبث:سأذهب..إليها..قالتها وتوجهت نحو طاولة الطعام التي اجتمعت حولها العائلة..جلستهي الى جوار وعد والى جوار الأولى جلس عماد..وابتسم هشام بابتسامته المرحة المعتادةقائلا وهو يجلس على المقعد المواجه لوعد: بالتأكيد أعدت خالتي طبقيالمفضل..قالت وعد ساخرة: بلى..حساء الضفادع على يمينك..ضحكت فرح وشاركتهاوعد الضحك..في حين اكتفى عماد بابتسامة واسعة.. وبغتة تأوهت وعد .. فتوقفت فرح عنالضحك والتفت لها قائلة: ماذا بك؟قالت وهي تطالع هشام بنظرة غاضبة: لا شيء ولكناحدهم لا يزال يود أن يجرب عينة أخرى من ركلاتي..قالتها وهي تدوس على قدمهشام..الذي داس على قدمها منذ لحظات حتى يوقفها عن الضحك..فقال هشام مهددا: ستندمينيا وعد..أخرجت له لسانها وقالت: لن يمكنك فعل شيء..قالتها وضحكت بمرح..فهتفت بها والدتها قائلة: تأدبي ياوعد..وكفاك ضحكا .. احترمي وجودك معنا..احستوعد بالحنق .. خصوصا وهي ترى نفسها في موقف محرج امام الجميع..وقالت وهي تعبث فيطبقها: حسنا..في تلك اللحظة لم تنتبه وعد الى نظرات هشام المعلقة بها..والذيكان يتطلع اليها بنظرات تملؤها الحنان....
      * * * * * *
      ما ان انتهى عماد منتناول طعام الغداء...حتى قال: اعذرني يا عمي واعذريني أنت أيضا يا عمتي.. فعلي اناغادر الآن..قالت والدة وعد باستنكار: ماذا تقول يا عماد؟.. لم تأتي الى المنزلالا قبل ساعة..اننا لا نراك الا في هذا اليوم..قال بابتسامة هادئة: معذرة ياعمتي.. ولكن لدي من الأعمال الكثير ولو أجلتها إلى الغد أيضا..فلن انهيهاأبدا..التفت اليه وعد وقالت باستنكار: صحيح يا عماد لا يزال الوقتمبكرا..نهض من على مقعده وقال: ان الجلسة معكم لا تُمل..ولكنه العمل الذي لايرحم أحدا..واردف مودعا: أراكم بخير الاسبوع القادم..الى اللقاء جميعا..قالوالد وعد: صحبتك السلامة يا بني..غادر مكانه من على الطاولة وما ان مر الى جواروعد حتى قال هامسا: كان بودي البقاء أكثر..ابتسمت ابتسامة واسعة وهي تلتفتاليه.. وبادلها هو الابتسامة.. وهنا ظهرت علامات الضيق على وجه هشام.. وما ان غادرعماد المنزل حتى لم يتمالك هشام نفسه وقال بعصبية هامسة: ماذا قال لك؟رفعت وعدحاجبيها بدهشة مصطنعة وقالت: من؟قال بحدة: عماد..ومن غيره..هزت كتفيهاوقالت: ماذا قال؟..انفعل قائلا: انا من يسألك..تدارك نفسه عندما شاهد عيونالجميع تلتفت اليه وتتطلع له بدهشة.. فنهض من مكانه وقال: عن اذنكم..قالهاوغادر المكان .. فهمست فرح لوعد قائلة: لماذا تفعلين هذا؟..ابتسمت وعد وقالت:وما شأنه هو بما قاله لي عماد..قالت فرح بضيق: عندما ترينه راغبا في معرفة شيءعنك.. تصرين دوما على اللف والدوران..قالت وعد بمرح وهي تنهض من مكانها: خصوصامع شقيقك هذا..وأردفت وهي تتطلع الى ساعتها: تعالي معي الى غرفتي.. اريد اناريك شيئا..قالت فرح باستغراب: شيء.. وما هو؟ضحكت وعد وقالت: تعالي وسترينهبنفسك..تبعتها فرح الى الطابق الاعلى وهي تدلف خلفها الى غرفة وعد..وهناك قالتفرح بحيرة: والآن ماذا؟اشارت لها وعد بأن تتبعها الى النافذة وقالت مبتسمة:انظري..تطلعت فرح من النافذة لتشاهد شقيقها هشام يتطلع الى نافذة غرفة وعد وماان شاهدهما يتطلعان اليه عبرها.. حتى ابتعد متوجها الى الحديقة الخلفية للمنزل..فقالت فرح بدهشة: أهذا ما كنت تريدين أن تريني اياه..قالت وعد بابتسامة واسعة:بالتأكيد لا..لقد شاهدت شقيقك ذاك يخرج وهو غاضب وعلمت انه سيتطلع إلى نافذةغرفتي..قالت فرح وهي تعقد حاجبيها: وهل هذا يدعو الى السخرية؟..قالت وعدوهي ترفع حاجبيها بدهشة: من قال انني اسخر منه.. ولكني استغرب ما يفعله كل مرةعندما يغضب او يتظايق.. لا اراه الا يتطلع الى نافذة غرفتي من الحديقة..قالتفرح وهي تمط شفتيها: أأنت بلهاء يا وعد؟ضحكت وعد وقالت: ربما ..تعالي سأريك هذهالاوراق الخاصة بتوظيفي ..
      -
      اتعلمين انك فتاة ذات مزاج رائق..
      -
      انا هكذا ..حسنا يافرح.. كنت سأمنحك ما اشتريته لك وانا في طريقي الى هنا..قالت فرحبابتسامة: احقا؟..قالت وعد وهي تلوح بكفها: لا تحلمي ..لن امنحك اياه.. انا ذاتمزاج رائق عندما اطلب منك أن تشاركيني فرحتي..قالت فرح وهي تقترب من وعد: كفاكدلالاً واخبريني ..ماذا جلبت لي؟..قالت وعد وهي تشيح بوجهها عنها: لا تحلمي..لن اخبرك..فلتموتي قهرا..
      -
      تبا لك يا وعد..سأريك..ضحكت وعد وقالت: وماذاستفعلين؟قالت فرح بخبث: سأخبر هشام بأنك تتحدثين مع شاب على الهاتف..قالتوعد مبتسمة: مع إنها إشاعة لكن أخبري والدي أفضل بألف مرة من إخباره هو.. لا استبعدأن يرميني انا والهاتف من النافذة..قالت فرح وهي تتصنع التفكير: ويرميني اناخلفكما..قالت وعد وابتسامتها تتسع: ويظل هو دون إصابات او حتى....بترت وعدعبارتها اثر طرقات على الباب وتوجهت نحو الباب لتقول بصوت يغلب عليهالملل:من؟جاءها صوت هشام يقول: انه أنا..قالت وعد بابتسامة قبل أن تفتحالباب: ليتنا تحدثنا عن سيارة..قالت فرح مبتسمة: أنا أفضل قلادة منالماس..فتحت وعد الباب في تلك اللحظة وقالت وهي تتطلع الى هشام بملل: ماذاتريد؟قال ساخرا: من قال انني جئت من أجل ان ارى وجهك المخيف.. لقد جئت لشقيقتيالفاتنة..التفتت وعد الى ما خلفها وقالت: ايتها الفاتنة.. وحش كاسر يريدك علىالباب..قال هشام وهو يتطلع اليها: تأدبي يا وعد..أخرجت له لسانها لتغيظه..في حين قالت فرح وهي تتقدم منه: ما الامر يا هشام؟
      -
      سنذهب الى المنزل..قالتفرح بدهشة: بهذه السرعة؟؟قال وهو يهز كتفيه: اريد العودة الى المنزل..ووالداكسيغادران الى احد محلات الأثاث ومنها الى المنزل.. لا يوجد أحد ليوصلك الى المنزلسواي..قالت بضجر: لكن الساعة لم تتجاوز الخامسة.. ابقى يا هشام ساعة واحدةفقط..قال مستهزئا: أحقا؟.. ساعة واحدة فقط.. كما تشائين يا سيدتي..ألا تريدينالبقاء حتى الغد.. أفضل اليس كذلك؟قالت مبتسمة: بلى أفضل بكثير..هتف قائلابحدة: هيا..احملي حقيبتك وسنمضي.. واياك والتفوه بكلمة زائدة..قالت فرح بحنقوهي تعود لتدلف الى داخل غرفة وعد لتجلب حقيبتها: حاضر..قالت وعد بحنق وهيتتطلع الى هشام: من تظن نفسك.. لم تصرخ في وجهها هكذا..قال ببرود: أصمتي يا وعدوإلا علقتك على باب المنزل..عقدت ساعديها امام صدرها وقالت: أحقا كيف؟ ..ارني.. اريد أن ارى قوتك يا ايها الملاكم..أمسك بشعرها وشدها منه وهو يقول: ألاتصمتين؟قالت وهي تبعد يده في خشونة: ابعد يدك يا هذا والا قطعتها لك..قالهشام بحدة: ليس لدي البال الرائق للحديث معك والا كنتِ في عداد الموتى الآنو...صاحت فرح مقاطعة اياهما: يكفي..يكفي.. ألا تشعران بالملل من كل تلكالمشاجرات..قال هشام مستفزا: ابدا..التفتت فرح الى وعد وقالت: وأنت..ألاتأتين الى منزلنا.. لأن شقيقي التافـ....اعني العزيز.. يريد أخذي الى المنزلالآن..قالت وعد وهي تلوح بكفها: اذهبي هيا.. تريديني ان آتي وشقيقك هذاهناك..قال هشام وهو يرفع حاجبيه: ان كنت لا تعلمين لا ازال واقفا.. فلا تتحدثيعني بسوء..قالت بلامبالاة: وهل أخشى منك أنا؟..قالت فرح برجاء: وعد..ارجوك.. لم نجلس معا الا قليلا..قالت وعد مبتسمة: أعدك أن احضر ولكن ليساليوم.. غدا اولى ايام بالعمل.. اريد تهيئة نفسي..قال هشام ساخرا: تعني تريدتجهيز أي ملابس سترتدي.. واي حقيبة ستحمل..قالت وعد متعمدة اغاظته: لا شأنلك..سأرتدي أكثر ملابسي روعة وأناقة..
      -
      سيظنون انك ذاهبة الى حفلة.. لا تجعلينفسك أضحوكة منذ اليوم الاول..قالت وعد بغضب: اذهب فورا ايها المزعج.. لا اريدان أراك هنا..قال بسخرية اكبر: هذا الممر أملاك عامة..ليس من حقكطردي..واردف بابتسامة وهو يميل نحوها: سأرحل كما ترغبين يا ايتها الجميلة..أراكالاسبوع القادم..قالت بغرور: سأتغيب الاسبوع القادم عن الغداء..حتى اتخلصمنك..قالت فرح في تلك اللحظة بملل وهي تتثاءب: إذا أكملتما هذا المسلسلأخبراني..ضحكت وعد وقالت: لن ينتهي ابدا.. فلا تتعلقي بآمال واهية..ابتسمهشام وقال: هيا يا فرح ..وهمس لوعد قائلا: لن ينتهي المسلسل الابزواجنا..دُهشت وعد لوهلة ثم ما لبثت أن قالت وهي تعود الى داخل الغرفة: لاتحلم كثيرا.. فتصدق نفسك..غادر هشام مع فرح المنزل ولم ينسى إلقاء نظرة أخيرةعلى نافذة الطابق العلوي.. نافذة غرفة وعد....
      * * * * * * *

      أهـــــلـــيــن !!![/SIZE]آسفة لأني تأخرت عليكمصارت شوية ظروف ،ولعيونكم راح أنزل جزئين ..
      *
      الجزء الثاني*

      (
      ماذا قديحدث باليوم الأول لها؟)ابتسمت وعد بشرود وهي تلمح الساعة التيكانت تشير عقاربها الى السابعة والنصف صباحا..اليوم هو اليوم الاول لها في عملها فيجريدة الشرق.. ترى كيف سيكون هذا اليوم بالنسبة لها.. وأي انطباع ستأخذ عن مكانعملها..يقولون ان الانطباع الأول هو أهم من أي انطباع قد يأخذه الشخص في أيامقادمة.. لأن الانطباع الاول يبقى في ذاكرة الشخص.. وبه يحدد إن كان هذا المكان جيداام لا..كانت وعد في شدة أناقتها هذا اليوم..كانت تبدوا كالملاك وهي ترتدي ذلكالبنطال الأبيض..وقميص ذا لون وردي هادئ.. يعلوه سترة بيضاء من النوع القصير..وشعرها الكستنائي مرفوع بأكمله بربطة شعر وردية اللون.. إلا من خصلات تسقط علىجبينها ووجنتيها بنعومة..التقطت حقيبتها وهي تشعر بالتوتر ترى ما الذي ينتظرهاهناك..اخذت نفساً عميقا لتشعر بالقليل من الراحة.. ورسمت ابتسامة على شفتيها وان لميغب عنها التوتر..هبطت الى الطابق الأسفل وقالت بهدوء وهي تتوجه الى المطبخ حيثوالدتها: أمي أنا ذاهبة الآن..سألتها والدتها قائلة: هل تناولتافطارك؟أومأت وعد برأسها وقالت: عن اذنك الآن يا أمي..فيتوجب أن اكون فيالصحيفة بعد نصف ساعة..قالت والدتها بابتسامة: صحبتك السلامة يابنيتي..ابتسمت وعد وهي تغادر المكان الى خارج المنزل..وتتوجه نحو سيارتهاالحمراء..ولكن انعكاس في مرآة السيارة الجانبية جعلها تلتفت وتقول مبتسمة: هشام..ماذا تفعل هنا منذ الصباح؟..خفق قلب هشام.. وعد اليوم تبدوا جميلة.. وجميلة جداايضا.. انه يخشى عليها ان تذهب الى هناك وهي هكذا..لم ترتدي مثل هذه الملابس التيتزيد من جمالها وهي ذاهبة الى العمل؟..أكان ذلك متعمدا؟.. ام انها...وقطعأفكاره وهو يقول متجاهلا سؤالها: ما هذا الذي ترتدينه؟قالت بسخرية: بنطال وقميصان لم تكن ترى..صمت عنها لأنه ليس له سلطة في التحكم بها ولكنه مع هذا ابن عمهاولا يريدها أن تكون موضع لكل عين هناك..وقال في شيء من الحنق: عودي الى الداخلواستبدلي ملابسك..ضحكت وقالت: في أحلامك..لقد بقيت ساعة كاملة وأنا اختارملابسي..قال وهو يبتسم بالرغم منه: انتبهي لنفسك.. واخبريني بما يحدث معكهناك..قالت وهي تلوح بكفها: إن وجدت الوقت الكافي.. مع السلامة..قال فيسرعة: الا ترغبين ان أوصلك؟
      -
      لدي سيارة ان لم تعد ترى هذا ايضا..دلفت الىالسيارة وانطلقت بها.. وعينا هشام اللتان تراقبها..وتتطلع اليها بابتعادها.. كانتتحمل حنان العالم كله..
      * * * * * * * *
      وصل عماد الى عمله في شركة والدهقبيل وقت العمل بربع ساعة..وما ان فعل حتى رن هاتفه المحمول بغتة.. فتطلع الى الرقمقبل أن يجيبه قائلا: أجل يا أمي.. ما الامر؟استمع الى والدته التي كانت تتحدثفي موضوع ما جعله يشعر بالضيق ويضطر لأن ينهي المكالمة قائلا: حسنا .. حسنا .. سأرىالأمر عندما أعود.. أنا منشغل اليوم.. الى اللقاء..اغلق الهاتف وهو يزفر بحدة .. لم هم يهتمون هكذا الى هذا الامر.. ان تزوج او لم بتزوج.. ان ظل عازبا ام لا..هل تعدى سن الأربعين حتى يحدث كل هذا.. فليتركوه وشأنه..والدته كانت تتحدث اليهعن احدى الفتيات التي تنوي أن تخطبها له..عن طريق احدى صديقاتها.. وهو لن يقبلبفتاة مادام لم يشعر نحوها بأية مشاعر.. لا يريد الزواج هكذا دون ان يكون له حتىالعلم بشخصية هذه الفتاة..انه يعترف بأنه معجب بوعد.. إعجاب بشخصها ليسالا..ولكنه لم يصل الى مرحلة ان يكون ما يحمله لها عبارة عن مشاعر قوية لاتنفصم..لكن لو كانت وعد توافق عليه كزوج.. هو سيقبل بالزواج بها.. لأنه يحمل لهاالإعجاب.. ومع الوقت قد تتولد المشاعر بينهما..كان هذا ما يشغل ذهن عماد وهومستغرق بعمله..ترى ما الذي يخبأه لك القدر يا عماد؟..
      * * * * * *
      ما انوصلت وعد إلى مبنى الصحيفة.. حتى زاد توترها أضعافا..وخصوصا عندما وطأت قدماها ارضذلك المبنى..وتطلعت الى المكان في شيء من الشرود.. هذا هو الطابق الأرضي ويحمل مكتبالاستقبال..ومقاعد للانتظار ودورات مياه..توجهت بخطاً ثابتة الى مكتب الاستقبالوسألت الموظف قائلة: من فضلك يا سيد.. في أي طابق توجد مكاتب الموظفين ؟اجابهاقائلا:بالطابق الثاني والثالث..اي قسم ترغبين بالذهاب اليه يا آنسة..تحدثت وعدالى نفسها قائلة( وما أدراني انا..بأي قسم سأباشر عملي)وأجا بته بارتباك: أظنانه قسم شؤون الموظفين..كانت وعد تدرك ان هذا القسم مختص بتوظيف الايديالعاملة..ولهذا قد تعلم من هناك بمكان عملها..وهنا اجابها الموظف قائلا: الطابقالثاني اذا..شكرته وتوجهت نحو ركن المصاعد.. حيث استقلت واحدا الى الطابقالثاني وما ان وصل المصعد وخرجت منه الى الطابق حتى اصطدمت بها سيدة كانت تنويالدخول الى المصعد وهي تحمل مجموعة من الاوراق.. وقالت تلك السيدة بلا مبالاة:معذرة..واصلت السيدة طريقها الى داخل المصعد في حين استغربت وعد هذه الفوضىالحادثة بالطابق الثاني على عكس الطابق الأرضي الذي كان يتسم بالهدوء..شخص يدخل هناليخرج آخر من هناك.. وآخر يرسل أوراق الى مكتب.. ليحمل غيرها الى مكتب آخر..يبدواان هذا المكان سلسلة اعمال لا تنتهي.. ترى هل سأستطيع أن اندمج مع كل هذا..سارتفي طريقها بهدوء باحثة عن قسم شؤون الموظفين..وهي تدلف في احد الممرات لتتجه يميناومن ثم تبحث من جديد.. وأخيرا وجدته.. دلفت الى الداخل وسألت اول من وقعت عليهعيناها: من فضلك يا سيد..انا موظفة جديدة هنا.. اريد أن اعرف في أي قسمسأعمل..التفت اليها وتتطلع اليها للحظة قبل ان يقول: بطاقتك الشخصية وقرارتعيينك هنا من فضلك..سلمته ما يريد فبحث في سجلات الموظفين الجدد في سرعة قبلان يقول: قسم الصفحة الرئيسية..ارتسمت ابتسامة على شفتيها.. ستكتب بالصفحةالاولى.. يا لي من محظوظة.. وقالت : شكرا لك..اسرع يقول: ستجدينه بعد مكتبين منهنا..أومأت برأسها وهي تبتعد عنه.. تطلعت الى المكاتب من حولها الى ان شاهدتالقسم الذي تحدث عنه ذلك الموظف.. دلفت الى الداخل وشاهدت ثلاث مكاتب فقط.. مكتبتجلس عليه سيدة تبدوا في الثلاثين من العمر.. وآخر يجلس عليه شاب منهمك في عمله حتىانها لا تستطيع ان تلمح وجهه.. وآخر مكتب كان خاليا .. وان توجد عليه بعض الملفاتوالأوراق المبعثرة توحي بأنه لأحدهم..عقدت حاجبيها.. إذا أين اجلس أنا؟..توجهت نحو السيدة لتستفسر منها الأمر قائلة: من فضلك .. انا موظفة جديدة هنا واريدان أسألك بشأن....قاطعتها المرأة قائلة: لا شأن لي..اسألي الاستاذ (طارق)..مطت وعد شفتيها وتوجهت الى ذلك الشاب الذي لم يرفع عينيه حتى ليرى من القادموقالت وهي تلتقط نفسا عميقا: من فضلك يا سيد.. لقد وظفت حديثا في هذا القسم وأريدأن أسأل اين هو المكتب الذي سأجلس عليه حتى أباشر عملي منه..رفع رأسه عن مجموعةمن الأوراق كان منهمكا بالعمل عليها.. وقال ببرود وهو يلتفت لها: وما شأنيأنا..توتر شديد أصاب وعد وهي تتطلع إلى هذا الشاب.. شعرت بجفاف حلقها واضطرابفي أنفاسها ..ترى ما الذي حدث لي..طارقأكل هذا لأنه وسيم.. لا..أقل ما يمكن أن يقال عنه هو أنه وسيم.. انه شديد الوسامة.. وخصوصا مع عينيهالعسليتين اللتان تحملان برودا لم أرى مثيلا له..وشعره البني القاتم الذي يميل الىالسواد..وملامحه الرجولية التي تشعر أي شخص يراه.. بحزمه وصرامته..انتشلتنفسها من أفكارها ووجدت نفسها تقول بتوتر: ماذا تعني يا سيد؟.. اين أجلس أنااذا؟..عاد ليلتفت عنها ويقول: اسألي من قام بتوظيفك هنا..عقدت حاجبيها وهيتتطلع إليه.. أيمزح.. ام انه لا يُحمل نفسه عناء الاهتمام بأحد هنا..مغرور..كان هذاهو انطباع وعد الأول عن طارق هذا..لم تعلم ما تفعله.. وهي واقفة مكانها غيرعالمة الى أي مكان تذهب..وتطلعت الى المكتب الذي يجاور مكتب طارق والذي كان خالياوقالت متحدثة الى طارق ببرود: حسنا.. هل يمكنني الجلوس على ذاك المكتب ريثما أجدحلا لهذا..لم يجبها..ولم يهتم حتى بالإجابة.. فمطت شفتيها في حنق...اي شاب هوهذا.. أكثر برودا من الجليد نفسه..كيف يحتمله الموظفون هنا..اتجهت لتجلس علىالمكتب الخالٍ..أي يوم هو هذا.. لقد كنت سعيدة بالأمس على توظيفي في هذا المكان..والآن أتمنى لو وظفت في أي مكان غير هذا.. انهم حتى لا يأبهون بأمر أي موظف جديدهنا..شعرت بالملل وهي تتطلع الى ساعة معصمها بين حين وآخر.. ترى إلى متى سأظلجالسة هكذا.. ترقب الداخل والخارج..وتتطلع الى الجميع وهم يعملون ما عداها هي التيجالسة دون عمل أو...قطع أفكارها صوت نغمة هاتفها المحمول وهو يعلن وصول رسالة..تنهدت وهي تخرج هاتفها المحمول من حقيبتها وتتطلع إلى تلك الرسالة المرسلة منهشام..والتي كانت تقول..(ما هي آخر الأخبار؟)..ارتسمت ابتسامة على شفتيها..يظنها قد باشرت العمل الآن وتعلم بآخر أخبار العالم..لو يدرك انها لم تجد حتى مكتبلتجلس عليه ..أرسلت له رسالة تقول..(قم بشراء الصحف..فلن اقوم بتسريب ايةمعلومات)..وما ان فعلت حتى سمعت صوت أحد الأشخاص وهو يدلف الى القسم قائلا: لقدظننت إنني قد استدعيت من قبل المدير حتى يخصم من راتبي لـتأخري بالأمس.. ولكن حمدلله كان أمرا مختلف تماما..لقد...بتر عبارته عندما لمح وعد تجلس خلف مكتبه..وقال مبتسما وهو يلتفت لها: عفوا.. من أنت يا آنسة؟قالت في هدوء: موظفة جديدةهنا..ولا أعلم اين أجلس حتى..اتسعت ابتسامته وهو يقول: لا عليك.. لقد تماستدعائي من قبل المدير لأجل هذا الأمر تحديدا..قالت متسائلة: من أجل إحضارمكتب لي؟..ضحك وقال: كلا من أجل تدريبك على العمل هنا.. وإعطائك فكرة عنالمبنى..وأردف وهو يغمز بعينه: أما عن المكتب فلا تقلقي..سأرسل احدهم في إحضارمكتب لك..ابتسمت وقالت: شكرا لك..لوح بكفه وقال: لا داعي للشكر ياآنسة..واردف مبتسما: مع انني استحقه..اتسعت ابتسامتها بالرغم منها.. فقالذلك الشاب وهو يميل نحوها: أعرفك بنفسي..أحمد فؤاد..صحفي واكتب بالصفحةالرئيسية..وأردف متسائلا: وماذا عنك يا آنسة.. لم تعرفيني بنفسك..نهضت منخلف المكتب وقالت : وعد عادل.. صحفية وأكتب بالصفحة الرئيسية ايضا..مد يدهمصافحا وقال مبتسما: تشرفنا..صافحته بهدوء فأردف قائلا: هيا.. فأمامنا تدريبطويل..أومأت برأسها وهي تلتقط حقيبتها من فوق المكتب.. وقبل أن تغادر معه..القت نظرة مختلسة على طارق..ذلك الشاب البارد الذي استطاع ان يجذب انتباهها له..
      * * * * * *
      (
      اعملوا بجد أكبر..لن ننتهي من موقع البناء هذا ان بقيتممتقاعسين هكذا)قالها هشام وهو يتحدث الى العمال الذين يقومون ببناء تلك العمارةفي احدى المدن الكبرى بالدولة..وأردف وهو يضع كفه عند جبينه ليحمي عينيه من الشمس:أريد الانتهاء منها قبيل الشهران القادمان..لا اريد أي تقاعس..جاءه احد العمالوقال وهو يلتقط نفسا عميقا: سيد هشام.. نحن بحاجة للمزيد من الاسمنت..قال هشاموهو يعقد حاجبيه: أخبر المسئول عن هذا الامر بحاجتكم من مواد البناء..قالالعامل: لقد اخبرناه.. ولكنه يرفض..
      -
      ولم؟
      -
      يقول اننا نستخدم الموادبكميات كبيرة..بينما موقع البناء لا يحتاج الا لنصف هذه الكمية..قال هشام فيهدوء: سأرى الأمر وأتحدث الى المسئول بهذا الشأن..وابتعد عن المكان ليتوجه الىسيارته..واتصل بالمسئول ليناقش معه الأمر..وما ان انتهى.. حتى أغلق هاتفه وقالبملل: يا له من شخص صعب المراس..اسند رأسه الى مسند المقعد وهو يعود للتفكير..ومحور تفكيره هو شخص واحد أو فتاة واحدة على الأحرى.. وعد.. ترى ما الذي يجعلنيأشعر بهذه المشاعر تجاهك؟.. ما الذي يجذبني اليك؟..بماذا تختلفين عن باقيالفتيات؟..هل هو عنادك؟.. ام مرحك وحيويتك؟.. رقتك أم عصيبتك؟.. لم أعد أعلم يا وعدسوى أمر واحد فقط.. حتى وان لم تكوني تفهمينه..أو حتى تقدرينه وسترينه يوما ما..انكالوحيدة التي استطاعت امتلاك اغلى ما أملك...استطاعت امتلاك تفكيري وعقليو...قلبي...ولكن هيهات يا وعد.. هيهات أن أخبرك بما احمله لك من مشاعر حتى ولوانطبقت السماء على الأرض..مادمت لا تفهمينها أو تشعرين بي حتى.. أعلم انك لا ترينأمامك سوى ابن عم فقط.. ابن عم ولا شيء آخر..ولكني سأنتظر.. سأنتظر حتى ترين حبيهذا وتبادلينه بحب أقوى منه يوما ما..لن استسلم.. قبل أن أرى الحب يلمع فيعينيك.. والهيام تعبر عنه شفتاك.. لن استسلم حتى تبادليني هذا الحب يوما.. هذا وعدأقطعه على نفسي.. ولن أخلف بوعدي هذا مهما حدث....ترى أأنت محق فيما تقوله ياهشام..هل ستتمكن من أن تجعل وعد الصلبة والعنيدة تبادلك حبا بآخر؟..من جانبي فأناارى نسبة النجاح ضئيلة.. ولكن من يدري فلندع الايام هي من تحكم...
      * * * * * *
      كانت وعد تستمع الى أحمد باهتمام والذي كان يشرح لها طريقة استعمال الكاميرالتصوير مختلف المناطق ومن مختلف الجهات..واختلاف الوقت أيضا.. وقال وهو يشير الىاحد الأزرار بالكاميرا الديجتال (digital): عندما تضغطين على هذا الزر يا آنسةوعد..سوف تقوم الكاميرا بأخذ فترة معينة .. خمس ثوان مثلا..حتى تقوم بالتصوير وهذايسمح لك بضبط وضع الصورة بطريقة افضل.. أو أن تقومي بتصوير نفسك مع ما ترغبينبتصويره..قالت مبتسمة: هل عملي سيكون مقتصرا على التصوير؟قال مبتسما بدوره:بالتأكيد لا .. لم نطلب في الوظيفة مصورا فوتوغرافيا..لكن تعلمين أهمية الصور مع أيخبر أو حدث..اومأت برأسها وقالت: بلى أعلم..فقد تجذب الصورة الشخص لقراءة الخبربالصحيفة..
      -
      أجل ولهذا ينبغي أن تكون واضحة ومعبرة..
      -
      أفهم هذا..قالأحمد وكأنه لم يستمع الى عبارتها السابقة: والآن انت تعرفين بما يتعلق بالمقال الذيستكتبينه بعد كل حدث وما يحتويه..من...قاطعته مبتسمة وهي تكمل: من عنوانوتاريخ.. الوقت والمكان.. إضافة جميع الأمور الهامة ولكن بصورة مختصرة وغير غامضة..أليس كذلك؟قال مبتسما: ياه.. هل كلامي سهل الحفظ إلى هذه الدرجة؟قالتوابتساماتها تتسع: بل أنا من لدي القدرة على استيعاب الحديث وحفظه في سرعة..قالوهو يغمز لها: هذا واضح..صمتت للحظات ومن ثم قالت: هل لي بسؤال؟
      -
      بالتأكيد..أدارت الأمر في رأسها طويلا ومن ثم قالت: أتعرف الأستاذ طارق منذفترة؟قال بحيرة: بلى منذ ثلاث سنوات.. لم؟قالت وهي تعقد حاجبيها: لا لشيء..ولكني أحسسته غريب الطباع.. هادئ بشكل كبير الى درجة تجعله اقرب الى البرود.. لايهتم بأحد ولا يفكر إلا بنفسه..قال مبتسما: معك حق في كل ما قلتيه.. ولكن أضيفالى هذا انه ذا قلب ابيض ومتعاون الى ابعد الحدود.. لن يتأخر على مساعدة أي احد لوطلب منه ذلك او حتى لو لم يطلب .. لكنه مع هذا صارم وحازم في تصرفاته.. تجبر الجميععلى احترامه..قالت وعد وهي تمط شفتيها: اعتقد بأنه شاب مغرور..هز أحمدكتفيه وقال: الجميع اعتقد هذا في البداية.. ولكن صدقيني ستعرفين مع الوقت معدنهالحقيقي..ومن ثم قال وهو يتطلع الى ساعة معصمه الفضية: هيا فلنصعد الى الطابقالأعلى.. فقد انتهى تدريبك لهذا اليوم ولنا لقاء بالغد..قالت في هدوء: أشكرك..ومعذرة ان كنت قد تسببت في إزعاجك..قال مبتسما: ولو.. أنا دائما فيالخدمة..فكرة بسيطة التقطتها وعد عن أحمد.. شاب نشيط وجاد في عمله.. لكنه فيالوقت ذاته يتميز بروحه المرحة التي تذيب الحواجز بينه وبين أي شخص يراه لأول مرة..وتظن انه في الثلاثينيات من عمره أو أصغر بقليل..وقال أحمد في تلك اللحظةمقاطعا لأفكارها وهما يستقلان المصعد: نسيت أن أخبرك.. أن طارق هو الصحفي الأكفأتقريبا في هذه الصحيفة..التفتت له وقالت بدهشة: أحقا؟أومأ برأسه وقال وهويضغط على زر الطابق الثاني: أجل.. والجميع يحاول أن يصل الى ما وصل اليه هذا الشابالذي يلقبه الجميع هنا بـ"الجليد المتحرك"..قالت وعد مبتسمة: حقا هوكذلك..قال أحمد وهو يلتفت لها: صدقيني مادمت لا تعرفينه جيدا فسوف تحكمين عليهبشكل خاطئ..هزت وعد كتفيها في لا مبالاة.. ووصل المصعد في تلك اللحظة الىالطابق الثاني..فخرجت وعد منه يتبعها أحمد.. ودلفا الى مكتب الصفحة الرئيسية..وهذاالأخير يقول: غدا سنكمل باقي التدريبات وسأعرفك على المراحل التي يمر فيها الخبر أوالموضوع قبل نشره..أومأت وعد برأسها.. وهي تتجه لتجلس خلف مكتبها الذي كانيتوسط مكتب أحمد وطارق بينما يقابله مكتب السيدة التي تدعى (نادية)..والتقطتقلم حبر جاف وخطت فوق إحدى الأوراق الموجودة أمامها أول شيء خطر في ذهنها.."الجليدالمتحرك".. وارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيها..وهي تقرأ هذه العبارة مرارا وتختلسنظرات متفرقة وغير ملحوظة الى طارق..وبغتة..انطلق رنين هاتفها المحمول.. فأسرعتترسم خطوطا على العبارة حتى تخفيها وتمنع أي شخص من ملاحظتها.. والتقطت هاتفهالتتطلع الى الرقم قبل أن تجيبه قائلة بابتسامة واسعة: أهلا هشام..قال هشامببرود: ما هذا؟ أتخشين على فاتورة الهاتف لهذه الدرجة..ان كنت كذلك فسأدفع أنا قيمةفاتورة هذا الشهر..ابتسمت وعد بمرح وقالت: لم؟.. مع إني أرحب بفكرة ان تدفع عنيأنت فاتورة هذا الشهر..قال مستاءا: ألم اطلب منك لاتصال بي وإخباري بكل مايستجد؟..
      -
      أجل.. وأخبرتك أنا إني سأفعل ان وجدت الوقت الكافي..
      -
      وما الشيءالهام الذي كان يشغل وقتك ويمنعك من الاتصال بي؟..قالت وعد مبتسمة: أنا الآنصحفية.. وهذا يعني انني سأكون على انشغال تام.. فقد كنت أتدرب على إعداد التقاريروتصوير المناظر المختلفة...
      -
      أحقا ؟..اذا يمكنك اعداد تقرير عن المبنى الذيوضعت الرسوم الهندسية له وأشرف على بناءه الآن..
      -
      كلا..لا تحرجني.. لا أريد أنأكون موضع للنقد والشتم بعد أن يسقط المبنى..قال هشام مبتسما: ولم كل هذاالتفاؤل؟..ضحكت وعد بخفة وقالت: حتى تعلم انني أخشى على مستقبلي المهنيمن....
      (
      كفاك إزعاجاً هنا)كانت هذه العبارة كافية لأن تصمت وعد وترغمها علىابتلاع كلماتها التي كانت على طرف لسانها منذ قليل..والتفتت الى مصدر الصوت لتتطلعالى ناطق العبارة السابقة.. ودُهشت..بل ذُهلت عندما شاهدت انه طارقنفسه!..وسمعت صوت هشام عبر الهاتف وهو يقول مستغربا صمتها: وعد ألا زلت علىالخط؟..وعد..انهت وعد المكالمة دون ان ترد على هشام حتى..وأغلقت الهاتف دونادراك منها..قبل أن تلتفت الى طارق وقالت بصوت يمتلئ بالدهشة: ماذا؟قال طارقبصرامة وببرود شديد في الوقت ذاته : عليك ان تعلمي انه مكان للعمل.. وليس للمحادثاتالشخصية..انك تزعجيننا وتمنعينا من مواصلة العمل بهدوء..تطلعت اليه وعد ودهشتهاتتفاقم من هذه اللهجة الصارمة وهذه الكلمات القاسية التي قالها لها منذ قليل..دونان يتحلى بقواعد الأدب في الحديث معها مع انها تراه وتتحدث اليه للمرة الثانيةوحسب..من يظن نفسه؟..مغرور..وقالت وهي تنهض من خلف مكتبها: عنإذنكم..قالتها وابتعدت خارجة من المكتب.. في حين أحس أحمد بالموقف المحرج الذيوضعت وعد فيه والذي لم يكن له أي داعي من الأساس..وقال مخاطبا طارق: لماذا تحدثتإليها بهذه الطريقة؟..قال طارق وهو يعود للتركيز في عمله: أي طريقة؟قالأحمد بهدوء: انها موظفة جديدة هنا.. ولم تعرف بعد الا القليل عن هذا المكان.. فلمتكون قاسيا وتتحدث اليها هكذا..
      -
      حتى تفهم..إنها في مكان للعمل..ولن أسمح لأيشخص هنا بالاستهتار في عمله..
      -
      ولكنها لم تعتد المكان بعد.. ثم لا عمل لديهابعد هذا التدريب الذي خضعت له هذا اليوم..لم يعلق طارق بل اكتفى بنظرة باردةألقاها على أحمد وعاد لمواصلة عمله..وهز أحمد رأسه اعتراضا وعاد لمواصلة عملهبدوره...
      * * * * * *
      أوقفت وعد سيارتها الحمراء الى جوار المنزل عند الساعةالثانية ظهرا تقريبا..والابتسامة التي كانت تحملها عندما خرجت من المنزل تحولت الىغضب وتجهم وهي تعود اليه.. دلفت الى المنزل وصعدت الى الطابق الأعلى دون أن تلقيالتحية على والدتها أو والدها حتى..وأغلقت على نفسها باب الغرفة قبل أن تستلقيعلى الفراش.. وتغرق بتفكير عميق..عن كل ما حدث هذا اليوم.. بدءا من بحثها عن القسمالذي ستعمل به..وانتهاءا بعودتها إلى المنزل..كل شيء كان يسير على ما يرامحتى...حتى أحرجها ذلك المغرور أمام الجميع..كان بإمكانه أن يخبرها بأن تنهيمكالمتها بشيء من الأدب والأخلاق لا أن يتسبب في موقف كهذا لها أمام الجميع وكأنهاقد فعلت ذلك متعمدة..وتعمدت إزعاجهم..تبا..تبا له..أي يوم هو هذا.. في البداية لاأجد حتى مكتب لأجلس عليه ثم يحرجني ذلك المغرور بقوله انه لا شأن له بالأمر..ويعودمرة أحرى ليحرجني أمام الجميع عندما كنت أتحدث بالهاتف.. إلا يعلم انه اليوم الأوللي بالعمل واني لم استلم وظيفتي الا منذ ساعات؟..تقلبت على فراشها بملل..وتذكرت بغتة أن هاتفها قد أغلقته منذ ذلك الحين.. فالتقطته من حقيبتها وقامت بفتحهلترى تلك الرسالة القصيرة المرسلة اليها..عرفت انها من هشام قبل ان تفتحها..وقرأتكلماتها في سرعة والتي كانت تقول (سترين يا وعد.. تغلقين الهاتف في وجهي.. لاتحاولي الإنكار.. أعلم بأن البطارية لم تفرغ..)..أي شيء تفكر فيه يا هشام..أناأفكر في ما حدث لي وأنت تفكر في هذه الأمور التافهة..وحطم الصمت الذي غلفالمكان منذ مدة صوت رنين الهاتف المتواصل..فمطت شفتيها وهي تطلع إلى رقم هشام الذيأخذ يضيء على شاشته..ورمت الهاتف على الفراش وهي تقول بعناد: لن أجيبه.. أعلم بأنهسيفتح معي محاضرة لا بداية لها ولا نهاية.. ورأسي لا يكاد يحتمل كلمة أخرى بعد كلما حدث..وتوقف الهاتف على الرنين.. فتنهدت وعد بارتياح وما كادت تفعل حتى عادللرنين مرة أخرى..فتطلعت إلى الهاتف باستنكار قبل أن ترمي الوسادة عليه وتقول بحنق:لن أجيب.. يعني لن أجيب..وكلما يتوقف الرنين للحظة.. يعود من جديدلدقائق..واستسلمت وعد أخيرا – مع انها لم تعتد الاستسلام- ولكن صوت الرنين المزعجهو ما دفعها لإجابته وهي تقول بصوت لا يخفي الضيق منه: أجل يا هشام..ماذاتريد؟..قال هشام بسخرية: لا شيء..سماع صوتك فقط..قالت وعد متحدثة الى نفسهابعصبية: (لا ينقصني إلا سخريتك أنت)وأجابت على هشام قائلة: فليكن مادمت قدسمعته الآن.. الى اللقاء..قال في سرعة: ما بالك ؟..هل أصابتك اصابة ما على رأسكفي العمل ..حتى تفقدك عقلك؟..قالت مستفزة: في الحقيقة.. كلا..
      -
      اذا ماذاحدث لك اليوم؟..أخبريني لماذا لم تجيبي على اتصالاتي المتكررة ؟..قالت وعدبسخرية: لأني اضع لك في هاتفي نغمة خاصة تشير الى انك المتصل..قال بسخريةبدوره: وهل هذه النغمة تدعو الى النوم الى هذه الدرجة حتى انك ربما تكونين قد غفوتولم تسمعيها..قالت وعد بسخرية لاذعة: بل انها نغمة صامتة..قال هشام ببرود:استمعي إلي يا وعد..سؤال لن أعيده.. لماذا أغلقت هاتفك اليوم وأنا أتحدث إليكصباحا؟..قالت هازة كتفيها وهي تعود للاستلقاء على فراشها: أظنك قد أجبت علىنفسك في تلك الرسالة القصيرة.. البطارية فرغت..قال وهو يمط شفتيه: إياك والكذبفأنا اعرف كيف يكون وضع الهاتف عندما تنهين المكالمة بنفسك أو إذا فرغتبطاريته..قالت بملل: هنيئا لي.. لدي ابن عم خبير بالهواتف وأنا لا أعلم.. كانالأجدر بك ان تعمل في متجر لبيع الهواتف.. فذلك يليق بك أكثر و..قاطعها بحدة:أجيبي عن سؤالي يا وعد..
      -
      هل هذا تهديد؟
      -
      بل أمر..قالت بسخرية: اذا لنأجيب..قال هشام بغضب: وعد..تحدثي الي جيدا أو اقسم على ان تندمي..قالتبضيق: ماذا تريدني أن أقول.. أغلقته بغير قصد مني..ثم ما لبثت أن أقفلته حتى لايزعجني أحد..لأني انشغلت ببعض الأعمال..ونسيت إعادة فتحه حتى هذه اللحظة..قالبشك: لا أصدق كلامك هذا..
      -
      هذه مشكلتك وليست مشكلتي.. على العموم أنا متعبةوبحاجة للراحة..لذا دعني ارتح قليلا وانام. ولا تزعجني باتصالاتك..قال هشامساخرا: نوما هنيئا يا سمو الأميرة..قالت بابتسامة باهتة: أشكرك.. معالسلامة..قالتها وأغلقت الهاتف في سرعة وقالت متحدثة الى نفسها وهي تضع الهاتفعلى منضدة صغيرة قريبة من فراشها : )هذا أنت يا هشام لن تتغير ابدا.. ستظل تلاحقنيوتلا حق كل تحركاتي خطوة بخطوة..وأنت الأعلم بمدى ضيقي بأن يُحكم الحصار حولي..تظنإن بهذا الشيء تهتم بي..لكنك على العكس تجعلني اشعر بالملل من تصرفاتك.. اوبالاختناق على الأحرى)..وأغمضت عينيها بملل ونلك الكلمة تعود لترن فياذنيها..(كفاك إزعاجا هنا)..ستندم يا هذا ... ستندم على كل ما سببته لي منإحراج..سأريك..أنت لم تعلم بعد من هي وعد..إنها كتلة من العناد والكبرياء..أقسم علىأن أجعلك تتخلى عن برودك هذا وتحترم تصرفاتك وحديثك معي..سأريك يا ايها "الجليدالمتحرك".. واعلم إن وعد لم تخن عهدا قط....
      * * * * *
    • اسفه ع الانقطاع كل هذه الشهور ولكن الظروف..........



      الجزء الثالث*
      (هل يشعر أحد بتلك المشاعر الدفينة؟)





      طرقات خافتة على باب الغرفة.. أرغمت وعد على ان تفيق من نومها..وتفتح عينيها بتعب هي تقول بصوت لم يغب عنه آثار النوم بعد: من؟..
      فتحت والدتها الباب وقالت باستغراب: وعد.. ألا تزالين نائمة؟..هيا انهضي..
      قالت وعد وهي تعود لإغلاق عينيها: دعيني انم لدقائق فحسب يا أمي.. أنا متعبة..
      قالت والدتها باستنكار: أتعلمين كم الساعة الآن..انه موعد العشاء..
      فتحت وعد عينيها وقالت بدهشة: يا إلهي.. هل حقا نمت كل هذا الوقت؟..
      قالت والدتها في سرعة: أجل..هيا أفيقي من نومك واغسلي وجهك وبعدها اتبعينا إلى العشاء..
      قالت وعد بصوت ناعس: حسنا.. ها أنذا قادمة..
      واعتدلت في جلستها وارتدت خفيها لتتوجه الى دورة المياه التابعة لغرفتها..وتطلعت إلى وجهها المليء بآثار النوم وقالت بسخرية: ها قد ظهر الوجه الحقيقي لي..
      غسلت وجهها بالماء البارد الذي جعل بدنها يقشعر وأحست برجفة أطرافها خصوصا بعد الدفء الذي كان يمتلكه جسدها بنومها..وأعادت تسريح شعرها وهي تحاول ترتيب خصلاته المبعثرة من اثر النوم..وهمت بالخروج من الغرفة لولا رنين الهاتف الذي جعلها تعود أدراجها..وتقول بضيق: من هذا التافه الذي يتصل بوقت العشاء؟..
      وتتطلعت الى الرقم الذي يضيء على شاشة الهاتف قبل أن تقول وهي تبتسم بزاوية فمها: كنت أعلم انه تافه..
      وأجابت قائلة في سرعة: أهلا هشام.. كيف حالك.. اتصل بي فيما بعد.. فسأذهب لأتناول العشاء.. عن اذنك .. مع السلا....
      قاطعها هشام قائلا بسخريته اللاذعة: على رسلك.. هوني على نفسك.. أخشى ان تنقطع أنفاسك..
      قالت بملل: ماذا تريد.. الا تكف عن الاتصال بي.. سوف اقوم بتغيير رقم هاتفي بسببك..
      قال باستفزاز: سأتصل على هاتف المنزل..أو هاتف والدك أو والدتك..
      قالت ببرود: سأغادر البلاد حتى ارتاح منك..
      - سأتبعك حيثما تكونين..
      قالت بسخط: أجل ..فلا استغرب ذلك على مجنون مثلك..
      قال متحدثا الى نفسه وهو يتنهد بمرارة: ( معك حق..لقد كنت مجنونا عندما أحببت فتاة لا تشعر بي ولا تقدر مشاعري)..
      قالت وعد منتزعة هشام من أفكاره: اخبرني الآن ماذا تريد؟
      - جيد انك قد سألت أخيرا.. فقد كدت انسى مع كل هذه المشادات التي تحدث بيننا كلما اتصل بك أو تتصلي بي..
      وأردف بجدية: سأمر غدا لأخذك بعد العمل و....
      قاطعته باستنكار: ماذا؟..لا بد وانك تحلم..اياك وان تأتي والا قمت بالبلاغ عنك عند حارسي الأمن..
      قال بضيق: دعيني أكمل كلامي أولا.. فرح تريدك في أمر ما..أظن انه يتعلق باختيار أحد الفساتين من متجر ما..
      قالت وهي تزفر بحدة : حسنا..هل من أمر آخر؟..
      - كلا .. تصبحين على خير..
      لم تستطع وعد منع تلك الابتسامة من الارتسام على شفاتها.. فنادرا ما يكون هشام مهذبا في الحديث معها..وقالت بابتسامة: وأنت كذلك..الى اللقاء..
      قال في سرعة: وعد..
      قالت متسائلة: ماذا؟
      قال بحنان: اهتمي بنفسك..
      قالت بملل: انا في المنزل الآن.. ليس هناك طرقا مليئة بالسيارات لأعبرها.. اطمأن..
      - والاهتمام بالنفس لا يكون إلا عند عبور الشوارع.. يا لهذا الخيال الضيق..
      - أشبهك في هذا..
      ضحك وقال: معك حق..أتركك الآن..
      - الى اللقاء..
      قالتها وأغلقت الهاتف.. وسرعان ما تذكرت العشاء فمطت شفتيها وهي ترمي بالهاتف المحمول على فراشها وتغادر الغرفة على الرغم من انها لا تشعر بالرغبة في تناول أي شيء...
      * * * * *
      تطلعت فرح إلى هشام الغارق في أفكاره وهو يتطلع الى الهاتف في شرود بعد أن أنهى مكالمته مع وعد..وتقدمت منه في خفة وقالت وهي تطل برأسها فجأة أمامه وتتطلع الى الهاتف: هل يعرض هاتفك فيلماً شيقا الى هذا الحد؟..
      قال هشام ساخرا وهو يضع الهاتف على الأدراج المجاورة له: أجل..وخصوصا وهو يعرض مشهدا عن قتل شقيق لشقيقته لأنها أزعجته..
      قالت فرح مبتسمة حقا: أهذا فيلم ام هو عقلك الباطن الذي يتمنى هذا الشيء..
      قال وهو يفتح أحد الأدراج: بل عقلي الواعي الذي يود فعل هذا الشيء الآن..
      قالت بخبث: وماذا ذنبي أنا إن كانت وعد لا تهتم بأمرك..
      تطلع إليها ببرود ومن ثم قال: من قال إنني اهتم بأمرها أساسا..
      قالت بمكر: عيناك..
      قال ببرود وهو يستخرج الرسومات الهندسية لمبنى: أحقا؟..وماذا تقول عيناي..
      - الكثير أتود أن تسمع؟
      - هيا.. كلي أذان صاغية..
      تطلعت إلى عينيه بمكر شديد ومن ثم قالت وهي تعقد ساعديها أمام صدرها: أولا.. انت تشعر بالضياع..
      قال مبتسما: بلى.. فقد نسيت عنوان المنزل..
      قالت متجاهلة عبارته: وثانيا..أنت تميل إلى فتاة ما وهي لا تبادلك المشاعر..
      شعر هشام بالضيق من كلام شقيقته وكأنها تؤكد له بأن وعد لا تهتم لأمره حقا..واستطردت فرح قائلة: ثالثا.. أنت تحاول بشتى الطرق ان تجعلها تشعر بحبك لها دونما فائدة..ورابعا..من تحبها هي فتاة قريبة منك وتراها دوما..
      قال بضيق: من قال إني أحب وعد؟..
      قالت بخبث: ومن تحدث عن وعد الآن.. أنا أتحدث عن فتاة تحبها وهي قريبة منك أو أنت تراها دوما..
      قال وهو يتظاهر بالانشغال بالرسومات الهندسية التي أمامه: ووعد هي من تنطبق عليها هذه الصفات..
      مالت نحوه فرح وقالت وهي تغمز بعينها: من قال ذلك.. ربما تكون احدى زميلاتك بالعمل..أو ابنة خالي..
      قال هشام وهو يمط شفتيه: لا تذكريني بها.. تلك المدللة..
      - المهم.. لم تقل كيف كانت قراءتي لعينيك..
      في داخله كان هشام يهمس لنفسه..هل حقا مشاعره واضحة للعيان الى هذه الدرجة..ولكنه قال متحدثا الى فرح بعناد: أمنحك واحد بالمائة..
      قالت وهي ترفع حاجباها: ولم الواحد؟.. لم انت كريم الى هذه الدرجة؟..
      - نتيجة لجهدك وتعبك..والآن يا شقيقتي العرافة..هلاّ تركتيني لوحدي حتى انتهي من هذا العمل..
      قالت بضجر وهي تتوجه نحو باب الغرفة: عمل في مكتبك وعمل في المنزل وعمل عندما نسافر.. ألا ينتهي عملك هذا ابدا؟..
      قال مبتسما وهو يراها تغادر الغرفة: بلى.. عندما اتقاعد أو أستقيل من وظيفتي..
      خرجت فرح من الغرفة وهي تقول متحدثة الى نفسها ومختلسة النظرات عبر فتحة الباب الى هشام الذي يعمل بصمت: (هشام..صدقني لا فائدة من كل ما تفعله.. وعد لا تشعر بك..ولا اظنها ستشعر بك يوما.. بصريح العبارة هي ليست لك.. عليك ان تتفهم هذا الأمر..أعلم بمشاعرك تجاهها.. ولكني في الوقت ذاته ادرك ان وعد لا تحمل لك سوى مشاعر الأخوة.. حاول ان تقدر هذا وتتفهمه.. حاول..)
      وسارت مبتعدة عن المكان وهي تشعر بالألم يعتصر قلبها على شقيقها الوحيد..الذي لا يستطيع أن يتخيل أو يتقبل فكرة ان وعد قد تتزوج يوما ما من غيره..ولا أعلم – أنا نفسي- ما قد يفعله لو حدث وتزوجت وعد بشخص آخر سواه....
      * * * * *
      تسللت أشعة الشمس الدافئة الى كل ركن من أركان المنطقة.. معلنة بذلك صباح يوم جديد..وبداية يوم عمل جديد..ليخرج الناس من بيوتهم منطلقين الى أعمالهم في همة او نشاط او حتى كسل..
      وخير دليل على هذا هو ذلك المبنى الذي تعلوه لوحة كُتبت بحروف عريضة وواضحة ..مشيرة الى انه المبنى الخاص بصحيفة الشرق..بدا ذلك المبنى وفي ذلك الوقت المبكر من الصباح في فوضى دائبة.. كما يحدث يوميا..وكأن الممرات باتت اشبه بالشوارع المزدحمة..بسبب حركة الموظفين المستمرة فيه..
      وقال ذلك الشاب وهو يستند على مسند المقعد ويتنهد بحرارة: وأخيرا انتهيت..
      فتطلعت اليه تلك السيدة بابتسامة: احقا؟..ومن اين توفر لك هذا الوقت لانهاء ثلاثة مواضيع كاملة.. على الرغم من انك كنت تدرب تلك الصحفية الجديدة بالأمس..؟
      قال احمد مبتسما: لا تستهيني بي ابدا..
      قالت السيدة نادية متسائلة: لم تخبرني..كيف كان تدريبك لتلك الآنسة بالامس؟
      هز كتفيه وقال: عادي جدا..كنت اشرح لها وهي تستمع الي بانتباه تام..
      صمتت لوهلة ثم قالت: وكيف تجدها؟..افضل من الصحفية السابقة التي وكلت أيضا بالإشراف عليها..
      قال وهو يعيد ترتيب أوراقه: أفضل بكثير..فالآنسة وعد لها مستقبل باهر ينتظرها بالصحافة لو استمرت على هذا المستوى من الذكاء والجرأة والحيوية..
      - يبدوا وانها قد حازت على اعجابك..
      ضحك وقال: كصحفية فقط و...
      واردف وهو يتلفت حوله بمرح: ولا تنسي اني على وشك الارتباط فلا أريد ان تحوم حولي اية شائعات..
      قالت بخبث: لك هذا..
      تطلع اليها وقال بجدية مصطنعة: أستاذة نادية.. لم اعهدك تفشين الأسرار..
      قالت بصوت منخفض بعض الشيء: لست انا ولكن الجدران لها آذان..
      قال مازحا وهو يلتفت الى طارق المنشغل بمكالمة هاتفية بخصوص مقابلة ما: بينما الاستاذ طارق لا يتمتع بأي منها..
      اتسعت ابتسامة نادية وقالت: معك حق..
      لم يهتم طارق بأي مما كانوا يقولونه وقال منهيا حديثه بالهاتف: حسنا اذا كما اتفقنا .. سأكون بمكتبك بالغد..الى اللقاء..
      (صباح الخير جميعا..)
      التفت الجميع الى مصدر الصوت والتي لم تكن صاحبته الا وعد والتي توجهت نحو مكتبها بخطوات واثقة وثابتة والتفت اليها أحمد ليقول بهدوء:صباح الخير.. واهلا بك في هذا القسم من جديد..
      ابتسمت لطريقته العفوية والمرحة في الحديث وسمعت السيدة نادية تقول في تلك اللحظة: صباح الخير..كيف حالك يا آنسة وعد؟
      قالت وعد مبتسمة: بخير..وانت؟..
      قالت نادية وهي تواصل عملها: كالعادة.. على ما يرام..
      صمتت وعد بانتظار الشخص الثالث أن يجيب على تحيتها او حتى يشير الى انتباهه لما قالته.. ولكنه بدا أشبه بالتمثال لولا انه يتنفس وهو مستمر في قراءة خبر ما احتل احد الجرائد..وأدهشها صمته هذا وجعلها لا اراديا تلتفت اليه وتتطلع اليه بدهشة.. هل هو أصم ايضا؟..
      وسمعت احمد يقول لها بصوت خفيض: لا عليك يا آنسة انه لا يجيب على تحية أي منا..
      التفتت الى احمد وقالت بضيق: ألم أقل لك انه شاب مغرور لا غير..
      قال في سرعة: ابدا.. ولكنه اعتاد أو ربما رغبة منه ان يدع الجميع يظنون انه لا يهتم بهم .. ولكنه على العكس لا يقبل أي كلمة على أي من زملائه او زميلاته..
      قالت وهي تمط شفتيها: يبدوا وانه مصاب بعقدة نفسية..
      قال وهو يلتقط أوراقه من على المكتب: لا تحكمي على ظواهر الأمور وتدعي بواطنها..
      مطت شفتيها بملل دون أن تهتم للأمر كثيراً..وسمعت أحمد يقول وهو ينهض من خلف المكتب: سوف أذهب إلى المدير الآن.. وأعود إليك من بعدها لننهي ما بدأناه من تدريبات..
      أومأت برأسها وهي تراه يخرج من المكتب ..وظلت صامتة للحظات .. وهي بانتظار عودة أحمد..أفكار كثيرة جالت بذهنها.. تجاه طارق هذا..عن أي طيبة يتحدثون..عن أي تعاون يتكلمون..انه لا يمتلك حتى ذرة إحساس ..مجرد مغرور يرغب في أن يثير الانتباه.. او يظن انه أعلى من الجميع لذا فهو لن يهتم ويتعب نفسه بالحديث مع من هم اقل مستوى منه في ظنه..
      بارد كالثلج..جامد كتمثال من الحديد..هادئ كهدوء الليل وسكونه..غامض كغموض البحر بما يخفيه من أسرار في اعماقه..غير مبالي وكأنه وحده من يحيا في هذا العالم..أحقا يوجد بشر في هذا العالم على هذا النحو؟؟..
      انتشلها من أفكارها صوت رنين هاتفها المحمول..من يكون المتصل في ساعة مبكرة كهذه في الصباح..أخرجت هاتفها وتطلعت الى رقم فرح الذي يضيء على شاشتها..وكادت ان تجيبه ولكن....
      (آنسة وعد.. هاتفك يرن..)
      تطلعت وعد إلى السيدة نادية ناطقة العبارة السابقة وقالت وهي ترفع رأسها لها: أعلم..ولكني لا أريد إزعاج أحد هنا..
      قالتها وهي تقوم برفض المكالمة وتلتفت الى طارق.. ولا إراديا رفع رأسه هذا الأخير بعد أن سمع ما قالته وفهم بذلك إنها تعنيه هو.. وتطلع إليها بنظرة باردة كالثلج وعاد لمواصلة عمله..وكان شيئا لم يكن..
      وعلى الجانب الآخر عقدت وعد حاجبيها بضيق.. أي إرادة فولاذية يملك..لم يهتم حتى بالرد على ما قالته..ألا يشعر؟..بالتأكيد لا.. شخص بارد المشاعر والأحاسيس مثله كيف له أن يشعر بشيء..
      وجاءها صوت أحمد لينتشلها من هذا الضيق الذي تشعر به وقال مبتسما: ها انذا جئت..هل أنت مستعدة؟..
      قالت وهي تنهض من مكانها: بالتأكيد..
      قالتها وابتعدت خارجة من المكان بصحبة أحمد.. وما ان فعلت حتى ارتفعت عينا طارق بهدوء شديد عما بيده ليتطلع الى النقطة التي كانت تقف بها وعد منذ لحظات...


    • على القصة ....ومتابعين معك ...تقبلي مروري
      اللهم إني أستغفرك لكل ذنب خطوت إليه برجلي ، أو مددت إليه يدي ، أو تأملته ببصري ، أو أصغيت إليه بأذني ، أو نطق به لساني ، أو أتلفت فيه ما رزقتني .. ثم استرزقتك على عصياني فرزقتني ثم استعنت برزقك على عصيانك فسترته علي وسألتك الزيادة فلم تحرمني ولا تزال عائدا عليّ بحلمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .. (كم من مستدرج بالإحسان إليه ، وكم من مفتون بالثناء عليه ، وكم من مغرور بالستر عليه)