كنت يابني ... دائما تسالني.. وانت صغير: لماذا تجلس كثيرا على الشاطىء في الصباح الباكر ياابي...؟ وكنت اجيبك بكلمات تزيد حيرتك اكثر مما تبددها .
وكبرت يابني وكبر معك السؤال الحائر.. ولكنه لم يجر لسانك وانما يظهر في عينيك حين ترنو الى الافق البعيدة تارة والى الامواج القادمة مع الرياح تارة اخرى وتعود فتسرق الي نظرة اشفاق او رثاء ولكنك لا تجد الجواب .
وانا اجيبك... بعد خمسة عشر عاما سنوات طوال !! اليس كذلك !!
كنت فيها معذبا وكنت اكثر منك عذابا
انها ليلة يابني تغيرت معها حياتي كلها غابت الابتسامة العذبة وغرقت الاماني العذاب وسكتت الالحان واكتاب وجه الزمن وخرجت من هذه الليلة شيئا اخر غير ما الفه الناس مني
وعرفوه عني ليلة واحدة تركتها هذه السنون وراءها ولكنها مازالت تطاردني
في يقظتي ونومي في صباحي ومسائي في نظرت الناس وفي احاديثهم وفي سمر لياليهم فكان لم يكن لهم حديث سواي ...
هكذا خيل لي .. !! واظنتني ما خالفت الحقبقة ولم اجد مهربا منهم الا الى هذا الشاطىء لاعيش مرة اخرى احداث تلك الليلة وحدي مع البحر يعاتبني _ يؤنبني _ يعذبني ولكني احتمل عتابه وتانيبه وعذابه فهو الذي عرف الحقيقة الكاملة اما الناس فلا يعرفون الا شيئا واحدا : انني تخليت عن صحبي و تركتهم يغرقون جميعا ونجوت بنفسي .
كنا ثمانية . ثمانية فقط في سفينة صغيرة ومعنا " ابو راشد " ( النوخذة ) وكنت انا واحدا منهم . كنا نحن البحارة والغواصين . كان معنا " صالح " وهو صبي فقد امه يوم فتح عينيه على الحياة وكان ابوه صديقا " لابي راشد "
فاراد له ان يتدرب على حياة الغوص وشاءت الاقدار ان يصطحبه في هذه الرحلة بعد الحاح منه ورجاء من ابيه لم يملك الرجل معهما ان يوده . وكنا نتهيا للعودة بعد ان اوشك موسم الغوص على الانتهاء . وفي عصر يوم يابني.. تجاوبت مع نسماته الصافية الحان العودة من السفن القريبة تنقل الفرحة بين صدور العائدين الى الارض الحبيبة وحيث قاربت الشمس ان تغيب راى الناس عارضا قادما من بعيد فظنوه نذير عاصفة وتنادى " النواخذة " في السفن للاستعداد واخذ الحذر وتهيا الجميع لمواجهتها ولجات السفن الى مكان ضحل المياه تحتمي به ولم يكذب حدسهم .. فما هي الالحظات حتى انقلب هدوء البحر ثورة والنسمات الرقيقة عاصفة واستحال صفاء الحياة سوادا حالكا . ابتلع بقايا النور . وتلاحقت الامواج تلطم السفينة الصغيرة وتصفع الوجوه وتطيح بالشراع وصاح " ابو راشد " بالجماعة يحثهم على الصمود والثبات وبذل الجهد لمقاومة العاصفة فقبضنا على الدلاء نغرف من بطن السفينة ما اندفع اليها من الماء والقلوب تخفق بالدعاء ان يسكن الله العاصفة وينجينا من هذا اللاء .. وما ان تهدا العاصفة فناخذ انفاسنا ونمني انفسنا بالامل حتى تعود اشد قسوة وضراوة .. وقضينا الليل في صراع مع الهلاك وماذا يفعل البشر مع غضبة الطبيعة ؟ .. وماذا تجدي الدلاء القليلة في طغيان البحر ؟! .. ومع ان الياس كان يزحف الى نفوسنا .. كان ابو راشد يهون الخطب ويقف عملاقا تحت السارية يتلقف الدلاء المملوءة ويفرغها في البحر وبجواره الصبي يحاكي صنيعه ويعاونه في مهمته في صبر واقتدار .. ورايتك يابني ... وسط العاصفة وانت لم تتعد شهرك السابع . ويداك ممتدتان . تندفع ناهضا الي . كانك تريد ان تقتلع نفسك من صدر امك . لتقذغ بها الي . وابتسامتك العذبة تملا وجودي كله. فيشتد ساعدي وتتصاعد الدلاء بين ذراعي فياضة مترعة . فتهدا العاصفة ويتجدد الامل وحين تعود الى سطوتها تنتابني امواج الخوف ورهبة النهاية وانا اذكر هذه العاصفة لاتنتهي بعد ليلة . ولكن مداها ثلاثة ايام . . هكذا قالوا !! وانتهى الليل الطويل . حين لاح نور الصبح . ومازال النذير قائما في الافق فرفعت السفن علامات الاقلاع وتهيا الناس لينسلوا بسفنهم من وجه العاصفة فربما راوا ان عرض البحر اهون من هذه الجنادل او لعلهم تاكدوا من استمرار العاصفة اياما اخر فاثروا الرحيل ونظرنا الى " ابي راشد" كاننا نستحثه على ان يقرر شيئا ففهم الرجل قصدنا وابتدرنا قائلا: اصغوا الي انني اخشى المخاطرة بهذه السفينة الصغيرة وسط العاصفة التي لاتبدو نهايتها قريبة .
والبقاء هنا امن من الرحيل وبوادر العاصفة تظهر من جديد وعليكم ان تتركوا السفينة وتلتحقوا بهذه السفن القريبة فهي اكبر حجما واشد قدرة على الصمود .
سمعت كلماته وكانها لحن النجاة. وطلبنا اليه ان يسبح معنا فكانت المفاجاة الرهيبة انه لا يجيد السباحة
والشفن الكبيرة لا يكمن ان تقترب من هذه المنطقة الوعرة ولا مفر من ان نتركه مع الصبي. وحدهما . لانه مصمم على البقاء . وعبثا حاولنا اقناعه بان نحمل الصبي معنا فالعاصفة تهدد بالشدة . والسفن توشك ان تتحرك فاستثار كلام ( النوخذه ) شهامة البحارة ومروءتهم وقرروا الاعتصام معه بالسفينة اما انا .. فاشتدت قبضة يدي على حبل العوامة والتصق متاعي بظهري و مرت امامي صورتك الحبيبة من خلال العاصفة وقد مددت يديك الغضتين الي . ونهضت مندفعا نحوى . وابتسامتك البريئة تملا وجودي كله . فلم اقف الا على صوت ارتطامي بالماء واتجاهي بعنف نحو سفينة رفعت مراسيها وتهيات للابحار والقى بحارتها بالحبال فصعدت على ظهرها زنظرت الى " ابي راشد" وسفينته الصغيرة حوله البحارة والصبي يصارعون بصبر وثبات وحال سواد العاصفة بيننا وغابت السفينة الكبيرة في عمق البحر ..
وفي اليوم الثاث هدات العاصفة فخرجت سفن الغوص تبحث عنها فلم تجدها في مكانها فتنادى البحارة وجدوا في البحث عن السفينة فوجدوا بقايا حطامها وفيها ابو راشد والصبي .. وقفلت السفن راجعة وتجاوبت الحان العودة من هنا وهناك وارتسمت ابتسامات العائدين حتى دنت السفينة من الشاطىء وراوا الاذرع المفتوحة لاستقبالهم .
اما انا ..فما ان عرف الناس قصة السفينة . حتى رايت الجميع يغضون ابصارهم عني ويتهامسون من حولي . وكاني
انا الذي حطمت السفينة واغرقتهم ومنذ ذلك اليوم اراني
مسوقا الى هذا المكان . اود ان اقضي معه ايامي الباقية .
من ابداع قلمي المتواضع
مع خالص تحياتي لكم
×*× دمعة حزن ×*×
وكبرت يابني وكبر معك السؤال الحائر.. ولكنه لم يجر لسانك وانما يظهر في عينيك حين ترنو الى الافق البعيدة تارة والى الامواج القادمة مع الرياح تارة اخرى وتعود فتسرق الي نظرة اشفاق او رثاء ولكنك لا تجد الجواب .
وانا اجيبك... بعد خمسة عشر عاما سنوات طوال !! اليس كذلك !!
كنت فيها معذبا وكنت اكثر منك عذابا
انها ليلة يابني تغيرت معها حياتي كلها غابت الابتسامة العذبة وغرقت الاماني العذاب وسكتت الالحان واكتاب وجه الزمن وخرجت من هذه الليلة شيئا اخر غير ما الفه الناس مني
وعرفوه عني ليلة واحدة تركتها هذه السنون وراءها ولكنها مازالت تطاردني
في يقظتي ونومي في صباحي ومسائي في نظرت الناس وفي احاديثهم وفي سمر لياليهم فكان لم يكن لهم حديث سواي ...
هكذا خيل لي .. !! واظنتني ما خالفت الحقبقة ولم اجد مهربا منهم الا الى هذا الشاطىء لاعيش مرة اخرى احداث تلك الليلة وحدي مع البحر يعاتبني _ يؤنبني _ يعذبني ولكني احتمل عتابه وتانيبه وعذابه فهو الذي عرف الحقيقة الكاملة اما الناس فلا يعرفون الا شيئا واحدا : انني تخليت عن صحبي و تركتهم يغرقون جميعا ونجوت بنفسي .
كنا ثمانية . ثمانية فقط في سفينة صغيرة ومعنا " ابو راشد " ( النوخذة ) وكنت انا واحدا منهم . كنا نحن البحارة والغواصين . كان معنا " صالح " وهو صبي فقد امه يوم فتح عينيه على الحياة وكان ابوه صديقا " لابي راشد "
فاراد له ان يتدرب على حياة الغوص وشاءت الاقدار ان يصطحبه في هذه الرحلة بعد الحاح منه ورجاء من ابيه لم يملك الرجل معهما ان يوده . وكنا نتهيا للعودة بعد ان اوشك موسم الغوص على الانتهاء . وفي عصر يوم يابني.. تجاوبت مع نسماته الصافية الحان العودة من السفن القريبة تنقل الفرحة بين صدور العائدين الى الارض الحبيبة وحيث قاربت الشمس ان تغيب راى الناس عارضا قادما من بعيد فظنوه نذير عاصفة وتنادى " النواخذة " في السفن للاستعداد واخذ الحذر وتهيا الجميع لمواجهتها ولجات السفن الى مكان ضحل المياه تحتمي به ولم يكذب حدسهم .. فما هي الالحظات حتى انقلب هدوء البحر ثورة والنسمات الرقيقة عاصفة واستحال صفاء الحياة سوادا حالكا . ابتلع بقايا النور . وتلاحقت الامواج تلطم السفينة الصغيرة وتصفع الوجوه وتطيح بالشراع وصاح " ابو راشد " بالجماعة يحثهم على الصمود والثبات وبذل الجهد لمقاومة العاصفة فقبضنا على الدلاء نغرف من بطن السفينة ما اندفع اليها من الماء والقلوب تخفق بالدعاء ان يسكن الله العاصفة وينجينا من هذا اللاء .. وما ان تهدا العاصفة فناخذ انفاسنا ونمني انفسنا بالامل حتى تعود اشد قسوة وضراوة .. وقضينا الليل في صراع مع الهلاك وماذا يفعل البشر مع غضبة الطبيعة ؟ .. وماذا تجدي الدلاء القليلة في طغيان البحر ؟! .. ومع ان الياس كان يزحف الى نفوسنا .. كان ابو راشد يهون الخطب ويقف عملاقا تحت السارية يتلقف الدلاء المملوءة ويفرغها في البحر وبجواره الصبي يحاكي صنيعه ويعاونه في مهمته في صبر واقتدار .. ورايتك يابني ... وسط العاصفة وانت لم تتعد شهرك السابع . ويداك ممتدتان . تندفع ناهضا الي . كانك تريد ان تقتلع نفسك من صدر امك . لتقذغ بها الي . وابتسامتك العذبة تملا وجودي كله. فيشتد ساعدي وتتصاعد الدلاء بين ذراعي فياضة مترعة . فتهدا العاصفة ويتجدد الامل وحين تعود الى سطوتها تنتابني امواج الخوف ورهبة النهاية وانا اذكر هذه العاصفة لاتنتهي بعد ليلة . ولكن مداها ثلاثة ايام . . هكذا قالوا !! وانتهى الليل الطويل . حين لاح نور الصبح . ومازال النذير قائما في الافق فرفعت السفن علامات الاقلاع وتهيا الناس لينسلوا بسفنهم من وجه العاصفة فربما راوا ان عرض البحر اهون من هذه الجنادل او لعلهم تاكدوا من استمرار العاصفة اياما اخر فاثروا الرحيل ونظرنا الى " ابي راشد" كاننا نستحثه على ان يقرر شيئا ففهم الرجل قصدنا وابتدرنا قائلا: اصغوا الي انني اخشى المخاطرة بهذه السفينة الصغيرة وسط العاصفة التي لاتبدو نهايتها قريبة .
والبقاء هنا امن من الرحيل وبوادر العاصفة تظهر من جديد وعليكم ان تتركوا السفينة وتلتحقوا بهذه السفن القريبة فهي اكبر حجما واشد قدرة على الصمود .
سمعت كلماته وكانها لحن النجاة. وطلبنا اليه ان يسبح معنا فكانت المفاجاة الرهيبة انه لا يجيد السباحة
والشفن الكبيرة لا يكمن ان تقترب من هذه المنطقة الوعرة ولا مفر من ان نتركه مع الصبي. وحدهما . لانه مصمم على البقاء . وعبثا حاولنا اقناعه بان نحمل الصبي معنا فالعاصفة تهدد بالشدة . والسفن توشك ان تتحرك فاستثار كلام ( النوخذه ) شهامة البحارة ومروءتهم وقرروا الاعتصام معه بالسفينة اما انا .. فاشتدت قبضة يدي على حبل العوامة والتصق متاعي بظهري و مرت امامي صورتك الحبيبة من خلال العاصفة وقد مددت يديك الغضتين الي . ونهضت مندفعا نحوى . وابتسامتك البريئة تملا وجودي كله . فلم اقف الا على صوت ارتطامي بالماء واتجاهي بعنف نحو سفينة رفعت مراسيها وتهيات للابحار والقى بحارتها بالحبال فصعدت على ظهرها زنظرت الى " ابي راشد" وسفينته الصغيرة حوله البحارة والصبي يصارعون بصبر وثبات وحال سواد العاصفة بيننا وغابت السفينة الكبيرة في عمق البحر ..
وفي اليوم الثاث هدات العاصفة فخرجت سفن الغوص تبحث عنها فلم تجدها في مكانها فتنادى البحارة وجدوا في البحث عن السفينة فوجدوا بقايا حطامها وفيها ابو راشد والصبي .. وقفلت السفن راجعة وتجاوبت الحان العودة من هنا وهناك وارتسمت ابتسامات العائدين حتى دنت السفينة من الشاطىء وراوا الاذرع المفتوحة لاستقبالهم .
اما انا ..فما ان عرف الناس قصة السفينة . حتى رايت الجميع يغضون ابصارهم عني ويتهامسون من حولي . وكاني
انا الذي حطمت السفينة واغرقتهم ومنذ ذلك اليوم اراني
مسوقا الى هذا المكان . اود ان اقضي معه ايامي الباقية .
من ابداع قلمي المتواضع
مع خالص تحياتي لكم
×*× دمعة حزن ×*×