
الزيرسالم والأمير هاملت
انها حكاية الزير سالم الذي فقد شقيقه كليب بعد ان قتل غدرا على يد جساس شقيق زوجة كليب
الجليلة فيسعى الزير بسبب ذلك الى طلب المستحيل بعودة شقيقه كليب حيا ويعمل على سفك دماء الذين تآمروا على شقيقه وقتلوه وهي حكاية الامير هاملت الذي عجز عن القيام بما قام به الزير فاصابته الحيرة والتردد بدلا من الانتقام لوالده الذي قتل على يد عمه الذي كما فعل جساس استولى على العرش بعد ان اقدم على جريمته. وهنا عندما يدرك البطلان حال كل منهما يبدأ السجال فالزير يسرد لامير هاملت حكايته وما جرى له من خلال دمى تمثل شخوص السيرة الشعبية يحركها الممثلون نفسهم على رقعة خشبية مرتفعة قليلا موجودة على خشبة المسرح فيحكي له من خلال شكل شعبي مستمد من تراثنا الشرقي ( نعني بذلك الدمى المتحركة كما كراكوز وعيواظ) حكاية الزير وبطولته, فيما يمسك هاملت كتابه ويسعى لتقليد الزير من خلال تقديم مسرحية تميط اللثام عن الجريمة التي كان ضحيتها والده .ووسط هذه التجاذبات وحض الزير هاملت على الانتقام لا يخفي الزير تعبه مما بات ملتصقا به على مدى اربعين عاما ويعني القتال وسفك الدماء فيلقي بنفسه على الرمال وهو العجوز المرهق فيما يسعى هاملت للتخلص من حيرته وتردده فيقفز في البحيرة التي توضعت في مقدمة الخشبة ليغسل روحه ويطهرها من التردد والقلق ثم يخرج حاملا سيفه في وجه الزير الذي ظهر التعب عليه ليقول له هاملت لقد تبادلنا الادوار وانتهى دورك ايها البطل.
ان هذه القراءة لما يحمله العرض من مقولات فكرية لا شك بأنهاحاكت وبشكل ممتاز واقعنا الذي نعيشه, فقدغرق المارد العربي القوي في سبات واخذت قواه تتلاشى فيما خرج المارد الغربي من القمقم وألقى بالحوار وراءه وحمل السيف والدرع فانقلبت الاحوال مع انقلاب الظروف .ان العرض وان كان قد حمل نفسه عبء هذا الزخم الفكري فقد نجح بشكل من الاشكال بالتعاطي مع قضية السجال الدائر بين الزير والامير على الخشبة ,فاشرك وسط هذا التناحر عنصر الموسيقا من خلال آلة الكونتر باص ذات الصوت الخشن وصوت الغناء البشري الذي امتاز بأنه حاد .ووسط التناقض الصوتي استطاع العرض بطريق او بأخرى ان يتناغم مع جو هذا التناقض الذي يفرضه الحوار بين الزير والامير وساهمت الاضاءة في خلق هذا الجو من خلال التلوين الذي حملته كالأحمر الموحي بالجريمة والازرق الذي يحمل رمز الحلم والامل في الخلاص من تخبط هاملت والاصفر الذي رافق الزير بطل معارك الصحراء. ان الصورة المشهدية لم تكن غائبة على الرغم من بساطتها احيانا فالمشهد الاخير قدم شكلا بصريا غنيا على نحو صورة الرسام المصور للطبيعة وفيه تعلق الدمى التي تمثل شخوص السيرة لترتفع عن الخشبة فتتحول الى شاهد على ما يجري الآن وتقف في وجه هاملت الذي حمل السيف امام مرأى الزير ان هذه الدمى المعلقة تمثل ابطالا حقيقيين ولكن هؤلاء الابطال لم يعودوا الا دمى بالية غير قادرةعلى ان تحرك شيئا. نعم لقد اخذ هاملت من الزير السيف وحمله لحظة لم يعد الزير قادرا على متابعة حمله ,هاملت رمز الثقافة الغربية حمل السيف وألقى بالتردد خلفه لتصبح لغة الدم والقتل هي اسلوبه وسلاحه فيما تتطلع انقاض حضارة الشرق المتمثلة بدمى لا حول لها ولا قوة الى ما سيفعل هاملت.
لا يمكننا انكار الجرأة وروح المغامرة لدى المخرج وفريق العمل في تناول موضوع كهذا من خلال محاكاة سيرة شعبية محفورة في اذهان الكثيرين والتطرق لنص مسرحي غني حتى هذه اللحظة لم يتوقف المفكرون من تتبع احداثه وتقديم قراءات وتحليلات جديدة لبعض عناصره ونعني بذلك نص هاملت وربما يغفر ذلك لفريق العمل الوقوع في بعض الاخطاء كانحسار دور هاملت امام المساحة المتاحة للزير في العرض وغياب الوضوح في بعض الدلالات وصعوبة ايصال الفكرة المرادة في بعض الاحيان وغياب عامل التبسيط في الطرح خاصة من خلال اللغة التي احتاجت لاعادة نظر كي توظف بشكل صحيح يخدم طبيعة هذا العرض الغني بالروامز والدلالات الفكرية من حيث اللغة والكلام المنطوق والبصرية من حيث الاداء وبناء الصورة المشهدية.
وفي نهاية قراءتنا البسيطة لهذا العمل لا يمكن ان نتجاهل اهمية التجريب هنا فلا بد من الاشادة بالتوليفة الجريئة التي قدمها العرض فعلى الرغم من بعض المشاكل التي اشرنا اليها الا ان ذلك قد يكون بداية لروح مغامرة وتحد في التناول والطرح تمهد لتجارب اخرى مماثلة يلعب فيها الدراماتورج الوظيفة المسرحية الغائبة عن معظم عروضنا دورا اساسيا في الخلق والتركيب واما النتائج واللهاث وراءها فذلك آخر امر يمر بالتجربة المسرحية الهادفة للبحث والتجريب بهدف التطوير.
..........................................................
شاركونا
http://aflajoman.tawwat.com