قصة من تأليفي .. دمعة استثنائية .
هذه قصة اكتبها الان .. وأملي قراءتكم لها .. مع إعطائي وجهات نظركم .. إن تمكنتم .. وأتمنّى تثبيتها .. للتواصل معكم ..
قصة من تأليفي ..
صمت كئيب خيّم على المكان ، لمْ أكدْ اسمع صوت منقار الطير وهو يقرع أرض القفص ، وهو يُحاول أن يلتقط حَبّ القمح .. والسماء داكنة شبه غائبة .. بيتنا ذا النظام المعماري القديم ، كأنه يغوص في أعماق الظلمة بين بويتات الحارة ذي الشكل المعماري المتناسق .
فجأة دخل رجل طويل القامه ، مرتدياً ثوباً خُمرياً ، يده معكوفة على ظهره .. حدستُ أنه أبي .. نادى بأعلى صوته :
- هاديه .. هادية .. أين انتِ بُنيّتي .. " كان صوته رقيقاً ولطيف ، صوتاً موسيقياً جذاب "
- لمْ أُجبه .. أردتُ أن يبحث عني ، فأبي كثيراً ما يُدلّعني . وصِرت غاوية هذا الدلع الأبوي الراقي .. أشعر بدفء حنانه .. وعذوبة كلماته ، وهي تخرج من بين أسنانه البارزة .. أرتاح إلى عبارات وصفه لي .. !
وقف بُرهة يحدّث نفيه ..
-ترى أين ذهبتْ .. كيف تخرج ولم تخبرني .. !
اندفع يُفتش عني .. في أرجاء البيت .. ونادى .. هادية .. أين أنتِ ..؟ أين تكونين ..؟! حبيبتي . تكلّمي ..!
وقف وقد اكفهّر وجهه .. وقال في بؤس كأنه يُحدّث نفسه :
-إنّكِ لا تعرفين قدرك عندي .. فأنتِ غالية على نفسي .. وهادية بروحك الطاهرة .. كل الذين جاؤوا قبلك لم يُكتب لهم البقاء .. وحدك بقيت هنا .. الظروف حتّمتْ أن يكونوا بعيداً .. فلربما هي أقدارهم .. نعم تلك هي أقدراهم أخذتهم بعيداً عنّي .. لكيْ لا تعرفينهم ..
صوت الهاتف يتعالى .. ررررررررررن رررررررررن ررررررررررن
مشى والدي إلى حيث جهاز التلفون ووضع السماعة على أذنه .. وقال :
-الووووووووووو
-..............
-عليكم السلام والرحمه .
-...............
-كيفك خديجة .. أرجو ان لا يكون احدهم على دراية إن فتحتِ ثمكِ لهادية ، فإني لن أتردد أن أقول الحقيقة ..!
-................
- يجب أن تقفي بقوة أمام ذلك .. انت تعرفين كل شيء .. انت تعرفين سرّ حقيقتك .. لا داعي للفضايح ، نحن في مرحلة من العُمر لا تسمح لنا بقول غير الذي هو موجود .. دعي هادية وشأنها .. !
-..................
-نعم أعرف إنها إبنتك ، ويوسف إبنك أيضاً !
-..........
- يجب ان نفكّر في شيء غير هذا .. ونمنعهم من اللقاءات غير الودّية .. إنني أشك أن بينهم عاطفة قوية .. وهذه مهزله . أترضين ..
- ...........
- نحن الان يجب ان نُوفر لهما آلية الحياة تحت مضلّة الخالق .. هادية هي أبنتي كما هي إبنتك.. وأما يوسف فهو إبنك ولا دخل لي فيه ..!
- .............
- كانت تلك هي إرادتنا .. وأنا نفذتها .. لأني أحب مريم الراس وانت تعلمين .. أنسيتي كيف كنت تغارين عليها ..! كفّي عن هذا الهُراء .. ولا تُسمعين إبنتي كمثل هذه المشاكل .. انت وحدك من يتحمّلها ..! استغفري لذنبك .. وأجعلي هادية بعيدة عن يوسف كل البُعد ..!
-................
-اليس هذا حرام ايضاً.! هما الآن أخوين ؟!. لا تكذبين على نفسك .!
-.................
-لا هذا غير صحيح بالمرّة .. ! لا أفوافق عليه .! أنا رجل وشهادتي تعدل إمرأتين .!
-..............
-لن اكذب في شيء .. سأقول الحقيقة .. وستكوني انت المتضررة أكثر مني .. فلا تنسي أنني رجل ..!
-..............
-انا وانت أزواج ، نعم كنا على زواج سري .. والآن انتهى .. انتهى كل شيء .!
-........................
- ماذا فيها .. ؟! زواجنا السري ، كالزواج العادي .. فقط كان ذلك سري وذاك علني .. أعني كان زواجنا بالسر المكتوم وزواجي من مريم الراس بالجهري المعروف لدى الناس .!
-........
-أنا طلقتك ، بعد ولادة هادية .! وتركت لكِ مراعاتها ، شريطة أن يكون في بيتي ..! ورفضت أن تأخذيها إلى عندك .. وبحكم صداقتك مع مريم ، صارت الامور شبه عادية .!
-.....
- طيب .. ثقي بأني ما زلت على العهد .. لن أفشي سرك أبداً .. وكلامي وعد لا اتزحزح عنه ما د
-مت حياً ..!! ولكن متى ما دعت الحاجة إلى قول الحقيقة سأقولها .. انت لا تقلقي .. ابقي كما انتِ وأنا كذلك .. إلى آخر يوم في حياتنا ..! لكن أمر هادية ويوسف مُحال ..! وأعلمي انهما أخوين .! من رحمك يا خديجة .. فلا ترتكبي إثماً على إثم .!
-...........
-طيب مع السلامه .
اقفل ابي سماعة الهاتف .. وتنفس الصعداء .. رأيت دمعة عينيه ، تسقط بسرعة من على وجتنيه .. يا إلهي ، ماذا يُعذب أبي ..! لمت نفسي بأني لم أسترق السمع لأخر المكالمة .. خشيت ان يراني ، فينتهرني .. وبالتالي فالأمر على غير عادته .. لأول مرة أرى ابي يتحاور بفظاظة مع أمي خديجة .! ترى مالأمر ..؟! شيء في نفسي خالجني .. شيء يُحدثني أن أمراً ما .. غير صحيح .. بين أبي وخديجة المزينية ، نظرت من النافذة ، فوجدت الشمس مشرقة ، قوية في منتصف النهار ، فأسدلت الستار على النافذه لأصدّ وهْجها عن عيني . ظهر ابي من الصالة التي تتوسط البيت ، وترك الباب ينصفق في بعضه مُحدثاً ضجّة قوية ، ثم سار إلى كرسي خيزراني ، وألقى بجسمه ، فغاص نصف جذع جلسته فيه .. ولم يبين غير ساقه المُدّد طولاً .. أحدثت جلسته وقع صريرانفلات ، كما لو كانت هي خطوات انتقال رجليه وهو يسير منتعلاً بحذاء فوقها.! نظرت إليه فوجدت مستريحاً .. الكرسي يهتز ورجليه تتأرجح .. تركته وذهبت إلى المطبخ ، أُشطّف بعض الآوني .. وغسل اكواب الشاي .. فلعلّ أبي يحتاج إلى كوب من الشاي أو الماء .! ثم جئته بعد حين .. وحتى لا اعذبه كثيراً .. اظهرت له إبتسامتي المعتادة .. وقلت بصوت انثوي :
-. ابي .. انت هنا ..!
التفت نحوي .. وقال :
-كنت اناديك .. فأين كنتِ ..!؟
- كنت بالمطبخ . !؟
-ألم تسمعي صوتاً وصراخاً ..!
- سمعتك تتحدث مع أمي خديجة فذهبت إلى بعض شأني .. ؟!
انتفض ابي واقفاً .. مرتاعاً .. كأنّ أحداً صفعه فجأة .
-ماذا .. ؟ ماذا قلتِ .. .؟ كنت تتلصصين علي.. وتتسمعين إلى محادثتي على الهاتف .. اتسترقين وتتلصصين عليّ .. !! ثم هدأ وتراجع .. وتحدث بهدوء .. نعم هي كانتْ ، فهل هناك احد غيرها يُعذبني فيك .." وكأنه يحاول ان يُغطي على فلتة عبارته .. فقال بالتواء .." أمكِ خديجة .. كانت تسألني عنكِ .. قلت لها بأنكِ موجودة .. فقط كانت تطمئنّ عليك .. وافترّت عين ابي صوبي وأحسست بأنها ستمزقني ..! قولي يا إبنتي ماذا سمعت .. وأنت تسترقين السمع على المكالمه ..!!؟
ماذ أقول له .. فأنا تلصصت عليه .. لكني لا أعرف شيئاً .. ولم اسمع كثيراً .. فقط كنت أسمع صوت ابي ولا اسمع صوت الاخر .. فقلت بخبث .... ماذا تقول أمي ..؟! ماذا في خاطرها ..؟! وكما يقولون ويش تبغي ..؟!
وكأنّ حِملاً ثقيلاً انزاح عنه .! وكأنه استراح قليلاً .. أعذريني إبنتي .. فأنا وخديجة بيننا الكثير .. وأحيناً كالاخوين ، ترتفع اصواتنا بلا داعي .. كانت هي يوماً الصديقة الحميمة والمقربة إلى المرحومة أمك ، مريم الراس .. تلك الام الرؤوم ، ذات الطيبة العاليه ..!
-ولكني لم أرها .. فقط ذكرياتها من على لسانك .. !
-نعم يا إبنتي .. مريم صبرتْ علي كثيراً .. وصبرتْ على الجوع والتعب .. وأنا سافرت ..من أجل توفير لقمة العيش .. في أيام امتد الجوع إلى كل شيء .. وطال كل شيء .. ولكن ليس بيدنا أن نفعل في أكثر من هذا .. كان البحر هو وسيلة رزقنا .. وبعضنا زرع فحصد وأكل وشرب .. إنها سُنة الحياة ، منذ ان خُلقنا .. فكسب الرزق لا يأتي بالسهولة .. ليس هناك شيء بدون تعب .. فأمك تعبتْ ومرضتْ وشقيت .. وبسبب ولادتك ، ماتتْ قبل ان ترى عينها هذا الوجه الجميل .. ! نعم ، كل سفراتنا إلى الخارج لمْ تسفر كثيراً عن شيء .. سوى زيادة الشتات والبعاد عن الوطن والاهل . نحمد الله اننا استطعنا أن نبني لنا هذا البويتْ .!
- لكني يا ابي لم تخبرني كثيراً عن أمي مريم ، وكيف وافها الآجل ..!
تملّص ابي .. ثم ولّى بوجهه ناحية أخرى ، وحينما استدار ناحيتي .. رأتي الدموع تتساقط بلا توقف .. وعينه قد أحمرّت .. ووجهه قد تلون .. كأن عليه مسحة من التعب النفسي . لم أستطع أن أكلمه كثيراً .. فألزمت السكوت .. ثم قمت بمسح دموعه ، وهرعت إلى المطبخ وفي يدى كوباً من الماء ، فقدمته إليه .. فرفعه إلى فِيْه .. ثم قبّلني .. قُبلة الشكر والامتنان .!
سحب نفساً عميقاً :
- المهم أخبريني .. إذا ما أردت الذهاب إلى أي احد كان ْ .! ولا تنسي بأن لي الحق لمعرفة الكثير .. فانا ابوك.. وقد رعيت مصالحك منذ أن كنت صغيرة .
-أبي .. ليس كل شيء يمكن أن أخبرك عنه ، في كل الاحوال .. هناك اشياء استحي ان أكلمك فيها.. فهل يحتاج هذا إلى شرح أو تفصيل .! إنها خصوصية كما قلت لك ، .. خصوصية نساء .!
ضحك ابي .. وقال :
-طيب وعن ماذا كانت خديجة تحدّثكِ في كل مرّة . !
-هي أمي وبيني وبينها اشياء كثيرة .!
كأنّ أبي أخذ في خاطره .. فبسط يداه ، كانه يستعرضهما .. ربيتكِ على هاتين .. أنظري إليهما ..وخديجة لم تُقصر في رعايتك بعد وفاة أمك . لكنّ أُمك الحقيقية هي مريم الراس .! أفهمتِ .!
-نعم ابي أفهمك جداً .. لكنك غير مختلف مع خديجه. وانت دائماً تدعوني أن أناديها بأمي. أليس كذلك ..؟!
سكت ..ثم قال بإرتباك ..نعم هي كذلك ..! لكنها ليستْ بأمك مطلقاً ..!؟
بكى ابي .. وانتحب ..وغمغم بكلمات .. ليتها موجودة ، تشهد على تفوقك وذوقك .. فتكبرين بين أحضانها . ربما هي غلطتي .. غلطتي أن جعلت خديجة ترعاكِ ، فتنسيك أمك التي ولدتكِ ..!
-ابي .. لم هذا التحامل ..! فأنت تعرف أن أمي لم أرها بأم عيني .. وجدت خديجة المزينية .. إنني أعتبرها كأمي الحقيقية . بل هي أقرب إلي في كل شيء .. أعطتني حنانها ومودّتها ، كأنّما هي أمي وأنا إبنتها .. هكذا وجدتها .. أكسبتني حنانها وأعطيتها ثقتي .. إنني وجدت فيها إستئناساً لِمُجمل خصوصياتي ، ولكونها أمرأة قريبة مني .وأيضاً تربيت على يدها .!
لم يتفوّه أبي بكلمة .. ولم ينبس بحرف .. لكنه قال بعد سكوت طويل :
- أفهم ذلك كُلّه .. لكِ الخيار ، إن وجدتِ بديلاً عمّا افتقدتيه من حنان .! وخذي حذرك ..!
-مِمّنْ آخذ حذري من أمي .!
-خذي حذرك ، من أي شيء ، فقد يُزيّن لكِ ، مالم تأخذي حقيقته مني ، إيّاكِ وتصدقي أحد غيري ..! حتى خديجة ، فهي مهووسه بك كثيراً ، فلربما تتلفظ بكلام يؤثر عليكِ سلباً في مستقبل حياتك .!
-لا تخف ابي .. كيف تخاف من إبنةٍ ربيتها بيدك .. ألست انا هادية بنت أحمد النظيري .. أليس هو ابي .. رجل بمعنى الكلمة ، طيبته عاليه ، وإنسانيته في شموخ . فلماذا تتحسس ابي .. خلّك كما عرفتك .!
سكت ولم ينبس بحرف .. والقى بجسده على اريكة الصاله .. وتناول ثمرة ( بيذام ) ناضجة وقضمها بين فكّيه ..
تحياتي
هذه قصة اكتبها الان .. وأملي قراءتكم لها .. مع إعطائي وجهات نظركم .. إن تمكنتم .. وأتمنّى تثبيتها .. للتواصل معكم ..
قصة من تأليفي ..
صمت كئيب خيّم على المكان ، لمْ أكدْ اسمع صوت منقار الطير وهو يقرع أرض القفص ، وهو يُحاول أن يلتقط حَبّ القمح .. والسماء داكنة شبه غائبة .. بيتنا ذا النظام المعماري القديم ، كأنه يغوص في أعماق الظلمة بين بويتات الحارة ذي الشكل المعماري المتناسق .
فجأة دخل رجل طويل القامه ، مرتدياً ثوباً خُمرياً ، يده معكوفة على ظهره .. حدستُ أنه أبي .. نادى بأعلى صوته :
- هاديه .. هادية .. أين انتِ بُنيّتي .. " كان صوته رقيقاً ولطيف ، صوتاً موسيقياً جذاب "
- لمْ أُجبه .. أردتُ أن يبحث عني ، فأبي كثيراً ما يُدلّعني . وصِرت غاوية هذا الدلع الأبوي الراقي .. أشعر بدفء حنانه .. وعذوبة كلماته ، وهي تخرج من بين أسنانه البارزة .. أرتاح إلى عبارات وصفه لي .. !
وقف بُرهة يحدّث نفيه ..
-ترى أين ذهبتْ .. كيف تخرج ولم تخبرني .. !
اندفع يُفتش عني .. في أرجاء البيت .. ونادى .. هادية .. أين أنتِ ..؟ أين تكونين ..؟! حبيبتي . تكلّمي ..!
وقف وقد اكفهّر وجهه .. وقال في بؤس كأنه يُحدّث نفسه :
-إنّكِ لا تعرفين قدرك عندي .. فأنتِ غالية على نفسي .. وهادية بروحك الطاهرة .. كل الذين جاؤوا قبلك لم يُكتب لهم البقاء .. وحدك بقيت هنا .. الظروف حتّمتْ أن يكونوا بعيداً .. فلربما هي أقدارهم .. نعم تلك هي أقدراهم أخذتهم بعيداً عنّي .. لكيْ لا تعرفينهم ..
صوت الهاتف يتعالى .. ررررررررررن رررررررررن ررررررررررن
مشى والدي إلى حيث جهاز التلفون ووضع السماعة على أذنه .. وقال :
-الووووووووووو
-..............
-عليكم السلام والرحمه .
-...............
-كيفك خديجة .. أرجو ان لا يكون احدهم على دراية إن فتحتِ ثمكِ لهادية ، فإني لن أتردد أن أقول الحقيقة ..!
-................
- يجب أن تقفي بقوة أمام ذلك .. انت تعرفين كل شيء .. انت تعرفين سرّ حقيقتك .. لا داعي للفضايح ، نحن في مرحلة من العُمر لا تسمح لنا بقول غير الذي هو موجود .. دعي هادية وشأنها .. !
-..................
-نعم أعرف إنها إبنتك ، ويوسف إبنك أيضاً !
-..........
- يجب ان نفكّر في شيء غير هذا .. ونمنعهم من اللقاءات غير الودّية .. إنني أشك أن بينهم عاطفة قوية .. وهذه مهزله . أترضين ..
- ...........
- نحن الان يجب ان نُوفر لهما آلية الحياة تحت مضلّة الخالق .. هادية هي أبنتي كما هي إبنتك.. وأما يوسف فهو إبنك ولا دخل لي فيه ..!
- .............
- كانت تلك هي إرادتنا .. وأنا نفذتها .. لأني أحب مريم الراس وانت تعلمين .. أنسيتي كيف كنت تغارين عليها ..! كفّي عن هذا الهُراء .. ولا تُسمعين إبنتي كمثل هذه المشاكل .. انت وحدك من يتحمّلها ..! استغفري لذنبك .. وأجعلي هادية بعيدة عن يوسف كل البُعد ..!
-................
-اليس هذا حرام ايضاً.! هما الآن أخوين ؟!. لا تكذبين على نفسك .!
-.................
-لا هذا غير صحيح بالمرّة .. ! لا أفوافق عليه .! أنا رجل وشهادتي تعدل إمرأتين .!
-..............
-لن اكذب في شيء .. سأقول الحقيقة .. وستكوني انت المتضررة أكثر مني .. فلا تنسي أنني رجل ..!
-..............
-انا وانت أزواج ، نعم كنا على زواج سري .. والآن انتهى .. انتهى كل شيء .!
-........................
- ماذا فيها .. ؟! زواجنا السري ، كالزواج العادي .. فقط كان ذلك سري وذاك علني .. أعني كان زواجنا بالسر المكتوم وزواجي من مريم الراس بالجهري المعروف لدى الناس .!
-........
-أنا طلقتك ، بعد ولادة هادية .! وتركت لكِ مراعاتها ، شريطة أن يكون في بيتي ..! ورفضت أن تأخذيها إلى عندك .. وبحكم صداقتك مع مريم ، صارت الامور شبه عادية .!
-.....
- طيب .. ثقي بأني ما زلت على العهد .. لن أفشي سرك أبداً .. وكلامي وعد لا اتزحزح عنه ما د
-مت حياً ..!! ولكن متى ما دعت الحاجة إلى قول الحقيقة سأقولها .. انت لا تقلقي .. ابقي كما انتِ وأنا كذلك .. إلى آخر يوم في حياتنا ..! لكن أمر هادية ويوسف مُحال ..! وأعلمي انهما أخوين .! من رحمك يا خديجة .. فلا ترتكبي إثماً على إثم .!
-...........
-طيب مع السلامه .
اقفل ابي سماعة الهاتف .. وتنفس الصعداء .. رأيت دمعة عينيه ، تسقط بسرعة من على وجتنيه .. يا إلهي ، ماذا يُعذب أبي ..! لمت نفسي بأني لم أسترق السمع لأخر المكالمة .. خشيت ان يراني ، فينتهرني .. وبالتالي فالأمر على غير عادته .. لأول مرة أرى ابي يتحاور بفظاظة مع أمي خديجة .! ترى مالأمر ..؟! شيء في نفسي خالجني .. شيء يُحدثني أن أمراً ما .. غير صحيح .. بين أبي وخديجة المزينية ، نظرت من النافذة ، فوجدت الشمس مشرقة ، قوية في منتصف النهار ، فأسدلت الستار على النافذه لأصدّ وهْجها عن عيني . ظهر ابي من الصالة التي تتوسط البيت ، وترك الباب ينصفق في بعضه مُحدثاً ضجّة قوية ، ثم سار إلى كرسي خيزراني ، وألقى بجسمه ، فغاص نصف جذع جلسته فيه .. ولم يبين غير ساقه المُدّد طولاً .. أحدثت جلسته وقع صريرانفلات ، كما لو كانت هي خطوات انتقال رجليه وهو يسير منتعلاً بحذاء فوقها.! نظرت إليه فوجدت مستريحاً .. الكرسي يهتز ورجليه تتأرجح .. تركته وذهبت إلى المطبخ ، أُشطّف بعض الآوني .. وغسل اكواب الشاي .. فلعلّ أبي يحتاج إلى كوب من الشاي أو الماء .! ثم جئته بعد حين .. وحتى لا اعذبه كثيراً .. اظهرت له إبتسامتي المعتادة .. وقلت بصوت انثوي :
-. ابي .. انت هنا ..!
التفت نحوي .. وقال :
-كنت اناديك .. فأين كنتِ ..!؟
- كنت بالمطبخ . !؟
-ألم تسمعي صوتاً وصراخاً ..!
- سمعتك تتحدث مع أمي خديجة فذهبت إلى بعض شأني .. ؟!
انتفض ابي واقفاً .. مرتاعاً .. كأنّ أحداً صفعه فجأة .
-ماذا .. ؟ ماذا قلتِ .. .؟ كنت تتلصصين علي.. وتتسمعين إلى محادثتي على الهاتف .. اتسترقين وتتلصصين عليّ .. !! ثم هدأ وتراجع .. وتحدث بهدوء .. نعم هي كانتْ ، فهل هناك احد غيرها يُعذبني فيك .." وكأنه يحاول ان يُغطي على فلتة عبارته .. فقال بالتواء .." أمكِ خديجة .. كانت تسألني عنكِ .. قلت لها بأنكِ موجودة .. فقط كانت تطمئنّ عليك .. وافترّت عين ابي صوبي وأحسست بأنها ستمزقني ..! قولي يا إبنتي ماذا سمعت .. وأنت تسترقين السمع على المكالمه ..!!؟
ماذ أقول له .. فأنا تلصصت عليه .. لكني لا أعرف شيئاً .. ولم اسمع كثيراً .. فقط كنت أسمع صوت ابي ولا اسمع صوت الاخر .. فقلت بخبث .... ماذا تقول أمي ..؟! ماذا في خاطرها ..؟! وكما يقولون ويش تبغي ..؟!
وكأنّ حِملاً ثقيلاً انزاح عنه .! وكأنه استراح قليلاً .. أعذريني إبنتي .. فأنا وخديجة بيننا الكثير .. وأحيناً كالاخوين ، ترتفع اصواتنا بلا داعي .. كانت هي يوماً الصديقة الحميمة والمقربة إلى المرحومة أمك ، مريم الراس .. تلك الام الرؤوم ، ذات الطيبة العاليه ..!
-ولكني لم أرها .. فقط ذكرياتها من على لسانك .. !
-نعم يا إبنتي .. مريم صبرتْ علي كثيراً .. وصبرتْ على الجوع والتعب .. وأنا سافرت ..من أجل توفير لقمة العيش .. في أيام امتد الجوع إلى كل شيء .. وطال كل شيء .. ولكن ليس بيدنا أن نفعل في أكثر من هذا .. كان البحر هو وسيلة رزقنا .. وبعضنا زرع فحصد وأكل وشرب .. إنها سُنة الحياة ، منذ ان خُلقنا .. فكسب الرزق لا يأتي بالسهولة .. ليس هناك شيء بدون تعب .. فأمك تعبتْ ومرضتْ وشقيت .. وبسبب ولادتك ، ماتتْ قبل ان ترى عينها هذا الوجه الجميل .. ! نعم ، كل سفراتنا إلى الخارج لمْ تسفر كثيراً عن شيء .. سوى زيادة الشتات والبعاد عن الوطن والاهل . نحمد الله اننا استطعنا أن نبني لنا هذا البويتْ .!
- لكني يا ابي لم تخبرني كثيراً عن أمي مريم ، وكيف وافها الآجل ..!
تملّص ابي .. ثم ولّى بوجهه ناحية أخرى ، وحينما استدار ناحيتي .. رأتي الدموع تتساقط بلا توقف .. وعينه قد أحمرّت .. ووجهه قد تلون .. كأن عليه مسحة من التعب النفسي . لم أستطع أن أكلمه كثيراً .. فألزمت السكوت .. ثم قمت بمسح دموعه ، وهرعت إلى المطبخ وفي يدى كوباً من الماء ، فقدمته إليه .. فرفعه إلى فِيْه .. ثم قبّلني .. قُبلة الشكر والامتنان .!
سحب نفساً عميقاً :
- المهم أخبريني .. إذا ما أردت الذهاب إلى أي احد كان ْ .! ولا تنسي بأن لي الحق لمعرفة الكثير .. فانا ابوك.. وقد رعيت مصالحك منذ أن كنت صغيرة .
-أبي .. ليس كل شيء يمكن أن أخبرك عنه ، في كل الاحوال .. هناك اشياء استحي ان أكلمك فيها.. فهل يحتاج هذا إلى شرح أو تفصيل .! إنها خصوصية كما قلت لك ، .. خصوصية نساء .!
ضحك ابي .. وقال :
-طيب وعن ماذا كانت خديجة تحدّثكِ في كل مرّة . !
-هي أمي وبيني وبينها اشياء كثيرة .!
كأنّ أبي أخذ في خاطره .. فبسط يداه ، كانه يستعرضهما .. ربيتكِ على هاتين .. أنظري إليهما ..وخديجة لم تُقصر في رعايتك بعد وفاة أمك . لكنّ أُمك الحقيقية هي مريم الراس .! أفهمتِ .!
-نعم ابي أفهمك جداً .. لكنك غير مختلف مع خديجه. وانت دائماً تدعوني أن أناديها بأمي. أليس كذلك ..؟!
سكت ..ثم قال بإرتباك ..نعم هي كذلك ..! لكنها ليستْ بأمك مطلقاً ..!؟
بكى ابي .. وانتحب ..وغمغم بكلمات .. ليتها موجودة ، تشهد على تفوقك وذوقك .. فتكبرين بين أحضانها . ربما هي غلطتي .. غلطتي أن جعلت خديجة ترعاكِ ، فتنسيك أمك التي ولدتكِ ..!
-ابي .. لم هذا التحامل ..! فأنت تعرف أن أمي لم أرها بأم عيني .. وجدت خديجة المزينية .. إنني أعتبرها كأمي الحقيقية . بل هي أقرب إلي في كل شيء .. أعطتني حنانها ومودّتها ، كأنّما هي أمي وأنا إبنتها .. هكذا وجدتها .. أكسبتني حنانها وأعطيتها ثقتي .. إنني وجدت فيها إستئناساً لِمُجمل خصوصياتي ، ولكونها أمرأة قريبة مني .وأيضاً تربيت على يدها .!
لم يتفوّه أبي بكلمة .. ولم ينبس بحرف .. لكنه قال بعد سكوت طويل :
- أفهم ذلك كُلّه .. لكِ الخيار ، إن وجدتِ بديلاً عمّا افتقدتيه من حنان .! وخذي حذرك ..!
-مِمّنْ آخذ حذري من أمي .!
-خذي حذرك ، من أي شيء ، فقد يُزيّن لكِ ، مالم تأخذي حقيقته مني ، إيّاكِ وتصدقي أحد غيري ..! حتى خديجة ، فهي مهووسه بك كثيراً ، فلربما تتلفظ بكلام يؤثر عليكِ سلباً في مستقبل حياتك .!
-لا تخف ابي .. كيف تخاف من إبنةٍ ربيتها بيدك .. ألست انا هادية بنت أحمد النظيري .. أليس هو ابي .. رجل بمعنى الكلمة ، طيبته عاليه ، وإنسانيته في شموخ . فلماذا تتحسس ابي .. خلّك كما عرفتك .!
سكت ولم ينبس بحرف .. والقى بجسده على اريكة الصاله .. وتناول ثمرة ( بيذام ) ناضجة وقضمها بين فكّيه ..
تحياتي