الايغور ماالايغور

    • مات كثير من الرجال .. أصبحت أكره الموت.. أن يقتل الإنسان هذا شيء مريع.. لماذا كل هذه الحماقات؟ غير أني أحاول أن أنسى.. وأهز كتفي.. وأرفع مدفعي.. وأسدده عشوائيا صوب تجمع صيني أو روسي.. لا أريد أن أقتلهم وإنما أريد أن يكفزا عن قتلنا.. أريد لأسلحتهم أن تصمت.. الكارثة أن أسلحتهم لا تصمت إلا إذا صمتوا هم أولا.. وهذا محزن.. لا بد أن يموتوا لكي تكف أسلحتهم عن الجنون.. هيا نضحك.
      قلت في دهشة:
      من؟؟
      "نجمة الليل..
      أنا أبوها..

      وقهقه منصور عندما سمع كلمتي الأخيرة:
      أنت أبوها إذن؟

      وشردت ببصري نحو القصر المهجور وقلت:
      سمعت عجوزا في "كاشغر" يقول نفس الكلمات.. أنا أبوها.. وسمعت رئيسنا يقولها أيضا.. أنا أبوها.. وبلدنا يا منصور درغا في حاجة ماسة إلى من يردد دائما : أنا أبوها.
      ربت منصور على كتفي في حزم وقال:
      الحرب أرهقت أعصابك.
      قلت في أسى: ربما.
      هل بلغتم أورومجي؟
      لقد حاصرناها ، والمعركة أوشكت على لانتهاء..
      ضحك منصور درغا وقال:

      -أما أنا فأقول إنه لا نهاية لعذابنا، ما دمنا بين كماشة : فكها الأولفي الصين، وفكها الثاني في روسيا، وكلاهما طامع فينا، يريد القضاء على إسلامنا.. لأن القضاء على الإسلام قضاء علينا.. سمعت فلاسفتهم يقولون ذلك.. وقرأت بعض نشراتهم السرية في بعض المدن التي قمنا باحتلالها وفروا منها قبل أن تتاح لهم الفرصة إحراق أوراقهم.. إن لدي مجموعة كبيرة من هذه الوثائق.. وسوف أحملها إلى خوجة نياز.. إنها حرب صليبية من نوع جديد..
      وفجأة مال منصور على أذني هامسا:
      "نجمة الليل" .. هربت تحت جنح الظلام.. كيف هربت؟
      كان الضابط الذي أخذها لنفسه أول الهاربين..

      ضحك منصور وقال:
      "نجمة الليل" .. طول عمرها أرض.. بل أوحال فوق أوحال.. أنت لا تعرفها كما أعرفها.. دعني أحدثك عنها لأول مرة أيها الصديق العزيز.. لقد كان لها من العشاق أكثر من عشرة.. كانت تجمع بين سائس الخيل وفتى المراعيوالجندي السمهري والعجوز الغني الذي يجود عليها بالجواهر.. أنت يا مصطفى ساذج أبله.. لا تحزن.. أنا لست مثلك تماما.. هذه الأيام السوداء جعلتني لا أثق إلا في شيء واحد.. في الإنسان الذي يحمل سلاحه ويحارب حتى الموت، هذا عصر فساد وضياع.. العيش فيه لعنة.. لقد ذهبت "نجمة الليل" إلى أورومجي... صدقني لو استطعنا أن ندخل أورومجي فستجدها تأتي إليك مستنجدة باكية، وتبدو للجميع كشهيدة للعسف والطغيان.. وسيصدق الناس دموعها وأنت أيضا سيرق قلبك..
      وتحسست بمسدسي وقلت بصوت كالضجيج:
      الخائن يعدم..

      ضحك منصور وقال وهو يهز كتفيه:
      لا تستطيع.. ألم تكن مرغمة على ما فعلت؟
      يجب أن نطهر أرضنا من الإفرازات السامة، والنباتات المتسلقة..
      ابتسم منصور:
      الإفرازات من صنع الله.. والنباتات المتسلقة موجودة دائما.. أما أنا فقد تزوجت غجرية من الجبل لا تعرف الكثير عن الحرب.. هيه.. وأنت؟
      سأبقى في قومول ليلة أو ليلتين، وسأعود إلى أورومجي..
      ولن أستطيع اللحاق بكم قبل أسبوعين..

      وودعت منصورا، وسرت في طرقات قومول على غير هدى.
      (7)
      وبرغم كل شيء فقد كنا دولة صغيرة في مجابهة دولتين كبيرتين هما الصين وروسيا، ولكن هل نتخذ من صغر حجمنا مبررا لكي نفتح أبوابنا للغزاة، ونفرط أغلى ما وهبنا الله؟ لتمض الحرب شهرا..شهرين..عاما.. لتمض كيفما شاء الله.. سنبقى طوال حياتنا محاربين فهذا قدرنا، ولا حيلة لنا فيه، ونظر خوجة نياز حوله وقال:
    • لقد خربت الحرب كل شيء.

      قال الجنرال شريف خان وكان صلبا عنيفا، وكأنما خلقه الله محاربا:
      المهم ألا تخرب الحرب ثقتنا بالله وبأنفسنا.
      مجاعات هنا وهناك..
      أعلم يا سيدي الرئيس أن الثمن باهظ.
      وقلق يسيطر على البقاع.

      والتفت إليه الجنرال شريف خان وقال:
      ولكن عندي فكرة.. أن ندخل أورومجي، في معركة يائسة..
      هذا ما يجب أن نفعله..
      إما أن نموت أو نسيطر تماما على أورومجي وإيلي.
      وفي هذه الأثناء كانت المباحثات جارية بين الحاكم الصيني والروس لإرسال قوات كافية لسحق الثوار، وكان الروس في الحقيقة لا يثقون في هذا الحاكم.
      ولهذا تحركوا بسرعة، وساهموا في عمل انقلاب في القوات الصينية تزعمه قائد الجيش الصيني، ونجح الانقلاب وفر الحاكم إلى الصين، وأصبحت السلطة الكاملة في يد القائد الصيني، وباسم تحالف المصلحة والمبدأ، عقدت اتفاقية جديدة بينه وبين الروس، تعهد القائد الصيني بجمع المواد الخام من التركستان الشرقية وإرسالها للروس، في مقابل مده بالرجال والسلاح لفك الحصار والقضاء على الجمهورية الوليدة، وفي يوم من الأيام في شهر ديسمبر أخذت ثلاث ألوية روسية مجهزة بثلاثين طائرة وعشرين دبابة وخمسين سيارة مصفحة تتدفق عن طريق "إيلي" و"تشوشك".
      كانت الأنباء مزعجة، أولاها الناس اهتماما بالغا، إذ لم يكن لدينا قوة تستطيع أن تهزم المد الروسي المباغت، وقال خوجة نياز:
      بالأمس كنا نحارب.

      رد الجنرال شريف خان مستفهما:
      واليوم؟
      حربنا ضرب من المغامرة.

      ثم التفت إلى الجنرال وقال:
      ومع ذلك، هل هناك بديل للحرب أيها الجنرال الصديق؟؟
      أنا لا أفهم شيئا اسمه السياسة، علمتني التجارب أن الحرب هي الأسلوب الوحيد الذي تبقى لنا، ومن العسير أن يستسلم العدو إلا إذا قهر في معركة...
      قال خوجة نياز وهو يرى الطائرات تمطر الثوار بوابلها:
      إذن فلنمض في الحرب حتى النهاية..

      وفي هذه الأثناء، أرسل الروس خبراء في كافة الشئون العسكرية والتجارية والسياسية، وكان ضابطا روسيا واحدا من اثنين من المستشارين الكبار للحاكم الصيني الجديد.
      وكان الروسي داهية خبيثا لا يستهان بتخطيطاته وآرائه والتقى بالحاكم الصيني وقال له:
      هناك صورة متخيلة في ذهني للمعركة، لو استطعنا تحقيقها لكسبنا الكثير..

      قال الحاكم :
      كيف؟
      لدينا مجموعة ضخمة من المنشقين من أبناء تركستان الشرقية ونحن واثقون منهم تمام الثقة، وفي إمكاننا أن تستعين بهم، ونجعلهم في مقدمة الجهاز الإداري والعسكري للحاكم.. عندئذ تبدو المعركة وكأنها معركة بين الرجعيين من أمثال خوجة نياز وجماعته، وبين المنشقين.

      وأبدى الحاكم ترحيبا حارا بالفكرة، وعلى الفور تدفق المنشقون وهم تركستانيون أصلا، ونصب أحدهم رئيسا للمخابرات التي كانت على غرار الجستابو الألماني، ولعب أقذر الأدوار في الانتقام من الوطنيين والنيل منهم.. كما تم إنشاء فروع لمؤسسة المخابرات في أنحاء المدن المختلفة..
      وكنا نحارب بكل ما وهبنا الله من قوة، فكانت معركة عنيفة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ولم تكن الحرب وقفا على الرصاص، والطائرات والمصفحات والدبابات التي تخوض في أجساد الشهداء منا، بل كانت هناك حرب أخرى من نوع رخيص، فبعد أن قبض المنشقون على زمام الأمور في إحدى المدن، وأخذنا نحن نتراجع عن أورومجي، سمعنا بمحاكمات عجيبة تجري، لقد أسر صديقي منصور درغا، ثم استطاع الهرب بعد فترة وروى لنا الأعاجيب، في مبنى المخابرات "ج. ب. أو) سيق منصور درغا وقال:
      أنا رجل من الجبال لا أفهم في الحرب شيئا، ولا أعرف القراءة ولا الكتابة، أخذني الثوار بخرافي وبهائمي على الرغم مني ، ثم أمسكتم بي .. أنا بريء لا أعرف من الحرب شيئا.
      كان مركز المخابرات يبدو كجهنم، ورئيس المخابرات يقف بنفسه يراقب ويوجه الأمور.أيها الضباط الخونة، كيف تحاربون في صفوف الرجعي الخائن خوجة نياز.. ألا تعلمون أنه اختلس أموالكم وأخفى الملايين عنكم؟؟ ألا تعلمون أنه يتاجر بكم ويستغلكم وأن لديه الضياع والنساء والذهب؟؟ انظروا فضائحه..
      وأخذ ينشر أمامهم بعض المطبوعات المزيفة، والأرقام الكاذبة، والصور الفوتوغرافية الملفقة، وفعل نفس الشيء بالجنرال شريف خان وغيره من كبار القادة، وبعد أن حطم روحهم المعنوية بأكاذيبه أشار إلى زبانيته فبدأ في استئناف التعذيب.. الآلات الجهنمية تعمل والوسائل الخبيثة لا حصر لها، والمساكين يبكون ويضرخون، أو يموتون صامتين، واعترافات موهومة تنتزع ويوقع عليها المتهمون الأبرياء قهرا، ثم تنشر في صحيفة "سنكيانغ" وهناك الكتيبات الصغيرة التي دبجها الخونة، أو ألفها تلامذة الجستابو، ومهروها بأسماء تركستانية، فلقد اتسع نطاق الحرب، واتخذت اتجاهات عدة، وظل الثوار يحاربون في استماتة..

      وجاء يوم لا يمكن أن انساه في حياتي...

      آه .. ليتني لم أعش لأرى ذلك اليوم، احتدمت المعركة وتوافد الأعداء والخونة من المنشقين، توافدوا من كل مكان، كانت المعركة ضارية.. تلفت خوجة نياز حواليه:
      أيها الإخوان ليس أماننا إلا الشهادة..

      كان الجنرال شريف خان منهمكا في المعركة، والتراب يحفر وجهه المحتقن والطائرات والدبابات تصب نيرانها في عنف، والقتلى يزحمون الطريق ورائحة الدم تشبع الجو، وتمتم شريف خان:
      يبدو أننا خسرنا هذه الجولة..
      وقال خوجة نياز:
      بد أن ننسحب إلى موقع آخر..

      وتكاثر الأعداء، وأخذنا نلاقي الأهوال في انسحاب غير منظم في حرب غير متكافئة، وكنت أصعد تلا قاسيا لا أكاد أشعر بما يدخل في قدمي ويدي من الأشواك، ووقفت على تبة عالية وأنا ألهث، وأنا أنظر إلى بعيد.. يا إلهي لقد سقط خوجة نياز والجنرال شريف وغيرهما في قبضة العدو، ثم سيقوا إلى مركز المخابرات أو "ج. ب. أو".
      لقد تبدد الأمل.. كل شيء في جوانحي يموت.. الحب.. الأمل.. النصر.. كما ماتت بالأمس في قلبي "نجمة الليل" .. أيام النضال تكاد تتوزارى، وتصبح مجرد ذكرى .. كذكرى منصور درغا الذي اختفى ولم أكن أعرف منه في حينها أي شيء.. آلمني أن أرى أبناء تركستان الشرقية الذين انشقوا وعادوا بكل قسوة وعبودية وعنف وسخرية بالثوار.. إن أقسى شيء على النفس أن أرى واحدا من أبناء بلدي مكتنز الجسم ضاحك العينين، عالي النبرة، ويسوق إخوانه كما تساق الشاه.. ويعاملهم كالحيوانات.
    • إن ما جرى لخوجة نياز والجنرال شريف خان يكاد يعتبر سرا لفترة طويلة من الزمن؛ لأنهم أخذوهما وغيرهما من الأسرى لأماكن مجهولة.. إلى جب سحيق لا يعرف عه أحد أي شيء.. في مركز المخابرات وقف خوجة نياز مهلهل الثياب، ممزق البشرة وإلى جواره الجنرال شريف خان، وكان التحقيق عنيفا شاذا وقف حاجي نياز محمر العينين عاجزا، وصاح به مدير المخابرات: ألا تقر بخيانتك؟

      ضحك حاجي نياز، ونظر إليه بعينين يكاد يطفو منهما الدم، وقال:
      وأنت؟
      أنا ماذا؟
      أأنا الخائن أم أنت؟؟

      وهوى رئيس المخابرات بصفعة على وجه رئيس الجمهورية وهز حاجي نياز يديه المقيدتين في بأس وسخرية وتمتم:
      قد تحك أنفك ذبابة على الرغم منك..
      تكلم الحقيقة..

      ضحك خوجة نياز وقال:
      الحقيقة واضحة.. الذين أرادوا المحافظة على حريتهم وشرفهم أيديهم في أغلال.. والخونة والأنجاس يمسكون بمقاليد الأمور وبالسياط وبمفاتيح السجن الكبير.. والحقيقة الأخرى التي أعلمها هي أنني سأموت.. لهذا فأنا أبصق عليك..

      سدد إلى رئيس المخابرات نظرات نارية وقال: وما قيمة جثتي.. إن الروح هناك تحلق في أعالي الجبال.. لأنها لا تموت..

      وتدخل مدير تحرير الصحيفة قائلا وقد أمسك بورقة وقلم متسائلا:
      ما معنى الروح يا حاجي نياز؟

      نظر إليه حاجي نياز وكان يعرفه:
      ألا تنشر شيئا في صحيفتك عن تعاليم بوذا وكونفشيوس؟؟ حسنا .. الروح من أمر ربي..

      رد مدير المخابرات:
      تلك سفسطة الرجعيين..

      وابتسم نياز وتمتم بكلمات القرآن:
      قال الأولون من الكافرين: لا يهلكنا إلا الدهر.

      همس للسيد حاجي:
      يجب أن تعترف بأنك غررت بجموع الشعب.
      ويجب أن تعترف أنت الآخر بأنك تآمرت ضد الشعب الذي حملني أمانة الحكم، وحارب بشرف من أجل حريته..
      ولتعترف بما اختلسته من أموال..
      ليس لدي أموال خاصة، كنت آكل وأشرب وأنام مع المحاربين الشجعان..
      وأنت تحاكم الآن كمجرم حرب.
      شرف أن أحارب من أجل طرد الغزاة، لست مجرم حرب ولكني مجاهد في سبيل الله..

      وقال القائد: القضاء على الإسلام أولا، عندئذ تتفتت كل مقاومة..
      بالطبع.

      جمع دير المخابرات أوراقه وهو يقول: الأمر ليس في حاجة إلى اعتراف منك، فقد قبض عليك متلبسا بالجريمة في ميدان القتال.
      سجل عنك بكل فخر أنني لم أتراجع.. وكنت أتمنى أن أموت شهيدا.

      أما الجنرال شريف خان فقد تدخل موجها الحديث لمدير المخابرات:
      لو كنت جنديا من جنودي لسحقتك بحذائي كحشرة.

      رمقه مدير المخابرات بنظرة حانقة وقال:
      إن إعدامك لا يكفي، يجب أن تمزق قطعة قطعة، ثم يرمى لحمك للقطط..
      وكان منصور درغا مسجونا في نفس المكان، ورأى بعينيه كل ما جرى، وشرب هو الآخر من كؤوس العذاب والهوان، وقد نجا من الموت بأعجوبة، فقد حدث انفجار أثناء الليل في يوم من أيام شهر أوغسطس أثار ذعرا بالقرب من مركز المخابرات، وأحدث فيه فجوة كبيرة أعطت الفرصة لثلاثة من السجناء كي يفروا، واستطاع منصور درغا أن يهرب، أما زميلاه فقد أرداهما الرصاص قتيلين، ولم ألتق بمنصور درغا إلا بعد عام وكان متخفيا في زي راع غجري أعرج رث الثياب يدعي البله..
      وفي هذه الأيم العصيبة، لعب العدو بأرواح البشر وأمن البلاد وثرواتها، وعبثوا بكل مقدس وغال، قال منصور درغا:
      تصور... أنهم يستولون على إناث المواشي في التركستان ويبعثون بها إلى بلادهم ليقطعوا بذلك تناسلهم.
      قلت في مرارة بائسة:
      تماما كما استولوا على النساء بالأمس.

      وكانت التهم تلفق تلفيقا، ويكفي أن نلصق التهمة بأحد الأبرياء فيؤخذ جميع أقربائه بذنبه ، وضرب حصار شديد على البلاد حتى لا تتسرب الأنباء المحزنة خارجها، وعم الذعر، وانتشر الخوف وصار الإنسان الوطني لا يستطيع أن يتكلم بحرية مع ولده، فقد نجح العدو في أن يجعلوا من نصف البيت التركستاني جواسيس، وأصبح الجار لا يثق في جاره، وتحول اكثر من ثلاثة أرباع كبار موظفي الدولة إلى جواسيس، ونصف رجال الجيش والطلبة والقرويين والعمال، أصبحوا يتقاضون مرتبات من مركز المخابرات العامة، وبعضهم يمارس التجسس تحت التهديد حتى لا يزج به في معتقل، ولا يختطف أحد أبنائه، أو تنتزع ابنته، وكانت التهم التي توجه إلى بعض الناس في غاية الدهشة والغرابة، فهذا طالب يقبض عليه بحجة أنه ينوي الثورة، وهذا عامل يساق إلى التحقيق والتعذيب لأن آراءه تضر بأمن البلاد، وهذا مفكر يقبض عليه بتهمة العمل لحساب دولة أجنبية... يا إلهي.. كلما تذكرت هذه الأهوال يحيل إلي أن ما كنت أراه كان مجرد حلم رهيب لا ظل له من الحقيقة، وكيف أصدق أن مائة ألف يقتلون بوسائل شتى، وإن حوالي الربع مليون يساقون إلى المعتقلات، وأن علماء الدين الذين يعاملون معاملة مذرية حتى الموت، وأن كتب الدين والتاريخ تمزق، والمساجد تحال إلى مخازن ومسارح.. وتلقفوا النشء الجديد ليتعلم ما يدمر به تاريخه وشخصيته كي يذوب في طوفان الغزو.
    • (8)
      آه يا مدينة "قومول" ما أكثر ما شهدت من فواجع وكوارث! فبعد أن فشلت محاولة حاكم قومول الصيني أن يستولي على الأميرة وثارت ثائرة العلماء واندلعت الثورة، أصبح اسم قومول على كل لسان، كان اسمها رمزا للرفض والعزيمة، وكانت قومول مثالا للكرامة والإباء، وكان الرجال يشعرون بالفخر لانتمائهم إليها.. هكذا المدن-مثل الأجداد تماما-قد تكون ذات حسب ونسب، وقد تكون من أسافل المخلوقات، أو ممن لا وزن لهم من مخلوقات الله.. غير أن الأمر لم يدم طويلا، فقد تعرضت قومول للانتقام، وكان قصر أميرها مركزا لتصويب الرصاص والنقمة والأخذ بالثأر، وكانت الأميرة داخل القصر وبعض أفراد الأسرة المالكة، وكانت نجمة الليل ما برحت تقيم فيه.. وكانت الأسرة المالكة على وشك الفرار، غير أن الضابط الصيني دهم القصر وليس معه سوى عدد قليل من الجنود..دخل شاهرا سيفه ووقعت عيناه أول ما وقعتا على فتاة جميلة تشم وردة حمراء وتداعب بها خدها، كانت نجمة الليل تبتسم وتنظر إلى الضابط نظرات ذات معنى، وقبل أن ينطق الضابط بكلمة سمع نجمة الليل تقول باسمة:

      - نحن لا نؤخذ بقوة.. وأنا أحب الشجعان لكني أكره الجلادين القساة...

      نظر إليها في حيرة، ما معنى كلماتها؟ ومن هي أولا؟ إن جمالها لا شك رائع، وكلما نظر إليها ازداد افتنانا، لكنه لا يثق بأحد، يشك في كل مخلوقات الله.. ويفضل أن يأخذ كل شيء بالقوة والعنف، أليس محاربا؟ والنصر في جانبه؟ وهؤلاء المسلمون رفضوا الزواج من الصينيين، وثاروا من أجل ذلك، وسمع نجمة الليل تقول:

      - إذا أخذتني قهرا فلن تشعر بأدنى سعادة... اقترب منها، وقد أنزل سلاحه الذي كان مصوبا، وقال:

      - أفهم من ذلك أنك لا تمانعين في جلسة قصييرة وكأس من نبيذ؟

      توردت وجنتاها وقالت:

      - ولم لا أيها الماجن؟ لكنين أخجل من رجالك.

      - سوف أجعلهم ينتظرون بالخارج.

      قالت نجمة الليل في اشمئزاز:

      - يا إلهي! كيف يسعد العاشقان والعيون ترقبهما أو على الأقل يعرفان أن هناك من ينتظر.. لا...لا ليذهبا بعيدا بعيدا...

      - إن بالقصر أشخاصا نريدهم..

      - أنا سيدة القصر، وقد أصبحت طوع يمينك.

      قالتها وهي تغمز بإحدى عينيها، فأمر رجاله بالعودة إلى ثكناتهم واستطاع أقناعهم بالانصراف الفوري وأقبل نحو نجمة الليل:

      - حسنا، إن جمالك يذهب العقل..

      - لا تلمسني. دع فرصة لكي أتعطر وأحضر النبيذ.

      وهرولت نجمة الليل إلى الداخل، كانت الأميرة وأمها وأخواتها وباقي الخدم في ذعر شديد، والليل قد أطل على قومول بوجهه الأسود، والرعب يسود جنباته، وقالت نجمة الليل للأسرة المالكة:

      - آن أن ترحلوا قبل أن تسقطوا سبايا في أيدي الصينيين، هذا أمر يؤسف له، سوف أتولى خديعة الضابط وانسلوا أنتم من الباب الخلفي، وانطلقوا صوب الجبل، العربة التي أعددناها تنتظر، والرجال يحرسون طريق الهروب، حذار أن تحدث معركة، أية معركة تنشب سوف تجمع عليكم الأعداء، وستفقدون حياتكم أو كرامتكم، إنني على استعدتاد أن أضحي بنفسي من أجلكم، لا تضيعوا الوقت عبثافالضابط في الغرفة، وأنا ذاهبة إليه بالنبيذ، ولتذهبوا أنتم.
      وانهمرت الدموع، واختلطت كلمات الوداع بالتأوهات والنشيج، وعادت نجمة الليل وقليل من الدموع ما زال عالقا بأهدابها، لكنها كانت تغني أغنية صينية خليعة كانت قد حفظت بعض مقاطعها من خادمة صينية عجوز، وكانت تحمل زجاجات النبيذ، وحينما رفعت الكأس للضابط نظر إلى الكأس في شك، ثم ضربه بكفه الغليظة مما أزعجها وأثار الخوف في قلبها فقالت شاحبة الوجه:
      سأشرب أنا أولا، وليس في تاريخ القصر أحد مات مسموما، هنا لا يتصارع الرجال والنساء إلا بالسيوف.
      لقد خسرت كثيرا.
      أدرك ما ترمي إليه فقال على الفور:
      أنا آسف.
      فات الأوان. ما معنى ذلك؟ إن نجمة الليل لا ترهب من أحدا إلا الله. لكننا قبل كل شيء تربطنا علاقة حب. الشك يقتل الحب أيها الضابط الصيني. الظروف المحيطة تلزمني بالحذر، إن العصابات قتلوا الكثيرين من رجالنا، وأنا أحبك، وقفت متسمرة وقالت في لا أريد أن أراك الليلة.
      ما أعجب أمرها، هذا ما كان يردده بينه وبين نفسه، وكان في إمكانه أن يقبض على خصلات شعرها الذهبية ويضعها تحت حذائه الغليظ، ويفعل بها ما يشاء، لكن قلبه لم يطاوعه، إنه مأخوذ بأسلوبها وجمالها الساذج الوحشي، وكلماتها الصريحة المعبرة.يا نجمة الليل أنا احبك، ولن أنصرف قبل أن تعلني رضاك عني.

    • قالت وهي تعطيه ظهرها متوجهة صوب الداخل:
      تستطيع أن تطلق الرصاص من الخلف، أنا أعرفكم، لكني ذاهبة لأستريح في غرفتي.قال في توسل: يا أميرتي الغالية.التفتت إليه هاتفة بعنف:لست الأميرة، الأميرة المسكينة طفلة صغيرة وقد هربت إلى الجبال كالقطة المذعورة، أنا في الحقيقة الوصيفة الأولى، وإن شئت فأنا سيدة القصر... كان الأمير وزوجته وأفراد أسرته يأتمرون بأمري، هل عرفت الآن من أنوطال بينهما الحديث، حتى تيقنت أن الركب الملكي قد غادر القصر هاربا إلى الجبال، لقد نجحت خطتها، وأدت واجبها نحو القصر وأهله، وآن لها ان تنطلق في حرية... إن المآسي التي تدور من حولها، والقيم التي تداس أبان الحروب، وسقوط الحكم ثم قيامه، وتغير الحاكم، وتبادل النصر والهزيمة، وليالي العرق والعذاب والدموع قد أورثها الملل والضيق من الحياة، فلقد ذهب الأمير ولن يعود، وذهب مصطفى مراد حضرت، ولن يعود، أصبح العالم من حولها عالم حيوانات تركض وتنهش وتلعق الدماء، وترتكب الدنس، ولم تلتفت خلفها وهي تذهب إلى حجرة الأميرة، تلك الحجرة الفاخرة ذات الرياش والأثاث الباهر، ثم استلقت على السرير الأميري وتنهدت في يأس، الظلال الحمراء تتراقص على الجدران، والانعكاسات الذهبية تومض ومضات صفراء، والعملاق يقف بالباب ذليلا كالكلب، لقد ألهبت نجمة الليل حواسه ومشاعره: أتسمحين لي بالدخول؟أغلق الباب من الخارج.
      وتصرف حسب أوامرها دون وعي، وكم كانت دهشته حينما وجد نفسه وحيدا خارج الباب، فأدرك المداعبة المخجلة، ففتح الباب مرة ثانية، ودلف إلى الداخل في هياج كالثور، لم تكترث له، أمسك بيدها فسحبتها بلطف.. لا أريدك الليلة. وأين أذهب إذن؟ لقد سقط القصر في أيديكم، تستطيع أن تتخذ لك مقرا في أية حجرة أخرى. وأنت؟هبت واقفة وقالت: تريدني متعة عابرة؟لم يدر بماذا يجيب: حسنا، إذا أردت أن تتزوجني... فـ....وسكتت، بينما نظر إليها في دهشة وقال: كيف؟ أن تكون على دي وما د مسلمة لكني.أنا أحتقر الذي لا يؤمن بخالقه، إنك تقف أمام رئيسك في أدب واحترام، وكأنك في صلاة، فكيف لا تؤدي فروض الطاعة لخالقك؟قال وهو يلقي بجثته الضخمة على أقرب مقعد مريح:
      أنا لا أعرف الإسلام. يجب أن تعرف. والقيادة ستدمرني إذا عرفت أنني أعتنق تلك الأفكار الرجعية. وما يدريهم؟ نعم. حسنا هيا بنا.ماذا؟ لنبدأ الزواج.
      هناك طقوس وكلمات يجب أن تقولها، وهناك مبادئ بسيطة يجب أن تفهمها أولا.استبد به الضيق رآها تمعن في الهروب، وتكثر من المطالب، وتجره إلى أمور لم يكن يأبه لها بالأمس، لماذا كل هذه المتاعب؟ وكيف يصبر لهذا الحد؟ قال في ضيق: أستطيع أن أجرك كالشاة إلى مقري وأفعل بك ما أشاء.
      هزت كتفيها في عدم اكتراث وقالت: تستطيع....وبعد أن ابتعلت ريقها قالت: لطنك لن ترى في آنذاك الأنثى التي تسقيك رحيق الحب، سأكون مجرد وجبة شهية كطعام الشاة، الفرق كبير بين لحم الأنثى ولحم الشاة.ركع على ركبتيه وقال:إنك امرأة غريبة، لقد أصدرت حكم الإعدام على المئات في هذه المدينة، وتم التنفيذ في لحظات، وقتلت نساء ورجالا، الذي يحيرني هو أنني لا أستطيع أن أفعل شيئا حيالك.ابتسمت نجمة الليل وقالت: وهذا يسعدني. لماذا؟ لأنك تتحول تدريجيا من حيوان مفترس إلى إنسان.
      صرخ في حدة: ماذا تعنين؟ القتلة والظالمون ليسوا بشرا، وماضيك يبدو كماضي قاطع الطريق، إنني أريد إنسانا شجاعا، إنسانا.. أتعرف معنى كلمة إنسان؟
      الإنسان في نظره هو المخلوق الآدمي ذو الشاوارب، الذي يستطيع أن يحارب وينتصر، ويحقق ما يريد، ويقتل ويستولي على الغنائم، ويرفع الشعارات التي يرفعها سادته ورؤساؤه، ويستمتع بالنساء من أي لون وعقيدة وجنس، ماذا تريد منه هذه المرأة.وسمعها تقول وهي هناك فرق بين الإنسان والحيوان. الناس جميعا يعرفون من أنا؟ الناس بين خائف منك، أو تابع لجيشك، ولهذا لن تسمع إلا ما يرضي غرورك.
      أمسك كتفيها الممتلئتين في عنف وقال: ماذا تريدين مني؟أن يكون لقاؤنا في ظل مبدأ، مبدأ غير المبادئ الخاطئة التي يضعها الأقوياء بعد أن يهزموا التعساء. إنني أحبك يا نجمة الليل. ولن نلتقي إلا إذا شهدت لا إلله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. لأني أحبك سأنفذ ما تقولين. قل الشهادتين.

      ولما قالها أردفت قائلة:
      ويجب أن تمنع رجالك عن القتل والسلب. سأفعل.أعرف أنكم جائعون، متعبون، وتريدون الطعام والنساء والأمان. فلتسنوا الشرائع العادلة، ولا يكون انتصاركم مبررا لتحولكم إلى حفنة من الوحوش، أسلوب الوحوش يجر إلى الكراهية والعنف، ولا تشم فيه رائحة للسعادة.

      قال: لشد ما تعجبني كلماتك.إذن فأنت جدير بالاحترام، وبالقرب من القصر عالم فقيه لسمه الشيخ مولوي عبد الرازق، اذهب إليه وأحضره إلى هنا وليكن معه شاهدان، وبذلك نتزوج شعر ببعض الحرج، وأخذ يتلفت يمنة ويسرة ولا يدري ماذا يفعل عندما وثبت من سريرها، وارتدت عباءتهاالسوداءثم قالت: انتظر أنت، وسأعود به على الفور.

      قال ملوحا بسبابته: حذاري ..الهرب معناه أن أحيل المدينة إلى حمام دم.

      رمته بنظرة عاتبة وقالت:اجلس صامتا.
    • جلس المسكين ولايعلم انه امام بنت الملوك ونها مستعده تضحي بنفسها من اجل شعبها المسلم
      وذهبت للعالم واتفقة معه واحظرته وتم عقد الزواج الدي وضعة شروطه نجمة الليل وعليه وقع الظابط
      المسكين
      وفي خلال الأيام التالية رأى الناس في قومول نجمة الليل تركب عربة فخمة يجرها جوادان، إلى جوارها الضابط، وكل السائرين في الشارع يفسحون الطريق، لقد تزوجته ولم يكن زواجها بالأمر السهل في قومول، ما دام السر الكامن وراءه لميكتشف، ورماها الناس بالخسة والدناءة والدعارة، لو أن الضابط الصيني أخذها عنوة لالتمسوا لها الأعذار، لكنها - على ما يبدو- قد باعت نفسها للمستعمرين، وتنكرت لخطيبها مصطفى مراد حضرت، وسارت في ركاب المنتصرين، مما جعل الشائعات تتردد عنها في كل مكان، ولم يفكر أحد في السبب الذي من اجله توقفت المذابح في قومول إلى حين، وبدت نجمة الليل أكثر شحوبا وفتنة، وأصبحت تظهر في مجتمعات الصينيين يحوطها الاحترام مما جعل العجب والدهشة يسيطران على المواطنين والمواطنات في المقاطعة.وهم لايعلمو انهامن جهازالاستخبارات

      وعندما انتصر الثوار في البداية، وأقاموا جمهورية في "كاشغر" برئاسة خوجة نياز، وأذاقوا الصينيين الأهوال أخذت القوات الصينية تهرب في كل اتجاه قاصدة عدة أماكن، وكان من نصيب هذا الضابط أن يهرب إلى أورومجي، وأخذ معه نجمة الليل، فقد شهدها أهل قومول قبيل الهروب تفر معه، كانت اللعنات تطاردها، وكانت النسوة يبصقن وراءها، وقد تشجع بعض الأطفال وقذفوا وراءها بالأحجار، ثم ولوا مذعورين.

      وبعد أن تمت الاتفاقية بين الحاكم والروس، وجاءت الطائرات والدبابات والمصفحات الروسية، تغيرت الأوضاع، وتقهقر الثوار، كما تم اعتقال رئيس الحكومة وكبار القادة، وتمت السيطرة على الأرض الإسلامية وعلى الشعب الإسلامي في تركستان الشرقية...

      وعاد الضابط ذات مساء ووجدها تبكي. لماذا تبكين يا نجمة الليل؟ الناس يموتون، وأنا أكره الحرب، وأخاف قال في ضيق: وماذا أفعل، إنهم يقتلون منا ونحن نقتل منهم.قالت والدموع تنهمر في عينيها: تمنيت أن تعود إلى بلادك وأنا معك، وأن نعيش كما يعيش البشر في سعادة واطمئنان.أدرك على التو أنها تبدي اعتراضها على احتلال الصينيين لبلادها بأسلوب غير مباشر، فقال دون انفعال:
      حبيبتي، هذه أمور كبار لا يحق لمثلي مناقشتها، الجيش يتحرك بأمر عال، هكذا في كل أرض، ولا عبرة- أمام السياسة- بحق أو بباطل.

      ثم نفث دخان غليونه وقال والكدر يعلو وجهه: لشد ما أعاني من التعب.
      وصمت برهة وقال: أتريدين العودة إلى قومول؟ إنها الآن هادئة تماما، وقد أخفق الثوار، وعادت سيطرتنا عليها.قالت في أسى:
      لشد ما أتمنى أن أهيم على وجهي في أرض لا يعرفني فيها أحد.قال أدرك ما تعانين منه لماذا؟أشعر أنها ملوثة بدماء الرجال والنساء.

      قال في شرود:

      أنا في الحرب كالأعمى، ماذا نفعل؟ لقد خلقنا لنأكل، ولكي نأكل لا بد أن نحارب، ونموت، وأنت لي، أحبك يا نجمة الليل.

      ثم صمت برهة وقال: كيف تنظرين إلي؟قالت في توتر: أنت سجين، مريض، إنسان معذب على كل حال.ابتسم في رضا وقال: هذا يسعدني.
      التفتت إليه في دهشة: وكيف؟
      لأنك لا تعتبرينني عدوا. ماذا لو طلبت الانفصال عنك؟

      هتف في رعب:ماذا؟ أعني الطلاق. لماذا؟ لأنك لست مسلما. هل تنسين؟ أنني نفذت كل ما طلبه العالم الفقيه. لكنك تحارب في صفوف الكفار. أنا لا أعرف سوى انني جندي في جيش ثم صرخ ودق الحائط بقبضته وقال:الجيوش لا تعرف الله. ولم لا نحاول معرفته إذن؟هز كتفه في سخرية وقال:وما قيمة ذلك؟
      أن نعرف طريق السعادة.
      آهـ.. الكافرون بالملايين وهم أكثر عددا من المؤمنين، عي هذا الأمر فسوف نتعذب بلا فائدة.وجفف عرقه: إذا رحلت.ولم يكمل كلامه، فاقتربت منه وقالت: لا أبقى لحظة واحدة معك إذا تسببت في قتل واحد من أبناء شعبي.
      اهدئي يا حبيبتي، فلم يعد لي شأن بالحرب الفعلية، فأنا الآن مشرف على نقل المواد التموينية، والأمر لم يعد في أيدي الصينيين، إن الروس قد ملكوا زمام كل شيء الآن.ثم استطرد ساخرا:
      ثم هناك الكثيرون من أبناء تركستان باعوا أنفسهم للشيطان، إنهم يقتلون ويرتكبون أبشع الجرائم ضد مواطنيهم، ألم تعرفي؟

      أغرقت عينيها في وسادة وانفجرت باكية.
    • (9)
      تحولت بلادي الخضراء، ذات الفواكه والزروع المتنوعة والمعادن الكثيرة، أقول تحولت إلى جحيم لا يطاق، وكيف يعيش الإنسان في أرض يكمن فيها الموت، ويبث الرعب في جنباتها، ويلهو بمصائرها الأجانب الغزاة، ما أفظع أن تعيش في بلدك الحبيب، الحقيقة لم أكن أنا الغريب، بل شعرت أن تركستان هي الغريبة، هي الشاردة الهائمة على وجهها في عالك كله ابتزاز وسجون وقتل، والشيء الذي أعجب له هو أني ما زلت حيا حتى الآن، لكنها إرادة الله، وما أقل ما بقي من المساجد، قلة من و الشيوخ الطاعنين في السنين يتوجهون إلى المساجد خفية، ويرتلون الصلوات في نبرات دامعة خافتة وعيون الجواسيس تراقبهم، قد لا يصيبهم أذى، لكن بنيهم وأهليهم معرضون دائما للانتقام، وكنا نمر على المساجد التي استولوا عليها وأحالوها إلى مسارح أو أماكن لسكنى الشرطة والإدارة، وننظر في الجدران ونبكي في هدوء، فمن يبكي علانية يعرض نفسه لموت محقق، وكنت أتنقل من بلد إلى بلد وكنت أتخذ لنفسي في كل مرة اسما جديدا..
      آهـ. إنها ذكريات قديمة، لم أعد أذكر الأسماء التي انتسبت إليها، وفي أورومجي، وجدت أن تغيير الاسم وحده لا يكفي، لقد اشتغلت حمالا، وضعت على ظهري وقاء ثقيلا من قماش الأجولة وأمسكت بمخلبين حديديين، وتركت لحيتي وشاربي ينموان كيف شاء لهما، وبدت أقدامي الحافية متشققة، وكأنها عاشت في الطين عشرات السنين، ولزمت الصمت، وأحيانا إذا تلفظت بكلمات معقولة تشي بك الكلمات، وتكشف عن شخصيتك، وفي المساء ألجأ إلى حجرة قذرة صغيرة، وأعبد الله، كنت أتخيل أن الملائكة تمسح دموعي الحارة، إن حضارتنا تمحى وتذوب، الروس يأتون بعشرات الآلاف، والصينيون يأتون، وكذلك الصينيات حتى يحدث التزاوج بين أبناء تركستان وبين أبناء الغزاة الصينيين، قلت أعمل حمالا، كنت أحمل على ظهري خيرات بلادي من كل الأنواع وأضعها في السيارت الضخمة والقطارات كي تشحن إلى أرض الغزاة، كل الأشياء كانت تشحن، معادن وفواكه وبهائم ومزروعات... كان للغزاة الكبار أماكن للتجمع، هناك يرقصون ويشربون ويسهرون ويغنون، وكنت أرى العجب العجاب، ما أكثر الخونة الذين باعوا ضمائرهم ودينهم واستسلموا لرغبة الغزاة ونواياهم، وبذلك أمكنهم أن يتسلموا بعض المناصب الهامة، وبين عشية وضحاها تحولوا إلى نوع جديد من البشر، كلما نظرت إلى وجوههم خيل إلي أنهم لم يعودوا تركستانيين بالمرة، وأن طريقتهم في المأكل والمشرب والملبس، حتى أسلوبهم وسلوكهم، وكل شيء فيهم تغير، إنهم يقلدون السادة الغزاة في كل شيء، ويلوون ألسنتهم بلغة العدو، كلما نظرت إلى ملامح الوطن أصاب بالرعب، وكيف تعود تركستان الشرقية العروس الطاهرة الفاتنة ذات الطهر والنقاء.
      اليأس يدب في نفسي، وأنا أدب في الأرض حزينا تثقلني الأحمال
      التي أنقلها إلى السيارات أو إلى السفن، وأثناء
      تجوالي في يوم من الأيام رأيتها أصابني الذهول ضرخت دون وعي:
      نجمة الليل!
      وتوقفت العربة التي يقودها أحد الصينيين، ونظرت بوجهها الشاحب، أفقت إلى نفسي، أدرت وجهي إلى وجهة أخرى، وأزمعت الفرار، لكنها طارتني بعربتها حتى أمسكت بي، نظرت إلي بعيون جامدة لا تطرف. وقالت: أريدك أن تتبعني إلى القصر..
      ارتجفت وهتفت في ضيق
      ستأتي إلي، السيد يريد رجلا يعمل في خدمتنا، وهو غائب خارج أورومجي، لا بد أن تحضر.
      وقبل أن أفيق من هول المفاجأة، كانت العربة الأنيقة قد انطلقت،
      وسمعتها قبل أن تنطلق تصف مكان القصر في كلمات
      قصار، وعدت إلى حجرتي المظلمة العفنة أصلي وأبكي، في كثير
      من الأحيان يبدو لي الموت أروح بكثير من الحياة، الموتى لا
      يشعرون بشيء، وأحيانا أخرى يملآ قلبي اليقين بأن الإسلام لا بد ينتصر، وأن الحرية حتما ستجئ، أنا معلق بين اليأس والأمل، راغب في الموت أحيانا، متشبث بالحياة أحيانا أخرى، أنا الممزق المعذب الضائع الذي لا يعرف له طريقا يسير فيه ملجأ يهنأ فيه..
      البحث عن قصر السيد ليس صعبا، القصر في مكان هادئ منعزلوعليه قليل من الحرس، ولم أستطع أن أذهب بثيابي الرثة، خلعت ملابس الحمال، ولبثت شيئا يليق بالحارس القديم في قصر حاكم قومول الذي انتهى أمره وتشتت عائلته
      لم يمنعني أحد، نظر إلي حارس القصر وقال:
      أأنت القادم لمقابلتها؟
      هززت رأسي في خوف، وحمدت الله على أنه لم يسألني عن اسمي، مع أن اسمي قد لا يثر خطرا ذا بال، فالعدو عندما
      يتمكن ويحكم قبضته يتوارى الخوف في قلبه، وينصرف بشيء من الاستهتار، ومن حسن حظي أن البيت كان خاليا، يا إلهي!
      لماذا أتيت، وماذا أقول لها؟ وهل أقبل العمل في خدمة سيدة أصبحت من سيدات المجتمع الراقي؟ وقد كانت بالأمس مخطوبة
      لي، ما معنى ما أفعل؟ هي في السماء وأنا ملقي على الأوحال، والموت يطاردني كما يطارد كل ثائر قديم، لكن حب الفضول
      يدفعني دفعا لا هوادة فيه، كانت تجلس على كرسي من القطيفة
      الحمراء، وترتدي لباسا أسود يزيد من فتنتها، لشد ما تغيرت
      نجمة الليل، إنها تبدو حزينة وسيمة وقورة، لا أرى أثرا لطيش
      الشباب ونزوات الصبا، تبدو كأرملة فاتنة..
      قالت كنت أريد أن أراك منذ زمن طويل.
      نظرت إليها دون أن أجيب.
      قالت ظننت أنك قد لقيت حتفك في الحرب اعتصمت بالصمت، وحاولت أن أتكلم فلم أستطع.
      قالت واليأس يجعل الإنسان يفعل أي شيء يا مصطفى مراد حضرت.
      وانتظرت أن أفتح فمي بلا فائدة، هبت من مقعدها واقفة وقالت:
      لشد ما أحترم الرجال الذين ماتوا في المعركة.
      تمنيت أن لا يموت أحد على أعواد المشانق أو في ساحات السجون يجب أن يموت المناضلون في الميدان ولا يسلموا أنفسهم للغزاة.
      ووجدتني أقترب إليها في جرأة وأقول:
      ولماذا سلمت نفسك حية يا نجمة الليل؟
      ضحكت في ألم:
      ها أنت تتكلم أخيرا.. حسنا...أنا لا أبرر تصرفاتي، عندما سقط القصر أردت أن أحمي سكانه، وأردت في نفس الوقت أن لا أكون مطية لكل غاز لهذا اخترت رجلا وتزوجته.بالاسم فقط
      قلت في دهشة:
      وكيف تزوجت؟
      كما يتزوج الآلاف، اعتنق الإسلام وتزوجني.لكن لم ياتيني
      كما تعيش بلدي تركستان تحت وطأة الاحتلال، كما تعيش أنت في أورومجي الذي يحكمه العدو، كل شيء هنا يمضي بلا روح.
      غمغمت : "بلا روح".
      نعم افتقدنا عشق الأشياء وحبها، ولهذا نأكل وننام ونشرب ونلهو بلا روح، ونتحرك كأننا تماثيل من الشمع تحتاج إلى من ينفخ فيها الروح، كاللعب اليابانية الجميلة التي تجري وتصدر أصواتا وهي من خشب أو صفيح، الحياة الحقيقية لم يعد لها وجود، نحن نضحك ونبكي وننفعل كممثلي المسرح، هل فهمت يا مصطفى مراد حضرت؟
      قالوا عني إنني طلقت الشرف والعفاف..
      أهل قومول تروج بينهم الأكاذيب بسهولة، لماذا اهتموا بقصتي ذلك الاهتمام كله؟ لم أكن سوى وصيفة تافهة في محاربت الااحتلال
      لم نزل على أعتاب الموت، أتعرف كم عدد الذين أعدمتهم الحكومة المحتلة؟ إنهم أكثر من مائة ألف.
      ألست تركستانية مسلمة مثلك؟
      المائدة عامرة بأطيب الطعام، والشعب في الخارج يأكل أوراق الشجر ويلتقط الفتات ويتضور جوعا، والأطفال المساكين ينظرون بعيون مفتوحة على الآخر، إلى الخيرات تشحن في العربات، أو تنقل إلى بيوت الغزاة.قالت اسمع اسمك تورسون اخفي شخصخ بهذل الاسم تسمع فهمة

      في هذا الاثنا لفا الظابظ
      نظر إلي الضابط عند الظهر أثناء طعام الغداء نظرات نافذة وقال:
      هل هذا هو الخادم الجديد؟
      من أية مقاطعة أنت؟
      فلت اسمي تورسون ، من مقاطعة آلتاي.
      دارت رأسي، وأنا أنظر إلى السكاكين الموضوعة على المائدة.

      قال تستطيع أن تنصرف أنت يا تورسون.
      قالها في رقة، وعدت إلى المطبخ أتخبط كالثمل، الثائر لا يعرف المهادنة، والكراهية تأكل قلبي كما تأكل النار الحطب، وحربهم للدين وعقائده تدفعني لأن أرتكب أية حماقة، ليس الأمر خاصا بي، ولكنه ثأر لله.
      باغتني السؤال، صحيح، لماذا أتيت؟ لقد كنت أفكر في الانتقام طوال حياتي من هؤلاء المعتدين، لكن أين الانتقام؟ ودق قلبي، هناك حقيقة أحاول إخفاءها، لقد كنت أحب ، إن قبولي المجيء إلى هذا القصر يمت إليها هي الخرىذكرى وانصرفت، لم أرها طوال اليوم، وبقيت أفكر لماذا ساءت الحال؟ وتحكم في أرضنا الغريب، قال لي في الزمن الغابر أحد خطباء مسجد "كاشغر":
      يا بني إن الإسلام هو العزة، فمن تمسك به عز، ومن تركه ذل، وبلادنا استسلمت في نوم عميق، وغلبت عليها الدعائة والاسترخاء والعبث، وأخذ الناس ينسلون عن الدين عروة عروة يا بني لقد طغى الغنى وضاعت الحكمة ورضخ العلماء للأمراء وعم الفساد والفقر والجهل، وانتشرت المعاصي، يا بني هذا هو بداية الانهيار. وقال أيضا:
      إن في الشرق اعداء وفي الغرب أعداء، وهم يعتصمون ابلقوة والكثرة، ونحن نعتصم بأمجاد قديمة، والأمجاد القديمة لا تصمد وحدها.
      يا بني، المسلمون ممزقون، تركيا تنهكها الحروب والمظالم، والعرب تحت سنابك خيل العدو صامتون، والكفر ملة واحدة، والمسلمون ملل عدة، وبذلك تستطيع أن تفسر لماذا يكون النصر، ولماذا يكون الهزيمة.
      إني أتذكر هذه الكلمات جيدا، وكلمات أخرى كثيرة كان يرددها خوجة نياز والجنرال شريف خات وغيرهما، كانوا مؤمنين شجعانا، وفي ساحة الموت لقوا الله دون خوف، لا شك أن مجيئي لها القصركان نزوة من نزوات الشيطان، ويجب أن أرحل، يجب أن أرحل على الفور، لكن بعد أن أفعل شيئا، مقابل الوقت الذي أضعته هنا، وبعدها أسرع بالذهاب إلى الرجال بالجبال.
      يقال إن البطل العظيم عثمان باتور أحد رجالنا الشجعان يجمع الرجال ويستعد لثورة جديدة، فلماذا أبقى هنا؟
    • يا بني، المسلمون ممزقون، تركيا تنهكها الحروب والمظالم، والعرب تحت سنابك خيل العدو صامتون، والكفر ملة واحدة، والمسلمون ملل عدة، وبذلك تستطيع أن تفسر لماذا يكون النصر، ولماذا يكون الهزيمة.

      تكفيني هذة الكلامات
      ~!@q تدور الايام بين رحايا العاشقين غزل وهم وجراح مكروبين فهل بشفتيكي اكون حزين الدكتور شديد أستمتعوا معنا في الاستوديو التحليلي بساحه الشعر المنقول ~!@q شارك shokry.ahlamontada.net
    • نعم يجب ان ارحل والتحق برجال الحق
      لكن مهل مهل الماذا يامصطفى لاتوفر المعلومات الاستخباراتيه الرجال الثوره نعم انها فرصه امد الرجال باالمعلومات عن العدو ونجمة توفرلي الغطى انها فرصه عظيمه حاولت أن تطمس المعاني التي تختمر في قلبي ورأسي لكني كنت أقاوم، كان من الصعب أن أقاوم، فلنجمة الليل إغراء من نوع قاتل، إن سيطرتها على الضابط هذه السيطرة العجيبة لا تعني سوى أنها امراة تريد عمل شيء البلادها بدت الافكار تساورني عن هاذا الحقائق وعاد الضابط بعد يومين، كان مرهقا منزعجا، سمعته يقول لها:
      إننا على أبواب متاعب جمة. لماذا؟ عثمان باتور والثوار بدأوا حرب العصابات.وماذا يضيرك، هل تظن أنهم قادرون على هزيمتكم؟ وترفع صوتها لكي اسمعها قال
      إنهم يداهمون المراكز الصناعية، ويخطفون الضباط، ويقتلون الكثيرين، لو كانوا في معركة مكشوفة لأمكن القضاء عليهم. هنا عرفت نجمة الليل مخادعت الظابط
      وبدا في عينيها بريق الفرح لكنها اخفته، كان منهمكا في الطعام و غارقا في التفكير، وفي المساء علمت أنها خرجت معه وحدهما للتنزه في إحدى الحدائق الخاصة، وطال بقاؤهما في الخارج، لكن عند منتصف الليل عادت تصحبها ضجة كبرى، وامتلأ القصر بالضباط ورئيس الاستخبارات، ماذا جرى؟ لقد أصيب زوجها المزيف برصاصة قاتلة.. فحملوه إلى القصر، وهي تبكي وتصرخ وتشد ، وتقول:
      لقد رأيت القاتل لقد أطلق الرصاص وركب جواده وهرول صوب النهر أستطيع أن أميزه من بين عشرة آلاف...
      وكانت تصيح وتولول، وبان الغضب والضيق في أعين الحضور، وأخذوا يستجوبون الأرملة الحزينة وهي غارقة في دموعها، كانوا يحاولون تهدئتها، لكنها كانت تحرضهم على الثأر والانتقام، واعتقال كل المشتبه فيهم في أورومجي.
      وقال رجل الاستخبارات
      هذا هو الحادث الثالث اليوم في أورومجي، إن رجال عثمان باتور يثيرون الاضطرابات، لا حل سوى العنف، والمزيد من العنف، لقد قلت يجب أن نقتل كل تركستاني يشتبه في أمره، لكنهم يرفضون وجهة نظري أن جميع التركستانيين مشتبه في أمرهم، أنا أعرف كيف ألتقط الخونة، لن أترك هذه الأحداث تمر ون عقاب، وقد أعلنا حالة الطوارئ في أورومجي هذا الكلام فرصتي وخبر استخباراتي هام ساوصله على الفور لرجال هناك
      في المدينة، وسادها جو من الخوف، وكان الضباط الأجانب يعانون من ضيق شديد، وبدا الأسود والنمور كالأرانب، لقد كنت على وشك الرحيل من ذلك القصر، لكن هذا الحادث أخر رحيلي، حسنا يجب أن أنتظر، وذات مساء وجدتها تدخل غرفتي، انتفضت واقفا وأنا أهمهم:
      سيدتي.
      نظرت إلي بعينين ثابتتين لا تطرقان:
      ألا تعرف القاتل؟ من؟ حسنا، أنا الذي قتلته. أنت يا نجمة؟ ضحكت في شماتة وقالت:
      نعم، أتدري لماذا؟
      كانت تتحدث في توتر، وكنت مذهولا لحديثها، فلم أنطق بكلمة واستطردت وهي تقول:
      لقد قاد كمينا أوقع بعشرة من الثوار، كانت عملية رهيبة، لقد اعترف
      لي بنفسه، وبرر ذلك بأنه لا يستطيع مخالفة الأوامر، لقد وعدني قبل ذلك أن يتفرغ للإمدادات التموينية، وليلتها لم أنم، حاول ، لم يبد عليه أدنى تأثر أو انفعال،
      كان يمرح وكأنه لم يفعل شيئا، وتصورت.. ماذا لو كنت أنت يا مصطفى مراد حضرت أحد هؤلاء الثوار العشرة، أخذته، قلت لنحتفل بانتصارك ، كان سعيدا، وروى الكثير من العمليات الناجحة، وعما أعدوه للثوار، إن عثمان
      باتور يسبب لهم إزعاجا كبيرا..





      آه ، ونزلنا إلى الحديقة، ومررنا بجوار السور من الداخل، تناولت مسدسا، واجهته، لم أهاجمه من الخلف، قلت إنني أحاكمك، أنت خائن، والقتل جزاء الخيانة والغدر، أخذ يقهقه، كان يظن أنني أمزح، صرخت فيه كمجنونة، اثبت مكانك، الجريمة الكبرى هي الكذب، كذبت على شعب تركستان حينما زعمت أنك مسلم، فلم تصل ركعة واحدة، وكذبت حين قلت إنك تكره الحرب، أنت لم تكن سوى حيوان، ..قف.. لا تتحرك، لقد شحب وجهه، ركع على ركبتيه، رأيت في عينيه الدموع، تصور أنه كان يبكي، لشد ما تلذذت ببكائه، ما الذي أتى بك في بلادنا؟ أغمض عينيه وقال متوسلا:
      أعدك بشرفي ألا أعود لمثلها لوو طردوني من الجيش، ضحكت وضغطت على الزناد وأنا أقول:
      قتلي لك يطهرك من قاذورات وخطايا كثيرة.من دم ابنا تركستان خذ..خمس طلقات بعدد التعساء الذين راحوا وقضينا أيما تعسة، كان رئيس الاستخبارات في أورومجي يسوق الأبرياء المشبوهين إلى المعتقل، وكل يوم كان يعدم واحدا أو اثنين بحثا عن القاتل، ومن آن لآخر كانوا يأتون بعض الثوار أو المشتبه فيهم فتنكر أن أحدهم هو القاتل، وزادت عمليات القمع والسجن واشتدت حالة الطوارئ وحدها بل في كافة المدن الكبرى، كما ازداد نشاط الثوار.
      يجب علي ان ارحل والتحق با الرجال في الجبال ..
      (11)

      اعدينا اثنان من الحصن السريعه وواحد الحمل الامتعه ورحلنا سويا انا ونجمة الليل
      وأخيرا نفق منا الجواد، ولجأنا إلى قرية صغيرة في الجبال يسكنها بعض المزارعين والرعاة، كان الجو قد بدأ يميل إلى الدفء قليلا، وبقينا في هذه القرية بضع ليال...
      وصلت مكان الجنرال عثمان ..

      كنت أدرك أني فخورة أيما فخر بما فعلت، وبعد رحلة شاقة بلغنا

      جبال آلتاي. واستقبلونا استقبال الابطال وتم الزواج والله الحمد على سنة الله ورسوله تركة نجمة الليل مع النسوه وذهبة
      هناك مقر الجنرال عثمان باتور البطل الذي دوخ الأعداء والذي استطاع أن يمسك ببعض الخونة من أبناء البلاد المتشيعين للعدو، وكان عثمان باتور صارم النظرات، طويل الشارب، كث اللحية، كبير الأنف لحد ما، وكان هادئ الحركة، وسيما قليل الكلام، عميق التفكير، إنني أعرفه جيدا، وأعرف الكثيرين من الرجال الذين يناضلون إلى جواره، وكان يلبس الملابس الثقيلة أو السميكة اتقاء للبرد القارس في الجبال، ما أعجب هؤلاء الرجال، كانوا يصمدون لعواصف الطبيعةومكائد الأعداء، ويجابهون الموت والمكاره بشجاعة منقطعة النظير طوال سنوات، وكان شعارهم الذي يهز الجبال "الله أكبر... الله أكبر" وكان بالجبل العديد من مراكز الثوار، فكنت أقضي مع هذا المركز أو ذاك فترة من الوقت، وأحكي لهم تفاصيل المذابح والاضطهاد التي يرتكبها الأعداء في حق المواطنين، وأشترك في بعض الهجمات أو العمليات الخاطفة، وكان هدفي في النهاية أن أكون قريبا من عثمان باتور، حيث مجموعتي الأصلية التي أنتمي إليها، وأعمل معها، وسألتقي هناك مع مصطفى دوغا...
      ...
      وصلت مكان الجنرال عثمان ..
      (12)
      كنا على الجبال، وقال عثمان باتور في اجتماع حاشد بجبل آلتاي:
      أيها الرجال الصناديد...
      اليوم يوم عصيب ودقيق، ويتوقف عليه مستقبل بلادنا، ربما لأجيال، وصراعنا على هذه الأرض طويل، منذ طمع
      فينا قياصرة الروس، بتحريض من المتعصبين الأوروبيين ادعياء المسيحية، ومنذ امتد بصر الصينين من عشرات السنين إلى
      بلادنا العظيمة.. أرض البطولات.. والأمجاد .. والمعارك الإسلامية الخالدة.. منذ أن اجتزأ كل عدو قطعة من أرضنا، في غفلة
      من الأمراء والحكام اللاهين، لا أريد أن أتحدث أيها الرجال عن الماضي كثيرا، وإنما أردت أن أقول إن تحرير أرضنا لن
      يحققه لنا أحد، على أكتافنا وحدنا ينهض بناء الحرية، كذب علينا الروس حينما عرضوا لنا العون، وكذب علينا الصينيون حينما
      زوروا لنا الأمنيات الحلوة في الحرية والاستقلال، وها أنتم ترون بلادكم تحكم بالحديد والنار، ويساق الآلاف إلى ساحات
      الإعدام، ويساق مئات الألوف إلى المعتقلات، لقد أبيدت أسر تركستانية بأسرها، وقادتنا العظام قادة التحرير لم يعاملوا كأسرى
      حرب عندما وقعوا في أيدي العدو، وإنما قتلوا أشنع قتلة، ولوثت سمعتهم وشرفهم، وهم خير من أنجبت أرضنا الطيبة، وهم
      الآن يحاولون خلق جيل مخدوع ضائع من أبنائنا في المقاطعات القرى والمدن، ويزعمون أنهم يريدون نشر العلم والتقدم في بلادنا أيها الأبطال! إننا نحارب من أجل تحرير أرضنا، ونكره العدوان في ي صورة من صوره، وندافع عن ديننا الإسلامي الحنيف، وتراثنا الحضاري العريق.
      إن حربنا اليوم جهاد في سبيل الله، وعلينا أن نضرب ضربتنا حتى تقصم ظهر العدو، وعندما نتحرر فسنكون أصدقاء للجميع، فبلادنا لا تعادي أحدا، ولا طمع في أحد، غنية بالخيرات والأمجاد يجب أن تكون لنا، ألسنا شعبا جديرا بالحرية؟ لقد يئس العدو من القضاء على حرب العصابات التي قمنا بها، قاموا بحملة فتك الأهالي وسطوا على الشعب بغيهم وانتقامهم، !!!!!!!!!!!!

    • ادمعتني يا شومان صور تقتل تجرح بلا رحمه لعنه الله عليهم
      ~!@q تدور الايام بين رحايا العاشقين غزل وهم وجراح مكروبين فهل بشفتيكي اكون حزين الدكتور شديد أستمتعوا معنا في الاستوديو التحليلي بساحه الشعر المنقول ~!@q شارك shokry.ahlamontada.net
    • واليوم لا مناص من الحرب الشاملة الكبرى.."
      ودوى الرجال بالهتاف والتكبير، وفي الأيام التالية أخذت الجموع تزحف زحفا كبيرا، كانت قوات العدو تتراجع في ذعر، وأصبحنا على بضعة أميال من أورومجي، فأخذت قوات الشعب تكيل الضربات لقوات العدو الباقية في التركستان الشرقية، وتراجعت تلك القوات إلى تركستان الغربية، وكشف تقهقر العدو عن حقائق عجيبة، كانت مختفية تحت وطأة الاحتلال، فقد ظهر فعلا من السجلات التي تركها العدو أثناء تقهقرهم أن هناك عائلات تركستانية بأكملها قد اختفت تماما، كما بلغ عدد المعتقلين في معسكرات الاعتقال ثلاثمائة ألف، وقد روى المعتقلون الذين أفرج عنهم بعد الانسحاب قصصا رهيبة من التعذيب الوحشي الذي تعرضوا له في معسكرات الاعتقال، وكانت الصور التي رسمها هؤلاء المفرج عنهم مما تقشعر لهوله الأبدان، ولم يعثر أهل الضحايا على جثث شهدائهم فقد كانوا يخفونها ويعملون على إبادتها بوسائل عجيبة، وقد عثر بالمصادفة على جثتين في أحد المناجم المملوءة بالغازات الخانقة تبين فيما بعد أنهما للسيد خوجة نياز والجنرال شريف خان أحد قواده، كما حدث نتيجة للأمطار الشديدة أن انهارت عمارة تشغلها إدارة الاستخبارات (ج. ب. أو) والتي كان يعتمد عليها العدو في البطش بخصومهم، ووجد تحت أنقاض هذا المبنى هياكل بشرية بلغت ثلاثة آلاف هيكل، مما يدل على أنه كان يوجد تحت البناء المتهدم سجن لأفراد الشعب، وأنهم ماتوا فيه دون أن يعني أحد بأن يفتح لهم الباب أو يسأل عن مصيرهم، وخرج أبناء الشعب التركستاني من كل الطوائف ليشهدوا المأساة التي لا مثيل لها.
      كيف مات هؤلاء؟ إنني يا مصطفى لا أستطيع أن أستطرد في خيالاتي، أليس هذا منتهى القسوة؟ آه... الحجرات المظلمة.... الاستغاثات التي لا يلبيها أحد... الجوع.. الظمأ... السياط الخارقة... كان فيهم من يحلم بزوجة وأطفاله، وبفتاة وهبها قلبه.. يا إلهي! أيمكن أن يحدث هذا في العالم؟ لعنة الله على الأعداء، ماذا يريد منا هذا العدو؟ كيف يرجى خير من وراء قوم فعلوا هذا الفعل البشع؟ انظر الهياكل المتعانقة، إنهم ماتوا وهم يحتضنون بعضهم بعضا، وهناك هياكل ماتت ميتة القرفصاء، لا شك أن البرد كان شديدا، كانوا يتضرعون إلى الله وهم في أتعس الأوصاع، هؤلاء الذين عاشوا طلقاء في الغابات والجبال في بلادنا الجميلة يوتون على هذه الصور الرهيبة... اللعنة على الكافرين..
      عندما يموت الإنسان لا يشعر بشيء بعدها،
      العذاب لنا نحن، ويجب أن نتألم، حتى تتولد في أعماقنا طاقة كراهية خالدة لكل الطغاة...
      سوف أرحل بعد أسبوع، إن مقاطعتي إيلي وآلتاي الغنيتين بالمعادن والثروات يجب أن ننتزعهما من أيدي العدو.
      واستمرت المعارك القاسية، والأعداء يولون الأدبار، والتقى بنا عثمان باتور في لقاء خاص ضم عددا غير قليل من القادة، وقال:
      أيها الرجال! هل علمتم بما فعله الحاكم الصيني لتركستان؟
      تركزت أبصارنا إليه، وقال بهدوئه المعهو:
      إنه يقبض على حلفائه.
      كيف؟
      لعبة السياسة والمصالح لعبة قذرة.
      لكنهم حلفاؤه وهم الذين أنقذوه.
      نعم أنقذوه ليملكوه، وليستغلوه ويستغلوا البلاد.. كان بملك ولا يحكم.
      وكان واضحا ان الحاكم الصيني قد ضاق ذرعا بحلفائه ولم يستطع أن يفلت من أسر مستشاريهم وخبرائهم إلا بعد رحيل العدد الأكبر منهم، وبعد أن استطاعت قوات عثمان باتور أن تبدد جحافلهم وتفر هاربة، فانتهز الفرصة، واعتقل الرعايا الحلفاء، وأرسل لزعيمه يعتذر ويتأسف ويطلب منه العون ضدنا، إن الحاكم لا مبدأ له، وعلينا أن نستعد لجولة جديدة مع الصينيين بعد أن هزمنا حلفاءهم.
      وأصدرت قيادتنا أمرا عاما بتكليف كل قادر على حمل السلاح بتقديم نفسه للاشتراك في تطهير البلاد من الجرذان
      الصينيين، ثم بعث عثمان باتور إنذارا إلى الحاكم الصيني وحدد له موعدا لمغادرة البلاد مع قواته، وإلا كان مصيرهم ميعا
      الهلاك المحقق.
      كان الحاكم حائرا لا يدري ماذا يفعل، فقواتنا تحاصره من كل جانب ، والرسل التي أرسلها –ومنهم شقيقه- إلى
      عاصمتهم لم يأت عنها خبر، والشعب يتدافع إلى الموت من أجل الخلاص في ثورة عارمة تدعو إلى الفخر والإعجاب.
      ها نحن نلتقي مرة ثالثة يا مصطفى حضرت.
      ونظرت فإذا بصديق العمر منصور درغا..
      آه يا منصور.. لشد ما تغيرت، إني أرى الشعرات البيضاء في رأسك، بالأحضان يا منصور.
      لاحظت أن ذراعه اليسرى لا تتحرك، وأنه يدفع مدفعه بيده اليمنى، فاحتضنته في حب بالغ.
      وعدت أنظر غليه، لقد ذهب الكثير من نضرة وجهه، ورأسه بدت صلعاء إلا من شعرات قليلة، لكن لحيته بقيت رمادية توحي بالإصرار العنيد، وفي عينيه حزن لا يريم...
      ما هي أخبارك يا منصور؟
      انتصرنا...
      ضحكت، فلم يعد أحد يجهل هذه الحقيقة، وأدرك هو أن جوابه غير شاف.
      وزوجتي الغجرية ماتت، ذبحوها كما تذبح الشاة في وليمة فاخرة، كانوا يتقاسمونها كالوحوش، كانت تصرخ وتدافع، الحيوانات المفترسة تعرف الرحمة، أما هم...
      وأكمل وهو يلوح بسبابته:
      لا... لا... وانتشر خبر فراري من المعتقل، ليتني ما هربت، كان خيرا لي أن أكون أحد الهياكل التي عثروا
      عليها في مبنى المخابرات المنهار، تسألني لماذا؟ لقد بحثوا عني في كل مكان، ولأنهم فشلوا في العثور علي اختطفوا أسرتي
      كلها نساء ورجالا وأطفالا.. تسألني الآن مامصيرهم، فأقول بكل أسف.. ذهبوا..
      ودمعت عيناه:
      ذهبوا إلى من لا يظلم أحدا.
      وجفف الدموع وتمتم:
      أتعتقد أني أسعد من هؤلاء الذين ذهبوا؟
      أمسكت بيده وقالي:
      هنا منشور في أورومجي وفي آلتاي وكاشغر وقومول بخصوصكما..
      ماذا تعني؟
      مبلغ من الذهب لمن يقبض عليك أو على نجمة الليل سواء أكنتما أحياء أو أمواتا، إذا هو أنت؟ إن قصتك مادة
      صحفية رائعة.
      ونظرت إلى كتفي، وأشرت إلى الصحفي الذي هتف مقهقها:
      نجمة الشرف الأولى.
      نعم يا صديقي من عثمان باتور.
      ليس هناك أشرف من الجهاد في سبيل الله، يا منصور..

      قال هيا بنا، نجمة الليل كانت تريد أن تراك..
      ماذانجمة الليل..
      ضحك في ثقة وقال لقد اشتركت في عدة عمليات فدائية رائعة..
      وكان يجلس إلى جوارنا صحفي جريح عاد لتوه وقال:
      هنا منشور في أورومجي وفي آلتاي وكاشغر وقومول بخصوصكما..
      ماذا تعني؟

      مات أمير قومول، وأظنهم قتلوه، وتبدد الأمراء أو تحولوا إلى نماذج للشقاء والتعاسة، وانفرط نساؤهم في كل
      الأنحاء، الدنيا تموج وتفور بأحداث لا نهاية لها، لكأنما كتب علينا أن نقضي العمر محاربين..
      أعرف، لكني أحيانا أفيق إلى نفسي، واتذكر الأيام الجميلة والطفولة البريئة، والأهل والغدير، لماذا ذهب كل هذا؟ هل لا بد أن يشقى الإنسان حتى يبلغ ينابيع السعادة؟ وأين هي السعادة يا مصطفى؟ ها نحن ننتصر، لكن الأمر لكثرة الانتصارات والهزائم أصبح أمرا هينا، أحيانا ينتابني هذا الشعور... اعذرني... فقد فجعت في الإنسان كإنسان، لماذا تموت زوجتي؟ ولماذا يموت العجوز أبي؟ وتراق دماء أمي وإخوتي وعشيرتي؟ قيل لي إنهم كانوا يتمتمون ببضع آيات من القرآن، وكان أبي يعلو صوته بآية الكرسي، كان الجلادون يضحكون.. لماذا يضحكون؟ مصطفى.. أريد أن ألتقي بنجمة الليل، أريد أن أسألها كيف عاشت مع هؤلاء الوحوش؟ كيف آكلتهم وشاربتهم؟ أكانوا بشرا؟
      أدركت أن منصور متألم لما أصابه وأصاب أهله، وأن نوبات الحزن التي تحل به من وقت لآخر تثير ثائرته، وتكاد تذهب بعقله.
      فربت على كتفه في مودة وهمست:
      أتؤمن بالله؟
      نعم.
      انهمرت دموعه، ثم أخذ يغمغم:
      (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة:156)
      (13)
      كور قبضته، وزم شفتيه، وصرخ في جنون: تسحقني الإرادة اليائسة. هذا ما قاله خاكم تركستان الأكبر، المعين من قبل الصين واستطرد في سخط:
      كان علي أن أعتمد على خلفائنا أو على مساعدة الصين لكي أحمي سلطاني من ثورة الشعب التركستاني، ما وقفت قط وحدي واستطعت أن أنجز أي انتصار.. ما معنى ذلك؟ معناه أن أبقى طول حياتي متكئا على ذراع حليفي، لذالك لم أشعر قط بالراحة أو التنسم بيرح السعادة.
      رد أحد الجنرالات الصينيين الكبار قائلا:
      لم نفكر قط في أن نتخذ شعب التركستان الشرقية صديقا.

      هذا مستحيل، الغازي والمهزوم لا يمكن أن يكونا صديقين، كل مرة كنت أحاول أن أسكت المقاومة بالعنف والقسوة... لم يكن هناك طريق آخر.. لست ساذجا، إنني أفعل ما أعتقد أنه صواب لا غير، انظر.. الجبال حولنا تمطرنا بالرصاص والرجال، بعد انهيار العون من حلفائنا، وإذا لم يف زعيمنا بوعده فستسقط أورومجي، وسنذبح هنا في أشهر مذبحة عرفتها أرض تركستان..
      وعاد الحاكم إلى استراحته الخاصة، كان ثائرا منفعلا، وجلس وحده يفكر، ولا يدري أطال به الوقت أم قصر، لكنه عندما رفع رأسه وجد احدىخادماته واقفه على راسه ، وتمتم في دهشة من متى ونتي هنا
      حوالي نصف ساعة.
      يا إلهي! ولماذا لم تتكلمي، لشد ما يعذبني صمتك.
      كانت فتاة روسيه مرغمة على أن تعيش مع الحاكم على الرغم منها، كانت تحمي بذلك نفسها وأسرتها، ليست هي الفتاة الأولى ولكنها هنا منذ شهور، إن الرئيس لم يكلمها بعد، هي صامتة دائما، كان المفروض أن يطردها، لكن صمتها كان يحلو له، كل النساء ثرثارات، أما هذه فلا تكاد تفتح فمها إلا لتجيب على سؤال في أقل كلمات ممكنة، وقال لها:
      إذا رحلنا من هنا فهل تبقين أم ستأتين معي؟
      إنني واسرتي طوع أمرك يا سيدي.
      يبدو أنها لم تفهم ما يرمي إليه.

      ولم يكمل حديثه، لكنها نظرت إليه، وقالت بسذاجة:

      عندئذ ستنجو بنفسك يا سيدي، ولن تفكر بامرأة مثلي.
      لماذا؟
      النساء كثيرا على طول الطريق، وأنا من أكون؟
      الحياة كلها يسودها الخوف، والناس هنا يتحركون بدافع الخوف أو المصلحة، حتى الجنود الصينيون في المعركة، عندما يشعرون أن حياتهم في خطر، يركعون على الأرض ويهتفون مستغيثين ويطلبون الشفاعة من التركستانيين، وبعضهم يهرب بحياته للإسلام، ويعتنق دين الأعداء التركستانيين، والحلفاء يعانونني ويرسلون جيوشهم بثمن.. إما أن يسيطروا على السلطة أو يستولوا علىالمواد الخام أو يكسبوا أنصارا لهم، وأنا نفسي لم يتقدموا لمساعدتي إلا بعد أن أعلنت ولائي لهم..."
      والتفت مرة ثانية إلى الفتاة:
      اذهبي إلى الجحيم.
      نعم انها عقول الشيوعيه هكذا يتخلى عن والديه ولاقربين متى مااحس بالخطر
      أخرجي من القصر؟
      ألا تعرفين الجحيم؟
      الجحيم... الجحيم... لا أعرف مكانه بالضبط، ولكني أستطيع أن أسأل...
      قهقه في سخرية وهتف:
      انصرفي يا حمقاء..
      وبلاامس أنفها الرقيق وشفتيها الدسمتين، وعينيها الواسعتين ثم يقبلها وكأنه في حلم وردي وتمتم:
      الحاكم لم يصلح لشيء، لقد ذهب الشباب والحب بعد أن زال السلطان والنفوذ، لقد نسيت اسمك ولم أعد أذكر إلا خيالات باهتة يحتضنها الماضي التي تختلط فيه الابتسامات بالدموع.. والحرب دائما.. ولا شيء غير الحرب..
      دقت دقات على الباب، فتنحني الفتاة وتخرج، ويدخل ضابط أركان حرب:

      سيدي، النجدة لم تصل، والتركستانيون المسلمون يحاصرون أورومجي، والمعارك الدامية تدور خارج المدينة ، لم نحرز أي تقدم. ادفعوا بالمزيد من الرجال.ألا تفكر في الانسحاب؟
      الانسحاب حماقة، إذا فكرنا وانسحبنا أتدريماذا تكون النتيجة؟
      ماذا؟
      سيختطفنا المسلمون من كل جانب، سيقضون علينا من كل صوب، ونخسر المعركة بكل تأكيد، وسنموت جميعا، أورومجي محصنة، وتستطيع أن تصمد لفترة طويلة، ليس هناك من وسيلة سوى الصمود حتى الموت.. أو تأتي النجدة.. اخرج وأبلغ القيادة بذلك.
      تلعثم الضابط وقال:
      إن الإنذار الذي أرسله عثمان باتور يؤكد سلامتنا إذا رحلنا.
      ضحك وقال:
      أنا لا أثق في وعود المحاربين.
      لماذا؟ إنهم لا يكذبون يا سيدي. قهقه وقال إننا خدعناهم ألف مرة. لكنهم...
      قاطعه الحاكم قائلا:

      انصرف، المقاومة حتى النهاية، لا انسحاب ولا تسليم.

      وانصرف الضابط، وبقي الحاكم وحده يعاني من ضيق ووساوس لا حد لها، وعندما يقترب القائد من حافة اليأس لا يصح أن يستسلم، بل يجب أن ينتحر، وأفضل وسيلة للانتحار أن يقذف بنفسه في أتون المعركة، هذا ما أفكر فيه، لقد أرسلت أخي إلى عاصمة الصين، ولن يعود أخي خالية الوفاض، إن الزعيم لن يترك تركستان الشرقية تفلت من أيدينا.. معنى ذلك أن يبتلعها حلفاؤنا، النجدة لا بد آتية.

      .(14)
      وأخيرا أرسل الزعيم النجدة المكونة من ست فرق انتحارية مجهزة بأحدث أسلحة، وعندما حاولت الفرق الست عبور حدود

      تركستان تصدت لها قوات الحدود، فأرادت القوات الصينية أن تخدعها، وتقدم قائد الفرق الصينية من القائد التركستاني وقال:

      إننا لم نجئ إلا لتأديب الحاكم الذي انحاز وتشيع مع حلفائه، ولا نريد سوى تطهير بلادكم منهم.
    • قال القائد التركستاني ساخرا:

      فلتطهروا بلادكم أولا.
      تاكد يا سيدي أننا قادرون على تطهير أرضنامنهم ومن قائدكم أيضا، نحن نعرفه جيدا، إننا نعتصم باللإسلام وهو
      خير درع ضد أي غزو.
      قال القائد الصيني:
      إن وقوفكم في وجه قواتي يعطي الأعداء فرصة أكبر.
      قال القائد التركستاني أنتم أيضا أعداء.
      لسوف يفتك بكم الحاكم. إنه محاصر في أورومجي، ولن يستطيع الهروب. حسنا.. لسوف نعود من حيث أتينا، ولنترك لكم هذا الخطر الداهم كي تعالجوه بأنفسكم.
      ولم تمر أيام قليلة حتى ظهرت الخدعة، وتقدمت الفرق الانتحارية الصينية على حين غرة، وداهمت حرس الحدود، وكان عددهم قليلا جدا بالقياس على عدد القوات الصينية الزاحفة، إنها معركة غير متكافئةجعلت الصينيين يعبرون الحدود، وعانت هذه الفرق ما عانت من مقاومة الأهالي، وفقدت الكثير من القتلى واستطاعت بعد جهاد مرير أن تقترب من ؟أورومجي حيث يقيم الحاكم الصيني كالسجين، إذ كان تحاصره قوات عثمان باتور النظامية، عندئذ أعلن الحاكم الصيني عن تخليه عن حلفائه تماما، فأتت جموع صينية جديدة تزحف كالنمل، لتواجه عثمان باتور وقواته:
      قال عثمان باتور: أيها الرجال! أنا لم أيأس بع.
      لا قبل لنا أيها الجنرال بهذه الحشود الصينية التي لا أول لها ولا آخر.
      ابتسم عثمان باتور في ثقة.
      إلى القلب الحنون... إلى الجبل.
      كيف؟
      ن هناك سنبدأ من جديد يا مصطفى حضرت.
      سيدي..
      أعرف ما تقول، تريد أن تستمر المعركة حول أورومجي، في الإمكان أن نصمد حتى الموت، هذا شيء عظيم، الأعظم منه أن نبقى أحياء ونطهر أرض الإسلام منهم.. أعلن في الرجال العودة إلى الجبال.
      وعدنا إلى الجبال نحمل جراحنا وقتلانا وأحزاننا، لم يستبد بنا اليأس، كنا فرحين لأننا أذقنا العدو الأمرين، وكبدناه الكثير من الضحايا، لقد دفع الثمن غاليا، ونحن لم تنكسر شوكتنا، أو تخمد عزائمنا، وأشرف الجبل من جديد بوجوه الرجال الصابرين الصامدين، وعادت صفوف الصلاة والتكبيرات تحوم في الآفاق العالية وأخذت المناورات تستأنف من جديد، الأمر المضحك أن الزعيم أصدر أمرا بعزل صديقه الحاكم الذي استنجد به، وعين مكانه صينيا آخر حاكما عاما على التركستان الشرقية، وابتسم عثمان باتور وقال:
      من لا يملك يجود على من لا يستحق، كأن بلادنا مزرعة خاصة لهم.
      كان الحاكم الجديد شرسا عصبيا، وأراد أن يثبت أنه جدير بمنصبه الجديد، لقد اتخذ خطوة قمع قاسية خبيثة، وكان أبشع ما في هذه الخطة هو أنه أصدر أمرا بالقبض على الطبقة المثقفة في تركستان وخاصة الكتاب والشعراء والعلماء، حتى أولئك الذين لم يحملوا السلاح من قبل، وأقام مذبحة رهيبة ترددت أنباؤها الفظيعة في كل أنحاء البلاد.
      ويومها ساد جو الجبل وجوم حزين، وقال منصور درغا:
      المجرم يحاول قتل روح الأمة.
      قلت في أسى:
      حملة الفكر تذبحون كما تذبح الشاة.
      نعم، الدين والفكر الأصيل هما وجدان الشعب، الطاغية الخبيث ضرب ضربة في الصميم.
      وقال منصور درغا وهو يبكي:
      أعرف شاعرا طالما تغنى بالانتثار وآمال الغد..
      وأعرف عالما فذا أفاض على الشباب أبان المعمعة بتحليلات ودراسات إسلامية مذهلة.
      حتى فتية المدارس الصغار الذين كانوا ينشدون الأشعار في المظاهرات ساقوهم إلى ساحة الموت.
      وجاءت نجمة الليل وهي تهدهده في رقة وقالت:
      لماذا بقي هؤلاء المثقفون هناك، المثقف الذي لا يحمل السلاح ويأتي إلى الجبل لاستئناف المعركة ليس حقيقيا..
      قلت في أسى:
      إن هؤلاء المثقفين لهم عذرهم، وشعبنا في كل مكان في حاجة إليهم وإلى كلماتهم، إنهم يؤدون نفس الدور الذي يؤديه حملة السلاح على سفوح الجبال، بل ربما يكون دورهم أخطر، ولهذا ترين يا عزيزتي أن العدو الصيني ساقهم إلى الموت قبل غيرهم، لأنه يعرف خطرهم.
      وبدأت حرب العصابات من جديد، وبدا للصينيين أن المعركة لم تنته بعد، وفي كل ساعة ينحدر الرجال من الجبال ليقوموا بعملياتهم الانتحارية، ويختطفوا الغزاة، ويدمروا منشآتهم، ويبددوا المن الذي ظنوه حقيقة واقعة، وتحول النصر الصيني إلى آلام وتضحيات وعذابات مستمرة.

      وفي الوقت نفسه ثورة شعبية أخرى في مقاطعة إيلي، يتزعمها وطني مخلص، وهو عالم إسلامي كبير اسمه علي خان الذي استطاع بعد معارك عنيفة مع الصينيين أن يستولى على مقاطعة ويحررها، وأصبح الشيخ علي خان رئيسا لجمهورية تركستان الشرقية الإسلامية، وكان الجنرال عثمان باتور قد انضم إليه هو ورجاله، وبفضل خبرة هذا القائد الهمام عثمان تم الاستيلاء على مقاطعتي آلتاي وتشوشك، وتكبد العدو الصيني خسائر فادحة في الأموال والأرواح، وأصدر رئيس الجمهورية الشيخ علي خان أمرا بتعيين الجنرال عثمان باثور واليا على مقاطعة آلتاي.

      ولم يكن الشيخ علي يستطيع تحقيق هذا النصر إلا بعون كاف من السلاح الذي جاءه من الروس دون إملاء أية شروط سوى تطهير التركستان الشرقية من الغزو الصيني، لم يكن من اليسير أن يستسلم الصينيون بين يوم وليلة، بل ظلوا يقاومون في استماتة، وكثر عدد الجيش الإسلامي التركستاني، وانتعشت آمال الأمة بعد مفاح وعناء شديدين....
      لكن منصور درغا قال:
      ها نحن ننتصر، ولكني خائف.
      قلت في ثقة:
      لا معنى للخوف، ولقد جربنا أن النصر تصنعه سواعدنا.
      قال منصور درغا ساخرا:
      وما قيمة سواعدنا بدون سلاح؟
      أدركت أنه يعني معونة السلاح الذي جاءه للشيخ علي خان، إن منصور يشك، ويخاف على بلدنا الصغير أن يعود إلى
      اللعبة المحزنة، لعبة الكرة التي تتداولها أقدام الأقوياء. إن العالم يتغير يا منصور.
      هز كتفيه قائلا:
      بل إن المنتصرين امتلأوا غرورا وغطرسة. سوف يتحول احتلال البلاد إلى شيء آخر.
      ماذا تعني يا مصطفى؟ قال أن الصداقة هي بديل للاحتلال، ولا مانع من أن نكون أصدقاء للذين ساعدونا.
      أنت تظن أننا وحدنا مارسنا حياة الأخطار والأهوال، لكني أؤكد لك أن ابنك وجيله سيكون أتعس منا.
      الصينيون المنهزمون طلبوا الصلح. لقد رفضناه. هل تعلم أن الدولة التي تمدنا بالسلاح ضغطت على رئيس الجمهورية كي يقبل الصلح والمفاوضات؟ قلت في حدة:

      على أساس استقلالنا، وأريد أن أقول إن رغبة تلك الدولة كانت أقوى من الرغبة الشعبية، أردنا انسحابا غير
      مشروط للذينيين وهزيمة كاملة لهم، وأرادت تلك شيئا آخر.. المعنى لا يخفى عليك.
      لقد عاد السلام الذي طالما حلمنا به، ونحن نعود إلى مدننا وبيوتنا وننعم ببعض الراحة، إني أرى المستقبل رائع.
      لوح منصور درغا بيده قائلا ثم مال على أذني هامسا:
      عثمان باتور كان رافضا للمقترحات.. إن استقلالنا استقلال ذاتي.

      سيرحل الصينيون، وهذا هو المهم.

      (15)
      ساد لغط كبير في أنحاء البلاد أبان الاستعدادات للاستفتاء الكبير وتقرير المصير، ووجدت خلافات جذرية بين

      السياسيين والمفكرين، لكن ثقل الحلفاء أعطى التغييرات الداخلية اتجاهات خاصة ومؤتمرات معينة، فقد طفا على السطح أولئك الرجال الذين يمتدحون موقف الحلفاء ومدهم لتركستان الشرقية بالسلاح، كانت وحدة النضال تجميع قلوب الرجال على معنى واحد هو التحرير وعودة البلاد إلى حظيرة الإسلام والحرية، ونتيجة للمفاوضات التي أجريت تقرر تعيين جانجي القائد العام لشمال غرب الصين حاكما عاما لتركستان الشرقية، يعاونه ثلاثة من التركستانيين هم: أحمد جان، وبرهان شهيدي، (نائبا للحاكم) وليومون شون سكيرتيرا للحاكم العام، وكانت مهمة هؤلاء الأربعة هي العمل علىإجراء الانتخابات التي نصت عليها المعاهدة، وتهامس الناس، إن الرجال الثلاثة من أعوان الحلفاء، لقد باعوا انفسهم للشيطان، ولكن الدعاية حاولت أن تبعد عنهم هذه الشبهات، وحاولت تصويرهم بصورة الأبطال، القوميين الذين لعبوا أدوارا من أجل تحرير البلاد أبان محنتها، كما ساعدوا على مد الثوار بالسلاح مما جعل الثورة الشعبية تحقق أهدافها على صورة رائعة، ومع ذلك فقد أخذت البلاد تستعد للانتخابات، الآن رأي الشعب هو الرأي الحاسم، ولن يستطيع أحد أن يخدع هؤلاء الثور المحاربين الذين ظلوا سنوات طويلة يتصدون للعدو، ويحطمون من محاولاته المستمرة للقضاء على استقلال البلاد، وفي هذه الأثناء فوجئنا بالدولة الحليفة تحاول السيطرة على المقاطعات الثلاث: إيلي، وآلتاي وتشوشك، كن الرئيشس علي خان وقف وأعلن على الملأ:
      إننا لن نفرط في ذرة من تراب الوطن، ولن نسمح بالتدخل في الولايات الثلاث.. ونحن على استعداد لاستئناف القتال ضدهم إذا لم ينسحبوا.وغرقت البلاد في جو من الدسائس والفتن. تمتم الجنرال عثمان باتور.
      فرد الرئيس عي خان قائلا:
      العالم مشغول عنا بتضميد جراح البشرية.انتهت حربنا ولم تنته..
      اقترب الرئيس علي خان من عثمان باتور وقال:
      يا جنرال ! عد إلى قواتك.. واستعد.

      أدركت ما يعتمل في الأفق السياسي من تحركات مريبة، فقلت لزوجتي:
      نجمة الليل! لقد حان الرحيل..
      إلى أورومجي...
      أريد الذهاب إليها،قالت إن ذكرياتها تؤلمني.
      قلت إذن إلى قومول..
      قالت وقومول هي الأخرى فيها افتراءات قديمة قد تجلب لي ولك المتاعب.
      أتوافقين على الذهاب إلى كاشغر؟ قالت لا بأس.
      وهناك ستعيشين مع الطفل، أما أنا فذاهب إلى الجبال.
      الأيام المريرة تعود، والصديق يريد الثمن.

      وكان الرئيس علي خان يجلس في قصر الرئاسة مع زوجه وذويه والليل خارج القصر ساكن هادئ، والناس في بيوتهم يسمرون ويتحدثون عن الانتخابات المقبلة والعهد الجديد، وتدهم القصر فئة من الشبيبة حاملين السلاح، تعلن عيونهم وملامحهم عن الغدر والخيانة:
      قال ماذا تريدون؟
      قالو قم معنا.
      قال لهم أنسيتم أنني الرئيس؟
      نحن نعرف، وليس أمامنا من وسيلة سوى إطلاق الرصاص إذا لم ترافقنا.
      اختفى الشيخ علي خان، وأخذ الناس يتهامسون، لماذا لم يعد يظهر كالعهد به في صلاة الجمعة، ولماذا لم يعد يلتق برفاق السلاح الذين قادهم بالأمس وأحرز معهم الانتصارات البارعة ضد الصينيين، وكثر اللغط والجدل حول مصير الشيخ علي، لكن بيانا رسميا يصدر عن الحكومة تعلن فيه أن الحاكم الرئيس علي خان سافر للاستشفاء...
      وفؤجئ الناس بالاستخبارات من جديد، لقد اندسوا في الشوارع والمزارع والمصانع، وأخذوا يعتقلون المناوئين في الولايات الثلاثة التي طمع فيها الصديق، وصدر قرار بتعيين أحمد جان التركستاني المعروف رئيسا على المقاطعات الثلاثة: إيلي وآلتاي وتشوشك.
      وعندما قدمت القوات لاحتلال آلتاي برز الجنرال عثمان باتور برجاله وتصدى للقوات وبدأت الحرب..
      كان العدو أكثر عدد وعدة، ومن ثم لجأ الجنرال عثمان باتور إلى منطقة غوجن واعتصم بالجبال المنيعة هناك.
      عقب المعركة جاء منصور درغا يعرج، نظرت إليه وبكيت:
      ماذا جرى؟
      قال في سخرية مرة:
      في كل مرة أفقد شيئا عزيزا علي، يوما ما فقدت ذراعي، ومرة فقد زوجتي الحبيبة، في أيام السلام القصيرة تزوجت أرملة في آلتاي، ترى ما مصيرها الآن؟ وقد أصيبت ساقي اليمنى برصاصة، مع أني ما زلت أحمل السلاح الذي عاونونا به... ما هذا العجب الذي نراه في دنيانا الغريبة؟
    • وارتمى إلى جواري يلهث، أخذ الماء وكأنه لم يشرب منذ أسبوع، ثم انحنى على ضمادة ساقه وأخذ يعيد إحكامه وينقي عنها الغبار والطين..
      ثم تطلع إلى الأفق الدامي عند غروب الشمس وقال:
      كلما نظرت إلى الأصيل تذكرت الآخرة، الأصيل يوحي إلي بالنهاية...
      فلت لم هذه الأحزان يا منصور؟
      تستطيع أن تطلق علي من الآن فصاعدا المهزوم..
      ثم أخذ يغني أغنية شعبية تركستانية قديمة:
      الليل يا حبيبتي مرصع بالنجوم..
      ينوح كالأسير في غياهب الوجوم..
      كوجه غانية..
      سوداء قاتمة..
      من ساحل العبيد..
      خليها رخيصة..
      لكنها تضئ..
      عيناي لم تزالا تهمسان بالنشيد...
      بوجهك المضئ..
      يا حبيبتي لكنما لقاؤنا محال..
      فرحتي ترف في مجاهل التلال..
      قلت مازحا:
      إن حبيبتك أرملة قد تخطت الأربعين، ولا شك أنها تغط في نوم عميق الآن
      التفت إلي منصور في أسى وقال:
      ألم أقل لك؟ ها قد فعلوها وفصلوا الولايات الثلاث وهم الآن يعيشون في باقي الولايات، يبعثرون نفوذهم في كاشغر وأورومجي، وقنصلياتهم تشتري الرجال، وتخطف الرجال، لقد اشتروا حتى الذهب والفضة فارتفعت الأسعار... أتعلم ذلك؟ إنهم يفسدون الاقتصاد والسياسة والفكر والدين، وذمم المواطنين أيضا.
      كانت المنطقة التي لجأنا إليها حصينة حقا، فلم يكن أحد بقادر على مداهمتنا فيها لوعورة مسالكها، وكل مجموعة دفعها العدو إلينا استطعنا أن نبيدها إبادة تامة، وأصبحت لنا اليد الطولى في تنسيق العمليات الحربية، وتنظيم حرب العصابات، وكانت سلطة العدو تحاول جاهدة أن تصدر البيانات الكاذبة.. عثمان باتور قاد عملية بارعة، وزحفنا حشودا ضخمة صوب آلتاي، واستطعنا احتلالها وطردنا العدو وفر أذنابه والخونة، وفرض الجنرال باتور سيطرته على المقاطعة مرة ثانية..
      ويومها ابتسم صديقي منصور درغا وقال:
      هذا حظ أرملتي الحسناء، أوشكت أن تترمل مرتين.
      ودخلنا المدينة وجرت النسوة المحجبات يستقبلن الجنرال بالأغاني وخرج الرجال بالهتافات المدوية، والأطفال بالأناشيد الحماسية، كلما حققنا شيئا من النصر يظهر وجه بلادنا الحقيقي تغمره الفرحة تضئ المآذن وينطلق منها التكبير والتسبيح لله.
      أشعر أن آباءنا الأقدمين الفارابي والبيروني والبخاري وابن سينا أشعر وكأنهم يلبسون عمائمهم ويقفون على مشارف الطرق يحيون جهادنا، ويرحبون بمقدمنا..

      أشعر أن المجد القديم كله يبعث من جديد، فيمتلئ بالثقة وتفيض روحي بالأمل...

      (16
      نحن كالغريق، يظل يقاوم بذراعيه قوى الموت، ويضرب ويضعف ويدفع الأمواج في وهن، ثم يغوص، وهناك في المجاهل المظلمة في أعماق البحر يودع الحياة في صمت وحزن، آه..يا مصطفى حضرت، نحن هكذا.. أترى سيذكرنا اويذكر شعب تركستان أحد بعد الموت؟
      كان منصور درغا يتكلم، ويحاول أن يمثل دور الغريق وهو جالس إلى جواري، ويسبح متوهما بحماس بالغ، ثم ألقى سؤاله الأخير وهو يلهث وكأنه يقاوم الأمواج حقيقة..
      ووجدتني أجيبه قائلا:
      ما قيمة أن يكذ نا أحد؟
      قال والجد يرتسم على وجهه:
      لذلك قيمة كبرى.
      ما هي؟
      إذا نسينا الناس فمعنى ذلك أن القضية الشريفة التي نناضل من أجلها قد ماتت..
      وأخذت أهز كتفي وأقول القضايا لا تموت بموت الرجال.ضحك منصور في سخرية وقال:

      لا قضايا بدون رجال، ماتو الابطال مثل خوجة نياز، ومات الجنرال شريف خان ومات أمير قومول... نحن لسنا أمراء ولا جنرالات، لكن القضية حية، انتظر لا تقاطعني، وماتت زوجتي الأولى، وتزوجت أرملة غيرها، القضية لم تزل حية، لكن وا أسفاه! ما زلنا نقاوم الأمواج، أترى سنبلغ شاطئ الأمان أو ستأتي سفينة النجاة.. أم نلاقي الموت في الأعماق السواد الصامتة؟

      ومانت آلتاي في أيدينا وعثمان باتور يعد العدة، ويجند الجنود، والثوار يهرولون إلينا من كل مكان يحتله العدو أو يسيطر عليه الخونة، وأخذ ينضم إلينا التجار الذين أفلسوا والأغنياء الذين سلبهم الفقراء أموالهم، والفقراء الذين يسخرون لشق الطرق أو بناء السكك الحديدية دون أجر سوى أن يأخذوا وجبة طعام، والعلماء الذين أذيقوا العذاب والسخرية ألوانا.
      وذات يوم جاؤوا بجنودهم.

      هذا ما كان يتوقعه عثمان باتور، جاؤوا هذه المرة بأعداد كبيرة، زحفوا على آلتاي كالسيل الجارف، ومعهم عدد وآلات، وكانت المعركة عنيفة دامية، خسروا كثيرا وخسرنا كثيرا، لكنهم استولوا ثانية على آلتاي، وعدنا مرة ثانية إلى الجبال وشعابها، واتخذنا باريكول قاعدة لانسحابنا، وكان عثمان باتور يقول:
      النضال حتى الموت.
      ابتسم منصور درغا، وكانت الدماء ينزف من رأسي، أخذ يضمد لي جراحي ويقول:
      لكأنما نموت موتا بطيئا.قلت ألا تؤمن بالبعث؟

      قال إنني أؤمن بالبعث، لكننا نبعث في الآخرة يا صديقي، وقلوبنا صافية كالنبق الرقراق، لن يبعث معنا حقدنا، إنني أحقد على الأعداء أشد الحقد، عندما يتوارى هذا الحقد، فلسوف أفقد لذة كبرى، إنني ادعو الله أن أبعث حاقدا، هؤلاء الشياطين ارتكبوا من الموبقات ما لا يصدق، آه يا مصطفى.. قد أخذ بعض رجالنا أسرى أثناء إحدى المعارك، أتتذكر؟ ربطوهم في عجلات الدبابات .. أتذكر؟ كانوا يتبارون في تصويب الرصاص إلى آذانهم وعيونهم، أتذكر؟ كانوا يسخرون ويقولون : اشنقوا آخر ثائر بأمعاء آخر جندي، لقد شنقوا بعض العلماء الثوار فعلا بأمعاء أحد جنرالاتنا.. أيمكن أن تسمى هؤلاء بشرا؟

      كانت وطأة الهويمة على أنفسنا قاسية، وكان الأصدقاء قد تحالفوا مع الحاكم الصيني الجديد، على استئصال شأفتنا،

      وأخذنا نتطلع يمنة ويسرة فلا نجد صديقا ولا حليفا، قال عثمان باتور وهو ينظر إلى السماء ويشير بسبابته:إنه الله معنا...
      وهتف الرجال المرهقون الذين ينزفون ويتألمون : "الله أكبر".
      وقال منصور درغا ذات أصيل:
      سوف نذهب إلى أعماق الجبال، وقد نرجع إلى المدينة أو لا نرجع، ما رأيك في أن نقوم بجولة صغيرة؟ أريد أن أطمئن على زوجتي، وأنت الا تريد أن رؤية ولدك وزوجتك؟
      الحقيقة أنني كنت في أشد الشوق إلى رؤية نجمة الليل وطفلي الذي كبر، لكننا مطاردون...ثوار.. وإذا سقطنا في أيدي العدو فمعنى ذلك الموت لا محالة، وهتفت في قلق:
      المدينة تبدو لنا وكأنها حقل من حقول الموت.
      أتخاف الموت يا مصطفى؟ هيا بنا.. سوف نتخفى.. وسنرى الدنيا الجديدة التي شكلها المعتون، في المدينة سنرى الرايات، والشعارات، سنرى المدينة تنشد قصيدة رثاء ووداع، المدن كالبشر يا مصطفى تحزن وتتألم، وتترنم بالشعر، وتلطم خدودها، المدينة كائن حي، كائن بشري... صدقني..
      ونخترق الطريق الطويل بلا هويات، أحيانا نلبس زي الرعاة وأحيانا نبدو متسولين نستجدي لقمة العيش، وفي بعض الأوقات نشترك مع عمال الشحن والبناء، أو نشترك في مظاهرة صاخبة تهتف، أو نأخذ دورنا في رجم أحد الثوار الخونة الشرفاء، لكننا لم نكن حريصين أن تسقط أحجارنا عليه، كنا في وسط الضجيج نضرب الأحجار في رؤوس الجنود سواء أكانوا أعداء أو تركستانيين خونة، اختلط الحابل بالنابل وسادت البلاد فوضى من نوع غريب، المصاحف وتفاسير القرآن، وكتب الحديث وخاصة كتاب الإمام البخاري جدنا العظيم وغيرها من كتب الفقه والتوحيد، كثير منه ممزق وملقى في الشوارع، والجنود يشعلون فيه النار ليستدفؤوا من شدة البرد..

      وأخيرا وبعد ليال شاقة مضنية وصلنا إلى المنزل الذي تقيم فيه زوجة منصور درغا، كنا قبيل المغرب بقليل، ودخل منصور أولا.. ووجدته يضحك بصوت عال كاد يستلقي على قفاه:
      تعال وانظر يا مصطفى.. المرأة خلعت ستر الحياء.
      وسمعتها تقول بصوت يخالطه البكاء:
      لعنة الله على الشياطين! لقد مزقوا قناعي في الشارع وفعلوا ذلك مع كل امرأة تسير محجبة، واختطفوا عباءتي، وأشعلوا فيها النار، بل أمسكوا بثوبي وأعملوا فيه المقص حتى يصير قصيرا، وتصير أكمامه أيضا قصيرة، إنهم يريدون لنا التقدم والحضارة.

      كان منظر الأرملة في ثوبها القصير الأسود، وأكماما التي تقترب من إبطها، وشعرها المتهدل، يعطي انطباعا في قلبي لا أنساه، إنه مشهد يضحك ويحزن في نفس الوقت...
      وأمسك منصور بزوجته وقال:
      هذه هي تركستان الجديدة.
      كانت المرأة تشعر بالخجل، وتبكي ف حرارة، لكن منصور ضمها إليه في حنان وقال:
      لا تحزني يا حبيبتي، لن نبقى هنا طويلا، سنذهب إلى حيث تلبس النساء ما تشاء، وفي الجبل يا حبيبتي لا توجد مصاحف ممزقة، ولا يستطيع أحد أن يدوس صحيح البخاري.
      وتركت منصور درغا على أمل اللقاء به في الغد، كنت أشعر بشوق جارف نحن نجمة الليل والطفلي الحبيب، الذي يستطيع الآن أن يجري ويلعب ويناديني باسمي.. لكم أحب هذا الولد الجميل المرح..

      الليل في المدينة يوحي بالخوف والخطر، والتجول ممنوع حتى الفجر، والمدينة امتلأت بوجوه كثيرة لم تكن فيها من قبل نساء ورجالا وأطفالا، صدق ما سمعناه أن الأعداء يقومون بهجرة واسعة إلى تركستان، وفي نفس الوقت يأخذون مئات اللوف من أبناء تركستان الأصليين، ويهبون بهم إلى بعيد، ويستولون على المنشآت والمتاجر والمزارع، ويبنون للمهاجرين الجدد بيوتا ومؤسسات، وأماكن للدعارة أيضا، قوافل الفتيات الصينيات ملأت البلاد باسم الحرية والتحرر، والكتب الصغيرة بمختلف اللغات تملأ المدارس والأندية والشوارع، إنها كتب خصيصا لبلادنا، وهي تتحدث عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وتذكر أبطالا لم نسمع بهم قط، وتصور عثمان باتور وخوجة نياز والرئيس علي خان بصورة اللصوص وقطاع الطرق، وتجعل من الحاكم الجديد التتري المهاجر غلى بلادنا الذي أصبح مكان الرئيس علي، والذي يتغنى بمجدهم تجعل منه البطل القومي محرر الشعب، ورفيق التقدم، وأبا الأحرار ... هذه ليست المدينة التي أعرفها، لا الرجال رجالها، ولا الأطفال أطفالها، وهؤلاء النساء العاريات الكاسيات لسن نساءها...

      وأخيرا ذهبت إلى الجهة التي كانت تعيش فيه زوجتي... قلبي الحزين يدق فرحا بلقاء الأم والطفل، عندما انظر إلى وجه ونجمة الليل أشعر براحة كبرى، وطرقت الباب الذي تركة زوجتي وطفلي فيه طرقات خفيفة، وسمعت وقع خطوات ثقيلة، وعندما فتح الباب كدت
      أصعق...من أنت؟ نظر إلي بعينين محتنقتين، ووجه مكتنز شديد الحمرة، وخصلات من شعر رأسه يخالطها قليل من الشيب، وبقايا حساء تبدو قطراتها عالقة بشاربه الكث، وقال:
      ألا تعرف من أنا؟ الكل يعرفني، أنا زعيم العمال الذين قبضوا على كبار الثوار.

      كان واضحا انه جاهل لا يعرف شيئا من التعليم، وعلى الرغم من أنه يتكلم بلغة البلاد إلا أن وجهه كان غريبا، وسحنته كذلك، وهذه الغلظة التي فيه ، ونظرة الكراهية التي تطل من عينيه..
      يبدو أنك أخطأت الطريق.

      قالها ثم صفق الباب.
    • آه.. والدار لو كلمتنا ذات أخبار.. واضح أنه احتلال من نوع صغير.. ودخلني رعب مبهم، أين ذهبت زوجتي وولدي؟ يجب أن اتصرف بروية وهدوء وإلا قبض علي، وعندما أساق إلى سجن أو معتقل فلن أخرج منه طوال حياتي، وبرغم القلق الذي يسيطر على روحي، والثورة العارمة التي تحرق قلبي إلا أني اعتصمت بالصبر والهدوء، وأخذت أتجول في الحي القديم الي بدا نصفه مهدما، فقراء المنطقة يعرفني بعضهم ويعرفون ولدي وزوجتي، وهناك قريب عجوز كان يعمل خادما في مسجد، والحلاق الذي يقع دكانه على ناصية الشارع أعرفه جيدا، إنه يحلق لولدي شعره الذهبي، ليته محتفظ بخصلة من شعره الحبيب، لكن المسجد مغلق، ولا أكاد أرى أحدا من المعارف، وذهبت إلى الحلاق، كان يحلق لأحد الرجال، نظر إلي من طرفه، والتقت عيناي بعينيه، وهممت أن أحييه تحية الود القديم،لكمه سرعان ما أغمض عينيه، لم يكترث لوجودي، وبدا أنه غير راغب في محادثتي، وفكرت، ماذا أفعل، حسنا، فلأجلس على هذا المقعد الخشبي العتيق، وليكن ما يكون، ولاحظت أن الحلاق يسرع في عمله، وأخيرا تقاضى أجره، وانصرف الزبون، وأشار إلي، فقد جلست مكان الرجل الي انصرف.
      ماذا جرى يا عم عبد الخالق؟
      قال وهو يزاول عمله في رأسي الكث:
      ما الذي أتى بك إلى هنا؟ إن رجال عثمان باتور إذا قبض عليهم يقتلون فورا، كيف دخلت المدينة؟ يجب أن ترحل بأسرع ما يمكن وإلا فقدت حياتك.
      وقلت في سخرية:
      ماذا يجري؟
      لست أدري ولكني حلاق يريد أن يعيش.
      أين ذهبت نجمة الليل؟
      هربت.
      والتفت إليه في دهشة:
      أخذت الطفل وتسللت دون أن اعرف عنها شيئا.
      دارت الأرض، المقص يصدر أصواتا سريعة تزيد من توتر أعصابي، وأدرك عبد الخالق ما أعانيه من أحزان وحنق أثار جنوني.تصرف بحكمة يا مصطفى، نحن في زمان تعس لا يعرف الرحمة، ولا يعرف الله. قلت بصوت كالفحيح:
      أين ذهبت زوجتي؟
      يرجح أنها اتخذت طريقها على قومول.
      ولماذا قومول بالذات؟
      هذا إذا بلغت قومول سالمة، الأسر تناثرت في كل مكان، البلاد امتدت إليها أيدي أسطورية ضخمة تلهو بجماهير الناس وتخلطهم وتعتصرهم، وتبعثرهم يمينا وشمالا، لا أدري ماذا أقول، وكيف أعبر، خير لك أن ترحل عن هذه المقاطعة فقد سقطت نهائيا في أيدي العدو.مستحيل.
      ساد وجهه الشحوب وارتبك وقال:

      لا ترفع صوتك يا مصطفى، نحن شعب صغير يأتيه البلاء من كل مكان، ويحاصره الرعب من جميع الجهات الأربع، قضيت فترة تحت يدي عبدالخالق، وقبل أن أنصرف من دكانه وضع على صدري شارة العدو وهو يقول:
      هذه الشارة ستوفر عليك الكثير من المتاعب.
      انتزعتها من فوق صدري، ثم قذفتها وسط الشعر المتناثر المقصوص وبصقت عليها وسحقتها بحذائي، وانصرفت، أين أذهب؟ أنا في وطني كالغريب، أرض ليست لي، أصدقاء يهربون، وزوجتي غرقت في خضم الأحداث الكبار، فلأعد إلى منصور درغا لأقضي عنده الليلة.
      عندما دخلت إلى بيت منصور، وجدته يجلس في ناحية وزوجته في مقابلته، والطعام لم تلمسه يد..
      وهشا لمجيئي المباغت، ونظر إلي منصور في حزن فقلت له:
      لم أجد أحدا.
      هز رأسه وقال:
      لقد رحلت هي وطفلها إذن؟
      نعم، ولا يدري أحد إلى أين...
      قال منصور وقد اختنق وجهه وارتجف شاربه هذا أفضل. لم أفهم ماذا يعني، لكنه قال والحسرة تتقطع قلبه:
      ألا تدري؟ لقد أفلتت زوجتي من الضياع والموت، لكنها دفعت الثمن.
      أي ثمن؟
      كانت تستضيف الأعداء، هل فهمت؟ لقد حضروا رأيتهم يدخلوان البيت سكارى هل فهمت؟
      أنا اختبأت كالفأر المذعور في أحد الأركان حتىلا يقتلني أحدهم، وهي هي زوجتي أخذت تمازحهم وتقبلهم، . من أجلي.. هكذا قالت تكلمي أيتها المومس الفاضلة؟
      أردت أن اموت، لكني جبنت، اغتصبوني عنوة.. لم أكن أعرف لي مكانا آوي إليه، لماذا لا تأخذني إليك يا ربي؟ ارحمني يا منصور، إنهم فعلوا نفس الشيء ببنات العلماء الكبراء وزوجاتهم، إنني لا أتصور أنني أرى الحقيقة، يخيل إلي دائما أني أحلم.
      وقال منصور درغا والدموع تبلل أهدابه، ولكنه كان يحاول أن يمزح زاحا مرعبا:
      حسنا سوف نقضي ليلتنا هنا كضيوف شرفاء، لديك أبتها المومس الفاضلة، غدا نرحل، أنت طالق... وأنت...ماذا أقول؟ على من يقع اللوم؟
      وتطلع إلى الأرض والسماء وإلي، ثم أخذ يقهقه كمجنون.
      نعم انهم حولو نساء المسلمين إلى مؤمسات
      (17)
      غمغم منصور درغا ونحن في الطريق العام:
      فكرت في أن أضع حدا لحياتي، لكني رأيت الانتحار جبنا وهروبا، وهو يتنافى مع ما تعلمناه من قواعد ديننا الحنيف، لقد آلمني يا مصطفى أن أفقد المعركة... وشرفي.. في وقت واحد، تصاغرت أمام نفسي، خيل إلي أنني مسئول مسئولية مباشرة عن كل ما حدث، أنا وحدي المسئول.. هكذا يبدو لي..
      كان منصور في حالة من البؤس يرثى لها، وكنت مقدرا لنا يرزح تحته من أعباء نفسية قاسية، أن كل شيء أمامه ينهار .. الثورة... الرجال الشرفاء.. المآذن والقباب، القيم الإسلامية التي عاش في ظلها، امرأته تتحول إلى مومس على الرغم منها، ومع أن آلامي وأحزاني كانت لا تقل عنه بشاعة إلا أنني قلت:
      إنك تحمل نفسك فوق ما تطيق، من أنت حتى تكون مسئولا عن كل ما جرى في هذه الأيام العصيبة؟ من أنت
      حتى تتصدى للأعداء؟ أنت فرد ضعيف يا منصور، وقد اديت واجبك.
      تأوه وعيناه تحملقان في الطريق الواسع الطويل، وقال:
      واجبي؟ ها هنا.. الواجب في أعناقنا حتى نموت.. ما مت حيا فلا بد أن نفعل شيئا، ويوم أن تشعر أنك يئست
      وأنه لا جدوى من أي عمل تعمله فقد خنت الأمانة.
      وطننا قد انتهك شرفه، لا أدري كيف نعيش ونأكل وننام وننجب الأطفال.
      ووجدنا من بعيد حشدا هائلا من الناس في أيديهم المعاول والفؤوس، ورجال الشرطة يروحون ويجيئون، وسألنا أحد المارة قائلين:
      ما هذا؟
      الأعداء يريدون أن يستولوا على المسجد ويحيلوه إلى مخزن لبعض المواد الخام، وشيخ المسجد يقف بالباب معترضا، أخذوه ثم ربطوه في شجرة مقابلة للمسجد وهم الآن يسخرون منه، ويبصقون عليه ويضربونه بأفرع الأشجار، والدماء تسيل من جسده...
      وتوقفنا عن السير، قال منصور:
      لماذا توقفت؟
      يجب أن ننطلق إلى طريق آخر.
      ضحك منصور ضحكة مخيفة وقال كان يخفي غدارته، وكمية من الطلقات تحت معطفه الرث، وقبل أن أنتبه لما سيفعله، وجدته يجري ثم يقصد المسجد من الخلف ويختفي، أخذت أتابعه كي ألحق به لكني لم أجده، وبينما كان الشبيبة يضربون شيخ المسجد ويقهقهون ويسخرون انطلقت بضع رصاصات وقع ثلاثة من الشبيبة على أثرها على الأرض ينزفون إلى جوار الشيخ المربوط وصاح الشيخ المظلوم:
      الله أكبر.. هذا هو انتقام الله.
      واتجه الناس بأبصارهم إلى أعلى المسجد، كان منصور درغا يقف بين القبة وقاعدة المئذنة فوق سطح المسجد، ولم أكن أرى سوى رأسه ومدفعه، وسمعته يصيح بأعلى صوته:
      أيها الكلاب.. هذا بيت الله! ولن تطأه أقدامكم النجسة .

      غاص قلبي في داخلي، ودهمني خوف شديد، إن منصور يقف الآن بين يدي الموت، ويعرض نفسه لكارثة محققة، ولم أدر ماذا أفعل، وتوالت طلقاته، فأصيب عدد كبير من الشبيبة بالجراح،والقتل وتنبه رجال الشرطة ونفر من الحزب وصاحوا:
      -خائن...خائن.. رجعو رجعو
      وانصب الرصاص صوب القبة والمئذنة، وساد صمت وانفض خلق كثير ممن كانوا يقفون متفرجين، وبعد دقائق
      ظهر رأس منصور درغا ثانية وأخذ يصيح لن تدخلوا المسجد إلا على جثتي، هذا بيت الله أيها الأوغاد.
      وعاد تبادل الرصاص من جديد، وسقط عدد آخر من المهاجمين وأخذ بعضهم يقذف بالقنابل اليدوية، فتعالى الدخان من فوق المسجد مع دوي الانفجار، إن منصور ميت لا محالة، وبعد فترة ستأتي النجدة، إنه يخوض معركة بائسة، ترى لماذا فعل ذلك؟ إن عشرات المساجد ق استولى عليها الأعداء، وتصديه لهم في هذا المكان لن يغير من الواقع المرير شيئا، ورأيت في عيون الناس في الشارع سعادة تترقرق في أعينهم، إنهم فخورون بالرجل الذي يقف خلف القبة مدافعا عن بيت الله، وفي دقائق امتلأ المكان مرة أخرى وأخذ المشاهدون يرشقون الأعداء بالأحجار والحصى واللعنات واندلعت في المكان ثورة صغيرة من أجل بيت الله..

      فلم يجد الأعداء مناصا من الانسحاب،والهروب ووقف منصور لدى مقصورة صغيرة في المئذنة وأخذ ينادي بأعلى صوته: الله أكبر.. الله أكبر.. الصلاة جامعة... الصلاة جامعة..
      فرأيت الدموع في عيون التعساء المظلومين، ورأيت إمام المسجد يتحرر من الشجرة التي ربط فيها، ويرتدي ملابسه، ثم
      يقصد الماء ليتوضأ ، ونزل منصور إلى جوار المنبر وقال:

      أيها الناس! لعلها صلاة الوداع.. مع ذلك فلا تتخلوا عن بيت من بيوت الله.. دافعوا عن كل شبر، كل حجر فيه.. إنه
      يمثل المعنى الكبير، المعنى الإلهي الذي عشنا في ظل عقيدته منذ مئات السنين، فلنصل ركعتين لله..

      كان بعض المسلمين قد استولى على قطع من الأسلحة التي وقعت من أيدي القتلى أو المصابين أو الهاربين، ووجدتني أتناول مدفعا رشاشا وكمية من الذخيرة، ومن بعيد رأيتهم قادمين في سيارات الجيش ذات العلامات المميزة.. وانصبت النيران على المسجد وعلى من فيه، وجرت معركة غير متكافئة بين الثوار وبينهم، وقلت لنفسي: إن عثمان باتور ينتظر هناك في باريكول، ورأيت أن أنسحب وبحثت عن منصور درغا، لكني وجدته ملقى على باب المسجد والسلاح في يمينه، ويده قد تدلت إلى جواره غارقة فيبركة الدماء، واقتربت منه، فإذا هو قد مات، وإلى جواره عدد غير قليل ممن أصابتهم الرصاصات القاتلة، وكان إمام المسجد الآخر لقي حتفه ولحيته البيضاء مصبوغة بالدماء... وأسرعت بالرحيل..

      كان يرحمه الله يؤمن بأن الواجب باق في عنقه حتى الموت.. وقد استشهد على عتبة المسجد، ضرب الخونة في وضح النهار وفي عقر تمركزهم، وتحرك الناس من حوله، لقد مات سعيدا دون شك، كان الطريق إلى قومول مغلفا بالأخطار، وكان الناس يتحدثون عن حادثة المسجد، وعن غدر العدو، وعن الانتخابات التي حاولوا تزييفها فأتت بالرغم من تزييفهم في صالح الشعب، فعمدوا إلى الخديعة والاغتيالات وراح الأحرار في السجون ، كل شيء يعرفه الشعب، والأكاذيب التي تنطلق في الصحف معروفة جيدا، والترهات والزيف يسود صفحات الصحف اليومية، كل هذا لا يخفى على أحد، وحفلات التكريم التي يقيمها العدو، والخطباء المفوهون والشعارات التي تلصق على الجدران، كلها تعبر عن وجه الزيف والاحتلال المكشوف والمقنع الذي اشترك فيه الأعداء...

      أصبحت الولايات الثلاث: إيلي وآلتاي وتشوشك تحت سيطرة الأعداء، أما باقي الولايات السبع التي يحكمها أحد
      الخونة فقد أعلن هذا الخائن انضمام تركستان الشرقية للصين، عندئذ تملك الذعر الأهالي، وباتوا فكأنما في كل بيت مأتم، وأخذوا يستشرفون مستقبلا أشد حلكة وسوادا محفوفا بمزيد من الأخطار والمكاره...
    • كأننا مبتلون بالخيانه ونجد من يسلمنا الي اعدائنا
      تركستان الامس عراق اليوم ومن بالغد
      ~!@q تدور الايام بين رحايا العاشقين غزل وهم وجراح مكروبين فهل بشفتيكي اكون حزين الدكتور شديد أستمتعوا معنا في الاستوديو التحليلي بساحه الشعر المنقول ~!@q شارك shokry.ahlamontada.net
    • الدكتور شديد كتب:

      كأننا مبتلون بالخيانه ونجد من يسلمنا الي اعدائنا
      تركستان الامس عراق اليوم ومن بالغد




      صحيح اننا مبتلون بها هكذا يقول التارخ والتاربخ عبر وفةئد لكن نقول حسبي الله ونعم الوكيل
    • وبدخول القوات الصينية مرة أخرى، أدرك الناس أن ذلك سوف يتيح فرصة أخرى للتنكيل والمظالم فما زالت الذكريات المزعجة تطوف بأذهانهم، قرر الثوار أن تستمر المقاومة بقيادة عثمان باتور، وأن تتوجه فئة أخرى للخارج بقيادة الزعيم محمد أمين بغرا نائب الحاكم العام السابق لإبلاغ العالم اعتداء الصين على التركستان، وطلب المساعدة، وخرج الوفد، ووصلوا إلىمدينة لاداخ التابعة لكشمير، وبصحبتهم عدد قليل يقل عن ربع العدد الأصلي، أما الثلاثة أرباع فقد لقوا الله شهداء في الاشتباكات الدامية على الحدود مع الجيش الصيني، وبسبب الجوع والبرد الشديد والاختناق، وبعض الأحيان تجمدت أطرافهم، إذ استغرقت سيرهم شهرين كاملين بين الطرق الثلجية القاسية والممرات الجبيلة الوعرة، وكان عليهم عبور خمسة أنهار، وعبروها مائتي مرة لعدم استقامة الطريق، والتواء المجاري، وتسلق قمم الجبال الشاهقة، حيث يقل الأوكسجين مما جعل الدم يسيل من أنوفهم، ومن خياشيم الدواب، وأخيرا وصل عدد قليل منهم إلى مدينة سريناجر عاصمة كشمير، كانت هذه الرحلة صورة مجسمة للعناء الذي لا مثيل له، العناء الذي لقيه شعبنا المسلم في سبيل الحفاظ على دينه وحريته واستقلاله..
      أما انا فلم أستطع الاهتداء في قومول على نجمة الليل أو الطفل، وبدت لي قومول كالأرض الخراب التي تنضح
      بالمرارة والأحزان والعذاب..
      كان الناس في كر وفر، وأغلب الأسر يهربون إلى الجبال والحدود بحثا عن مكان ىمن لا يلحقهم فيه العدو..
      واتخذت طريقي إلى باريكول حيث يعسكر عثمان باتور وعشرين ألفا من رجاله الثوار بين الجبال المنيعة، وها أنا ذا أعود وحدي بعد أن تركت منصور درغا نائما نومته الأبدية على عتبة المسجد، ليروي ثراها بدمائه الزكية، في أعنف معنى لمعاني الرفض الجبار الذي يواجه القهرباسلاح والمبادئ المرة التي تمتلك أنواع الدمار والفساد..
      ولأول مرة بعد الرحلة الشاقة المضنية عبر بلادي الحبيبة أشعر بشيء من الاطمئنان، إن أحضان الجبل توحي بالسكينة والرضا، وهنا أتنسم الهواء النظيف، وأهتف من أعماق قلبي بالتسبيح والدعاء لله، ونتدرب على الأسلحة المتطورة التي جاءتنا، لكنها على الأغلب أسلحة يدوية لا تتفق وما يمله العدو من طائرات ودبابات وغيرها..

      لكم كان يحلو لي أن أرى نجمة الليل، وأرى ولدي الذي كبر ونما، وأتحدث معه وألاعبه وأعلمه الرماية، آه يا قلبي، حسبتك تشبه جلمود الصخور ولا ترتجف لذكرى الأحباب ، ولا تحن لأيام اللقاء الأسري الشذي العامر بكل المعاني الحلوة .. لكنك يا قلبي من لحم ودم.. ما ذنبي وما ذنبك؟ إنني أشرد ببصري إلى لآفاق الممتد إلى بعيد، وأتخيل ملايين البشر في الحقول والغابات والمراعي والمصانع والجيوش، وأتأمل بخيالي وجوههم باحثا عن ولدي الوحيد.. أين أنت يا ولدي؟

      وتتساقط الدموع من عيني، ويخفق قلبي خفقة اللوعة والشوق في ظل السنوات الطوال التي ينوء تحتها جسدي المنهوك..وكلما ارأيت طفلا قبلته بنظراتي اللهفى، وأخذت أتابعه حتى يختفي، وكثيرا ما أجري خلفه، وأقدم له بعض الفواكه الطازجة، وأسأله عن فتى صغير اسمه نياز مصطفى مراد حضرت، وعن أمه نجمة الليل آه يا قلبي.. لشد ما تعذبني بأوهامك وذكرياتك وأشواقك الملتهبة التي لا يطفئها برد الجبال ولا تجور عليها أحداث الزمان ولا تصرفك عنها المعارك الدامية، ولم يكن عثمان باتور رجلا ساذجا غير مدرك لواقع الأمور، ومجريات الأحداث، فقد كان قائدا بطلا محنكا، كان يعلم أن العشرين ألف جندي الذين يعتصمون معه بالجبال لا يستطيعون وحدهم أن يتصدوا لملايين الأعداء، لكن ثقته الكبرى كانت تتركز حول عدة معاني أهمها أن تبقى الثورة حية ومستمرة في جهادها الأسما، وأن الشعب الذي يعيش خلف أسوار الكبت والقهر والمظالم يتلقف الأنباء عن ثورته الدائمة، بالتالي فسوف يشعل الثورة هو الآخر، ويجعل من بقاء المستعمرين جحيما لا يطاق، واستمرار الجهاد سيحرك العالم لنصرة قضايا الشعوب المظلومة..
      وفوق هذا وذاك فإن الاستسلام للهزيمة أمر لم يرد على ذهن عثمان باتور ورجاله، كان يقول دائما في كل مناسبة:
      هذا قدرنا... وقد كتب علينا ألا نضع السلاح ما دمنا أحياء.. وخير لنا أن نلقى الله من أن نرضخ لحكم الأعداء،
      والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله،
      وقد توجس المستعمرون شرا من الثوار، فأرسلوا وفدا من عملائهم إلى باريكول يدعو الوطنيين إلى الكف عن القيام بالهجوم ضد الحكومة الشعبية، كما تدعوهم للحضور إلى أورومجي عاصمة البلاد لعرض مطالبهم على المسئولين.
      قال عثمان باتور:
      إن ذهاب القادة إلى أورومجي يحمل في طياته خطرا كبيرا، حسنا.. نحن لا نأمن مكر الأعداء، اذهبوا إليهم في أورومجي وأعلنوا مطالبنا، ألا وهي ضمان الحريات، حرية الرأي والعبادة، والكف عن الاعتقالات، والكف عن مصادرة الممتلكات الفردية، وأن مصير الأمة يتقرر بنفسها دون تدخل من أحد..
      لم يكن عثمان باتور يجهل ألاعيب الأعداء ومخططاتهم، ولهذا كنا نستعد ليل نهار للمعركة الفاصلة، ولم يعد الوفد الذي
      ذهب إلى أورومجي بأية نتيجة، وكنت إلى جوار الجنرال في مسيرة قصيرة لتفقد مواقع الجبل، وسمعته يغمغم:
      على الأندلس السلام..
      إنها مشيئة الله...
      أفمر كثيرا لماذا لا يعيش البشر في سلام؟
      وضحك ضحكة حزينة وقال:
      أرض الصين شاسعة، والبشر هناك كالنمل، لماذا يطمعون في ثروتنا وأرضنا، هل نسوا ما عانوه على أيدي الطغاة؟ الإنسان لا يتعظ، وسادت فترة صمت قال بعدها:
      تعلمت من بين سطور القرآن أن أعيش حرا، وأن أموت مكافحا عن شرف العقيدة.
      الحياة هنا قصيرة.. ما أروع حياة الأبد، ولهذا كانت إرادة الله أن تكون الآخرة هي دار المقام والخلود، أعجب إذ تتصارع الدول والأفراد في سبيل متعة تافهة محدودة بآجال قصيرة، ولهذا ترى الموت في سبيل الله حياة.
      وتطلع حواليه وهو يمسح على لحيته وشاربه الطويل وقال:

      آمنت بالله، العالم اليوم لا يعبد الله، العالم يسجد للقوة والرعب، هذا عالم العبيد، سواء الذين هزموا في برلين أو الذين انتصروا في لندن وباريس وأمريكا..
      18)
      كل شيء من حولنا يتبدل ويتغير بسرعة، الناس والأشياء والأسلحة والمواقف وخريطة العالم، كثير من أولادنا ذابوا في خضم الهزيمة، أخذوا يلوون ألسنتهم بكلمات جديدة، وشعارات رنانة، والبنات- يا إلهي!- خرجن إلى الشوارع سافرات... تيار كاسح من المغالطات والفضائح والانحرافات يجرف كل شيء أمامه باسم التقدم، ألا يمكن أن يتقدم الناس ويتحضروا ون أن تتحيفهم المظالم، أو تسحق حرياتهم أو يساقوا سوقا كما تساق العبيد؟ ألكي يتعلموا لا بد أن يكفروا؟ لماذا لا يمشي التقدم معانقا العدالة والحرية، ولماذا لا يسير العالم يدا في يد ع الإيمان بخالق الكائنات، ولماذا لا تحدث نهضة دون أن تعري النساء أجسادهن ودون أن يكثر البغايا والعابثات؟ لماذا لا تتصادق الشعوب دون أن يحاول شعب إفناء شعب آخر أو تبديده واكتساحه بالهجرة من ألوان وأجناس اخرى؟ إن ما أراه في تلك الأيام يبدو لي وكأنه من صنع الشياطين، وكنت أردد من آن لآخر لأصدقائي المحاربين أن الطهر والنقاء الثوري كل هذا يتعلق على سفوح الجبال، وكنت أنظر غلى عثمان باتور الجنرال المؤمن فيخيل إلي أنه بقية السلف الصالح.

      إن هذا الرجل تتجمع فيه المعاني العريقة لجيل ينقرض، لحضارة طويلة فاضت بالخير والنبل والصفاء، وأنا وراء هذا الرجل حتى الموت، ودارت المعارك حامية الوطيس بين رجالنا والقوات الصينية المسلحة بأحدث الأسلحة، وانتصرنا في سلسلة من المعارك، ولكن هل كان انتصارنا سهلا؟... لا.. فإن مدد العدو لا ينفد وكان رجالنا دائما يتناقصون، كنا ننتصر بالتضحية التي لا مثيل لها، ويغمغم الجنرال عثمان باتور:
      رجالنا يتقدمون ويندفعون إلى الموت.
      سيدي الجنرال.. إنهم يعرفون ما يجب عمله..
      الملحة التي يسطرونها يا مصطفى حضرت بمائهم ملحمة خالدة، لكني علمت اليوم من طلائعنا المتقدمة أن العدو يجهز ليوم رهيب، ولم تمر إلا أيام قليلة، وفؤجئنا بالحشد الصيني الذي توقعه عثمان باتور، وظلت المعركة محتدمة ار ثلاثة أشهر كاملة، وقررنا الانسحاب نحو ولاية شينهاي الصينية لجمع الشمل وجعلها مركزا للهجوم على القوات المعادية، لكن الطريق إلى شينهاي لم يكن معبدا سهلا، فقد كان الموت يترصدنا في كل جانب، وتزعف علينا أكثر من عشرة آلاف جندي صيني من مدينة "آن سي شا" الصينية إحدى مدن "قانصو" وقد سيطر علينا شعور بالتفاني، وكأننا باندفاعنا الدامي مع العدو نريد الموت، أو نهرب إليه من المصير المحتوم، وتمكنا أخيرا من الوصول إلى مدينة ماخاي التابعة لولاية شينهاي.. كنا نريد أن نستريح بعض الوقت ونلتقط أنفاسنا.. وكنت أنا شخصيا أحاول البحث عن نجمة الليل وولدي...وكانت أمنيتي أن أراها قبل أن أموت، قد يرى البعض أنها أمنية تافهة في مثل هذه الأوقات العصيبة، وقد يرميني البعض بالأنانية لأنني أفكر في زوجتي وولدي على هذه الصورة والوطن برمته متعرض للضياع والفناء... أنا لا أكترث لما يقوله البعض، فقد تعلمت الصدق مع نفسي... وأنا بشر تعرف الدموع طريقها إلى عينيه، ويعرف الخفقان سبيله إلى قلبي..

      المطاردة لم تخفت حدتها، هناك الآلاف يزحفون نحونا من مدينة "دون خان" إحدى مدن ولاية "قانصو"، وهناك آلاف آخرون يزحفون صوبنا من مدينة "شر خلق" المتاخمة لحود الصين..
      وقال الجنرال عثمان باتور:
      "الليل يزحف على "ماخاي" أيها الأصدقاء.. يا من فضلتم الموت على الحياة، الذئاب تسد مسالك الطريق يا شهداء العدوان، وأرى الرايات قد لونت الأفق، في كل يوم يسوق الجزارون خرافا للذبح، هم لا يفرقون بين الخراف والبشر، والطريق الذي قطعناه أيها الرفاق من "باريكول" أو من الجبل إلى هنا، ترصفه عظام الأحرار، وترويه دماؤهم الزكية، يا طول الرحلة المرهقة!! وكثير من النساء والأطفال يفرون في كل اتجاه يبحثون عنا.. عن ذويهم.. وإذاعة أورومجي أيها الأصدقاء تردد الأناشيد الحماسية للأعداء وتسمم الأفكار، وأبناء شعبي المسجونون في الشوارع والبيوت ومصانع السخرة والمساقون إلى الحدود والمنفى وساحات الإعدام يتمتمون بأصوات خافتة، يجأرون إلى الله، ويردون ترانيم الموت، هؤلاء الشهداء الأحياء أتعس مصيرا من الذين يموتون في المعركة، أيها الأصدقاء سندخل المعركة، ومن يبقى منكم حيا فليحمل قصة جهادنا وعذابنا الطويل للأمم المسلمة النائمة في الجنوب وفي الشرق والمغرب العربي.. وفي إندونيسيا والهند وباكستان،.. وقولوا لهم إن الأندلس الثانية قد سقطت في قبضة عدو الله والإنسان.. ومن يدري لعل المسلمين يتيقظون في يوم من الأيام ويجمعون شتاتهم، وتكون لهم معركة كبرى ينتصرون فيها لله... قولوا للمسلمين في أطراف الأرض لا تصدقوا صحف العدو، ولا تثقوا في تاريخه وفلسفته ودعوته".
    • وتطلع عثمان باتور إلى السماء، واتجه صوب القبلة ودعانا للصلاة..
      وفي اليوم التالي اندفعت جموع الأعداء صوبنا من كل حدب..
      واحتدمت المعركة... واندمجنا في المعركة الأخيرة بكل ما مانملك من إحساس وقوة وإيمان وانتهى كل شيء
      سقط الجنرال عثمان باتور في يد الأعداء وشهته من فوق شرف عال يسير مرفوع الرأس، كان الأعداء يجبون أكمامه، وغطاء رأسه ومعطفه، ويداعبونه مداعبات الموت، لكنه كان صامدا يتطلع إليهم في أنفة، أو يركلهم في ازدراء..

      تفرق المحاربون –أو البقية الباقية منهم- في كل اتجاه.. ثم كانت وجهة كل واحد منهم صوب الحدود أملا في الوصول إلى كشمير، وسيق الجنرال عثمان باتور إلى ساحة الإعدام.. كما سيق تسعون ألفا من التركستانيين والصينيين تحت تهديد السلاح ليشهدوا نهاية البطل.. ومات البطل عثمان باتور..

      كنت مندسا بين الصفوف لا يعرفني أحد، فقد ارتديت ملابس محاربي مدينة "دون خان" إمعانا في التخفي، كنت أنظر إلى البطل الشهيد وأنا أبكي في هيستريا، وعيناي مبللتان بالدموع، وأصرخ كالمجنون:هاذا هو العدل!عن الشيوعيه

      وفي الليل الأسود القاسي القلبي توجهت إلى إلى الطريق.. طريق الهاربين من الجحيم، وبعد ليال قاسية مضنية بلغت حدود كشمير.. ووجدت بقية الباقية هناك.. لم يبق من العشرين ألفا سوى ثلاثمائة... لأن العدو طوال الطريق كان يناوش الفارين وينقض عليهم، ويطاردهم بنيرانه في معارك سنكرس وكتساو وغيرهما من مدن التيبت، وخسر العدو خسائر فادحة، وأخيرا تبقى منا عند الحدود حوالي الثلاثمائة.. دخلوا كشمير.. وتوافد علينا خلق كثير من المهاجرين التركستانيين، واختلط الجميع.. كنت في أمس الحاجة إلى النوم، لم أستطع المقاومة .. وأغفيت.. ولا أدري هل طال الوقت أم قصر.. لكني تيقظت قبيل المغرب على يد حانية تهزني برفق، وفتحت عيني...
      هل أنا في حلم أم يقظة.. يا إلهي! ها هي نجمة الليل ترتدي زيا مشابها لزي نساء كشمير.. وطفلي الكبير إلى جوارها ، إنني أعرفه جيدا .. هذا الفتى الجميل الذي أظهرت الشمس بشرته الشقراء..وأخذت أتحسس رأس الطفل، وأربت على وجه نجمة الليل، والدموع تملأ عيني، لم أستطع الكلام فقد خنقتني الدموع، وزوجتي هي الأخرى كانت تنتفض من الانفعال، وتضمني إلى صدرها، وولدي يطوقني بكلتا يديه...
      قالت لم أكن أتصور أن تنجو من الموت يا مصطفى.. إن الشيب قد صبغ شعرك والتجاعيد ملأت وجهك.. لكأنما مر على فراقنا مائة عام..
      قبلت الطفل في حنان، وهمست بنرات راعشة:
      لكم يحزنني أن أترك شعبي المسلم السجين خلف الحدود يقتسمه الأعداء..
      وهمست نجمة الليل وقد ازداد وجهها شحوبا، واكتسى بحزن وقور:
      إن أمنيتي أن نرحل إلى بيت الله الحرام.. ولنعش في مكة أو المدينة..
      وتطلعت عبر الآفاق المعتمة ورائي، وتذكرت منصور درغا الذي مات على باب المسجد، وتذكرت الرفاق المؤمنين الذين قضوا حياتهم وراء القضبان، ثم الشهداء الذين سقطوا حول الجنرال عثمان باتور، ويوم المشهد العظيم حينما ساقوا الجنرال إلى ساة الموت..
      وغمغمت:
      سوف نسير إلى بيت الله الحرام.. إن قطرات من ماء زمزم قد ترد روح الضائعين والمتعبين.. إني أتخيل وأنا أصرخ في جموع الحجيج مبشرا بيوم الخلاص.. وكأني بملايين المسلمين يشقون الأكفان، وينطلقون تحت راية التوحيد ليحرروا من جديد ملايين العبيد..واعيش انا وزوجتي وطفلي مع شعب هاذا البلاد الطيبه المباركه
      تلك هي قصتي...
      انتهى.
      ليالي تركستان
      شخصيات الرواية

      خوجة نياز حاجي.الأمير.
      نجمة الليل. بنت الامير
      مصطفى مراد حضرت... (تورسون اسم مستعار له).
      منصور درغا. جنرال من ابطال تركستان
      جين شو رين (الحاكم الصيني).
      قائد قومول الصيني.
      شخصيات ثانوية:
      صن لي
      الجنرال شريف خان. قتل في مبنى الاستخبارات باالغاز
      شين سي ساي: قائد صيني قام بانقلاب ضد الحاكم الصيني جين شو رين.
      السيد حاجي مدير عام المخابرات المركزية.
      باودين ضابط صيني مستعمر قتلته نجمة الليل.
      الجنرال عثمان باتور. قائد الثوار في مرحلة من مراحل الجهاد التركستاني.

      نحن الآن في عام 1930م، أعيش في مقاطعة (قومول) وكانت الصين قد احتلت هذه المقاطعة في نفس العام، وبعد

      الاحتلال أصبح القائد الصيني للمنطقة هو الحاكم بأمره، كل شيء يجري على هواه، والحسرة تملأ النفوس وتطل من العيون
      الحزينة، وأمير قومول المسكين يعيش في قصره لا يتمتع إلا بسلطة اسمية كنت أرى بعيني رأسي أفواج الصينيين تتدفق إلى
      الولاية.. أعني مقاطعة قومول.وهاذا من اول القصه






      ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
    • ونُنهي موضوعنا بحديث الحبيب عليه الصلاة والسلام لنعلم أين مكمن الخلل ونسعى لإصلاحه! إذ يقول عليه
      أفضل الصلاة والسلام: “توشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: أومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت....!!!!

      وفى النهايه.

      اشكر الاخوه والاخوات الذي اسعدنا تواصلهم وكل من تابع بهتمام قضية إخوانه هناك واقول جزاكم الله عنهم خيرالجزاء.....

      بارك الله فيكم جميعاً ودمتم ........

      اخوكم شامان
    • تابعنا معك اخي شومان جهدك والام الاخوان المعزبين في الصين
      دمعت اعينا وتقطرت دماء حزن والم
      وحاولنا ان نمسح عار علينا بضعفنا
      ولكن مكبله ايدينا والساننا
      لا نملك الا الدعاء بقلوبنا
      شكرا لك اخي شومان
      0000000000000000
      واعود لي القي ابيات قد تركتها بين جنيبات الموضوع
      كأنها صرخه مسلم في بلاد كفر
      000000000000000000000000000000000
      0000000000000000000000000
      00000000000000000
      000000000
      000
      0
      جففت عيني فانفجر قلبي بكاء

      وتناساني الناس فالتجاءت للسماء

      رافعا يدي صارخ اين الدواء

      ظلمني اهل الارض منع الهواء

      ذنبي انك الله فائين الداء

      ادعوك ارفع عني الجهلاء

      ااختبار منك لي أم بلاء

      اخي تناسي فكيف الشفاء

      تملك الوهن ودار بيننا جفاء

      فكيف لي والموت والعيش سواء
      #h#h
      ~!@q تدور الايام بين رحايا العاشقين غزل وهم وجراح مكروبين فهل بشفتيكي اكون حزين الدكتور شديد أستمتعوا معنا في الاستوديو التحليلي بساحه الشعر المنقول ~!@q شارك shokry.ahlamontada.net
    • مساع صينية لاحتواء التوتر مع تركيا بسبب مسلمي لإيغور


      أكد الموفد الدبلوماسي الصيني لأنقرة ايجو سونج أنه يسعى حاليا لتجنيب العلاقات مع تركيا الأضرار المحتملة بسبب أحداث العنف ضد الإيغور المسلمين بالصين والتي أدت إلى تزايد حدة الخطاب الإعلامي بين البلدين.
      ونقلت وكالة "أنباء الأناضول" التركية عن الموفد الصيني تأكيده عقب لقاءاته مع مسؤولين أتراك أن الهدف من زيارته التي بدأها الإثنين إطلاع الحكومة التركية على حقيقة الأحداث في إقليم "شينجيانج" ودور الحكومة الصينية لإستعادة الأمن والإستقرار فيه.
      وأضاف سونج الذي كان سفيرا سابقا للصين في أنقرة أنه أطلع المسؤولين الأتراك على أسباب تفجر أعمال العنف في مدينة "أوروميتشى" عاصمة إقليم "شينجيانج" وعلى الجهود الصينية المبذولة لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل تفجر الاوضاع.
      وأوضح الموفد الصينى أنه أبلغ وزير الخارجية التركية أحمد داوود أوجلو ورئيس البرلمان التركي كوكسال توبتان بحرص بكين على استتباب الأوضاع في شينجيانج التي كانت معروفة بتركستان الشرقية قبل أن تعمد بكين إلى تغيير اسمها في عام 1955.

      ولم يستبعد سونج ارتفاع حصيلة ضحايا أعمال العنف ، وذلك برغم نفي السلطات الصينية لأرقام الضحايا التي وصلت إلى 184 قتيلا وأكثر من 1400 جريح ، قائلا: "إن الحصيلة قد تتجاوز هذا الرقم نظرا إلى وجود أكثر من 70 جريحا إصاباتهم بالغة".
      واعترف الموفد الصيني بأن العلاقات الثنائية على "حافة اضطراب" ، مؤكدا أن الحكومة الصينية تبحث عن وسائل لإصلاح أية أضرار قد تخلفها قضية الإيجور على العلاقات مع أنقرة.
      ودعا وسائل الإعلام التركية إلى تحري ما أسماه "الدقة" في بث المعلومات والأخبار عند تغطيتها لأحداث شينجيانج كي لا "تتسبب بتوتر العلاقات" بين أنقرة وبكين.
      وكانت أعمال العنف قد تفجرت في الإقليم إثر هجوم شبان من قومية الهان ذات الغالبية العظمى المهيمنة بالصين على مصنع ، مما أدى إلى قتل الكثير من الإيغور المسلمين وإصابة 118 آخرين بجروح. بالغه
      وشهدت مدن تركية مظاهرات عدة تضامنا مع الإيغوريين ومطالبة بتقديم الدعم لهم وسط دعوات من مؤسسات مدنية إلى مقاطعة السلع الصينية لإرغام بكين على وقف "أعمال الإضطهاد" ضد قومية الإيغور المسلمة.و الإيغور مازالت قضيهتم تتصدر بؤرة الأحداث ، حيث هدد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بمهاجمة العمال الصينيين الموجودين في شمالي إفريقيا انتقاما للضحايا المسلمين في إقليم شينجيانج الواقع شمال غربي الصين .
      وحذر التنظيم في بيان له نشرته عدة مواقع الكترونية من اتساع عمليات استهداف المصالح الصينية لتشمل جميع الشبكات الجهادية ثأرا لضحايا الإيغور ، مشيرا إلى أن مئات الآلاف من الصينيين يعملون في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا ، من ضمنهم 50 ألفا في الجزائر.
      ويالنظر إلى أن هذه المرة الأولى التي يهدد فيها تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي المصالح الصينية بشكل مباشر ، فقد أخذت بكين الأمر على محمل الجد وأعلنت الحكومة الصينية أنها تعتزم إتخاذ كافة التدابير التي من شأنها حماية رعاياها ومصالحها في القارة الإفريقية .
      ونقل "راديو سوا" الأمريكى عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشين جانج القول في مؤتمر صحفي عقده في بكين إن بلاده تعتزم التنسيق مع حكومات الدول ذات العلاقة بهدف توفير الحماية اللازمة للمؤسسات الصينية المنتشرة في دول القارة الإفريقية ، مشيرا إلى أن حكومته تراقب تطورات الوضع عن كثب.
      وما يثير قلق الصين أكثر وأكثر أن هناك حالة متصاعدة من الاستياء في العالم الإسلامي وخاصة في الجزائر ، فقبل يوم من صدور تهديدات القاعدة ، أدانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جرائم القتل والقمع والتميير العنصري التى ترتكبها السلطات الصينية في حق مسلمي تركستان الشرقية والمعروف بإقليم شينجيانغ وطالبت حكومات ومؤسسات وشعوب العالم الإسلامي بالتنديد بهذه المذابح المرعبة والدفاع عن المسلمين الإيغور.


      وقالت الجمعية في بيان لها صدر إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والتي تهتم بأمر المسلمين جميعا في مختلف أنحاء العالم تحتج أشد الاحتجاج، وتندد أقوى التنديد، بما ترتكبه أجهزة السلطة الصينية من جرائم قمع وتقتيل ضد المسلمين الإيغور بإقليم شينجيانج، الذين ظلموا وهمشوا وتعرضوا للتمييز العنصري الذي يتنافى مع ما عهدناه من الصين الحضارية من تأييد حركات التحرر، والوقوف مع المظلومين".
      ودعت جميع المسلمين في الجزائر من سلطة وأحزاب وجمعيات مدنية، وفي العالم أن يتضامنوا معهم، وأن يدافعوا عنهم ، كما دعت منظمات حقوق الإنسان أن تقوم بواجبها وتندد بهذه المذابح المرعبة، وكذلك منظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية، ورابطة العالم الإسلامي، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن يتخذو الاجريا ت اللازمه بهذه المذابح المرعبة".
      وتعجبت الجمعية من صمت ما يسمى بالعالم الحر الذي اجتمع بعض قادته الثمانية في ايطاليا تجاه هذه المجازر والانتهاكات لحقوق الإنسان ، وانتهت إلى مطالبة السلطات الصينية بأن تنصف هؤلاء المسلمين ولا تتمادى في ظلمهم ومعاملتهم بالعنف والتهديد بإعدامهم .


      ويبدو أن الغضب الإسلامي لن يقف عند مجرد الإدانات ، حيث رفع 40 نائبا أردنيا مذكرة إلى رئيس مجلس النواب الاردني طالبوا فيها الحكومة بإستدعاء السفير الصيني في عمان للإحتجاج على ما أسموه "قمع الحكومة الصينية للمسلمين في إقليم شينجيانج".
      كما طالب النواب الأردنيون في مذكرتهم الحكومة الصينية بمراعاة علاقاتها الإقتصادية الضخمة مع دول العالم الإسلامي.
      وفي السياق ذاته ، طالب حزب "الوسط الإسلامي" الأردني الدول العربية والإسلامية باتخاذ موقف قوي إزاء ما وصفه بـ "الممارسات والتصرفات ضد المسلمين في الصين".من هاذه الاأحداث مأساوية



      أكاد أجزم بأن حرب الابادة التي يتعرض لها ثمانية ملايين مسلم في "تركستان الشرقية"، تلك الامارة الاسلامية التي احتلتها الصين منذ ستين عاما، وأطلقت عليها اسم اقليم "سينكيانج"، لم تحظ بالاهتمام الإعلامي الذي حظي به حادث وفاة ملك البوب الشهير مايكل جاكسون وما ذلك الا أننا نحن المسلمين قد أصابتنا حمي الخزي والهوان، فأصبحنا أهون علي أعدائنا من البعوض ، وصرنا لقمة طرية هينة في أيدي شذاذ الآفاق من الشرق والغرب.

      فعلي مدي أسبوعين أو أكثر تمارس القوات الصينية كل أشكال العنف الدامي المنظم ضد إخواننا المسلمين الايجوريين في هذه الأرض الاسلامية، وتقوم الصين بعزل المنطقة عن وسائل الإعلام ، ويتم قتل ما يقرب من 200 مسلم أعزل - بحسب إحصاءات صينية رسمية والكاذبه- ويقع نحو 1000 جريح ، ويتم إلقاء القبض علي أكثر من 1500 مسلم للاشتباه في صلتهم بالأحداث .


      ومع ذلك يواجه كل ذلك بالصمت الإسلامي الرسمي، فلم تعلن دولة إسلامية احتجاجها علي ما يحدث للمسلمين هناك، وهم أصحاب حق في الاستقلال عن الصين،كما في حديثنا السا بق والمطول عن تاريخ المسلمين في هذا الإقليم، ونضال أبنائه المسلمين للحصول علي حريتهم واستقلالهم.

      لقد اشتعلت الأحداث في الإقليم عندما خرج متظاهرون مسلمون من الإيجور، احتجاجا علي سوء تعامل الحكومة مع حادثة مقتل عمال منهم عندما اشتبكوا مع عمال من الهان - العرق الغالب بالصين -، في أحد المصانع بجنوب البلاد ، مرددين أن الحكومة تتعامل معهم أي مع مسلمي الإيجور ، كمواطنين من الدرجة الثانية برغم أنهم السكان الأصليون في سينكيانج أو تركستان الشرقية.

      واتهمت الحكومة الصينية جماعات إيجورية منفية في الخارج بالتحريض علي هذه الأحداث ، مؤكدة أن هذه المظاهرات ما هي إلا تفريغ لغضب حاد مكبوت في صدور السكان المسلمين ؛ بسبب سياسات التمييز التي تستهدف دينهم ووجودهم في الإقليم الذي كان دولة إسلامية منفصلة عن الصين تحمل اسم "تركستان الشرقية" قبل أن تضمها الصين عنوة في عام 1949م.


      ومنذ هذا الضم التعسفي الذي لم يرض به المسلمون هناك ، بدأ النضال بينهم للحصول علي الاستقلال بإقليمهم عن الصين في ظل ما يعتبرونه انتهاكا لحقوقهم الدينية والمدنية من جانب السلطات الشيوعية الحاكمة ، ويعتبرون أنفسهم متقاربين إثنيا مع المسلمين الأتراك، وخصوصا تركمان شمال أفغانستان.

      وقد قوبلت مطالب مسلمي الأيجور بتطبيق "حق تقرير المصير" عليهم بممارسات قمعية وبحملة اضطهاد واسعة من قبل السلطة الصينية، تضمنت آلاف الاعتقالات التعسفية، وحملات التعذيب والمحاكمات غير العادلة ،ومئات الإعدامات وإغلاق المساجد والمدارس إسلامية، وتدمير الممتلكات، بحسب ما سجلته منظمة العفو الدولية.

      لدرجة أن السلطة الصينية تقوم بإجبار النشطاء الإسلاميين من الأيجور علي احتساء الخمر قبل تنفيذ أحكام الإعدام عليهم. وتدهورت الأوضاع الإسلامية في تركستان الشرقية وتمادت السلطات الصينية الشيوعية في إجراءاتها الاستبدادية ، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي الذي أدي إلي استقلال جمهوريات آسيا الوسطي الإسلامية في عام 1991، وذلك خوفا من أن تهب عليها رياح الخلاص، وتحررها من نير الاحتلال الصيني، كما تحرر جزؤها الغربي تركستان الغربية من الحكم الروسي الشيوعي.


      وقد اتخذت حكومة الصين الشيوعية تدابير صارمة في تشديد قبضتها الحديدية علي هذا الجزء الإسلامي علي الصعيدين الداخلي والخارجي ، فمارست إجراءات القمع والتنكيل ضد المسلمين التركستانيين ، واتخذ المكتب السياسي للجنة الدائمة للحزب الشيوعي الصيني في مارس 1996 قرارًا سريا للغاية في معالجة قضية تركستان الشرقية ، عرف بالوثيقة رقم 7 التي تضمنت تطبيق 10 إجراءات صارمة تبدأ بحظر التعليم الإسلامي ، ومنع النشاط الديني ، واستعمال القمع والاغتيال والإعدام لمن يعارض الحكم الشيوعي أو يدعو إلي استقلال وانفصال تركستان الشرقية عن الصين.

      وبدأت السلطات الصينية في تنفيذ هذه السياسة بحملة "اضرب بقوةوأدت هذه الحملة الجائرة إلي منع المسلمين من ارتياد المساجد ، وحظر التعليم الإسلامي ، ففي شهر رمضان وقف رجال المباحث والاستخبارات والشرطة ليلة القدر أمام أبواب المساجد، يمنعون الشباب والنساء من دخول المساجد لأداء صلاة التراويح والتهجد ، فاشتبك المسلمون معهم ، واندلعت ثورة عارمة، وتدخل الجيش الصيني لضرب هؤلاء المسلمين العزل، فقتل منهم أكثر من ثلاثمائة، واعتقل نحو 10 آلاف مسلم.

      واعترف "وانغ لي جوان" سكرتير الحزب الشيوعي لمقاطعة "شنجانغ" تركستان الشرقية في جريدة شنجانغ الرسمية اليومية أن السلطات الشيوعية اعتقلت 17000 شخص في معسكرات السخرة لجيش التحرير والبناء، كما ذكرت الجريدة ذاتها أن الأجهزة الصينية هدمت 133 مسجدا وأغلقت 105 مدرسة إسلامية ولايغور يقولون اكثرمن ذلك بكثير وهاذا من من تزييف الصينيين ؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!..
    • لبيك تركستان!!
      لعلنا في المقالات السابقة: "قصة الإسلام في الصين" و"كنوز التركستان الشرقية" و"الصين الشيوعية والتركستان المسلمة" قد ألقينا بعض الضوء على هذه القصة المؤلمة لقُطرٍ إسلامي عزيز يتعرض للضيم والقهر، ويُفتتن في دينه، ويمر بأزمة لعلها من أشد أزمات العالم ضراوة.

      ومع ذلك فالكلام وحده لا يُجدِي، والمعرفة بمفردها لا تنفع، وإنما يجب على المسلمين أن يتحركوا بإيجابية لحل قضاياهم الكبرى بشكل يرضي الله ورسوله. وأنا أعلم أن مشاكل الأمة كثرت، وأن كل واحد من المخلصين والمخلصات من أبناء هذه الأمة الكريمة مشغول بعشرات ومئات القضايا المهمَّة الأخرى، لكن يبقى هناك دومًا أدوار يمكن لنا أن نفعلها لمساعدة إخواننا وأخواتنا هناك. ولا شك أننا لو كنا في مكانهم لتمنَّينا أن يقف العالم الإسلامي كله معنا، ولا يدري أحد على من تدور الدائرة غدًا!!

      ثلاث مسائل مهمة

      ولا شك أن المعظم من المتابعين للأحداث يجد أن الإعانة لهم أمر صعب وشاق، وسبب ذلك أن الذي يضطهدهم هو التنين الصيني العملاق، وهي دولة قوية بإمكانات جبَّارة. ولكن دعوني أقف مع هذه النقطة وقفة سريعة؛ لألفت انتباه القراء الأعزاء إلى ثلاث مسائل مهمة قبل الخوض في وسائل مساعدة المسلمين في التركستان..

      أما المسألة الأولى فهي أن النصر الحقيقي الذي نرجوه هو بيد الله تعالى، يقول تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 126]. وهذا النصر ينزله ربُّنا تعالى على المؤمنين الذين تمسكوا بشرعه، وساروا في طريقه، ووَهَبُوا حياتهم له، وباعوا أنفسهم من أجل شراء الجنة.. يقول تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، ويقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111]. وهذا يعني أن المسلمين الصادقين والمسلمات الصادقات يجب أن يفرِّغوا الأوقات والأذهان للعمل لله تعالى ، فإذا صدقنا في نياتنا، وأحسنا في عملنا، فإن الله تعالى عندئذٍ يُنزِل نصره بالطريقة التي يريد، وفي الوقت الذي يختار.. وعند ذلك لا تنفع الصين قوَّتها، ولا تُجدِي مع أمريكا أساطيلها.
      نماذج من نصر الله للمسلمين
      والتاريخ يؤيِّد هذا الكلام ويؤكِّده، وإلاّ فكيف تفسِّر انتصار المسلمين وهم في غاية الضعف العسكري على دولتي الرومان وفارس، وكيف تفسر انتصارهم على جموع الصليبيين، وكيف تفسر فتحهم لأوربا في الأندلس والقسطنطينية، وكيف تفسر انتصارهم على قوة التتار الهائلة!!

      هذا كله ليس له إلا تفسير واحد، وهو أن الله أراد النصرة للمؤمنين عندما رأى جِدِّيتهم في الدفاع عن دينهم وقضاياهم. ولا يقول أحد أن الحرب في زماننا مختلفة عن الزمان الأول، ولا أن قوة الصين أضعاف قوة فارس؛ فإنّ هذا الكلام يعني أننا لم نفهم سُنَّة النصر أبدًا؛ فالله الذي هزم المشركين في القرن الأول الهجري قادر على هزيمتهم في القرن الخامس عشر، والله الذي حقَّق لضعفاء الجزيرة العربية نصرًا مجيدًا على أقطاب العالم آنذاك، قادرٌ على تحقيق نفس النصر على أقطاب العالم الآن. ولكن المهم هو أن يبذل المسلمون ما في وسعهم، وليس مطلوبًا منا أن نبذل فوق الوسع.. قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. وواقع الأمر أن وسعنا كبير جدًّا، بل هو أكبر من تخيلاتنا جميعًا. وقد نبدأ بصدق في حل قضية من القضايا ببعض الآليات والوسائل، فإذا بالله تعالى يفتح لنا من عنده بعشرات الآليات الجديدة التي تحقِّق ما لا نتخيله من نتائج وانتصارات.

      هذه هي المسألة الأولى التي أردت لفت النظر إليها قبل الحديث عن أدوار المسلمين في نصرة قضية التركستان الشرقية
      أما المسألة الثانية فهي أن الذي يسعى بجدية للخروج من أزمة يوفِّقه الله للخروج منها ولو كان مشركًا! فما بالكم بالمسلمين أصحاب العقيدة السليمة والإيمان الصادق!!

      تايوان تتحدى الصين !

      وأحد الأدلة على هذا المعنى يظهر لنا من خلال الحديث عن تايوان! فتايوان ما هي إلا مجموعة قليلة من الجزر الصغيرة في مواجهة الوحش الصيني العملاق، ومساحتها لاتتجاوز 36 ألف كم مربع، وعدد سكانها 23 مليون، وأكثر من 90% من سكانها من الكفار عُبَّاد بوذا وغيره، ومع ذلك فهم يقفون أمام الصين منذ 1911م وهو تاريخ تأسيس تايوان (مساحتها أقل من 4 في الألف من مساحة الصين، وعدد سكانها أقل من 1.8% من عدد سكان الصين)، فضلاً عن الفجوة الهائلة بين الإمكانيات العسكرية والاقتصادية والسياسية بين الصين وتايوان.. وحتى الآن لم تفلح جهود الصين في تركيع تايوان. نعم نرى أن الغرب -وفي مقدمته أمريكا- يقفون بشكل مُعلن أحيانًا، وخفيٍّ أحيانًا أخرى مع تايوان، لكن هذا كله لم يحدث إلا بترتيبات تايوانية؛ فالشعب هناك أراد أن يبقى على خريطة الدنيا، فقام بتنظيمات داخلية على المستوى السياسي والاقتصادي والعلمي، واستطاع أن يقيم علاقات خارجية قوية، مستغلاًّ الصراع الأيدلوجي الكوني بين الغرب والشرق، ونجح في حساباته حتى هذه اللحظة.
      فلماذا تنجح دولة ميكروسكوبية كتايوان، ولا ينجح المسلمون وهم يشغلون رُبع مساحة الأرض المعمورة، ويمثِّلون خُمس سكان العالم الآن؟!
      مخاطبة الشعوب
      أما المسألة الثالثة فهي أنني في هذا المقال لا أخاطب الحكومات وإنما أخاطب الشعوب؛ لأنني أعلم أن معظم حكومات العالم الإسلامي لا تضع في حساباتها هموم المسلمين أو مشاكلهم، بل لعل بعضها يؤيد الصين في قمعها لما يُسمى "بالحركات الانفصالية"، والتي هي في حقيقة الأمر محاولات التحرُّر من الاحتلال. ومن هنا فلن يأتي في الأدوار ما يجب على الحكومات الإسلامية فعله مثل تحريك الجيوش، وقطع العلاقات الدبلوماسية، وإيقاف التعامل الاقتصادي، وإنما سنتحدث عن بعض الأدوار التي يمكن لعامَّة الناس أن يقوموا بها. وأنا على يقين أن هناك أدوارًا أخرى كثيرة سيقترحها الإخوة والأخوات المتابعين للأحداث، كما أنني على يقين من أننا إذا قمنا بهذه الأدوار بصدق، فإنّ الله تعالى سيبارك فيها، وقد يفتح لنا أبوابًا أعظم تصل بنا -بإذن الله- إلى تحرير التركستان المسلمة بكاملها.
      أدوار الشعوب المسلمة لنصرة تركستا
      أما الأدوار التي أراها مناسبة في هذه المرحلة، فهي تشمل التالي:
      الدور الأول: متابعة أخبار التركستان بشكل دقيق، والبحث عنها عن عمد؛ فالإعلام لا يتحدث عن التركستان إلا عند الأحداث الكبرى فقط، وغالبًا ما ننشط نحن مع هذا النشاط الإعلامي، ثم تخبو فورة هذا النشاط ونعود إلى حالتنا الأولى، وهذا لا يليق بشأن قطر إسلامي مُحتَلّ وجب على المسلمين أن يحرِّروه، ولو فقدوا كل أموالهم وأرواحهم في سبيل ذلك؛ فالأمة كالجسد الواحد، وليس من المقبول أن يتعرض المسلمون هناك إلى كل هذا الضغط الصيني دون أن نهتم نحن بمجرد الاطّلاع على الأحداث.
      يتبع
    • وإذا حدث وتابعنا أخبار التركستان بشكل دوريّ، فإن هذا سيولِّد رغبة حقيقية عندنا لنصرتها. كما أن المعلومة قوة، وقد تفتح لنا المعلومات التي نحصل عليها أبوابًا للمساعدة لم نكن نعمل لها حسابًا. ويمكن لنا متابعة أخبار التركستان على مواقعهم بالإنترنت، وهناك أكثر من موقع لهم باللغة العربية والإنجليزية، كما يمكن متابعة أخبارهم في وسائل الإعلام المختلفة بشكل دقيق، أو البحث عن كتب تسجِّل قصتهم.
      نشر أخبار تركستان


      ولا ينبغي للمعلومة أن تقف عند الشخص الذي عرفها، بل عليه أن يتحرك بها هنا وهناك، فيعرِّف بها أصحابه وإخوانه ومعارفه، بل وينشرها في كل مكان يستطيع نشرها فيه، سواء في الجرائد والمجلات، أو في مجلات الحائط المدرسية والجامعية، أو في منتديات الإنترنت، أو حتى في الحديث العام مع الناس. ولقد سعدتُ كثيرًا عندما علمت أن بعض الإخوة والأخوات يطبعون هذه المقالات ويوزِّعونها على أصدقائهم، ومنهم من يرسلها إلى القائمة البريدية الخاصة به، وهكذا نحافظ على القضية حيَّة، ولا ينسى المسلمون هذا القُطر المهم. ولقد كان واضحًا من ردود أفعال القُرّاء على المقالات أن الكثيرين منهم لم يكونوا يعرفون أن الصين تحتل أرضًا إسلامية من الأساس، وهذا قصور لا ينبغي، ولا نُعذر فيه بجهلنا، خاصةً أننا نعرف المعلومات الكثيرة عن أمور كثيرة لعلَّها أقل أهمية آلاف المرات من قصة التركستان.
      الدور الثاني: التواصل مع شعب التركستان..


      وأنا أعلم أن هذا الدور صعب لاختلاف اللغة، وبُعد المسافات، وعدم الاطّلاع الكافي على وسائل التواصل معهم، ولكن ما قلناه في النقطة السابقة من المتابعة الدوريَّة لأخبارهم سيوفِّر لنا -إن شاء الله- آليات التواصل، سواء بالمشاركة في المنتديات الخاصة بهم، أو عن طريق التراسل مع بعض أفرادهم عبر الإنترنت أو البريد العادي.. والأسهل من ذلك هو التواصل مع الجاليات التركستانية الموجودة في العالم، فهناك بعض الدارسين في بعض الجامعات الإسلامية، وهناك بعض المهاجرين هنا وهناك، وإذا تواصلنا معهم فإنّ هذا يشدُّ من أزرهم، ويقوِّي ظهرهم. كما أنه يفتح بعض أبواب المساعدة التي قد لا نعرفها الآن، ويعطينا معلومات دقيقة أكثر عن الأوضاع في داخل التركستان، وهذا كله يصبُّ في صالح القضية.


      الدور الثالث: التواصل مع جمعيات حقوق الإنسان المنتشرة في أنحاء العالم المختلفة، وإثارة اهتمامها بقضية التركستان. ولقد أحدث تقرير منظمة العفو الدولية سنة 1998م ضجةً في العالم، وتحدث الناس حول قضية التركستان، وقد يمثِّل هذا نوعًا من الضغط على الحكومة الصينية، خاصةً ونحن في زمن العولمة، ولم يعُدْ للانغلاق الصيني الفرصة لتكتُّم كل الأخبار. كما أن الصين دولة اقتصادية يهمُّها في المقام الأول العلاقات الجيدة مع دول العالم المختلفة، والدخول في منظمات التجارة العالمية، وهذه التقارير من لجان حقوق الإنسان قد تعطِّل مسيرة هذا العمل الاقتصادي.
      ولا يخفى علينا أن منظمات حقوق الإنسان لن تتفاعل بشكل جيد مع الأحداث إن تلقتْ إيميلاً واحدًا أو اثنين بخصوص الموضوع، أما إذا تلقت الآلاف والملايين من الخطابات، فهذا يعني قضية رأي عام، وهذا يغيِّر كثيرًا من موازناتها.
      الدور الرابع: زيارة إقليم التركستان!


      وهذا الدور قد يبدو عجيبًا عند الكثيرين، ولكنه واقعي جدًّا؛ فقد تزايدت بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة زيارات رجال الاقتصاد المسلمين إلى دولة الصين للتجارة، ولشحن البضائع، ولعقد الاتفاقيات الاقتصادية، بل قد يسافر إلى هناك تجار من الدرجة المتوسطة وليس كبار التجار فقط. وكل ما نريده من هؤلاء أن يزيدوا يومين أو ثلاثة على أيام رحلتهم؛ ليزوروا في هذه الفترة إقليم التركستان المعروف في الصين بإقليم "سينكيانج"، وتكون فرصة للتواصل مع المسلمين هناك إن تيسَّر الأمر، وحتى لو لم يتيسر ذلك فيكفي أن تطَّلع على الأمور هناك، وتأتي بعد ذلك لتحكي قصتك بتفاصيلها. وما أجمل أن تصلي في مسجد من مساجدها، أو تزور إحدى مدارسها، أو تُهدِي أحد أبنائها مصحفًا صغيرًا!
      وليس التجار فقط يمكن أن يفعلوا ذلك، بل كل المسلمين الذين يزورون الصين في أعمال أو في سياحة أو في رياضة، أو غير ذلك من الأمور. بل إنني أهيب بالأثرياء المسلمين الذين ينظِّمون رحلات سياحية إلى أوربا وغيرها أن يوجِّهوا رحلتهم القادمة إلى الصين، وأن يجعلوا من برنامج زيارتهم يومًا أو يومين أو أكثر في التركستان، وسوف يستمتعون بهذه الرحلة إن شاء الله، وإلى جوار المتعة وقبلها وبعدها سيحصِّلون الأجر والمثوبة من الله بحسب نِيَّتهم، ورغبتهم في التعرف على أجزاء عالمنا الإسلامي المحتل.


      الدور الخامس: استقدام الطلبة التركستانيين للتعليم..
      وهذا الدور يحتاج إلى تفاعل من الجامعات الإسلامية والمعاهد المتخصصة، ويمكن أن نثير القضية عندهم لتوجيه هذه الدعوات لهم، كما يمكن لرجال المال والاقتصاد الإسلامي أن يكفلوا هؤلاء الطلاب في بلادنا، وييسِّروا لهم سُبل الحياة الكريمة التي تترك عندهم انطباعًا جيدًا عن تعاطف العالم الإسلامي مع قضيتهم.


      وأنا أعلم أن الحكومة الصينية تضع العراقيل أمام سفر هؤلاء الطلاب إلى أقطار العالم الإسلامي المختلفة، ولكن علينا بذل الأسباب ومحاولة استقدامهم، ونترك التيسير على الله تعالى. كما يمكن للجاليات المسلمة في البلاد الأوربية والأمريكية أن تستقدم هؤلاء لتعليمهم وكفالتهم، وليس بالضرورة في العلوم الإسلامية، فإنّ إخراج الطبيب والمهندس والاقتصادي التركستاني المسلم يصبُّ -لا شك- في مصلحة القضية ككل، وقد يكون استقدام الطلاب التركستانيين إلى أوربا أو اليابان أقل حساسية عند الحكومة الصينية من استقدامهم للبلاد الإسلامية.
      الدور السادس: التواصل مع قيادات الأويغور في العالم وتأييدهم..


      وهذا دور مهم للغاية، فهناك الكثير من قيادات الأويغور المسلمين منفيُّون في ربوع العالم المختلفة.. في إنجلترا وأمريكا والسويد وغير ذلك، بل هناك جمعيات تركستانية تحمل همَّ هذه القضية موجودة في بلاد كثيرة من العالم. ولا شك أن التواصل معهم سيرفع جدًّا من معنوياتهم، خاصةً أن بعضهم مهدَّد من الحكومة الصينية، وأكثرهم ممنوع من العودة إلى الوطن، وهم في أشد الحاجة إلى التأييد المعنوي والمادي. كما أن التواصل معهم سيضع أيدينا على بعض الوسائل العملية لنصرة القضية، وسيسهِّل علينا الحصول على معلومات دقيقة عن المسألة، كما سيعرِّفنا على بعض الأسماء في داخل التركستان، وهذا يسهِّل علينا التواصل معهم في الداخل. وكل هذا سيصل بنا -إن شاء الله- إلى حالة من إثارة الرأي العام، وتحريك القضية بما يخدم مصلحة المسلمين التركستان، سواءٌ في داخل التركستان أو في خارجها.
      الدور السابع: الدعم المادي للتركستان عن طريق لجان الإغاثة..


      فهناك الكثير من لجان الإغاثة الإسلامية المنتشرة في أنحاء الدنيا، ولكن-للأسف- فإن معظمهم لا يتفاعل مع قضية التركستان؛ إما لجهلهم بها أو لتضييق الحكومة الصينية عليهم، لكن في كل الأحوال فإننا ينبغي أن نثير اهتمام هذه الجمعيات بقضية التركستان، ونُكثِر من إرسال الخطابات المطالبة بفتح نشاط في إقليم التركستان، وإذا تم ذلك فيجب التسارع في إيصال المعونات المادية والعينية لهم؛ فهم في حالة شديدة من الفقر والاحتياجات. ولا شك أن وقوف العالم الإسلامي معهم بالمال والمساعدة سيثبِّتهم على دينهم، ويربطهم بأمتهم.
      الدور الثامن: تفهيم المسلمين خطورة الصين..


      فواقع الأمر-للأسف الشديد-أن معظم المسلمين متعاطفون قلبيًّا مع دولة الصين لأسباب كثيرة، منها وقوفها ضد أمريكا، ومنها غزارة الإنتاج الصيني الرخيص الذي يعتمد عليه جُلُّ العالم الإسلامي، ومنها الانبهار بالتطور الصيني المتسارع، ومنها التأثر بالإعلام الصيني الذي يحرص على إصدار مطبوعات عن الصين باللغة العربية، ومنها التأثر بالمراكز الثقافية والفنية الصينية التي تقدِّم خدمات وبرامج لعامَّة الناس، ومنها التأثر بالأفلام الصينية وإعجاب الناس بهذا المجتمع المثالي الذي تصوِّره الأفلام، ومنها الانبهار بتاريخ الصين القديم وحضارتهم العريقة
      إنها أشياء كثيرة وضعت الغشاوة على عيون المسلمين، فلم يعُدْ هناك من يتقبل الطعن في الصين أو التحزُّب لمقاومتها. ولقد كتبتُ قبل ذلك مقالاً بعنوان "الصين أم أمريكا" وضّحت فيه أن خطورة الصين أعلى من خطورة أمريكا عدة مرات، وأن المسلمين يجب أن يدركوا ذلك؛ حتى لا نُؤتى من حيث نتمنى المساعدة. وهذا جهد يحتاج إلى وقت وعمل، فيجب تنبيه المسلمين إليه بقوَّة، ويجب فضح المخططات الصينية وكشف أوراقهم.
      إيجاد الحكومة الإسلامية


      الدور التاسع:أعلم أن الكثير من الأدوار الإيجابية المؤثرة يحتاج إلى دولة وحكومة، ولكننا -كما ذكرنا في أول المقال- لا نعوِّل كثيرًا على معظم الحكومات المسلمة الموجودة الآن، ومن ثَمَّ يصبح من أهم أدوار المسلمين هو إيجاد الحكومة الإسلامية التي تتبنى قضايا المسلمين في الداخل والخارج. وهذا طريق طويل ولكنه لازم، وآليات إقامة حكومة إسلامية كثيرة ومتشعِّبة، ولكن أهمها العودة الكاملة إلى الله تعالى، واتّباع شرعه في كل صغيرة، وإننا -والله- لو أقمنا دولة الإسلام في قلوبنا فإنها لا شك ستُقام على أرضنا، وليس هؤلاء الحكام إلا إفرازًا حقيقيًّا للشعوب، وكما جاء في الأثر "كما تكونوا يُوَلَّ عليكم"؛ فأصلحوا علاقتكم بربكم، يُصلِحِ الله لكم حُكّامكم وأمراءَكم.
      الدور العاشر: الدعاء لأهل تركستان بالصبر على الإسلام، وبالثبات في مواجهة الطغيان الصيني، وبرفع الغُمَّة عن العالم الإسلامي كله.


      ولم أجعل هذا الدور في آخر المقالة تقليلاً لشأنه -حاشَ لله- ولكن حتى لا يعتمد المسلمون عليه ويتركون بقيَّة الأعمال. ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُعِدّ العُدَّة
    • ستعود دوله الخلافه وتذول دوله الجهل
      الله باق والكل ذوال
      ~!@q تدور الايام بين رحايا العاشقين غزل وهم وجراح مكروبين فهل بشفتيكي اكون حزين الدكتور شديد أستمتعوا معنا في الاستوديو التحليلي بساحه الشعر المنقول ~!@q شارك shokry.ahlamontada.net
    • الإيغور الحزين

      الإيغور؟!، ما الإيغور؟؟


      قرأت كلمة الإيغور ولم أعرف لها معنى فقلت في نفسي ربما هي سيمفونية، أو ربما كانت كلمة إنجليزية، أو ربما مناسبة شعبية..

      تجاوزتها...

      لكن شيئاً ما جذبني لأعود إليها،،، لأعرف معناها...

      كتبت الكلمة في محرك البحث وما هي إلا ثوانٍ وظهرت أمامي سطور متتالية تأنّ بحِمْل ثقيل:
      الإيغور شعب مسلم...
      الإيغور شعب تضطهده الصين...
      الإيغور شعب مسلم مضطهد معزول...
      الإيغور شعب يكافح من أجل المحافظة على هويته...
      الإيغور ثبات على الإسلام رغم العذابات...

      وغيرها وغيرها من تفاصيل تعجبت أين كانت عنا، ولماذا لم نسمع بإخوان لنا في العقيدة؟؟

      وما إن تبدأ بالقراءة عن الإيغور حتى ترتسم في خيالك صورة الأجداد العظام على ظهور خيلهم يعبرون القفار والأنهار حاملين رسالة سماوية يقودهم القائد البطل قتيبة بن مسلم الباهلي، ثم ترى مَلِكاً عظيماً هو (ستوف بغراخان) نَصَرَ الإسلام حين آمن؛ لتؤمن شعوب الإيغور طاعة له..

      ومن ثم تشم رائحة البخور والتوابل التي لطالما عطّرت طريق الحرير الذي مَرّ من هناك ليجتاز سور الصين العظيم طلباً لذاك الحرير في أسواقها العامرة.

      وإن تساءلت:

      أين يعيشون؟، ولماذا أضيفت كلمة "الحزين" إليهم؟

      فإليك نبذة عنهم:

      شعب الإيغور يعيش في جمهورية تركستان الشرقية أو إيغورستان (Uyghurstan) التي تقع تحت الحكم الصيني حالياً.

      تعادل مساحة تركستان الشرقية ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا.

      وتشكل خُمس المساحة الإجمالية للصين.

      تحدُّها منغوليا من الشمال الشرقي والصين شرقًا وكازاخستان وطاجكستان شمالاً وغربًا، والهند وباكستان والتبت وكشمير جنوبًا.

      وتضم تلك الأرض بين جنباتها صحراء "تكلمكات" المعروفة " بالمهد الذهبي للحضارة الإنسانية"، ومتنزهات "التون داغ" الطبيعية التي تعتبر جنة من جنان الدنيا، وطريق الحرير وهو الجسر الذي طالما ربط قارة آسيا وأوروبا، وبحيرتي "طانري" و"بوغدا" وهما من أجمل البحيرات في العالم، كما أنها تحوي العديد والعديد من الآثار القديمة للحضارات غير المكتشفة.

      ارتفعت بلاد الإيغور في النواحي الحضارية لا سيما في عهد "هارون بوغراخان" حفيد الزعيم (ستوف بغراخان) السالف الذكر، وكانت أوقاف المدارس تشكل خُمس الأراضي الزراعية، وقد سُمِّي القائد هارون (شهاب الدولة وظهير الدعوة)، وكان ينقش لقبه هذا على النقود.

      استولت الحكومة الشيوعية في الصين على تركستان عام 1949 لتغير اسمها بعد ذلك إلى إقليم "كسينجيانغ" (Xinjiang) أي الأرض الجديدة. ويضم الإقليم 86 مدينة، يقوم الصينيون بإعادة تقسيمها وتسميتها، وتدار تحت مظلة الحكم الذاتي (اسمًا)، وتزعم الإحصائيات الرسمية أن العدد الحالي للسكان المسلمين هو 35 مليون مسلم، بينما عدد المسلمين الحقيقي في تركستان الشرقية قد تجاوز الـ95 مليون!!!

      تم تقسيم تركستان الشرقية إلى 6 مناطق، حكمتها الصين بقبضة من حديد؛ فأغلقت المساجد وجرَّمت اقتناء المصاحف، والتعليم الديني وإقامة العبادات وأُجبر المسلمون على تعلم الإلحاد وتناول الأطعمة المحرمة وتحديد النسل، وبُنيت سجون عديدة تم إلقاء الآلاف منهم داخلها باعتبارهم أخطر المجرمين على أراضيها، وعملت الصين على إلحاق الأذى بمسلمي تركستان..

      ولنأتي لمحور الموضوع: لماذا سمي الإيغور بالحزيـــــــــــــن؟؟

      ذكرت تقارير منظمات حقوق الإنسان في الصين أن الحكومة الصينية تقود حملة شاملة من القمع الديني ضد المسلمين الإيغور، تحت ذريعة محاربة النزعة الانفصالية والإرهاب، فالصين تنظر إلى الإيغور على أنهم تهديد عرقي قومي على الدولة الصينية. ولأن الصين ترى في الإسلام دعامة للهوية العرقية الإيغورية، فإنها اتخذت خطوات قاسية جداً لإخماد الإسلام بهدف إخضاع المشاعر القومية عند الإيغور. وتمتد الرقابة الدينية والتدخل القسري ليطال تنظيم النشاطات الدينية وممارسي النشاطات الدينية والمدارس والمؤسسات الثقافية ودور النشر وحتى المظهر والسلوك الشخصي لأفراد الشعب الإيغوري. وتقوم السلطات المركزية بتقييم كل الأئمة سياسياً بشكل منتظم وتطالب بجلسات "نقد ذاتي"، وتفرض رقابة على المساجد، وتطهّر المدارس من المعلمين والطلاب المتدينين، وتراقب الأدب والشعر بحثاً عن إشارات سياسية معادية، وتعتبر كل تعبير عن عدم الرضى إزاء سياسات بكين "نزوعاً انفصالياً" وهو يعتبر حسب القانون الصيني جريمة ضد أمن الدولة تصل عقوبتها إلى الإعدام.

      وفي الحد الأقصى، فإن الناشطين المسلمين الذين يمارسون دينهم بطرق لا تروق للحكومة والحزب يعتقلون ويعذبون وأحياناً يعدمون. ويتم توجيه أقسى العقوبات لمن يتهمون بالتورط في ما يسمى النشاط الانفصالي، الذي يميل المسؤولون أكثر فأكثر إلى تسميته "إرهاباً" وذلك للاستهلاك الداخلي والخارجي.

      وعلى المستوى الاعتيادي، يتعرض الإيغور للمضايقات في حياتهم اليومية. إذ من المحظور عليهم تماماً، في مؤسسات الدولة بما فيها المدارس، الاحتفال في أيام عطلهم الدينية أو دراسة النصوص الدينية أو أن يظهر الشخص دينه من خلال مظهر شخصي ما، فـ "لا يجوز للأهل والأوصياء الشرعيين السماح للصغار بالمشاركة في النشاطات الدينية".. فالحكومة الصينية هي التي تختار من يمكن أن يصبح رجل دين، وما هي النسخة المقبولة من ترجمة معاني القرآن، وأين يمكن أن تعقد التجمعات الدينية، وماذا يمكن أن يقال فيها.

      وهناك وثائق رسمية تذكر تزايد كبير في عدد الإيغور المسجونين أو الموقوفين إدارياً لمخالفات دينية مزعومة ومخالفات تمس أمن الدولة، بما فيها "إعادة التربية من خلال نظام العمل" سيئة الذكر. وتعتبر القوانين التي تفصل في كيفية تصنيف شؤون الأقليات العرقية والدينية على أنها "أسرار دولة".

      و"تعتبر هذه الوثائق شديدة الحساسية ولذلك تم حصرها بالتداول الداخلي الحزبي والحكومي. وهي تستخدم بشكل تعسفي لخلق أساس قانوني لاستهداف الإيغور ولتوليد الخوف لديهم من التجمع والتحدث في المشاكل التي يواجهونها أو التعبير عن هوية ثقافية بأسلوب مستقل".

      هذا غـيـض من فـيـض عذابات إخواننا فما خفي عنا بالتأكيد أعـظـم، فهل سنطالب حكومتنا الإسلامية -وهي العاجزة- بمد يد العون لأهلنا وإخواننا في تركستان كي نمحو عنهم الحزن والاضطهاد!!!!

      وهل سيسامحنا الإيغور باعتذاراتنا بالعجز عن إنقاذهم؟!

      أم هناك وسائل يمكن أن نخدم بها أهلنا وإخواننا؟؟

      هل نكتفي بالدعاء لهم أم نعمل وندعو؟!؟!

      اللهمّ ارحم تقصيرنا وعجزنا...

      اللهمّ نوّر عقولنا بأفكار ننصر بها إخواننا...

      اللهمّ افتح علينا فتوح العارفين بك لنصل أهلنا في الإيغور...

      اللهمّ ارفع الظلم والحزن عن إخواننا في الإيغور وفي غزة وفي العراق...

      وكل مكان يشهد فيه بوحدانة الله ومحمد رسول الله .......

      بعض الصور :-













      اللهم انى بلغنا اللهم فـــ اشهد