( بعد فــــــــوات الآوان .... )
اسأل نفسي احياناً .....
هل الحياةُ قاسية أم نحنُ القاسون ؟؟
هل ذلك الظلام الذي يحيط بنا كل مساء هو من صنع الطبيعة ام ان اعيننا صارت لا ترى سواه ، لاننا وبكل بساطة اصبحنا مثل الاعمى نتخبط في كل الطرقات ....
أ خ خ خ خ خ خ ....... كم تمنيت ان استرجع الماضي .. كم تمنيت ان اعيش ولو لحظةٍ واحدة بعيداً عن تلك الجروح ..
نعم تلك الجروح اللي حطمتني ورمتني بعيداً عن دائرة البشرية ..
اتنفس الالم والحسرة كل يوم ..
اتجرع قسوة الكلمات الحارقة من هنا وهناك كل صباح ..
لا اشرب سوى ذلك السم الذي يخنقني كل مساء وهو التفكير في مستقبلي الضائع ..
شاب راسي وانا لا اتعدى الـ خامسة والعشرون .. قدماي تتعثر كل ما حاولت الوقوف عليها وكانني ف الــ التسعين من عمري . لا أفهم لماذا اصبحوا هكذا فجأة !!
لا ادري لماذا صارت الحياة كدائرة النار وانا بداخلها .. ، أعمل المستحيل لكي أهرب من هذا الواقع الذي ظل يحاصرني طيلة ثلاث سنوات وأنا هنا ..
نعم انا هنا خلف هذه القضبان الحديدية اللعينه ..
انا هنا وسط هذا المكان الموحش القذر ... أنا هنا بين احظان رحمة القتلة والمجرمين الذين يحيطيون بي ..
يا الله .. ارحمني يا الله ..
فجأة يمد ذلك الشرطي النحيف يداه القاسيتين والتان تحملان اوراقٍٍ بيضاء كانها اوراق الخروج من هذا القبر الضيق على قفل البوابة الضخم ثم صرخ بكل كبرياء ..
السجين فوزي على ..
لا احد يرد !!
السجين فوزي علي ..
تتردد الكلمات في كل زاوية من زوايا ذلك القفص الاسود المظلم ولكن ايضاً لم يرد عليه أي أحد .. الكل في صمتٍ ودهشة ، الاسم ليس غريباً ولكن ذاكرتي اصبحت خاوية ، لم أعد اميز بين الاسماء ..
لمحت نظرة حاقدة من آخر الزاوية هناك ثم قال بكل عصبية : انه يناديك الستَ فوزي ؟؟ لماذا لا تذهب !!
نعم أنا فوزي ولكن لا اتوقع خروجي اليوم .. هل قضيت ثلاث سنوات هنا ؟؟؟
يا الله نعم انه اليوم الاخير لي في هذه المقبرة كيف نسيت ذلك !! سأخرج اليوم ولكني لم اذهب لحلاقة لحيتي الطويلة الشعثاء كيف ساقابلها وانا هكذا .. كيف يبدو شكلي لابد انني بشعٌ جداً ..
- ايه انت هناك أجمع كل أغراضك وتعال للتوقيع على اوراق خروجك !!!
صوت ذلك الشرطي الغليظ ايقظني من دوامة الفرح التي كنت انتشيها ، ولكنه اعاد الحياة بداخلي من جديد .. نعم ساسحب اقدامي واخرج من هذا القبر بكل سرعة فانا امتلك حريتي اليوم وساعانق احلامي الورديه التي اندثرت هنا في هذا الزلزال البغيض ..
يا الله .. كم انا مشتاقٌ اليكِ .. كم اشتقت لارى الوانك الجميلة المضيئة .. وكم رسمتك في مخيلتي كل يومٍ كان يمر على في ذلك التابوت المخيف .. ثلاث سنوات وانا مشتاقٌ لاحظن خيوطك الذهبية الرائعة ايتها الشمس الدافئة ...
احبك .. نعم احبك ايتها الشمس الجميلة فانتي أول من عرفتك بعد امي عندما فتحتي عينيّ على هذه الدينا المظلمة وانتي اول من استقبلتني بعد خروجي من ذلك المكان المرعب ...
- غريبه هذه الفرحة التي غمرتك فجأة !!!
ولماذا هذا الحسد الذي طرأ عليك انتي فجأة ؟؟ لماذا لا تفرحين معي ايتها النفس القاسية ؟؟ لماذا تحاولين ان تعكري صفو فرحة حريتي وخروجي من ذلك المكان المظلم ؟؟ الا يكفي ثلاث سنوات وانا لم اعرف الابتسامة ؟؟ ثلاث سنوات وانا لم اعانق سوى دموعي الحارقة كل يوم !! دعيني افرح وأعبر عن كل ما بداخلي .. فانا اليوم كانني مولودٍ من جديد ..
- ولكن ربما يكون ذلك المكان المظلم القذر هو خيرٌ لك من هذه الدنيا الواسعةُ المضيئة ..
لحظة واحدة يا نفسي الشقية .. لماذا هذا الكلام كله ؟؟ لماذا تحاولين تحطيمي وقتل سعادتي ؟؟
- لانك وبكل بساطة لا تعرف الى اين ستذهب ومع من ستذهب !!
إجابتك خاطئة هذه المرة سأتصل بصديقي احمد .. نعم ساتصل به وسياتي لاخذي فهو صديقي العزيز وبعدها ساذهب الى حيث اريد ، نعم ساذهب اليها " آلو احمد .. انا فوزي لقد خرجت اليوم من السجن وانا انتظرك بالخارج .. تعال بسرعة فانا لا اطيق البقاء هنا كثيراً .. انتظرك يا صديقي العزيز ولا تتأخر .. "
هل سمعتي يا نفسى المحطمة لقد فرح لخبر خروجي من السجن وها هو قادم ليأخذني ..
يا الله كم انتي جميلة ايتها الحرية .. كم انت جميلُ ايها الفضاء الواسع ..
- ولكن الى اين ستذهب ؟؟
ساذهب اليها .. نعم حبيبتي ليلى هناك .. لا بد انها تنتظرني بفارغ الصبر .. يا الله كم انا مشتاقٌ اليها كثيراً ..
- وهل تعتقد انها ستقبل لقائك وانت لتوك قد خرجت من السجن ، وماذا ستكون ردة فعلها وانت الان ذلك السارق الذي يخوف به الاطفال في القرية ... انت لست سوى سارق فيها نظرها .. نعم انت سارق .. انت سارق !!
كفى .. كفى ايتها الغيورة .. انا لم اسرق الا لأجل عينيها .. لم اسرق إلا لادفع ذلك المهر الخرافي الذي طلبه مني ذلك الطماع الجشع والدها عندما ذهبت لخطبتها .. لا بد ان تفتخر بذلك لانني ضحيت بعمري كله لأجلها ..
- مسكين ايها الانسان الضعيف فانت لا تنجر الا لمشاعرك التافهه الظعيفه ...
اصمتي الان يا نفسى القاسية لان صديقي احمد هاهو قادم وساذهب اليها ..
( أحمد صديقي العزيز .. لقد مضت فترة طويلة لما اراك فيها .. اشتقت لك واشتقت لبقة الشباب .. اشتقت لحياتنا الجميلة البسيطة التي كنا نعيشها )
- وانا وبقية الشباب اشتقنا لوجودك معنا يا فوزي .. ولكن وجودك في السجن لمدة ثلاث سنوات كان مفاجئٍ جداً للجميع .. لم يتصور أي احد ما الذي حدث .. وكيف حاولت ان تقتحم ذلك المحل لتسرقه !!
ماذا افعل يا احمد .. لقد كان الامر خارجاً عن اراداتي .. فقدت السيطرة على نفسي ، ولم اجد سبيل لإسكات ذلك الطماع الجشع سوى اغراقة بالمال ...
- ولكن كان هناك اكثر من طريقة لحل المشكلة ولم يكن حل السرقة هو الحل الانسب !!
ولكنه غاضني عندما قال لي وبكل برود : انت فقير ولا تملك مهر ابنتي ليلى .. !! هي اغلى منك ومن عملك التافه !! وانت كنت موجود معي هناك ورئيت الحقد في عينيه وسمعت قيمة المهر الخيالية والمبالغ فيها .. لماذا فعل ذلك ؟؟ هل لاني كنت احبها لدرجة الجنون وكنت مستعد لافعل المستحيل من اجلها ومن اجل ان احقق وعدي بالزواج منها !! ولماذا طلب مني ذلك المهر الكثير .. وهو يدري باني لا املك حتى ربعه .. لقد كان يتحداني وانا قبلت تحديه واردت ان ابرهن له مقدار حبي لابنته ليلى وانني قادر على دفع مهرها حتى ولو كان عاقبته سجني وتعذيبي ، فقد عذبني بكلامه ذلك اليوم وسجني في دوامة افكاري المشتته قبل ان اسجن في ذلك السجن اللعين ...
- وماذا ستفعل الآن ؟؟؟
ساذهب اليها .. نعم ساذهب الى ليلى واطلب منها ان تهرب معي .. سنتزوج رغم انف والدها الجشع .. نعم سنهرب ونذهب للمحكمة ونتزوج هناك ، فهو الحل الانسب لنا !!
- ولكن الا تعتقد ان الوقت قد فات الان .. وان خطتك لن تنجح ابداً لان توقيتها جاء بعد فوات الاوان ..
ماذا تقصد بفوات الاوان ؟؟ وان الوقت غير مناسب ؟؟؟
ماذا تحاول ان تخبرني يا احمد ...!!
ماذا حدث ليلى !!!
لا تقل لي انها قد تزوجت من احدٍ غيري !!
لا .. لا مستحيل فقد وعدتني بانها لن تتزوج غيري وانا لن اتزوج بغيرها امرأة ..
- ولكنك اختفيت لثلاث سنوات من حياتها وكل شي قابل للتغير ..
نعم كل شي قابل للتغير الا وعدها لي ووعدي لها .. فهو مثل نور القمر والشمس لا يتغير ابداً مهما ساء الجو وتقلب الطقس يبقى نورهما خالداً لا يتغير ..
- ولكنها الحياة يا صديقي العزيز .. ونحن بشر .. ولا بد من وجود نقطة ضعف في حياتنا ..
ماذا تقول يا احمد .. صارحني ارجوك ماذا حدث ليلى ..؟؟
هل تزوجت بالفعل ؟؟
هل غادرت البلدة ورحلت لبلدةٍ أخرى ؟؟
هل حزنت كثيرا عندما عرفت باني قد دخلت السجن وانها لا تتشرف بالزواج من شخص خرج لتوه من السجن ، لاني ف نظهرها لست سوى سارق !! ولكن كان لا بد ان تعرف باني قد دخلت السجن لاجلها .. نعم لاجلها ولاجل ان احصل على مهرها الغالي ..
وهل خبر ان اسمي اصبح يخوف به كل اطفال القرية بالفعل صحيح .. !!
وان كان صحيح .. هل هو سبب فوات الاوان في نظرك وانها ملت من سماع اسمي في كل الطرقات والبيوت التي تمرها وتدخلها كل يوم ؟؟
- للاسف يا فوزي ان حبيبتك ليلى ليست لك الآن .. وحاول ان تنساها وتبعدها عن ذاكرتك !!
ماذا تقول يا أحمد .. !!
لماذا تحطمني وانا محتاج الى من يقف معي في هذه اللحظات الصعبة .. انت صديقي ولا يجب ان اسمع منك هذا الكلام .. يجب عليك ان تساعدني وان توصلني الى حبيبتي ليلى !!
- للاسف يا صديقي العزيز فان الوقت قد فات حقاً وحبيتك لم تعد موجودة في البلدة ؟؟؟
ماذا ؟؟؟
لم تعد ليلى موجودة في البلدة ؟؟؟
ماذا حدث لها ؟؟
واين ذهبت ؟؟
ولماذا تزوجت غيري ؟؟؟
ولماذا خانتني ؟؟
- ليلى لم تخونك يا فوزي ولم تتزوج باحدا غيرك ولكنها ......
ولكنها ماذا يا احمد ؟؟ تكلم ارجوك لا تعذبني كثيرا فقد تعبت من العذاب ...
- بكل أسف يا فوزي عندما عرفت ليلى بانك قد دخلت السجن وان زواجكم معاً اصبح ما اصعب المستحيلات لم تجد حلاً سوى " الانتحااااااااااااااااااااااااار ....... " .
( بعد فــــــــوات الآوان .... )
قصة قصيرة
تأليف \ عريف بحري فيصل بن ناصر بن سعيد السليمي
منسق رئيس الدراسات البحرية بكلية القيادة والاركان – بيت الفلج
هاتف : 99223877 المكتب 312119