بطولة طفلة شيشانية يتيمة

    • بطولة طفلة شيشانية يتيمة



      [frame='2 80'][glow=CCCCFF]
      سعد عبد المجيد - تركيا


      طفلة شيشانية في معسكر للاجئين

      لم يكن يخطر على بال ملايين من المشاهدين للبرامج الإخبارية التلفزيونية التركية خلال الشهور الثلاثة الماضية أن تقوم طفلة صغيرة ومهاجرة من بلاد الشيشان، وفي عمر لم يتجاوز العاشرة بتبني قضية عائلة مكوَّنة من 9 أشخاص على هذا النحو من الشجاعة والإقدام. إلا أن أسلوب حوار وردود وتعبيرات الطفلة "هدا" أمام عدسات التلفزيون أو أسئلة الصحافة التركية، أظهرت بوضوح إلى أي مدى يتمتع الشعب الشيشاني بشجاعة وجرأة قلما نجد لها مثيلاً في عالم اليوم.

      في يوم 9 يناير 2002م جذب حديث الطفلة "هدا" في النشرة الإخبارية لمحطة تلفزيون K7 TV انتباه جموع المشاهدين في تركيا؛ فالطفلة صغيرة العمر، ويفترض أنها تعيش مرحلة لعب ولهو وبراءة الطفولة المعهودة، لم تظهر أمام عدسات التلفزيون، لكي تتحدث عن طفولتها وأحلامها أو رغباتها الشخصية، مثلما هو الحال مع نظيراتها، لكنها راحت في أسلوب حواري وحديث مؤثر جدًّا، تعرض على الرأي العام التركي، قضية عائلتها الشيشانية المهاجرة جبرًا من جمهورية الشيشان، وفي ظلِّ المظالم التي ترتكبها القوات الروسية ضد الشعب الشيشاني منذ أكثر من 10 سنوات.

      تقول "هدا" في حوارها المباشر على الهواء مع مقدم النشرة الإخبارية بلغة تركية سليمة وكأنها من مواليد تركيا: "بالله عليكم.. ساعدوا عائلتي الفقيرة لأجل إنقاذ خالي من براثن المشنقة الروسية، لقد ألقت الشرطة الكرواتية القبض عليه في كرواتيا قبل أيام، عندما ذهب إلى هناك من أجل البحث عن عمل يكفل لنا الحياة بعدما ضاق به الحال في تركيا. إن الروس سيعدمون خالي في حالة تسليم كرواتيا له، سيعدمونه وهو الوحيد الذي ينفق على عائلتنا، لقد قتلوا أبي قبل سنوات قليلة، أنا وإخوتي الأربعة يتامى وليس لنا إلا هذا الخال. بالله عليكم أستحلفكم بالله أنقذوا خالي من الموت، لا تجعلوا الكروات يسلمونه لروسيا".

      سألها مقدم البرنامج: يا هدا.. ماذا تريدين بالضبط من تركيا؟ تقول والدموع تنهمر على وجهها تسبق كلماتها الرقيقة: "أنا ذهبت مع عائلتي للسفارة الكرواتية بأنقرة، لكي نقدم طلبًا حتى لا يتم تسليم خالي المقبوض عليه للسلطات الروسية. لكن السفارة لا تريد الاستماع لي، وتقول: أنت صغيرة، نريد شخصًا كبيرًا من عائلتك يتولى هذا الأمر. بالله عليك كيف يمكن لأمي أو خالتي أو إخوتي الصغار أو حتى جدي وجدتي كبيرَيْ السن أن يتولوا مسألة الدفاع عن خالي، وهم جميعًا لا يعرفون اللغة التركية؟!

      ألست إنسانة ومن حقي الدفاع عن عائلتي وعن خالي الوحيد الذي ليس لنا غيره، أنا الوحيدة التي أعرف التركية في عائلتي الشيشانية. يسألها مقدم البرنامج: يا هدا، أنت ما شاء الله تتحدثين التركية بشكل جيد.. من أين لك هذا وأنت شيشانية الموطن؟ تقول وهي تجلس في المقعد المواجه لمقدم البرنامج الذي عادة يجلس عليه سياسيون، وعلماء، وغيرهم من الكبار: "ذهبت لمدرسة تركية قبل حوالي سنة تقريبًا بعد قدوم عائلتي لتركيا كمهاجرة من الشيشان، وفي المدرسة التركية تعلمت اللغة. أنا الوحيدة التي أتحدث وأقرأ التركية بين عائلتي المكونة من 9 أشخاص، مَن غيري يمكن أن يتحدث نيابة عن عائلتي؟.. بالله عليكم ساعدوني.. أنقذوا خالي من الإعدام..

      "أوليست جدتك هذه تعرف التركية؟ -يسألها مقدم البرنامج الإخباري-، لا.. وفي ثقة وإقدام ملحوظين تقوم هدا بترجمة الحوار بين جدتها ومقدم البرنامج. وقد تبيَّن من حديث وترجمة هدا، بما لا يدع مجالاً للشك أنها لديها مهارة وقدرة على عرض وشرح القضية العائلية، أكثر من جدتها البالغة عمرًا يتجاوز الستين عامًا.

      بعد عدة أيام من حديث هدا التلفزيوني، تولَّى مراسل المحطة في أنقرة استقبال الطفلة وعائلتها التي حضرت من إستانبول في سيارة تابعة لجمعية "دنيز فنري الخيرية"، وذهبوا جميعًا لمقر السفارة الكرواتية بالعاصمة التركية. أمام باب السفارة تقدمت هدا بمفردها لكي تخاطب رجال أمن السفارة، راجيةً قبول طلب مكتوب يرمي لمنع تسليم خالها المسمى "دودوجو" للسلطات الروسية. يقول لها مسؤول أمن السفارة الكرواتية وأمام عدسات التلفزيون: أنت صغيرة يا ابنتي، أليس في عائلتك من هو كبير عنك يتولى تقديم هذا الطلب أو تسليمه للسفير؟ ترد عليه هدا: لا أحد غيري في عائلتي يعرف التركية، وليس لديَّ أب أو عم أو خال، أنا يتيمة وغريبة، انظروا لأمي أو جدتي أو حتى خالتي، إنهم جميعًا لا يعرفون التركية، أرجوك خذ هذا الطلب، فلا أريد أن أفقد خالي مثلما فقدت أبي.

      وبعد تسليم هدا لطلب منع تسليم خالها للسلطات الروسية، تتوجه مرة أخرى لمقر سفير الأمم المتحدة بمعاونة الجمعية الخيرية المذكورة من قبل؛ لكي تتقدم بطلب مشابه لما تقدمت به لسفارة كرواتيا. هدا الطفلة الصغيرة العمر الكبيرة الفهم والإدراك لم تبالِ بالبرد القارس أو الثلوج التي كستْ العاصمة أنقرة في شهر يناير 2002م باللون الأبيض، أو ترددت في تولي هذه المهمة الصعبة، وهي ترتدي حجابها؛ ذلك الحجاب الذي يعاني من وراء ارتدائه ويظلم آلاف من فتيات وطالبات تركيا، راحت هدا لا تنوي على شيء غير التصميم بكل عزيمة وإرادة على إنقاذ خالها المقبوض عليه في كرواتيا، بعد إدراج اسمه من قبل السلطات الروسية في قائمة المطلوب القبض عليهم دوليًّا.

      إن تهمة خال هدا هي مقاومة الروس المحتلين والدعوة لاستقلال وطنه، بموجبها تحول لإرهابي في نظر الروس، ولمّا لم يكن أمامه بُدّ غير الهجرة لخارج جمهورية الشيشان -بعد أن استشهد شقيقه وزوج أخته-، وفي سبيل البحث عن عمل ينفق منه على هذه العائلة المسكينة والمكونة من 9 أشخاص جاء لتركيا في العام الماضي، مثل عدة ألوف غيره هجروا وطنهم قسراً وقهراً، وفي ظل المجازر اليومية التي ترتكبها روسيا ضد شعب الشيشان.

      دودوجو الشيشاني خال البطلة هدا، ضاق به الحال في تركيا، ولم يجد عملاً يضمن به الإنفاق على عائلة كبيرة العدد. فراح يطرق أبواب الدول الأوروبية، لعله يجد فيها ما لم يجده في تركيا، وعلى أرض كرواتيا ألقت الشرطة الدولية القبض عليه بناء على طلب الشرطة الروسية. خبر القبض على المجاهد الشيشاني، نزل كالصاعقة على عائلة هدا الموجودة بمدينة إستانبول؛ فهدا هذه هي الطفلة نفسها التي سبق أن فقدت والدها قبل سنوات قليلة. تقول هدا للرأي العام التركي وهي تمسح دموعها المنهمرة على وجنتيها الوردية: "صحيح.. أنا صغيرة العمر، ولكن أليس من حقي وحق عائلتي أن نعيش، الروس يقتلوننا بدعوى وحجة حق العيش!. ترى هل حق العيش للروس فقط؟! تتوقف هدا قليلاً لتمسح دموعها، ثم تكمل قائلة: من أجل مرضاة الله ساعدوني، لا تجعلوهم يقتلون خالي.. بالله عليكم ساعدوني.

      مرَّ حوالي أسبوعين من ذهاب هدا لمقر السفارة الكرواتية وسفارة الأمم المتحدة بالعاصمة التركية، بعدها أبلغت هدا وعائلتها بخبر توقف الشرطة الكرواتية عن تسليم دودوجو لروسيا. خبر جيِّد للطفلة هدا، ولكن البطلة الصغيرة لم تكتفِ بهذا الحد، فشبح المجازر الوحشية التي شهدتها في وطنها قبل الهجرة لتركيا يُلِحّ عليها لكي تحافظ على هذا الخال الذي أصبح بمكانة الأب الشهيد. بمساعدة الأتراك من أهل الخير سعت الطفلة هدا للمطالبة بإعادة خالها لتركيا، حيث أبلغتها السفارة الكرواتية بإمكانية إعادة خالها لتركيا، في حالة قبول الحكومة التركية لخالها كلاجئ سياسي. عادت هدا مرة أخرى للركض بين وزارة الخارجية التركية والسفارة الكرواتية بأنقرة؛ لكي تقنع المسؤولين الأتراك بقبول وضعية خالها كلاجئ سياسي على أرضها.

      بينما الطفلة البطلة تركض وتلهث بين إستانبول وأنقرة (570كم تقريبًا) لكي يعاد خالها لتركيا كلاجئ سياسي، فإذا بالمحطة التلفزيونية المذكورة سالفاً، تذكر في أخبارها يوم 27 مارس أن السلطات الكرواتية أطلقت سراح خال هدا، بعد تدخل السلطات التركية والأمم المتحدة. تقول هدا للرأي العام بتركيا، في مقابلة تلفزيونية بعد تلقيها خبر إطلاق سراح خالها: "أشكركم، الله يرضى عنكم.. ولا تتخلوا عنّا".
      [/glow][/frame]
    • يسلموووووووووووو على الموضوع

      استغفر الله العظيم وأتوب اليه :) .......................................................... شاركونا http://aflajoman.tawwat.com