على طريق البصر" للدكتور سليم صابر

    • على طريق البصر" للدكتور سليم صابر



      مررت بإحدى المنتديات فوجدت تحفة أدبية و أردت أن اشارككم بها ..

      د. سليم صابر حصل على جائزة الشارقة للمبدعين
      في دورتها الرابعة للمبدعين المعوقين وقد نالها عن فئة الرواية والقصة: رواية "على طريق البصر" للدكتور سليم ،
      مهرجان توزيع الجوائز في الشارقة حدث ما بين 27 و29 من آذار "مارس " برعاية سمو شيخ الشارقة سلطان بن محمد القاسمي .

      الرواية طويلة جدا وتتعدى 350 صفحة بمجملها وسوف أحاول قدر الإمكان أن أعطي القارئ فكرة عنها
      و لتروا جمال الإبدادع ....



      من المقدمة

      شاء القدر أن أكتب هذه القصّة وأنا في أصعب الظروف، إنّما عنادي وتصميمي دفعا بي لإتمامها.
      ليس من السّهل محاورة النَفْس وإقناعها بوجوب مجاراة القدر والقبول بما يرسمه لها من عوائق شائكة على دروب الحياة المتعرّجة.
      ليس من السّهل ولوج الذات والتكهّن بما يُخبَّأ لها مستقبلاً، بما يُعتمد لها من صدَفٍ ومفاجآتٍ غير منتظرة، بما يُؤتى لها من مصائب ونكبات وبما يُحضّر لها من مآسٍ وويلاتٍ على دروب العمر المتشابكة.
      وحدها الخواطر الطيّبة الدّافئة استقامت في النَفْس وتأهّبت قُدُمًا، على ممرّات البصيرة، باتّجاه نوافذ القدر!
      قصّتي هذه تتحدّث عن مسار جيلٍ مرَّ في مراحل صعبةٍ من تشريدٍ وتهجيرٍ وهربٍ من الموت بحثًا عن لقمة عيشٍ خارج هذا الوطن.
      هناك شخصيّة العاقل الذي يبحث بإلحاحٍ، ضمن فلسفته الحياتيّة، عن حقيقته وهو في النهاية يجري خلف سراب عمره والسّنوات.
      هناك الرّجل الاجتماعي الفاعل الّذي يحاول العمل من أجل توعية الناس مقابل الجهل بأشكاله المختلفة.
      هناك الرّجل الصّادق الذي يحاول مساعدة الآخرين بكلّ طيبةٍ وإخلاص مقابل الّذين يُفتّشون عن منافعهم الشّخصيّة من أجل تحقيق مآربهم.
      وهناك شخصٌ سخّر وقته وقواه وفكره في كفاحٍ مرير، مستمرٍّ ومستميتٍ رغم الوقت والمرض من أجل الحفاظ على مَوْقِعه وكرامته، وبقي إيمانه راسخًا بقدراته وبربّه الّذي خلقه. بقي ثابتا ضمن ثقةٍ عمياء لا تلين ولا تتزعزع رغم تأرجحه والهواجس وغرقه في بحار تجاذباته المتعدّدة. إنّه صراعٌ ذاتي آني مع الحياة الهاربة، إنّها قصّة حوارٍ قلقٍ دائمٍ مع النَفْس يُفضي بها إلى أعماق حقيقةٍ غير منظورةٍ تساؤلاً عن مغزى وجودها. هذا هو فحوى الموضوع، هنا قلب الحكاية!
      قصّتي هذه هي قصّة أجيالٍ مختلفةٍ تنتمي لأزمنةٍ مختلفةٍ ضمن أوضاعٍ معيشيّةٍ مختلفة.
      وبعد، فإنّ هذه القصّة هي مزيجٌ من الحقيقة والخيال، فيها بعضٌ من واقعٍ وبعضٌ من حلم، وفيها من سطور الذاكرة نتفٌ. وقناعتي بأنّ ما كتبتُ ما هو إلاّ مجرّد أفكارٍ حالمةٍ وحكاياتٍ وهميّة، وأنّ ما دوّنتُ وقدّمت في هذا الكتاب لا يمكن إلاّ أن يكون سوى قصّةً واقعيّةً بحتة عاشها الناس في مجريات حياتهم لعشرات المرّات لا سيما خلال الحرب. فما هو الواقع وما هو الخيال، وما هي الحقيقة وما هي الأحلام في كلّ هذه المقاطع المرتسمة تباعًا في الذهن بانتهاء قراءتها؟ هذا هو السؤال الأساسي المطروح على الذات! هذا هو التناقض الفكري الأكبر الذي حاولتُ الولوج منه والخروج بالعبر. هذا هو سؤالٌ موضوعٌ قيد البحث والتدقيق أمام ناظرَيْ كلٍّ قارئ. من يدري، لربّما تمكّن كلٌ منكم من استخلاص العبر وإيجاد أجوبةٍ فعليّة على الأسئلة المتراكمة والتي تطرح نفسها، وبإلحاح، دومًا عليّ!
      إنّه حوارُ العمرِ المؤجّل الذي أتى ليحشر موقعه بين ثنايا هذه القصّة، حيث الدموع المتراكمة هي دموع الفرح حينًا، هي دموع الحزن أحيانًا وهي، وقبل كلّ شيء، دموع الحياة وأهوائها المتقلّبة بكلّ آفاقها وفيض أمانيها والمآسي!
      أمّا السراب المتربّص في نهاية القصّة ما هو إلاّ مجرّد وهمٍ لا يمكن التقاطه إلا في الغفوة!
      هذه هي فكرتي الباطنيّة وعليها بنيتُ خاتمتي.
      تعال إذًا نُبحِر معًا عبر أمواج الزمن، نمخر عباب هذا العمر الزاحف، نغوص في لجّة النفس، نستوقف الذاكرة، نستخرج من زبدها الأماني، نبني على شواطئها الأمل ونستقلّ مركب الحياة!
      هناك... تجد قبسا ضئيلاً يوصلك إلى نور حدقة معاندة. هناك... تكتشف سرّ قوّةٍ هائلة تحتوي هذا الكيان المعاند. هناك... ترى النور على طريق البصر!
      تعال نتأمّل معًا ونستخرج العبر، فللنفس كوكبٌ تعيش فيه باستمرار وتحتمي، وتبني، بفعل إرادتها، حكاية عمرها المرتحل، تواجه به أقدارها، تكوّن مسيرة حياتها ومن صلب معاناتها تنهض دوما وتكمل المشوار.
      إنّها الذات تبتعد بأحلامها حيث تكمن الحقيقة بمنأى عن متاهات الواقع، وتسافر، في بُعدها، من هذا المكان الرائع لملاقاة ينبوع الخلاص.
      إنّها حكاية امرئ يسير بتؤدة ولا ينحني. إنّها مسيرة الروح على درب البصيرة والبصر!

      للدكتور سليم صابر ...
    • من الفصل الأول



      بزوغ الفجر



      تعتلي الذاكرة أحلام الفكر، ومن جمرة الشوق وهوس الجنون يبحر نحو عالمه البعيد. يغوص حينا في ماضيه، يحلّق أحيانا مع مخيّلته، ويكوّن في الذهن مآثر أشبه بالظلال. تراوده، للحظة واعدة، نبضة أتت تذكّره بانتصاراته الغوالي وترتديه كلّما عنّت في البال أنّة، فيبتسم ويهلّل وكأنه استفاق للتّو من نشوتها ليسير نحو قدر لطالما انتظره.

      ويشرد بالفكر نحوها، تلك الحبيبة المنتظرة منذ سنين عمره والربيع. ويعود يلامس خوفه ويقف أمامها في حاضرة ذاكرته، يعانقها ويهمس لها من على رصيف الانتظار. أيستاء من عمر حمله طوال معارك الحياة وأوصله إلى أبعد مرامي الخيال! أوصله عمره بعد رحلة مكتظّة بالأماني ومليئة بالأحداث نحو بيته الريفي الذي انتظره على دفء العبرات المنسية.

      يقف منزله الريفي منتصبا بوجه الرياح، وكأنّه يعاند عوامل الوقت وتآكل السنوات. بُنِيَ فوق صخرةٍ شاهقة على قمّة جبلٍ شامخٍ يناطح السحاب. تمتد من تحته سهول ووديان وجنائن خضر تأسر الناظر بروعتها. وبين انحناءات تضاريس جبال ووهاد، تتقارب حينًا وتتباعد أحيانًا، يظهر اليمّ بزرقته في شبه إغراء عذب. تمتشقه صنوبرة تعلوها السماء مغالاةً، ويختفي معها الوقت وكأنّه يرحل نحو ماضٍ توقّفت عقاربه منذ أمد طويل.

      شهد بيته أحداثًا رائعة لا تُمحى من ذهنه، آلمته أحيانًا ولكنّها أعطته، في مجمل أعاصيرها المتلاحقة، مكتسباتٍ جمّة قلّما يحصل عليها إنسان!

      استفاق من نومه وهو يفكّر بمجمل الأحداث التي مرّ بها طوال السنوات الماضية وقد هرب النعاس من جفنه، والساعة لا تزال تشير إلى الخامسة فجرًا. جلس إلى مكتبه يقرأ، وإن بصعوبة بالغة، وينتظر حلول الفجر ليسارع النظر إلى الشمس الصاعدة من شرقها الهادئ.

      لا صوت يُسمع، ولا حركة تُلحظ في أوائل أيّام الخريف، والمزارعون قد جمعوا المواسم ويحضّرون الحطب للشتاء بقرب المواقد. لم يمضِ الوقت حتى وضع قلمه الذي يدوّن به آخر ملاحظاته، وكأنّه ملّ التفكير.

      ضوء الفجر، الذي يصله من النافذة، استدرجه نحو الخارج، فوقف يتطلّع حوله ويتساءل، وفي الذهن هواجس لا تنكفئ. تقدّم بضع خطواتٍ ثم توقّف وكأنّه في حيرة من أمره، وبعد تردّد عابر لم يلبث أن اعتراه حتى مشى بصعوبة بالغة ومفاصله المتراخية، المترنّحة تحت ثقل الأعوام، تُسمعه أنينها الصارخ وكأنّها في شبه اعتراض!

      إنّه واقع الصبح يأتيه مناورًا، إنّه الضوء الآتي مع الفجر وهو يبشّر بنهارٍ جديد. إنّها الأرض، وقد دبّت الحياة في أوصالها، تنتعش وتمتلئ حيويّةً. إنّها الطبيعة تنتفض أمامه بلمح البصر من سباتها، ليراها تتحرَّك على الدروب وهو، قابعٌ على شرفة منزله، يعدّ الأيّام، يحصي سنوات عمره، يستجدي الحياة على قارعة الآخرة و... ملؤه الأمل!

      ...وعلى عتبة الدار جلست صنوبرةٌ عتيقةٌ، وتقاعد العمر على عتبة الشتاء والصقيع، يُداوي جراحه، يُضمِّدها ولا تلتئم! ويُناور، وقد أمضى الوقت وهو يُغامر، ويعلم بأنّ الزمن قد ولّى عليه وأنهاه، فيبسط يداه أمام نواميسالانتظار الممِلّ قبل أن يَلِجَ فيها حيًّا ويحنّط!

      وضع كرسيه هناك، على الشرفة، تحت العريشة، يجلس عليها كلّ صباحٍ ويتأمّل. وضعها ليرتاح ويحلم مع شروق كلّ شمس وغروبها، هو الذي لا يرى من أنوارها إلاّ بصيصا خافتا يبعث زغردة فرحٍ في الروح.

      يتبع

      للدكتور سليم صابر

    • قصة جميلة ... كلمات أدبية قوية وراقية جدا ..

      وصف تحليلي رررررائع ... وسرد أروع ...


      عزيزتي الحزينة السعيدة ...

      مبدعة أنتي في كتاباتك ... وإختياراتك ,,,

      إختيار جميل ...

      صباحك ورد
      عدت والعود أحمدُ