عن معاويَة الرواحيّ في يومِ ميلادهِ الثاني والثلاثين

    • خبر
    • عن معاويَة الرواحيّ في يومِ ميلادهِ الثاني والثلاثين

      AyshaAlseefi كتب:

       عائشَة السيفيّ

      تمهِيد:

      "يُريدُونني ميّتاً ليقُولوا: لقد كانَ منّا ، وكانَ لنا!"

      محمُود درويش

       

      ***

      لم يكُن التسجيلُ الصوتيّ المسرّب لمعاوية الرواحيّ من معتقلهِ في "البلادِ الجارَة" محرجاً لسلطاتهَا بالقدر الذي بدا محرِجاً لنا .. شعباً وسلطَة .. فهيَ السلطَة ذاتها التيْ استطَاعت وساطاتها إخرَاج الأميركان من قلبِ سجُون المخابرات الإيرانيّة لا لتغريدة كتبُوها في تويتر ولكنْ في قضايا تجسس شائكة وبينَ دولتين يفصلُ بينهما حظرٌ دوليّ وحربٌ باردَة لعقود وهي السلطَة ذاتها التي أخرجت الأميركان والبريطانيين من كهُوف اليَمن وثغُورها وأعادتهم سالمين آمنين إلى حضن أوطانهم .. لم يكُن ثمّة رسالة ً لتسجِيل معاويَة أقرب للحقيقة من القولِ المأثُور: نخلة المسفاة تطيح بعيد!

      إنّها السلطَة ذاتها التي زرَعت "الجارة" في قلبِ جهازها الأمنيّ والمخابراتي خليّة تجسس جنّدت فيها كبار الضباط العُمانيين وحينَ انكشَاف الأمرِ لم يُطلب اسم ضابطٍ واحدٍ من ضباطِ أمنِ "الجارة" المتورطينَ في تجنيد الخليّة للمحاكمة دولياً وعوضَ ذلك عوقب الضباط العمانيون فالحرّ إذا أخطأ ابنهُ وابنُ "جاره" عاقبَ ابنهُ قبل ابن جاره وكذا كانَ ديدننا ..

      ورغمَ الإساءاتِ التي ظلّت تغدقُ سواءً في الإعلام الرسميّ "وحادثَة الداعيَة الشابّ ليسَت ببعيدة" .. أو عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ ولكم في الهاشتاقات التي أطلقت بعد عاصفة الحزم أو اتفاقيّة إيران والدول الخمس وموقف السلطنة إثرها دليلٌ ومرجع.. ومع ذلك لم نسمع أن سلطتنا طلبت اسماً واحداً من مغرّدي الجارة لمحاسبتهِ .. فالزبدُ يذهبُ جفاءً وأما ما ينفعُ الناس فيمكثُ في الأرض .. ولم نسمَع باسمِ مطلوبٍ واحدٍ في اختراقِ أمن وسيادة بلادنا حينَ دوت طلقَات النّار من قبل "الجارة" في مياهنا الاقليميّة في ولاية دبَا ..

      لم نقلُ يوماً أنّ معاويَة لم يخطئ .. لم نبرر يوماً ما فعلهُ .. ولكننا ظننا حتّى وقتٍ قريب أن من حُسن إسلام "الجارة" أنّه إن كان معاوية أخطأ في وليّ عهدها فقد كانَ أولى بها ألا تسمحَ له بدخول أراضيها وكفى بتلك رسالة ً صارمةً وَ"ومؤدبة" له ..

      ورغم ذلك فقد أحسنا الظنّ مجدداً حينَ اعتقالهِ على أملِ أنّ الأمُور ستحلّ ودياً كما يحلّ المرءُ خلافاً مع ابنِ عمّه ولكنّ الأمر طال والشهور مرت دونَ أن يقدّم معاوية للمحاكمة حتّى ودون أن تفلح لجنة حقوق الانسان في مقابلتهِ وكذا الجمعيّات الأهليّة العمانيّة ..

      وخرجَت المبررات حينهَا على اعتبار أنّ السلطنة تحترم الاتفاقيّة الأمنيّة بينَ دول المجلس وأنّ معاوية أساءَ للدولة وستأخذ العدالة مجراها..

      وظللنا نؤمّل أنفسنا بحلّ الأزمَة على الطريقَة العمانيّة في "سياسَة النّفـَس البطيء" ولكن أنفاسنا انقطعت والشّهور تمرّ حتّى بيانِ والدتهِ الصارخ في مروءتنا من أنّ سلطات الاعتقال لا تعطي ابنهَا أدويته .. وجاءَ تسجيله الأخير ليحمل لنا حجم الخذلان الذي نال الشاب .. ويحملَ علاماتِ استفهامٍ كثيرة للذينَ برروا اعتقاله بذريعة الاتفاقيّة الأمنيّة بين البلدين..

      فالذي يعتقلُ شخصاً مضطرباً نفسياً أربعة أشهر في سجنٍ انفراديّ كقاتلٍ أو مجرمٍ لا كسجينِ رأيٍ لا يمكنُ أن يكونَ جاراً ذا ذمّة .. ولا يمكنُ له أن يقطع عن مريضٍ نفسيٍ دواءه سوى أن يكون ذلك محاولةً لدفعهِ إلى الجنُون .. ولا يمكن وهوَ يؤجلُ إجراء فحصهِ الطبيّ الذي يثبتُ رفعَ الجرمِ عنهُ سوى أن يفعلَ ذلك بغرض المماطلة .. ليسَ هذا فعلَ جارٍ محبٍ أمينٍ على جيرتهِ ..

      حتّى العقابُ للمخطئ يكُون بمحبّة وبمراعاةِ الله فيهِ وبحفظِ كرامتهِ .. إن أرادُ المعاقِبُ ذلك وليسَ ما سمعناهُ عقابَ محبّة وحسنَ جيرة ..

      لقد عرفتُ معاويَة منذ عشرِ أعوامٍ مضت .. وأزعمُ أنّ من عرفهُ مثلي يعرفُ أنّه ظاهرةٌ كتابيّة وأنّهُ انسانياً لم يكن ليؤذي ذبابة وقد عرفتهُ مبدعاً ذا روحٍ حرّة ، بل إنني أزعمُ أنه المثقفُ العمانيّ الوحيد الذي يكتبُ الشّعر بجودَة السّرد وبغزارَة مدهشة والذي يحرثُ الحقول الكتابيّة بيدِ العارفِ الخبير ، كثيراً ما تهوّر معاويَة وكثيراً ما أتعب الدولة بكتاباتهِ اللا واعيَة لكنّ ذلك لم ينفِ عنهُ صفتهُ كمبدعٍ وإن طاش قلمهُ .. ويحسبُ للسلطات العمانيّة حكمتها وتأدّؤها في التعامل معه.

      لا أقولُ ذلكَ تبريراً لما فعل ، بل أقول ذلك شهادةً وأمانةً في امرئٍ نالهُ من الخذلان ما ناله .. وأظنّ أنهُ نالَ جزاءهُ ويزيد..

      ***

      معاويَة ابنكم .. وابن هذا الوطن .. إنّه روحٌ محبّة وحرّة وإن أخطأت.. لديهِ أمٌ وعائلة موجوعَة وأبٌ خدمَ هذا الوطن وأخلص له ..

      اليَوم 10 نوفمبر هو عيدُ ميلاده وحسبهُ ما ناله .. ألم يئن الأوانُ ليعُود إلى وطنهِ؟ لا أسألُ هذا السؤالَ جيراننا ولكن أسألُ فيهِ مسؤولينا أبناء بلدنا؟ بلدنا التي قادَت الوساطاتِ في العالمِ كلّه لدولٍ لا تجمعنا بهِم جغرافيا ولا تاريخ ولا قرابةٌ ولا دين وكفّت يدها أن تخرجَ ابنها من دمهَا ولحمها من معتقلِ الجارَة التي يجمعنا بهمُ التاريخ والدمُ والجيرةُ والمصاهرَة والقرابة و(المحبّة كما نظنّ ونعتقد).
      أعيدُوا معاوية .. أعيدُوه لنا ..

      ***

      هامش:

      الدين دين الناس ... من وحي جمع الجمع

      لن يفلح الحراس ... في رأب هذا الصدع

      أو ينجح العسّاس ... في منع هذا المنع

      &&&

      متفائلا بالحب ... والروح والأشياء

      من وحي رب الرب ... وفتنة الأسماء

      قد مات هذا القلب ... وغابت الأضواء

      الحب حب الحب ... والصخر ابن الماء

      &&&

      المارد المجنون ... كمهرج في القصر

      والناس مختلفون ... في فهم هذا الأمر

      يا حلمنا المسجون ... قد ضاع هذا العمر

      &&&

      كن عاشقا للسر ... لا تفش سر الماء

      الحب عطر العطر ... والخمر في الندماء

      والروح هذا الصخر ... والله في الأسماء

      &&&

      السر خوف الروح ... ومتاهةٌ وقدر

      في صوتنا المبحوح ... أسطورةٌ وسوَر

      يا ليلنا المجروح ... كن نجمةً وقمر

      &&&

      من رحم هذي الأرض ... هدية من طين

      يا كافرا بالعرض ... يا مؤمنا بيقين

      الله نقض النقض ... والدين حب الدين

      &&&

      الواسع الأزلي ... قبطان هذا الموت

      وغناؤه الغجري ... في مهرجان الصوت

      المارد الوثني ... شيطان قتل الوقت

      وإلهنا العلنيّ ... يختار صمت الصمت

      معاوية الرواحيّ
      Source: ayshaalsaifi.blogspot.com/2015/11/blog-post.html