عندما وصلت المدرسة كان بابها مغلقا ، ولكن حارس المدرسة الحاج محمود
_ وهو رجل طيب القلب _ فتح الباب كعادته وقادني إلى الصف .
وفي الطريق قال متأسفا
:- إنك تتأخر كثيرا يا بني .. لا أظن أن المعلم سيسامحك هذه المرة .
قالها بمرارة وذهب لشأنه وتركني نهبا للقلق .
رفض المعلم السماح لي بدخول الصف وأرسلني إلى المدير ، وهذا ما كنت أخشاه
وفي الممر المؤدي إلى غرفة المدير رآني الحاج محمود ، فأشفق عليّ
وأخذني جانبا وقال لي هامسا :
- انني لا أستطيع ان اتحدث مع المدير بشأنك ففي كل مرة تقول :
هذه آخر مرة ثم تأتي متأخرا كعادتك .
دمعت عيناي وحاولت أن أقول هذه آخر مرة . ولكني أدركت أن لا فائدة من ذلك
فلن يصدقني أحد
.- هل تعاهدني ان تأتي مبكرا في المرة القادمة .. انني لا أفهم سببا
لتأخرك غير السهر كما يببدو .. حاول أن تنام مبكرا يا بني .
قالي الفراش بعطف .. فهززت رأسي موافقا . وقبل أن يطرق الباب
قال لي انها المرة الأخيرة ، وبعدها لن أتدخل أبدا .. ربما يستدعون والدك
او يطردونك من المدرسة ان تأخرت غدا .
- ادخل .
قال المدير ذلك وأضاف متهكما وهو يرمقني من وراء نظاراته الطبيه .
- انها المرة الأخيرة ، أليس كذلك ؟
أطرقت برأسي خجلا ، ولم أجب .
- سامحه هذه المرة يا أستاذ .. لقد وعدني انه سيأتي مبكرا في .....
قاطعه المدير غاضبا
:- انني سأعاقبك أنت يا حاج محمود اذا فتحت له الباب مرة اخرى .
والآن اذهب إلى صفك .
قالها حانقا ثم انصرف لأوراقه .
- أمسك الحاج محمود بيدي وقادني الي الصف وهمس في اذن المعلم شيئا ،
فأشار إلي بالجلوس في مكاني بينما كاننت نظرات التلاميذ تحاصرني
في كل صوب .
استأنف المعلم شرحه للدرس ولم أفهم ماذا قال عن غد ، لقد كنت أفكر
في أشياء عديدة ، وكان السؤال الذي يلح علي :
- هل أستطيع أن أفي بوعدي ؟
كان صوت الحاج محمود ما يزال يرن في أذني .
- يبدوا أنك لا تنام مبكرا . نم مبكرا يا بني لتستيقظ مبكرا .
وكان أول شيء فعلته في مساء ذلك اليوم هو تنفيذ وصيه الحاج الطيب
حتى أن امي فرحت وقبلتنيي عندما قلت لها :
- أريد أن أنام مبكرا هذه الليلة يا أمي .
كانت فرحتي كبيرة عندما استيقظت مع بزوغ الفجر ، كانت أمي ما تزال نائمة .
والعجيب أن أبي كان هو الآخر يغطّ في نوم عميق .
شعرت بالزهو وأنا أرتدي ملابسي على عجل .. سوف أثبت للجميع أنني لم أعد
ذلك المتهاون الكسول ، سوف أكون أول تلميذ يدخل المدرسة هذا اليوم ..
سيفاجأ الحاج محمود .. وسيتعجب التلاميذ .
أكملت ارتداء ملابسي وكانت الحقيبة التي هيأتها مساء أمس جاهزة
قرب الباب وكأنها تنتظرني . أغلقت الباب ورائي بهدوء ، لكي لا أوقظ أمي .
انطلقت أعدو رغم أن الشمس لم تشرق بعد . كان نسيم الفجر منعشا
ومحفزا على الركض ، وكان كل من يصادفني في الطريق ينظر إليّ
وهذا ما جعلني امتلىء فخرا واعتزازا .
كنت أعدو وكأنني اطير في الهواء ، وكان تعجب الناس الذين أمر بهم
يظهر على وجوههم ، وكان اعجابي وزهوي بزداد كلما اقتربت من المدرسة .
القيت نظرة على المدرسة .. كان الباب ما يزال مغلقا .
- سأفاجىء الحاج محمود .. تقدمت نحو الباب وطرقته طرقات متلاحقة
ولكن دون جدوى ، طرقته مرة أخرى بشدة .. وأرهفت سمعي جيدا .
- لقد استيقظ .
قلت في نفسي ، وأنا أستمع إلى صوت خطى تقترب .. فتح الباب وتطلع الحارس إليّ
بعينين نصف مفتوحتين وقد بدا منزعجا وهو يخاطبني من خلال فتحة الباب الصغيرة .
- ماذا تريد ؟
وعندما رأى حقيبتي قهقه ضاحكا وأضاف
:- اليوم عطلة رسميه ، ألم تعلم ذلك ؟
تراجعت إلى الوراء محاولا اخفاء حقيبتي .
لقد كانت مفاجأة غير سارة .
وبدا منظري وأنا أحمل حقيبتي مضحكا ،
وحينها عرفت سر تعجب الناس الذين صادفوني في الطريق .
دمتم بود أحبتي .. أرق التحايا ..