أثير-د.سالم الشكيلي
نستكمل الحديث الذي بدأناه حول سلسلة ” التعليم بين الواقع والطموح ” ، وحديثنا في الجزء الرابع من تلك السلسلة عن “مؤسسات التعليم الخاص ” سواءً تلك التي دون الجامعي أو الجامعي .
انتشرت مؤسسات التعليم الخاص ، على المستويين المدرسي والجامعي ، فعدد المدارس الخاصة يناهز ( 530 ) مدرسة ، في حين يزيد عدد مؤسسات التعليم العالي على ( 28 ) مؤسسة ، بين جامعات وكليات تخصصية ، ويبدو أن شهية القطاع الخاص ، في الفترة الأخيرة ، مفتوحة للاستثمار في قطاع التعليم ، لكن تظل الغاية ، غاية يغلب عليها فكرة الربحية المحضة الخالصة .
ومن الإجحاف أن نُنكر على القطاع الخاص استهدافه للربحية ، لكن عليه أن يعلم أن هذا القطاع لا يدرّ لبنًا منذ الأيام الأولى لولادته ، بل يحتاج الى أجل طويل ونفَس أطول ، وهو ما يسميه رجال الاقتصاد بالاستثمار طويل الأجل .
وبدون مجاملات أو تورية ، فإن بعض المدارس الخاصة ، لا ينطبق عليها هذا الوصف ، لا من حيث المكان الذي يكون فيه ، فلا يزيد عدد غرفها عن 4 غرف يتكدس فيها عدد من التلاميذ لا يتناسب مع حجم تلك الغرف ، ناهيك عن عدم وجود مرفقات أخرى لممارسة التربية الرياضية او المناشط المدرسية الأخرى ، ولا من حيث أعضاء هيئة التدريس الذين لا تتوفر لديهم خبرة ومهنية التدريس ، حيث يستعان بأشخاص لا يمتّون بصلة لهذه المهنة ، وهي مشكلة يجب التصدي لها بأسرع ما يمكن ، فالتدريس ليس مجرد سد خانة ، إنها أجلّ وأقدس مهنة ، لأنها تتعلق بصناعة ومصائر أجيال المستقبل .
وإذا كانت وزارة التربية والتعليم قد بدأت بإصلاحات تُحسب لها في قطاع المدارس الخاصة ، إلا أن تلك الجهود تسير ببطء ، لا يتناسب مع تسارع التطور والتجديد ، فتتراكم المشكلات وتصبح الحلول عصيّة ، ونحن نطالب الدولة بمساعدة هذا القطاع ، ولا نكتفي بوضع الشروط التعجيزية ، التي تعرقل من أداء مهامه ، فكما أسهمت في مؤسسات التعليم العالي نطالبها بعمل المثل في هذا القطاع الحيوي من التعليم .
إنّ أكبر أزمة تواجه التعليم الخاص ، أزمة رؤوس الأموال الخاصة بالمؤسسات التعليمية ، إلى جانب أزمة الاستعجال في جني الأرباح ، وبسبب هاتين الأزمتين تولدت أزمات أخرى . إنه من المهم إعادة النظر في سياسات التعليم الخاص بشقيه المدرسي والجامعي ، من حيث رؤوس الأموال المطلوبة ، وشروط ومواصفات المنشآت التعليمية ، وكذلك فيما يتعلق بأعضاء هيئة التدريس ، والمناهج الدراسية ، وكيفية التقييم ، وغيرها من الأمور ذات الصلة .
إنّ الدولة قدمت دعمًا لمؤسسات التعليم العالي ، غير مسبوق في دول أخرى ، حيث منحت الجامعات الخاصة دعما ماديا ضخما غير مُسترجَع ، كما منحت هذه الجامعات أراضي لإقامة منشآتها دون مقابل ، إلى جانب توفير البيئة المناسبة لها، لكن هذه المؤسسات لم تقابل هذا الإكرام والتكريم بما يليق ، بل رأت تلك المكارم بابا جديدا للاسترزاق المجاني ، ولَم نلحظ أي تغيير يُذكر يمكن أن يتحسسه الطالب الملتحق بها ، بل عمدت إلى التضييق من خلال رفع الرسوم ، وليس لها أي دور مجتمعي أو بحثي علمي ، وهو أمر يعد هدفا من أهداف إنشائها .
ومما يؤسف له أنّ بعض هذه المؤسسات ، تعاني من مشاكل عدة ، ولم تعطِ البرهان على أنها جديرة بحمل رسالة التعليم ، رغم كل هذا السخاء من قبل الدولة.
ويبقى على الجهات المشرفة على التعليم الخاص بنوعيه المدرسي والجامعي ، تطبيق النظم والمعايير المعتمدة بشأن هذا القطاع ، وألا يترك الحبل على الغارب بعد منح الترخيص بإقامة المؤسسة. يجب أن تكون هناك زيارات إشراف مفاجئة ورقابة مالية صارمة ، للتأكد من أن كل شيء يسير بشكل صحيح وسليم ، يخدم العملية التعليمية على وجه العموم .