د.سالم الشكيلي يكتب: اعترافات قلم

    • خبر
    • د.سالم الشكيلي يكتب: اعترافات قلم

      Atheer News كتب:

      أثير- د.سالم الشكيلي

      تشتاق إليها نفسي اشتياقًا لا يوصف، ويهفو إليها فؤادي بمَعينٍ لا ينزف، ويسابق ظلّي إليها أقدامي، حين أعود إليها بعد طول بعادٍ عنها، هي لي قيثارة حبٍ وعشقٍ، وهي كذلك لمن بها مولع ، وفي هواها لم يرتوِ ولم يشبع، والغريب أنّ حبي وارتباطي بها مع تقدم العمر يزداد ثم يكبر، لست أدري بماذا أراضيكِ وقد قصّر في حقكِ قلمي، فهل من عذر يغفر لي أو يشفع، ليتكِ تعلمين أنه لم يُقصّر جفاءً أو لهوًا أمتع، لكنه انشغل بهوى من هي عنكِ أكبر .

      اسمها مشتق من كونها تمد الوصل بين الجهات الأربع، ونقطة التقاءٍ عند الارتحال والسفر، ومعبرًا لمن يهم المسير للداخل والخارج ، نعم هي ملتقى ومعبر القوافل للبدو والحضر ، صيتها وصوتها يملأُ الأفق بهاءً ويُمتع البصر ، فهل عرفتم معشوقتي ، ومن فيها قلمي قد قصّر ، إنها عبري ملتقى الداخلية والوسطى ، وهمزة وصل للباطنة ثم مسقط ، وبوابة عمان الغربية للإمارات والسعودية، ليس بحساب اليوم ، وإنما بحساب الزمن القديم والحديث ، فهي كذلك كانت وما تزال ، وستظل واعدة في المستقبل القريب والبعيد، فكانت التسمية العبقرية بعبري الواعدة .

      إنّ ارتباطي وارتباط أهل عبري بمركز المدينة ، وبقُرى الأخضر والسليف والعراقي والدريز ومقنيات ومسكن وكهنات وبلاد الشهوم وظاهر الفوارس والهجر ، وتنعم وحمراء الدروع وفهود ، والصبيخي والمازم ، وكبارة ووادي العين ، وغيرها من القرى ، ليس ارتباطًا بحيز جغرافي وإنما هو ارتباط الروح والوجدان بالأرض وما عليها وما فوقها وأعلى منها ، كما هو ارتباطنا بالأم الكبرى عُمان، هو ارتباط بالأهل والأصدقاء والمعارف ، هو ارتباط بالطفولة وأماكن اللهو والمرح ، وهو ارتباط بالمدرسة والصحبة وأيام المذاكرة ، الذكريات الجميلة التي تحفر صورها في الذاكرة .

      نعم عبري ، لن ننسى ما كان عليه فَلَجا المبعوث والمفجور ، ولن ننسى أفلاج القرى الأخرى في العينين والدريز وغيرها ، التي اشتقنا إليها والتي لطالما لهَونا ولعبنا على خرير جداولها ومائها العذب الصافي كنقاء نفوس الصبا ، نشرب منها ، ونسقي زرعنا ، ونروي مواشينا ، ونغتسل منها ، ما أحلى الذكريات وما أحلى أن نستذكرها لتبعدنا عن هموم الحياة ومتاعبها .

      وعبري بتاريخها الماضي ومآثرها المتعددة ، تشهد على وصفنا لها ، فهذا حصنها الذي بُني منذ أكثر من 400 عام، والذي يزدان بجامعه المبني في هندسة معمارية عجيبة بسقفه المعلق بالحصى المشدود ، وهذا حصن العراقي المتميز بأبراجه المتعددة، وحصن السليف الذي بناه الإمام سلطان بن سيف اليعربي، وقد أقيم على سفح جبل شنبوه ، ويتميز بإطلالته على الوادي ، وسوره الذي يحيط به من كل الجهات، وأبراجه السبعة والمتحدث باسمها برج الريح، وحصن ريمي الواقع في بلاد الشهوم ليس ببعيد عن تلك الحصون ، حيث بُني في القرن السابع عشر، ويحكي هندسة فائقة الروعة وتتوسطه بئر تُستخرج منها المياه ، وغيرها من الحصون التي تنطق كعادة الحصون والقلاع في وطننا الكبير عُمان ، منها حصون العينين ، والدريز ، والأسود بمقنيات ، وقرن بالهيال ، وبيت العود بكهنات .

      ونحن نستذكر المآثر التاريخية لن ننسى آثار قرية بات ، وهي مُلكٌ لعمان كلها ، وقد تمّ تسجيلها في منظمة اليونيسكو ضمن قائمة التراث العالمي ، ويُشتمّ من هذه الآثار عبق التاريخ البعيد ، وروعة البناء العتيد ، فهي عبارة عن مدافن تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد ، تشبه خلايا النحل ، وبها أبراج عدة ، وقد كشفت البعثة الأثرية لجامعة بنسلفانيا الأمريكية، عن رؤية جديدة لهذه الأبراج والهياكل لتشكيل علاقة سياسية واجتماعية واقتصادية لمملكة مجان . وعندما نتكلم عن مدافن بات ، فإن مدافن وآثار وادي العين والوهرة ، تأبى إلا أن تنادينا وتُسمعنا صوتها هي الأخرى لتدلي بشهادتها .

      إنك ساحرة يا عبري ، ساحرة بتاريخك وآثاره ، ساحرة بجمالك وروعتك ، ساحرة بأهلك وكرمهم ، ساحرة بولاء وحب رجالك ونسائك لعُمان الكبرى ، ولقائدها المفدى ، يجددون له العهد والولاء كل حين وعلى مر السنين والأيام .
      وولاية عبري تشهد اليوم في ظل نهضة عمان الحديثة ، حركة عمرانية واسعة ، وحركة تجارية تتنامى يومًا بعد يوم، ومشروع ثقافي عالي المستوى ، يؤسس لبناء جيل قوي يُسهم مع بني وطنه في التشييد والبناء ، متسلحين بعزيمة العماني التي لا تعرف غير العمل المخلص والجاد ، قدوتهم ومثلهم الأعلى ، من كان للعهد والوعد وفيّا ، فوفّى بما وعد ، وأنجز ما عاهد عليه ، وهو ماضٍ في المسيرة؛ جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- .
      ولن أذيع سرًا فقد كنت أستغرب ذلك الشوق والحنين، الذي يفضح آباءنا للعودة إليك إن هم غابوا عنك ولو لبضع ساعات ، وكانوا عند ذكر اسمك يستبدلون بالباء ميمًا يا “عمري” .

      والآن يا غاليتي عبري ، أمَا وقد اعترف قلمي بتقصيره نحوك ، وما شغله إلا حبه الأكبر لعمان ، أمَا وقد عرفتِ السبب ، فإنك لا محالة ستغفرين ذنبًا غير مقصود ، وقصورًا غير معهود ، بارك الله فيك ، وفي من على حبّك باقٍ وصامد.

      Source: atheer.om/archives/482075/%d8%…d8%aa-%d9%82%d9%84%d9%85/