" الملة الحنيفية " رسالة سيدنا إبراهيم عليه السلام

    • " الملة الحنيفية " رسالة سيدنا إبراهيم عليه السلام

      " الملة الحنيفية " رسالة سيدنا إبراهيم عليه السلام
      ************************************************
      .......
      رسالة سيدنا إبراهيم هى رسالة جامعة فى التوحيد والإيمان .. جعلها الله مبيّنة ومفسرة لكل ما نزل من شرائع وأديان ..
      لقد بعث الله سيدنا إبراهيم بالملة الحنيفية .. والحنيفية تجعل أى إنسان يؤمن ويوقن بالوحدانية ( دون نبى أو رسول ) ..
      الحنيفية نور وبرهان وتنبيهٌ للفكر والعقول تدرأ عن أى إنسان الشرك والزيغ والضلال وتدفع عنه الميل والإعوجاج ..
      الحنيفية تحث كافة البشرية إلى النظر والتأمل فى الخلق وإلى التفكر والتدبر فى الكون ..
      الغافل عن الملة الحنيفية كالأصم الذى لا يسمع والأعمى الذى لايبصر ..
      ...
      سيدنا إبراهيم كان حنيفاً مسلماً وإماماً لكل الحنفاء .. كان قدوة وأسوة لكافة الخلق والأنام ..
      قبل مبعثه عليه السلام .. رأى من القوم من عكفوا على عبادة النجوم والكواكب والأقمار ..
      ورأى من نحتوا الأحجار وصوروها تماثيل وأصنام ونصبوها وعكفوا عليها وعبدوها ..
      فنظر وتأمل فى الخلق .. وتفكر وتدبر فى الكون ..
      وجد أن الأحجار التى نحتوها والأصنام التى نصبوها وعكفوا عليها وعبدوها لا تملك لهم نفعاً ولا تدفع عنهم ضرراً
      ولا تغنى لهم شيئاً ولا تملك لهم موتاً ولا حياة ولا نشورا .. فنبذ القوم واعتزلهم ..
      جنّ عليه الليل وأتى بحلكته ولفّ الأرض بظلمته .. رأى كوكباً فى السماء فنظر إليه وتأمل وقال هذا ربى .. ولكن
      ما أن غاب عنه وأفل وصار إلى العدم قال لا أحب أن يكون ربى من الآفلين ..
      تكاثرت النجوم ببصيص ضوئها وتلألأ القمر بسناه وعلا وازدهى بازغاً فى السماء نظر إليه وقال هذا ربى .. فلما
      غاب عنه وانضوى قال لئن لم يهدنى ربى إلى الحق فلن أنجو من الضلال ..
      أشرقت الشمس فى السماء وبزغت تنشر النور والضياء .. فقال هذا ربى هذا أكبر .. فلما مالت إلى الغروب وهدأ
      قرصها ولانت وبردت وأصبحت هالة دامية كأنها بصمة من دماء على صفحة الأفق فى السماء تتشبس بالبقاء وسرعان
      ما غابت وتلاشت وولّت عنه واختفت .. نبذ القوم ونبذ كل ما يعبدون ..
      { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي
      فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ
      بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ
      قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ
      الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي
      هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي
      بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }
      ...
      تساءل خليل الرحمان :
      ملك وملكوت ليس فيه زلل أو خلل .. من الذى يطوّعه ويقهره ومن الذى بيده مقاليده ليحكمه ويدبّره ..
      إتقان ونظام وتدبير وإحكام وكون واسع فسيح .. من الذى ينظمه ويسيّره ..
      نجوم تتزاحم فى الفضاء تخترق عباب السماء لا تزيغ عن مدارها ولا تحيد عن مسارها .. من الذى يدبر أمرها ..
      كواكب منطلقة لا تسقط ولا تتوقف ولا تصطدم ببعضها .. من الذى يسيّر أفلاكها ويمسك أجرامها ..
      ...
      أيقن خليل الله أن هناك إلهٌ واحد لا إله غيره كل شىء يرجع إلى إرادته وكل ما فى الكون خاضعٌ لمشيئته ..
      أيقن أن الله هو رب كل شىء وفاطره ورب كل خلق وبارئه وأنه القاهر لجميع مخلوقاته ولكل ما فى أرضه وسماواته ..
      { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }
      ...
      اصطفاه الله وبعثه نبياً ورسولاً واتخذه الله صفياً وخليلاً .. وأراه ملكه وملكوته وعزته وسلطانه وجبروته ..
      { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }
      ناجى خليل الله ربه أن يُرِيَه كيف يحيى الموتى لكى يطمئن قلبه .. فأمره أن يأتى بأربعة من الطير ويذبحهم
      ويقوم بخلط أعضائهم وأجزائهم ثم يلقى كل جزء منهم فوق شتى ومختلف الجبال ..
      فعل سيدنا إبراهيم ما أوحى الله به إليه .. أمره الله أن أن يدْعهم .. فأتاه كل طير ساعياً كما كان قبل ذبحه وموته ..
      اطمأن نبى الله بقلبه أن الله قادر عليم وشاهد بعينه قدرة العزيز الرحيم .. وتبين له كيف يحيى الله العظام وهى رميم ..
      { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى
      قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ
      فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ
      فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً
      ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ
      حَكِيمٌ }
      ...
      دعا سيدنا إبراهيم أبيه إلى عبادة الله .. وكذلك دعا قومه ..
      سلك لهم الحجة والمحجة وخاطبهم فى الدعوة بأوضح حجة وحثهم على عبادة الله ونبذ عبادتهم للأحجار والأصنام .
      بين لهم أن الله هو الذى خلقهم ورزقهم وهو الذى يذيقهم الموت وهو الذى يَهب لهم الحياة ..
      دعاهم إلى النظر والتأمل فى الخلق وإلى بَديع صُنع الله وصَنْعته لكى يرواْ الحجة الناطقة فى قدرته ويوقنوا بوحدانيته ..
      أعرض عنه أبيه وكذبه وحاجّه وجادله .. وهدده وتوعده بأنه سيرجمه إن لم يكف عن دعوته وطلب منه أن يتركه ويهجره ..
      فاعتزله وألقى السلام عليه ووعده بأن يستغفر له ربه .. يقول جل شأنه :
      { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا
      يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ
      الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ
      فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ
      الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً يَا أَبَتِ
      إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ
      عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً قَالَ
      أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ
      لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً
      قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً }
      ...
      وأعرض عنه القوم وكذبوه وأنكروا دعوته .. وحاجّوه وجادلوه فى البعث واللقاء ..
      زعموا أنهم لن يُبعثوا وقالوا كيف نحيا بعد موتنا وكيف نبعث بعد أن تصبح أجسادنا وعظامنا تراباً بالية ..
      ادّعى ملكهم النمرود " قيل أنه ملك بابل بالعراق " بأنه يحيى ويميت ( قتل نفساً وأطلق سراح سجيناً ) ..
      فلم يقل له خليل الله أن إحياءك ليس كإحياء الله أو موتك ليس كموت الله .. قال له بحجة قاطعة لا تقبل الحوار
      وبمحجة داحضة لاتقبل الجدل أو المناقشة .. إن الله يأتى بالشمس من المشرق فأتى بها من المغرب .. فبهت الذى كفر ولم ينطق ..
      { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ
      اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي
      وَيُمِيتُ قَالَ
      أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي
      بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ
      الَّذِي كَفَرَ }
      ...
      أصر أبيه على كفره وشركه فتنصل وتبرأ منه .. { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ }
      وأصر القوم على كفرهم وشركهم .. فتهكم واستهزأ بهم ولما يعبدون من دون الله .. نظر إلى النجوم ثم قال لهم
      مستهزئاً بهم ومتهكماً لما يعبدون بأنها قد أصابته بالعلة والمرض بسبب نظره إليها وأنه أصبح منها عليل وسقيم ..
      { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ }
      وتوعد من يعبدون الأصنام وأخبرهم بأنه سوف يقوم بتحطيمها وتدميرها بعد أن يتركوها ويُولّوا عنها مدبرين ..
      بعد أن وضعوا الطعام لها وتركوها اتجه خليل الله إلى مواضعها وقال لهم متهكماً بهم لماذا لا تأكلون ولا تتكلمون
      وقام بتحطيم كل التماثيل الأصنام حتى جعلهم قطعاً جذاذاً .. وترك كبيرهم دون تدمير أو تحطيم لعلهم إليه يرجعون
      ويتبين لهم جهلهم وضلالهم فيؤوبوا إلى رشدهم ويدركوا أنهم عكفوا على ما لايملك لهم نفعاً ولا يدفع عنهم ضررا ..
      { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ
      فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ
      يَرْجِعُونَ }
      { فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ }
      ...
      جاء القوم يبحثون عمن فعل ذلك بآلهتهم .. علموا أنه خليل الله إبراهيم ..
      جاءوا به وسألوه فأخبرهم أن يسألوا كبيرهم الذى تركه علّه يدلهم على من فعل ذلك إن كانوا يعقلون أوينطقون ..
      { قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ
      قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ
      قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا
      يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ}
      نكّسوا رؤوسهم وبان عجزهم .. ولكن الشيطان سوّل لهم الكفر والباطل والبهتان .. أجمعوا على قتله وأوقدوا له الحريق والنيران
      وألقوه فيها .. أمر الله النار أن تكون برداً وسلاماً على صفيه وخليله ونبيه ورسوله .
      { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }
      ...
      اتجه سيدنا إبراهيم إلى حيث أمره الله " قيل إلى مصر" .. وتزوج من " السيدة هاجر" وأنجبت له سيدنا إسماعيل عليهم السلام ..
      وأوحى الله إليه أن يقصد الأرض المباركة التى حرمها الله أم القرى مكة المكرمة .. قصدها نبى الله ونزل وهبط بها ..
      بوّأ الله له فيها موضع الكعبة المشرفة وبيت الله الحرام ..
      دلّه على موضعها الوحى الأمين سيدنا جبريل عليه السلام وبين له حدود هذه البلدة المحرمة التى باركها وحرمها الله
      ووضع لها علامات من مختلف الجهات ( يوجد أعلام وعلامات دالة على بداية الحرم ونهايته ) ..
      { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ }.
      أتى خليل الله بزوجته وولده إسماعيل وأسكنهما بجوار بيت الله وهو فى وادٍ خالٍ من الحياة لا زرع فيه ولا ماء
      ولا حسيس فيه أو أنيس .. وتقريراً بالحال ودون سؤال ابتهل سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى الله وناجاه وقال :
      { رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ }
      التزمت السيدة هاجر جوار بيت الله وهى ترى ما تراه من صحراء جرداء وجبال صماء لارزق ولا ماء ولاحياة ..
      اشتد بها الجوع والعطش فقامت تبحث لها ولوليدها عما يروى الظمأ أو يسد الرمق ..
      طافت حول الكعبة ثم صعدت إلى جبل الصفا وهى تنظر إلى بيت الله .. ثم هبطت إلى الوادى تسعى وتهرول ..
      ثم ارتقت إلى جبل المروة داعية وطالبة العون من الله .. ثم هبطت ساعية ومهرولة ..
      ذهبت وعادت وراحت وجاءت .. إلى أن رأت ماءً نبع فى هذه البيداء تفجر بأمر رب الأرض والسماء رأت
      ماء نبع بجوار الكعبة المشرفة عذباً صافياً راوياً للظمأ ساداً للرمق .. هذا الماء هو " ماء زمزم " ..
      ماء لاشبيه له ولامثيل .. فارتوت منه وروت .. ( مازال نبعه متدفقاً وسيظل متفجراً إلى يوم الدين ) ..
      ...
    • ...

      بلغ سيدنا إسماعيل أشدّه وبلغ من سعيه مابلغ ..

      رأى أباه إبراهيم رؤيا فى المنام تأمره بأن يذبحه .. ورؤيا أنبياء الله وحىٌ وأمرٌ من الله .. فقال خليل الله لابنه وولده :

      { يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ..}

      ما كان قوله " فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى " إلا رحمة وشفقة من والدٍ على ولده وأبٍ على إبنه لأنه لانظر ولارؤية فيما أمر به الله ..

      آثر الإبن بلاء أبيه على البلاء الذى هو فيه وقال له طائعاً ومستسلماً صابراً :

      { يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } .

      أسلم كل منهما أمره إلى الله وأتى سيدنا إبراهيم بسكينه وألقى ولده على جبينه وهمّ خليل الله بذبحه .. فإذا به يسمع

      النداء بأن الله قد فداه .. وأنّ مارآه كان بلاء وابتلاء واختباراً وامتحاناً من الله ..

      { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ
      يَاإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي
      الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ
      بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }

      ( فداه الله .. ومن بعد فداء الله لم يكن هناك من فداء لسيدنا إسماعيل .. إلا فداء رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

      فى عيد الأضحى واتباعاً لسنته يقوم المسلمون بهذا الفداء .. ) يقول عز وجل : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }

      ...

      اصطفى الله سيدنا إسماعيل وبعثه الله نبياً ورسولاً .. وقام برفع قواعد بيت الله وعمارته مع أبيه إبراهيم ..

      وعهِد الله إليهما عليهما السلام أن يقوما بغسل وتطهير الكعبة المشرفة .. وأن يقوما غسل وتطهير بيت الله الحرام ..

      { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }

      ( لم يُعهد الغسل والتطهير من بعدهما .. إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعاً لسنته يقوم به المسلمون .. )

      يقول الله لنبيه ومصطفاه : { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }

      ...

      ابتهل سيدنا إبراهيم إلى الله ودعاه .. أن يبعث من أهل مكة نبياً ورسولاً يعلمهم الكتاب والحكمة

      ويطهرهم من الكفر والشرك ويزكيهم بالتقوى والإيمان ويتلو عليهم آيات الله فى كتابه القرآن .. فقال :

      { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
      آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ
      أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }

      ( كان أهل مكة وما حولها من بلاد وقبائل فى الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق وشبه جزيرة سيناء ومصر

      قبل مبعث سيدنا إبراهيم وإسماعيل يتكلمون لغات عديدة مثل اللغة الفينيقية والآشورية والبابلية والعبرية واللغة الحبشية

      والآرامية والسريانية .. وبعد مبعثهما عليهما السلام تكلموا العربية .. أول من تكلم بها هم : سكان الحجاز بنو نزار

      بن معد بن عدنان .. وسكان اليمن وهم : بنو يعرب بن قحطان .. )

      ...

      ( استجاب الله لدعوته لما قضاه الله فى علمه وأثبته فى حكمه وبعث نبيه ورسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ) .

      { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً
      مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
      وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }

      دعا سيدنا إبراهيم ربه أن يجعل البلد الحرام مكة المكرمة بلداً آمناً مطمئناً وأن يجعل الناس تهوى إليه ويهبهم من رزقه

      ونعمته ويسبغ عليهم الله من فضله رحمته .. لعلهم يشكروا الله على ماخصّهم واختصهم به .. فقال عليه السلام :

      { رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ
      تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ
      يَشْكُرُونَ }

      ( هوت النفوس والقلوب إلى بيت الله وبلد الله الحرام وأتى الناس طائفين عاكفين .. وبعد نزول رسالة الإسلام ظلوا

      يهوون إليه ينعمون ويتنعمون من رزق الله ويأنسون ويؤنسون بالأمن والطمأنينة .. يأتون حاجين ومعتمرين ومقيمين

      للصلاة من شتى بقاع الأرض ومن كل مكان مختلفين فى الرِكاب والركبان يأتون على كل ضامر براً وبحراً وجواً

      وسائرين على الأقدام .. وسيظلون يهوون إلى يوم الدين) .. يقول عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم :

      { يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }

      *****

      اتجه خليل الله إبراهيم إلى " بلاد الشام " لنشر دعوته ورسالته .. فآمن له من القوم سيدنا لوط عليه السلام ..

      { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

      بعث الله سيدنا لوط نبياً ورسولاً وآتاه حكماً وعلماً .. وأرسله إلى إحدى القرى ببلاد الشام " قيل أنها بالأردن " ..

      كان أهل هذه القرية كفرة مجرمين وفجرة فاسقين يتركون أزواجهم ويأتون الذكران فى دبرهم ما سبقهم فى هذا الفعل

      والفاحشة أحد من العالمين .. { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ
      لَتَأتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ
      الْعَالَمِينَ }

      دعاهم نبى الله لوط إلى عبادة الله .. وأمرهم أن ينتهوا عما حرم الله وأن يسلكوا سبيل الطهر والطهارة ..

      عاندوا وأصروا على كفرهم وشركهم وضلالهم ونجسهم .. ولم يأبهوا بدعوة نبيهم أو ينتهوا عن فعلهم وطلبوا إخراج

      نبى الله من بينهم هو ومن معه من المؤمنين لكونهم ينبذون فعل المنكر والفحشاء ولأنهم من الطاهرين المتطهرين ..

      { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }

      أنزل الله ملائكة من السماء .. ودخلوا على خليل الله إبراهيم وهو لايعرفهم .. ألقوا السلام عليه ورد السلام عليهم

      وقام بذبح عجل سمين لهم فوجدهم لايأكلون منه ولايشربون فهاب وخاف منهم .. أخبروه بأنهم ملائكة ورسل من رب العالمين ..

      وأن الله أرسلهم إلى قوم لوط .. فقد حُقّ عليهم العذاب وقضى الله أن يُنزل بهم الجزاء والعقاب ..

      ...

      وأخبرت الملائكة سيدنا إبراهيم وبشرته وبشرت زوجته " سارة " وهى قائمة بأن الله قضى لهما أن ينجبا بسيدنا إسحق

      وأنه سوف يكون من أبناء إسحق سيدنا يعقوب .. ضحكت السيدة " سارة " وصكت وجهها وتعجبت من بشارة

      الملائكة لها " فكيف تلد وهى عجوز عقيم وبعد أن بلغ سيدنا إبراهيم من الكِبَر ما بلغ وصار كهلاً وشيخاً كبيراً " ..

      { وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَماً
      قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأَى
      أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ

      نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا
      أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ
      فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء

      إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ }

      .

      ( بقدرة الله وحكمته يُوقع ذلك لمن شاء الله له أن يقع .. فيمكن للرجل أن يأتى زوجته وينجب منها حتى ولو كان شيخاً كبيرا ..

      ويمكن للمرأة أن تحمل وتنجب وهى عاقر أو عقيم حتى ولو طال بها الزمن.. ولقد وقع ذلك لسيدنا زكريا بعد أن بلغ من الكبر

      عِتياً وكانت زوجته عاقراً .. فقد جاءته الملائكة وبشرته بسيدنا يحيى عليهم السلام .. )

      { قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ
      وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ .. قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }

      ...

      بعدما ذهب الروع والخوف الذى انتاب خليل الله من عدم أكل وشرب الملائكة .. وبعدما جاءته البشرى من الله ..

      جادل الملائكة فى شأن قوم لوط .. { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
      الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ }

      قال لهم أنّ القرية التى حُقّ عليها العذاب وقضى الله أن يُنزل بها العقاب فيها نبى الله لوط .. قالوا له نحن أعلم بمن فيها

      يا نبى الله ولسوف ننجينه وأهله من الهلاك إلا زوجته الكافرة غير المؤمنة فقد قضى الله أن تكون من الهالكين ..

      { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا
      لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ
      الْغَابِرِينَ }

      أوحى الله إلى سيدنا لوط أن يسْر بأهله ( إلا امرأته ) وأن يصحب من معه من المؤمنين فى وقت وقِطع من الليل ..

      أشرق الصباح .. أصاب الله قوم لوط بالعذاب وأنزل بهم العقاب وأمطرهم بحجارة مسومة من السماء وصبّ عليهم

      غضبه ولعنته وسخطه ونقمته .. ولهم فى الآخرة عذاب عظيم ..

      { فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا
      عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ }

      *****

      أوحى الله إلى سيدنا إبراهيم وسيدنا لوط أن يقصدا الأرض المقدسة التى باركها الله " مدينة القدس الشريف " ..

      {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ }

      قصدها خليل الله وهبط بها .. وبوّأ الله له فيها موضع المسجد الأقصى وحدود حرمه الشريف ..

      دلّه على موضعه وحدوده الوحى الأمين سيدنا جبريل عليه السلام .. حدوده ليست مستطيلة الشكل ولا مربعة

      من الجنوب 281 متراً . ومن الشمال 310 متراً . ومن الشرق 462 متراً . ومن الغرب 491 متراً ..

      كل ماتضمه حدود هذه المساحة يعد من حرم المسجد الأقصى الشريف .

      .......

      أنجبت السيدة " سارة " بنبى الله إسحق .. ومن بعده جاء سيدنا يعقوب ..

      وفّى سيدنا إبراهيم برسالة الله . ووصّى بها أبناءه وبنيه . وصاهم ألا يشركوا بوحدانية الله ولايموتوا إلا وهم مسلمون .

      { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ
      اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم
      مُّسْلِمُونَ }

      وحين جاء الموت لسيدنا يعقوب " إسرائيل " .. وصى بها أبناءه " بنى إسرائيل " .. أخذ العهد عليهم ألايعبدوا إلا الله

      وألا يموتوا إلا وهم مسلمون .. يقول العزيز الحكيم :

      { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ
      لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ
      وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ

      وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

      .......

      مثواهم الشريف بالحرم الإبراهيمى " مسجد الخليل " بمدينة حبرون ( مدينة الخليل حالياً ) ..

      حيث توجد مغارة داخل الحرم تسمى " مغارة المكفيلة " بها : مثوى خليل الله إبراهيم وزوجته . ومثوى سيدنا إسحق وزوجته .

      ومثوى سيدنا يعقوب وزوجته .. يقول الحافظ بن حجر عن مواضع ومقابر الأنبياء والمرسلين :

      ولم تعلم مقابرهم بأرضٍ يقيناً غير ماسكن الرسول ..... وفى حبرون ثَمّ غارٍ به رسل كرام والخليل .

      ...............................

      ************************************************

      سعيد شويل