الشيخ حمود السيابي يكتب : ميسون تبدأ عطلتها المدرسية

    • الشيخ حمود السيابي يكتب : ميسون تبدأ عطلتها المدرسية



      حمود بن سالم السيابي

      لم تمتْ ميسون فالفراشات يعشقن الاستحمام بندى الصباح فهي هناك تخاتلُ بقع الشمس وتتضاحكُ مع ابتسامات الشروق ، أو تتمايلُ بأراجيح الضياء ، أو تلعقُ قطرة مطر قبل أن تسقط ، أو تستعرض ألوان أجنحتها المرفرفة كما الصبايا يطلن الوقوف أمام المرايا ، أو يتشاقين بالتراشق بالدببة الصغيرة.

      لم تمتْ ميسون فطيور الجنائن تتنادى إلى السواقي الصافية لاستعراض ألوانها في انعكاسات الماء ، وبدء سباقات رفيف الأجنحة والتصايح من أجل دودة تطلُّ من مسام الأرض.

      لم تمتْ ميسون فأحباب الله في صداقات دائما مع الملائكة ، فلعل ميسون بدأت رحلتها السماوية مع العطل المدرسية فحملت حقيبتها ودفاترها وألوانها وأقلامها ، وحلقتْ بعيدا لتنشد وترسم وتلوِّن، وحين تنتهي ستعود إلى غرفتها لتدهشنا بخربشات يديها وهي تعلِّقُ رسوماتها على الحيطان.

      لم تمتْ ميسون فالنحل لكي يعطي الشهد المختلف الألوان عليه أن يعبر كل التفاصيل من سِدْرٍ يوشك أن يستدير نبقه، إلى سُمُرٍ يحتفظ بغلالات لا تطالها رقاب النوق ، إلى شوق كهوف الجبال لدويِّ النحل.

      وحين نستوحش الفراغ سنعود لنفتش عنها حيث تبات الفراشات فنتحسس الرفيف ، وإلى الأعشاش حيث تؤوب العصافير لنتلمس الزغب على القش ، وإلى الخلايا السداسية لنتلمظ الشهد، فميسون التي كانت هنا ستعود إلى هنا.

      لقد هلَّتْ ميسون إلى دنيانا ذات ألمٍ وكنا نبكي وهي تقاومُ وتبتسمْ ، وكنا نخاف وهي تقبل على الأمصال بشجاعة.

      وكانت تتعامل مع السرطان كزميل لها في الصف فتتراشق معه بالمساحات والطباشير، وتتقاسم معه فلوس “السندويتشات” وعلب “السن توب”.

      ولم تعلم ميسون أنها ستترك هذا الزميل المشاغب وترحل مجبرة على تغيير الصف والمدرسة و”المِسْ” ورنين الجرس ونشيد الطابور.

      لقد ابتعدتْ ميسون، ربما لتأتي بحبة شعير للعصافير حتي لا تستمرئ أكل الدود البريئ والخارج لتوِّه من مسام الأرض، ولتشذِّبَ الأغصان لتجعل وقفة الفراشات مريحة وهي تطبق أجنحتها لتنام ، ولتوثِّق بيوت النحل حتى لا تهزها الريح فيندلق الشهد وتصمت الخلايا عن الدويِّ.

      إن ميسون إيجابية حتى في الغياب ، ومسكونة بفك الاشتباكات حتى بعد إسدال ستارة النهايات.

      من قال أن ميسون ماتت ؟ لقد بدأت البُنيَّة عطلة نصف السنة وإن تحشرجت الأجراس.

      وإن أجهشت “المِسْ” بالبكاء وهي ترى كرسي ميسون بلون الغياب.