هل نَصِف أطفالنا إذا ما امتدت أيديهم إلى ما لا يملكونه بأنهم لصوص صغار؟ أم أن الأمر يحتاج أن يستوقفنا ويطرح عددًا أكبر من علامات الاستفهام؟
نستطيع أن نُعرِّف السرقة بأنها استحواذ الطفل على أشياء ليست ملكًا له دون وجه حق، وهي سلوك مرضي يعبِّر عن حاجة نفسية لدى الطفل تحتاج إلى إشباع، وقد تبدأ السرقة لدى الأطفال بصورة واضحة في المرحلة العمرية من سن 4 : 8 سنوات، والطفل في هذه السن عندما يسرق يفعل ذلك بشكل عفوي أو تلقائي؛ لأنه لم يصل إلى مرحلة النضج العقلي أو الاجتماعي الذي يجعله يميز ما يملكه، وما يملكه الآخرون أو بين الملكية العامة والخاصة، أما إذا استمر هذا السلوك المرضي (السرقة) لدى الطفل في المرحلة العمرية من سن 10 : 15 عامًا؛ فإنه يُعدُّ سلوكًا مرضيًّا ومشكلة نفسية تحتاج إلى معرفة أسبابها وضرورة علاجها.
ماذا يسرق الأطفال؟
الأطفال المضطربون سلوكيًّا غالبًا ما يبدءون بسرقة أشياء بسيطة من المنزل، وغالبًا ما تكون المسروقات شيئًا يؤكل يمكن التخلص منه، ثم يتطور الأمر فيسرق الطفل نقودًا من محفظة أبيه أو من مصروف البيت لدى أمه.
وقد يلجأ بعض الأطفال إلى سرقة أشياء ثمينة مثل الحلي والذهب، أو أشياء ذات فائدة استهلاكية مثل الساعات والنظارات واللعب، ومن الأمور الشائعة لجوء الطفل السارق إلى إخفاء ما سرقه، بحيث يصعب توجيه الاتهام إليه أو إثباته، وغالبًا ما ينكر قيامه بالسرقة خوفًا من العقاب؛ سواء من جانب والديه، أو المدرسة.
تعددت الأسباب والسرقة واحدة
يلجأ الأطفال للسرقة لأسباب ودوافع مختلفة، يمكن أن ننظر إليها كمشاهد ولقطات يفيد تأملها في الوقوف على ما يدفع الطفل لذلك السلوك، ويمكن أن تأتي هذه المشاهد تحت العناوين الآتية:
(1) الجهل بمعنى الملكية:
فالطفل عندما تمتد يده لسرقة لعبة أخيه أو زميله في المدرسة، لا يفعل ذلك بدافع السرقة، ولكنه يجهل معنى الملكية، فهو يعتقد أن ما فعله ليس أمرًا مشينًا ولا مذمومًا؛ لأن نموه العقلي والاجتماعي لا يمكنه من التمييز بين ماله أو ممتلكاته وما ليس له أو ممتلكات الآخرين، ومثل هذا الطفل لا يمكننا اعتباره سارقًا.
(2) الغيرة والانتقام:
قد يلجأ الطفل للسرقة في بعض الأحيان بدافع الانتقام؛ فقد يسرق الطفل والده؛ لأنه صارم وقاسٍ في معاملته له، فيتجه الطفل للسرقة انتقامًا من والده على معاملته القاسية والسيئة له، وقد يسرق الطفل والديه إذا وجد أنهما انصرفا عنه وأهملا رعايته وشؤونه؛ فيلجأ الطفل لسرقة والديه كرد فعل لتجاهلهما له، والسرقة هنا انتقامية، وقد يسرق الطفل زميله في المدرسة؛ لأنه يغار منه؛ لأن زميله طفل متفوق ومشهود له بالخلق الحسن، وله مكانة مميزة عند مدرسيه، في حين أن الطفل السارق على العكس من هذا، هنا يلجأ الطفل للسرقة بدافع الغيرة أولاً، وقد تتحول هذه الغيرة للانتقام في حالة قيام الوالدين أو أحد المدرسين بعقد مقارنة بين هذا الطفل المتفوق والطفل السارق، وبالطبع لا تكون المقارنة في صالحه؛ فيلجأ للسرقة بدافع الانتقام والتشفي.
(3) الخوف من العقاب والتخلص من مأزق:
في بعض الأحيان يفقد الطفل إحدى لعبه، وهو يلعب مع زملائه خارج المنزل، مثل: كرته التي اشتراها له والده، أو ساعته، أو إحدى أدواته المدرسية؛ فيخشى الطفل من إخبار والديه بذلك خوفًا من عقابهما له وقيامهما بضربه، وللتخلص من هذا المأزق يلجأ الطفل للسرقة، وغالبًا ما يسرق نقود أحد والديه ليشتري لعبة أخرى شبيهة باللعبة التي فقدها؛ لإخفاء فعلته، واتقاء لعقاب والديه.
(4) الفقر والحرمان:
فالطفل قد يلجأ للسرقة لشراء شيء أو حاجة هو محروم منها؛ بسبب فقر أسرته أو بخل والده الشديد، فيسرق الطفل إما لشراء طعام يشتهيه؛ لأنه جائع، وليس معه نقود، أو يسرق ليشتري لعبة هو محروم منها، وقد يسرق في بعض الأحيان لإشباع هواية لديه؛ فقد يسرق لتأجير درَّاجة يركبها، أو لمشاهدة فيلم في السينما، أو لدخول مدينة الملاهي للاستمتاع باللعب الموجودة فيها.
(5) التقليد والمحاكاة:
في بعض الأحيان يلجأ الطفل للسرقة كنوع من التقليد والمحاكاة للوالدين، خاصة إذا نشأ الطفل في بيئة إجرامية يعمل فيها كل من الأب والأم باحتراف السرقة، وقد يلجأ الطفل للسرقة تقليدًا لأمه، خاصة عندما يراها تمدُّ يدها لحافظة أبيه لتستولي في تكتُّمٍ وسرية شديدة على بعض النقود دون إخبار والده بذلك، وقد يلجأ الطفل للسرقة تقليدًا لأصدقائه رفقاء السوء، والطفل في جميع الحالات السابقة هو مقلِّد لنموذج سيئ اقتدى به؛ سواء كان أحد الوالدين أو أحد أصدقائه.
(6) التفاخر والمباهاة:
بعض الأطفال يعانون من الحرمان من اللعب التي تروق لهم؛ بسبب الفقر أو ضيق ذات اليد، وعندما يشاهدون هذه اللعب مع قرنائهم وأصدقائهم في المدرسة يشعرون بالغيرة والنقص، خاصة عندما يتفاخر أصدقاؤهم بهذه اللعب، فيلجأ هؤلاء الأطفال لشراء مثل هذه اللعب أو أفضل منها؛ ليتفاخروا بها على أصدقائهم، مدَّعين أن آباءهم قاموا بشرائها لهم.
(7) حب الاستطلاع والاستكشاف:
أحيانًا يكون سبب ودافع السرقة عند الأطفال هو سلوك الوالدين، خاصة الأم، عندما تكون شديدة الحرص بصورة مبالغ فيها في الحفاظ على الأشياء الغالية والرخيصة؛ حيث تبالغ في اتخاذ الاحتياطات الأمنية للحفاظ على الأشياء، بعيدًا عن متناول الطفل، فيندفع الطفل بدافع حب الاستطلاع والاستكشاف لمعرفة ما تقوم أمه بإخفائه عنه، والعبث به أو سرقته.
خطوات في طريق العلاج
وقد نتمكن من معالجة مشكلة السرقة عند الأطفال باتباع بعض الخطوات، ومنها:
1 - خلق شعور الملكية لدى الطفل منذ صغره، وذلك بتخصيص دولاب خاص به، يضع فيه أدواته وملابسه ولعبه.
2 - على الوالدين إفهام الطفل حقوقه وواجباته، وأن هناك أشياء من حقه الحصول عليها، وأشياء ليس من حقه الحصول عليها، وتعليمه كيفية احترام ملكية الآخرين، من خلال درس عملي، وذلك إذا حدث واعتدى الطفل على ملكية أخيه فلنأخذ منه إحدى لعبه أو أدواته ونعطيها لأخيه، فإذا ثار واعترض علَّمناه أنه كما يثور؛ لأننا اعتدينا على ملكيته، فإن أخاه ثار أيضًا؛ لأننا اعتدينا على ملكيته، وبذلك سيتيقن الطفل أنه من غير المستحب الاعتداء على ملكية الآخرين.
3 - إشباع حاجات الطفل المتعددة والضرورية من مأكل وملبس وأدوات ولعب؛ حتى لا يشعر بالنقص والدونية، فيلجأ للسرقة لتعويض النقص مع إعطائه مصروفًا يوميًّا بصورة منتظمة يتناسب مع عمره ووسطه الاجتماعي الذي يعيش فيه، مع الإشراف من جانب الوالدين على كيفية إنفاق الطفل لمصروفه.
4 - عدم معايرة الطفل أمام إخوته أو أصدقائه في المدرسة في حالة السرقة، وأن يبتعد الوالدان عن مناداته أمام الآخرين بألفاظ تجرح كرامة الطفل كمناداته: "يا لص.. يا سارق"، وعدم عقابه أمام الآخرين؛ لأن الوالدين لو فعلا ذلك، فإنهما يدمران صحة الطفل النفسية، ويدفعانه لمعاودة السرقة؛ انتقامًا منهما لمعايرتهما له أمام إخوته وأصدقائه، وجرح كرامته.
5 - غرس خلق الأمانة في نفوس الأطفال؛ فواجب الآباء والأمهات والمدرسين في رياض الأطفال والمدرسة الابتدائية الاهتمام بغرس خلق الأمانة كسلوك إيجابي في نفوس الأطفال، من خلال توضيح أن الأمانة من صفات أهل الجنة، ومن صفات المسلم الملتزم بطاعة ربه، ومكافأة الأطفال الذين يصدر عنهم سلوك يدل على الأمانة؛ كإعطائهم جوائز عينية، أو شهادات تقدير، أو مصحفًا شريفًا… إلخ، مع اهتمام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة بنشر قصص الفضيلة والأمانة والخلق القويم، وكيف أن الأمانة تلقى المكافأة، ورضا المجتمع وتقديره.
6 - يجب أن يشرح الآباء والمعلمون أمام الطفل في عبارات سهلة وبسيطة خطورة جريمة السرقة، وبُغْض الإسلام لهذا السلوك الإجرامي غير الأخلاقي، وتغليظ الإسلام لعقوبة السرقة لبشاعتها، وتوضيح حدّ السرقة في الإسلام، كما ينبغي أن يُروى للطفل قصص عن اللصوص، وما ينالونه من عقاب وسوء معاملة من المجتمع، ونهايتهم السيئة.
7 - مساعدة الوالدين للطفل على حسن اختيار رِفاقه وأصدقائه؛ فالإسلام بتعاليمه التربوية وجَّه الآباء والمربين أن يختاروا لأطفالهم الرفقة الصالحة؛ ليكتسبوا منهم كل خلق كريم، وأدب رفيع، وعادة فاضلة.
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
"لِصّ صغير" في بيتنا..!!
محمد ثابت توفيق
لا تحرمه أو تحرمها من شيء –مهما كان ثمنه- ومع هذا تُفاجأ به أو بها، وهما اللذان لم يَتَعدَّيا العاشرة أو تعدّياها بقليل يمدّان أيديهما، ربما لحافظة نقودك، ربما لأوراق العملة فوق المائدة، أحيانًا على "بعض" ثمار أمام البائع في الشارع ثم يجريان، تَمَهّل قبل أن تحكم عليهما أو تعاقبهما.. –فقط- طالع هذه الآراء..
يده خفيفة
عبد الستار علي –موظف بهيئة السكك الحديدية- 47-: يده في منتهى الخِفّة، أصغر أبنائي، رُزقت بابنتين، وكان هو آخر العنقود، كل طلباته أوامر، نادرًا ما أعتذر عن الإتيان بشيء أراده، إلا أن تكون الظروف لا تسمح فعلاً، ورغم كل هذا، أترك قِطَع عملة زائدة على المائدة –لا تُقارن بمصروفه أصلاً- فلا أجدها، أحيانًا مصروف أختيه، الذي علمنا أنه هو( ..)؛ وذلك لأنه كَشَف نفسه، ويضحك عبد الستار قائلاً: بعد أن أخذ مصروف أختيه كاملاً، وتركتهما لبعض الوقت كي أعرف الحقيقة، فَبَكَيا، وتأخّرا عن موعد المدرسة- خطر لي أن نترك جميعًا المكان لبعض الوقت، فذهب وتَرَك مصروفيهما بعد أن أخذ ما يقارب ربعه، عاتبته في الأمر، فأنكر في المرة الأولى، ثم لم يُجِب في الثانية، ونظر إلى الأرض في خجل، لا أريد أن أربِّيه على الخوف، ولا أريد له أن يستمر في مدّ يده، لعل الأمر راجع إلى بداية مرحلة المراهقة؟؟
ماذا أفعل لكم؟
ماجدة نور الدين –سكرتيرة بإحدى صحف – 39 عامًا: تجاوز ابني الثانية عشرة، مرحلة البلوغ مرّت، ولكن هذا "المرض" كما أراه مستمر معه، هو الكبير في ترتيب إخوته، طلباته –أصلاً- لا تنتهي-، نقول له برفق: إن لدينا أولويّات لأن إمكاناتنا –أنا وأبيه- لا تسمح إلا بهذا، فيقول: "أنا قلت لكم وخلاص"، وبعدها نكتشف اختفاء أوراق مالية من الدولاب أو من حافظتيْ نقودنا، يواجهه: من فعل هذا؟ في البداية كنّا نُلِحّ، ونقول له: كي لا نظلم أحد أخوتك، أعفانا من الإلحاح بعد حين يقول: ماذا أفعل لكم وقد طلبت ولم تستجيبا لي، وأنا أحتاجها بشدة؟!. وعن تكرار هذا الأمر تقول: ليس كثيرًا جدًا، مرتان في الشهر تقريبًا، وأحيانًا مرة، بحسب ما يطلب منا ولا نستجيب..
بدون مُوارَبة
ليلى عبد المجيد –ناظرة مدرسة- 53: أحمد ابني منذ كان صغيرًا، من أوائل المرحلة الإعدادية تقريبًا، وحتى صار جامعيًا.. هو.. هو، آتي بالملابس له ولإخوته، هو متخصص سرقة ملابس، لا يهمه شيء آخر في الكون غيرها، آتي له بما يناسبه، بالألوان المفضلة لديه، أو حتى التي اختارها لنفسه حينما "ننزل" في المواسم والأعياد للتسوق، يستحسن قطعة الملابس التي اختارها له أو يختارها هو لنفسه، ثم يلقيها على المقعد، ويذهب لملابس أخيه الأكبر.. يقول إنها أجمل.. نبدّلها لك.. يقول لا.. ويخرج، في الصباح يذهب لارتداء قميص أخيه.. ويخرج به وكأنه لم يفعل شيئًا، نذهب إلى قميصه كي نأخذه مقابل ما أخذ فنجده قد أخفاه، أو أغلق عليه الدولاب بالمفتاح.. أخوهما الأصغر في غاية السعادة لأن مقاسه يختلف تمامًا عن أحمد، واجهنا أحمد بأننا لا نمزح وهذا الأمر لا ينبغي أن يستمر، فضحك.. نضحك عليه بأن نشتري أكثر من قطعة ملابس للأكبر.. يترك له إحداها –ليرتديها براحته- ويحتفظ بالأخريات..
لا تعرف "الخصوصية"
أم مروة –موظفة - 38 عامًا: لدي توأم (مي ومروة) لا أقبل أن تمتد يد إحداهما إلى أشيائي أو أشياء الأخرى، وكان عقابي لمروة شديدًا حينما فعلتها في المرة الأولى، حتى فوجئت باختلاف الأمر بعد حين، هي لا تأخذ أشياء، ولكن تحرص على استخدام أشياء لا تخصها: ملابس أختها، بعض أدوات التجميل الخاصة بي، والتي لا تناسب عمرها، بصراحة أحسست أني عنفتها أكثر من اللازم في المرة الأولى دون أن أُفهمها، ولكن رد فِعْلها يحيرني، أحيانًا أجدني متحرِّجة من مواجهتها، مع أني لا أشك في أنها الفاعلة، رغم أنها قد تُلْقي بما أخذت مني –بالتحديد- في أشياء أختها، لديها اثنا عشر عامًا.. أُمَهِّل نفسي.. وأقول: حينما تكبر بعض الشيء سأحدثها في مسألة خصوصية الأشياء..!
تَعَدَّى "حدود المنزل":
بثينة محمد –ربة منزل - 57 عامًا: مع أحد أبنائي -بالتحديد الأوسط- الأمر تعدى أن يمد يده على أشياء أخوته، في الحادية عشرة من عمره، أجد في حقيبته المدرسية، الآلة الحاسبة الخاصة بمعلِّم الرياضيات الذي يأخذ درسًا لديه، آلة غالية بعض الشيء -فلقد سألت عن ثمنها-، وكذلك مساطر زملائه الملوّنة، أحيانًا مُمحاة (أستيكة) لها رائحة، وأحيانًا كراساتهم تحمل أسماءهم، في زيارته الأخيرة لبيت أختي حاول مغافلتهم ودخول غرفة النوم -حيث يعرف أنهم يحتفظون بالنقود وما إلى ذلك-، وكادت "تبقى" فضيحة لولا ستر الله ثم حكمة أختي، لا أستطيع أن أخبر أباه لأنه سيُقِيم الدنيا ولن يُقْعِدها، أحيانًا كثيرة أنصحه بالرفق فلعله.. ولكني لا أرى أثرًا، وعن مهنة أبيه تقول: كاتب بإحدى المحاكم..
الطفل ومعايير الأخلاق:
يقول د. أحمد عبدالله – طبيب نفسي – مصر: إن الكذب والسرقة عند الأطفال له معنى مختلف، ويحتاج إلى تعامل مختلف. فمن ناحية المعنى: يختلط الواقع بالخيال في إدراك الطفل، وعليه فقد يعكس الكذب قدرة عالية على الخيال عند الطفل لا تُشْبع بأنشطة تستثمرها، كما إنه لا يتصور أن تكون قدرة الطفل على ضبط وتدقيق المعلومة مثل قدرة الأكبر سنًا.
والسرقة كذلك فهي تعكس الميل الطفولي لحب الامتلاك دون تحمل مسئولية، وكلاهما (الكذب والسرقة) يرتبط كجريمة بوجود المعيار الأخلاقي الناضج والمستقر الذي يمنح الأشياء أحكامها، ويحدد الموقف منها، وهذا المعيار لا يكون موجودًا قبل سن البلوغ "على الأقل" ؛ وعليه فإن الأطفال لا يسرقون ولا يكذبون بالمعنى الحقيقي والأخلاقي للكلمة.
ويفرض علينا هذا الفهم تعاملاً مختلفًا كالآتي:
1 ـ محاولة إنعاش خيال أبنائنا، واستثمار إنتاج هذا الخيال في قصص يكتبونها، أو يروونها للأسرة، أو للنشر العام إذا أمكن.
2 ـ التحدث معهم بشكل غير مباشر عن الصواب والخطأ بأمثلة من فعل الآخرين، أو عَبْر قصة من الخيال.. وهكذا.
3 ـ العدل بين الأولاد في الأدوات المدرسية والملابس.. إلخ وحبذا لو تشابهت، أو تطابقت بعض هذه الأشياء؛ فيصبح تبادلها ممكنًا، ولا يسبب هذا قيام أي متاعب.
4 ـ عدم اللجوء للضرب؛ فالضرب سلاح العاجز، وإن كنا جميعًا نفعله للأسف، واستخدام الضرب يهدر فاعلية كل الوسائل الأخرى من ترغيب وترهيب، وتهديد وإغراء.. إلخ
مشكلة التربية..!
د. أحمد عبد الرحمن -أستاذ علم الأخلاق بالجامعة الإسلامية بماليزيا- يقول: أما من زاوية علم الأخلاق السرقة حينما تحدث فثِقْ أن هناك خطئًا شديدًا في التربية، لقد تربينا على أن النقود موجودة، ومعروف مكانها لدى الجميع، والأب يقول: اذهب وهات كذا من غرفتي ولا أحد يتجرأ على أخذ شيء مهما صغر منها، هكذا تربيت، وربّيت خمسة أبناء، وهم جميعًا متزوجون الآن، ولديهم أبناء، كلهم يتربون بهذه الطريقة، لم أسمع أن واحدًا من أحفادي -فضلاً عن أبنائي- فعلها ومدّ يده، رغم أني لم أنشأ في بيئة غنية وأنا صغير، المشكلة في التربية، إنها الرصيد الذي كلما كان كبيرًا سمح للأبناء أن يتربوا بصورة تعصمهم من هذه المآسي، وهي الآن –في رأي د. عبد الرحمن- للأسف قد سُحِبت من يد الأب والأم، والذين سحبوها مخرِّبون، فأجهزة الإعلام لا تكف عن نشر أفلام العنف والترغيب في مد اليد، وفي المقابل لا تجد قيم العمل والمثابرة في سبيل الوصول إلى النجاح، والصبر على الفقر والعمل الدائب، اليوم هذه الأجهزة جعلت "أغلب اهتمام الشباب بطنه وفرجه من أيّ طريق، كن لصًا ولكن لا تسمح لأي أحد بأن يضبطك.. كن "فَهْلَوِيًا".
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
قبل الثامنة: عناد وكذب وسرقة
يقول الدكتور هشام صقر مدرس علم النفس التربوي بكلية التربية بجامعة الأزهر الشريف:
الأب الفاضل، في البداية نحمد الله إليك اهتمامك بطفلتك وشعورك به وتحديدك لمشكلتها، وقد كنت أتمنى أن ترسل مزيدًا من التفاصيل عن علاقتك ووالدتها بها، وهل لكما سياسية مشتركة في تربيتها، مع ضرب أمثلة لكل سلوك ذكرته من طفلتك.
وبداية فإن تحديد أسباب المشكلة يمثل الجزء الأول من الحل، ويسبق الإجراءات العملية التي يتم الحل بها.
ومشكلة طفلتك تكمن في عصبيتكما (مع التقدير الكامل لكما وما تقدمان لها) ففي هذه المرحلة من العمر يمر الطفل بالعديد من المشكلات، وبطبيعة الحال يكون السبب الرئيسي لظهورها عدم تفهم الآباء لسلوك الأبناء نتيجة عدم معرفتهم بما يجب عمله في وقت معين، أو ما ينبني على سلوك معين لهم أو عدم تقدير لردود أفعال الأبناء الداخلية والخارجية من جراء القواعد الموجودة في البيئة التي يعيشون فيها.
وحل المشكلة يكمن في الآتي:
1- تعديل البيئة الأسرية المحيطة بالابنة عن طريق محاولة تقليل العصبية والحدة منها وإزالة أي خلافات في الأسرة.
2- التحلي بالصبر البالغ عوضا (عما سبق) عن سلوكيات الطفلة الخاطئة.
3- تقديم العاطفة والآمان بالقدر اللازم أكثر من المعتاد لفترة زمنية طويلة.
4- قضاء أكبر وقت ممكن مع الطفلة تشاركونها** العديد من الأنشطة المشتركة: رسم/تلوين/ رحلات.
5- تقليل العقاب إلا في الحالات القصوى وبشكل هادئ خال من العنف يسوده الحكمة والحزم.
* وفيما يخص ما ذكرته من صفات طفلتك فننصحك باتباع الخطوات الآتية:
أولاً: بالنسبة لذكائها وطاقاتها الزائدة. فهذا أمر جيد، ويمكن تنميته واستغلاله بتقديم الألعاب التي تنمي الذكاء في المناسبات المختلفة كنوع من الهدايا التشجيعية.
- إشراكها في إحدى الرياضات المناسبة لها؛ لتفرغ فيها أكبر قدر من طاقتها.
ثانياً: بالنسبة لعدم حبها للمذاكرة:
فهو أمر طبيعي يرجع لطبيعة المرحلة السنية التي تمر بها والبيئة المدرسية في بلادنا بصفة خاصة، طالما أنه لم يؤثر على نتائجها، أما إذا أثر فربما يكون رد فعل عقابي للوالدين على معاملتهما العصبية وسيزول بإذن الله بتغير سلوككما معها.
ثالثاً: العند
وقد يكون منشأة من شيئين:
إصدار أمرين متناقضين للطفلة في وقت واحد مما يصيبها بالاضطراب، مما ينعكس في شكل عناد كنوع من رد الفعل العصبي لعدم فهمها لما يحدث مثلاً (العبي مع أختك وأعطيها لعبتك) فهي عندما تعطي لعبتها لأختها كيف ستلعب معها.
* وبالتالي يجب تجنب إعطاء أمرين متناقضين لها في الوقت نفسه.
2- قد ينشأ عندما لا نحتمل أخطاء الطفل في أثناء استكشافه للعالم الخارجي (محاولة التعرف على التليفزيون – الكمبيوتر – تليفون الأب …) بل ونعاقبه فمن الطبيعي أن يخطئ الطفل ومقابلة خطئه برد فعل عصبي قد يحول الطفل إلى طفل غبي فاقد لاحترام الآخرين، مما يدفعه للإصرار على الخطأ وتكريره؛ لأنه لا يعني أنه أخطأ وكل ما يعرفه عصبية والديه.
وللتغلب على ذلك:
1- إذا أخطأت اشرح لها لماذا يعتبر هذا الفعل خطأ بهدوء وبالتفصيل ودون ضيق من تكرار الشرح إذا لم تفهم من المرة الأولي فمن شأن هذا تنمية عقلها وتقليل المشكلات التي قد تنشأ عن عدم الفهم والتركيز عن طريق تكوين (التفكير السلبي).
مثلا:
إذا أغلقت الباب وفتحته فمن الممكن أن يغلق على يدك ويجرحك وتذهبي للطبيب وتحرمي من اللعب … وإذا لم تفتحيه فلن يحدث شيء من هذا …
رابعاً الكذب:
واضح أنها تكذب نتيجة خوفها وعدم قدرتها على إبداء ما بداخلها من مشاعر وما فعلته من سلوكيات بأمان؛ لأنها لا تتوقع مدى عنف رد الفعل؛ وعليه فهي تكذب وقاية لنفسها ولا بد من إدراك ذلك قبل أن يتحول إلى كذب مرضي:
1- خصص وقتاً ثابتًا كل يوم تقضيه مع طفلتك دون أن يشغلك عنها شاغل اسمع لها بإنصات كامل وشجعها على الكلام.
2- شجعها على قول الصدق في المواقف المختلفة، ووضح لها أنه طريق النجاة، فإذا أخطأت مثلاً: قول لها يا حبيبتي أريد أن أعرف الحقيقية ولن أعاقبك إذا قلتها وتمهل عليها حتى تشرح لك، ثم اشرح لها خطأ ما فعلته (بالطريقة السابقة) وخذ العهد عليها ألا تكرره وإلا غضبت منها وحرمتها مما تحب (دون عقاب بدني أو لهجة حادة)
خامساً: السرقة :
لم يوضح قولك: تميل لسرقة الأشياء البسيطة حقيقة الأمر، فما هي هذه الأشياء؟ وما معنى بسيطة؟ وهل يحتمل معناها أنها ليست سرقة، وإنما لم يتعد الأمر أخذ الأشياء دون استئذان وهو ما يفسره قولك "خلق قصص حول سبب تواجدها معها" أي تكذب مخافة رد الفعل المفاجئ.
ويمكنك لحل هذه المشكلة اتباع الآتي:
- حاول إكسابها السلوك الاجتماعي السوي الخاص بالاستئذان عن طريق التدريب عليه باللعب مثلا: تحضر لها شيئاً جديداً وتقول لها إذا أردته قولي: لو سمحت يا أبي أريد هذا، فإذا قالت فامنحها إياه واثن على تصرفها.
- تبادل معها الدور واطلب منها أن تعطيك شيئا آخر وهكذا …
- لا تمنع عنها أي شيء تطلبه منك أو تريد الاطلاع عليه ما دام مباحاً وليس هناك مانع أدبي أو تربوي من الاطلاع عليه أو أخذه حتى ولو كلفك جهداً، حتى تطمئن أن المباح سهل الحصول عليه دون الحاجة إلى أخذه دون أذن أو عن طريق السرقة.
وهمسة أخيرة:
الأب الفاضل إن ما عبرت عنه في رسالتك من أن ابنتك حنونة وعاطفية يدل على أنها تستجدي بهذا السلوك "الأمان العاطفي" وليس العاطفة فقط من الوالدين، لأن تعبيرك أو تعبير الأم عن عاطفتها في لحظات معينة بشكل جيد، وتغييره في لحظات أخرى بطريقة مفاجئة ودون أسباب معروفة لديها يفقد الطفلة مصدر الحنان والشعور بالآمان، ويزداد ذلك إذا استخدمت أساليب عقابية عنيفة دون إيضاح مع عدم فهم الطفلة أو إقناعها بالسبب .
فلا بد أن يكون واضحاً للطفلة أن حبك لها شيء دائماً لذاتها لا يتأثر بشيء وأن الأداء الجيد له إثابته المتنوعة (رحلات – هدايا … ) والسلوك السيئ عقابه الحرمان من الأشياء التي تحبها وليس حرمانها من حبكم .
الأب الفاضل/ أوصيكم بمداومة الذكر والعبادة فإنهما ينزلان السكينة والرضا بالنفس،
وقراءة سيرة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ في معاملة الناس عامة والأطفال خاصة فإنها تهذب النفس وترفقها
نتمنى أن تظلوا على اتصال بنا لتخبرونا بالبشرى القريبة .
ويضيف الدكتور إيهاب خليفة:
العناد في الأطفال أمر وارد ومألوف، وهو يعتبر انعكاسًا لشعور الطفل أن له ذاتاً منفصلة عن العالم بعد أن كان يشعر أنه هو والعالم شيء واحد ولم يكن يشعر بالخصوصية؛ فنجد أن الطفل يمكن أن يأخذ أي شيء يعجبه حتى ولو كان ملكًا للآخرين، بعد ذلك يبدأ الطفل في الشعور أن له ذاتاً منفصلة عن العالم، ويسعى لاشعورياً للتأكيد على هذه الحقيقة بوسائل من أهمها العناد، وينبغي تفهم هذه النقطة، وعدم السعي إلى محاولة قهر الطفل بصورة مباشرة، بل يمكن التلميح بالحرمان من شيء محبوب مثلا وهكذا، وتقل هذه الصفة تدريجيا مع تقدم الطفل في العمر.
النشاط الزائد هذا نوع من السلوك المتوارث، فالأطفال يختلفون تبعاً لتكوينهم البيولوجي في درجة النشاط، ولكن من الأمور المعروفة أن لجميع الأطفال حدًا أدنى من النشاط إذا قلوا عنه أصبح ذلك أمراً مرضياً، وأنه من أصعب الأشياء على الطفل أن تقول له: اجلس ولا تتحرك، فالأمر يحتاج إلى إشراك الطفل وخاصة ذا النشاط الزائد في الأنشطة والألعاب الرياضية المختلفة، وفي تدبير المنزل، وهذا أمر عادة ما يجذب الفتيات الصغيرات.
وعليك أن تحاول اكتشاف مواهب هذه الطفلة وتتبعها، واستغل هذه المواهب في دفعها للاستذكار، ويجب أن يكون الاستذكار في السنين الأولى من العمر في صورة ممتعة ومسلية (ألعاب مثلاً)، بدلاً من استخدام الأسلوب التلقيني؛ فهذا فيه ظلم كبير لأطفالنا.
كما أن العنف يزرع السلوك العدواني في الأطفال، خاصة أن اختلاق الأطفال للقصص أمر وارد، والمعروف أن الطفل حتى سن الخامسة من العمر لا يستطيع أن يفرق بين الأحلام والواقع، فكلاهما أمور مصدقة عنده، وكثيرًا ما يسبح الطفل بخياله وهذا أمر صحي، وبالتالي لا يصح التعامل مع كذب الأطفال بمثل الانزعاج المطلوب في كذب الكبار.
ومن الواجب عدم مواجهة الطفل بأخطائه كالكذب والسرقة مثلاً؛ فهذا يُشعر الطفل بافتضاح أمره أمام الآخرين، وقد يؤدي ذلك إلى نوع من اللامبالاة، والأسلوب الأمثل هو التلميح بصورة تلقائية بفضيلة الصدق والأمانة وبعاقبة الكذب والسرقة..
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
التعامل مع الطفل... المذعور الخائف
هبة تهامي
ثمن النُّضْج:
الذعر والخوف أعراض قد يُصاب بها الكبير والصغير على حد سواء، ورغم أن الشعور بهذه الأعراض ليس شعوراً مستحبًا إلا أنه في حالة الأطفال قد يكون لازمًا وشرطًا للنمو النفسي والاجتماعي لا مفر منه.
والذُّعْر: هو الفزع الشديد دون سبب واضح أو محدد، أو الإحساس بتهديد مباشر لسلامة الفرد أو أمنه مبرر في عين الآخرين، إلا أن الفرد نفسه يرى التهديد حقيقيًّا ويستشعره بشدة. وينعكس هذا الشعور على الحالة الجسمانية فيزداد إفراز العرق وتزيد ضربات القلب، وقد تضطرب المعدة.
وإذا كان لا بأس من بعض التوتر؛ لأن ذلك كما يقول خبراء التربية وعلم النفس يزيد من انتباه الشخص، وقد يساعده على تحسين أداءه في بعض الأحيان، (بل قد يحفظ سلامة الفرد أحيانًا كخوف الطفل من النار، وتجنبه العبث بأعواد الثقاب)، إلا أنه إذا ما زاد عن حده قد يتحوَّل إلى عرض مرضي يحتاج علاجًا ومتابعة.
وتتغير طبيعة وصور الخوف والذعر بحسب عمر الطفل، فالأطفال الرضع قد يصابون بالخوف والفزع إذا غاب أحد الوالدين عن أنظارهم أو إذا رأوا أغرابًا، في حين أن الطفل من عمر سنتين إلى ست سنوات قد يصاب بالذعر من كيانات خيالية كالعفاريت، والأطفال الأكبر من ذلك قد يصابون بالذعر من الحيوانات أو الحوادث التي يتوقعونها كالكوارث الطبيعية أو حوادث السيارات نتيجة رؤيتهم لها في وسائل الإعلام أو قراءتهم عنها في الكتب المدرسية أو كتب المطالعة.
ملاحظة أعراض الذعر والخوف
كيف يعرف الوالدان أن الطفل يعاني من أعراض الذعر والخوف التي تحتاج لتعامل خاص أو في بعض الحالات استشارة أخصائي نفسي؟!، هناك خوف طبيعي وعادي ولا غبار عليه مثل: الخوف من عقر الكلب أو الخوف من التعرض للعقاب البدني، كما يتوقع أن يداخل الطفل خوف من الانتقال إلى بيئة المدرسة أو الروضة لأول مرة. لكن الخوف إذا زاد واستمر فقد يؤثر على الحالة النفسية والعضوية للطفل، وإذا اقترن بأعراض إنسحابية وخوف من الاختلاط بأقرانه أو الآخرين فإن هذا قد يكون له آثار سلبية بعيدة المدى، ويحتاج لتدخل تربوي ونفسي.
وكثيرًا ما يواجه الطبيب النفسي حالات مخاوف أثناء الطفولة لم يتم علاجها أدت إلى ترُّسب مشاعر وأحاسيس؛ أصبحت فيما بعد مرضًا أو اضطرابًا نفسيًّا.
ومن أعراض وجود مشكلة في هذه الدائرة: الحركات العصبية، أو عدم القدرة على النوم الطبيعي، أو النوم فترات أطول من المعتاد، زيادة إفراز العرق خاصة في راحة اليدين، زيادة ضربات القلب وتلاحق الأنفاس، الصداع، وأوجاع المعدة. والوالدان يمكنهما بسهولة ملاحظة ذعر وخوف الطفل من أوضاع أو مواقف معينة، وأحيانًا قد تكون نقطة البداية الإنصات لهموم الطفل، وتهدئته وإظهار التفهم ثم مناقشة الأمر وطمأنته بشكل مستمر وهادئ. ومن المهم أن يسأل الوالدان أنفسهما: هل ذعر الطفل يلائم سنه؟ فإذا كان مقبولاً في مرحلته العمرية فيمكن ترجيح أنه طبيعي وسيتجاوزه الطفل مع النمو – مع التأكيد على عدم تجاهله أو التقليل من أمره – كالخوف من الظلام. فمعظم الأطفال مع الهدوء، والطمأنة، وقبلة على الجبين، ودعاء قبل النوم، وترك باب الغرفة مواربًا يَقِلُّ خوفهم، وقد يعين ترك ضوء خافت ليلاً في الغرفة يبدد بعض الظلام ويسهل حركته في الغرفة إذا استيقظ لقضاء حاجة في الليل.
فإذا كان الذعر متفرقًا ولصيقًا بأمر واحد؛ فإن الوالدين يمكنهما التعامل معه وفق الخطوات التي سنذكرها بعد قليل، أما إذا كان متكررًا ومتعدد الموضوعات فإن الاستشارة لطبيب أو معالج نفسي قد تكون ضرورية.
تهدئة الطفل المذعور
أولاً: إظهار الوالدين للتفهم لمخاوف الطفل، وعدم السخرية أو الاستهانة بها، والإنصات لمشاعره وتركه يُعبِّر عنها بحرية، وإظهار الاهتمام لأن مجرد الإفصاح والحديث عن المخاوف يقلل من التوتر، ويساعد على مناقشتها والتماس سبل مواجهتها.
ثانيًا:عدم تغيير نمط التعامل مع الأشياء المألوفة؛ لأن ذلك قد يزيد الطفل وعيًا بمشروعية خوفه وأنه محق في ذلك، فتلافي المرور بجوار منزل به حيوان في الحديقة، أو تغيير المسار أثناء السير لتجنب المرور بجوار الشرطي الذي يخيف مظهره الطفل كلها تصرفات قد تكرس لدى الطفل أن خوفه مبرر؛ فيزيد هذا الخوف.
ثالثًا: علِّم الطفل كيف يتخلص من الخوف تدريجيًا، ففي المرة التالية عند إصابته بالخوف أو الذعر اسأله عن حجم الخوف، فربما قلَّ بعض الشيء، و يمكننا أن نرصد كيف أن التعرض لموضوع الخوف قد يقلل من كم الفزع ونلفت نظر الطفل لذلك ونلفت نظره على كون ذلك دليل على أن الخوف سيظل يتضاءل حتى يذهب تمامًا.
رابعاً: اجعل للطفل مركزًا ومساحة للأمان، ثم علِّمْه أن يقترب من المساحة التي تثير ذعره، ثم يعود إلى مركز الأمان ونقطة السلامة، كأن يكون في غرفة مضاءة ثم يقترب هو من غرفته المظلمة، ثم يعود. أو أن تسأله أن يأتي بشيء من غرفتك المظلمة، ويرجع لك بسرعة، وتنتظره أمام بابها، وبذا يحاول التغلب على خوفه فترة قصيرة تطول مع الوقت حتى يتخلص منه تمامًا.
خامسًا: حاول زيادة ثقة الطفل بنفسه من خلال الدعاء، ففي المناهج الغربية للتغلب على الخوف والذعر يعلمون الأطفال مجموعة من العبارات لِبَثِّ الأمان في نفسه مثل: سأكون بخير وأنا قادر على التغلب على المشكلة I can do it، ويمكن أن نعلم الطفل المسلم عبارات مثل: "الله معي" أو أن يقرأ آيات قرآنية مثل الفاتحة والمعوذتين.
سادسًا: عبر الرسوم والتلوين، ثم العرائس والألعاب التي تمثل الحيوانات التي تثير خوفه، ثم مراقبته لطفل يداعب الحيوان أو يتعامل معه دون خوف ثم الاقتراب الهادئ.. رويداً رويداً يطمئن الطفل ،ومن المهم عدم الاستعجال أو دفع الطفل لمواجهة موضوع الخوف بغتة حتى لا يأتي ذلك بنتائج عكسية.
سابعًا: امتداح أي نجاح يحققه الطفل في التغلب على خوفه.
وإذا لم تفلح المحاولات الأبوية الهادئة عبر فترة زمنية معقولة في حل المشكلة؛ فقد يكون اللجوء لمعالج أو طبيب نفسي مسألة ضرورية في حالات معنية لا مفر فيها من التماس العلاج المنظم.
منقوووول