رحمة القسوة

    • رحمة القسوة

      تعيش المرأة في رحابة حنان والديها وأسرتها حتى الزواج ، وبعاطفة صادقة تدرك أنها تنتمي عضويا واجتماعيا وعاطفيا لبيت أهلها ولكن يصحب ذلك منذ سن التمييز ، شعور بالشوق مع القلق المنير للأمل ، بأنها ستنتقل إلى بيت آخر وحياة أخرى ، اسمها الحياة الزوجية .

      أيها الزوج الشفوق : أنت لها الحياة الأخرى ، فكن لها الجنة المأمولة ، واصحبها في رغد جنتك حتى تصل معها إلى موعود الله الودود في جنة الخلود .

      أخي الزوج : لقد تركت أنت أيضا صحبة والديك وأهلك ، وسيتركك أولادك ويستقلون بحياتهم ولا يبقى معك صاحب ملازم لا يفارقك سوى الزوجة ، فإن سبقك بها الموت – بعد عمر مديد سعيد – انتظرتك في الآخرة لصحبة الأبد ، و إن سبقت أنت لم يبك عليك مثلها ، جاء في سيرة خير الناس في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل المدينة خرجوا يستقبلون و يتسمّعون أخبار غزوة احد ، فقالوا لإحدى النساء : احتسبي أباك ، فقالت : إنا لله و إنا إليه راجعون ، فقالوا : احتسبي أخاك ، احتسبي .... وكل ذلك تسترجع رضي الله عنها حتى قالوا لها في الرابعة : احتسبي زوجك ، فَولَولت ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم عند ذلك : " إن زوج المرأة منها لبمكان " .

      أيها الفاضل :
      إنها تستظل بظل حمايتك و رعايتك ، و تعتمد في معظم شئونها عليك ، و تشعر دائما بحاجتها لمساندتك و تستكين لك استكانة الفرخ بين جناح الرحمة من أمه ، ومع ذلك فهي التي تحوّل أوقاتك مسرات ، و تبدّل همومك و تسليك ، و أنت لو كنت ساذج السلوك معها ستجد نفسك عند استراحة النفس معها نائما في حجرها وواضعاً رأسك على فخذها كما كنت تفعل مع أمك الحنون ، وبرغم استكانتها لك و استضعافها معك ، وانفرادها بحمايتك لها من الآخرين و حبها لمظاهر القوة و الرجولة فيك تريد أن تأمن قوّتك عليها ، وألا يلحقها منك قسوة القوة إن لم ترحمها ، إنها تحمل فطرة الطفلة و لا تزال ترغب في صحبة من يحميها ، و تحب فيك ببراءة ، العيون الحلوة و القوة التي تهدّ الجبال .

      انظر رعاك الله كيف فهم العلماء عن الله قوله تعالى : " وللرجال عليهن درجة " ، قال الإمام القرطبي : أي منزلة ، و مدرجة الطريق : قارعنه ، والأصل فيه الطّيّ ، يقال : دَرَجوا ، أي طوَوا عمرهم ، ومنها الدرجة التي يرتقى عليها . و يقال : رجل بين الرّجلة أي القوة ، وهو أرجل الرجلين أي أقواهما ، و فرس رجيل ، أي قوي ، ومنه الرّجْل لقوتها على المشي ، فزيادة درجة الرجل بقوته و عقله و قدرته على الإنفاق و الجهاد .

      قال القرطبي أيضاً : قال ابن عباس : الدرجة إشارة إلى حضّ الرجال على حسن العشرة ، و التوسع للنساء في المال و الخلُق ، أي أن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه ، قال ابن عطية المفسر : و هذا قول حسن بارع ، انتهى كلام القرطبي رحمه الله

      و قد قال الشاعر :


      أهين لهم نفسي لكي يكرموها و لن تكرم النفس التي لا تُهانُ

      وقـــــــال آخــــر :

      لا ينقص الكامل من كماله ما جرّ من نفع إلى عياله

      وقال سيدنا عمر رضي الله عنه :ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبيّ ، فإذا التمسوا ما عنده وُجِدَ رجلاً .


      ـــــــــــــــــــــــــــ
      منــــقوووول::::::::نبض