د.سالم بن سلمان الشكيلي يكتب: الفساد وحرمة الأموال العامة

    • خبر
    • د.سالم بن سلمان الشكيلي يكتب: الفساد وحرمة الأموال العامة

      Atheer News كتب:

      أثير-د.سالم بن سلمان الشكيلي

      عتب عليّ بعض الإخوة الأفاضل بسبب إحجامي عن الكتابة في قضية الاختلاسات المكتشفة ضد بعض الموظفين في وزارة التربية والتعليم، وذهب بعض الأشخاص ممن لا يعرفني إلى اتهامي بالخوف من الكتابة في مثل هكذا مواضيع، ومع الاحترام الجم لهؤلاء؛ لكن ليعلموا أنّ قلمي لا يعرف خوفًا غير مخافة الله، ولا يحذر إلا الإساءة إلى الآخرين دون ذنب أو جريرة.

      أما عدم الكتابة في هكذا موضوع؛ فيعود إلى عدم توفر معلومات كافية لدي، فكل الذي اطلعنا عليه بيان مقتضب من “التواصل الحكومي” لا يُقدم معلومة واضحة وكافية، وما عدا ذلك مئات الروايات المنقولة عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ومعظمها روايات متباينة في المعلومات المتداولة سواءً من حيث أسماء الأشخاص المتهمين، أو من حيث مقدار المبالغ المختلسة، أو من حيث الوسائل المستخدمة في عملية الاختلاس، وهل هي عملية واحدة أم عدة عمليات؟ أسئلة كثيرة ليس لها إجابات متاحة ومؤكدة، وكم كنت أتمنى أن يصدر بيان من الجهة المعنية، بعد هذه المدة من الزمن، يوضح ما حدث وكيف حدث، يُطمئن الرأي العام، ولو بشيء من الإيجاز، لكنّ هذا لم يحدث حتى الآن دون مبرر مفهوم.

      إنّ الفساد واختلاس المال العام، يُحرمه الدين والأخلاق والقانون، فالمال العام هو مال الأُمة ، الأمة الحاضرة والقادمة ، والفعل في حد ذاته يُمثّل خيانة مع سبق الإصرار، والترصد للوطن وللوظيفة العامة ، وللمال العام المؤتمن عليه، ولا أظن أن هناك عاقلًا يخاف الله ورسوله سيقول بخلاف هذا القول ، وإلا سيلحق بزمرة الفاسدين.

      والفساد المالي والإداري آفة هذا الزمان، الذي انعدمت فيه لدى البعض مخافة الله وتجرأوا على حدوده، ومات لديهم الضمير، وفسدت أخلاقهم، وأغواه مالشيطان، والفساد في العموم موجود في كل بلاد العالم يكاد لا تخلو بلدٌ منه، مع وجود قدر من التفاوت في معدلات الفساد، بحسب نجاعة أجهزة الرقابة بكافة مستوياتها، وبالكشف عن المفسدين أينما كانوا على سلم السلطة ، ومن ثّم تقديمه للعدالة لينالوا العقاب اللازم نتيجة أفعالهم المذمومة ، وهنا أيضا تظهر فاعليّة القانون ومدى قدرته على تحقيق فكرتي الردع الخاص والعام.

      وبلادنا كغيرها من الدول الأخرى، لا تخلو من الفساد المالي أو الإداري فهو موجود، وناكره كمن يُنكر تعاقب الليل والنهار، بدليل القضايا التي يُكشف عنها بين فترة وأخرى، وإن كان المعلن عنها أقل بكثير من الفساد الفعلي سواءً المعلوم أو المجهول والخفي، وخصوصًا لدى البعض ممن لا أقول تتضارب مصالحهم مع مصالح الدولة كما تعودنا، ولكن أقول تتداخل مصالحهم مع مصالح الدولة، حتى أنهم ليظنوا أن أموال الدولة جزءٌ من أموالهم وممتلكاتهم الخاصة.

      ومما لا شك فيه والذي يتوجب ذكره هنا بشأن محاربة الفساد بكافة أنواعه ومستوياته، وأركز على مستوياته، عدة نقاط أولها مراجعة وسائل وطرق الرقابة المستخدمة لدى كل الجهات المعنية- دون استثناء – ، ذلك أنّ قضية وزارة التربية والتعليم أثبتت بدون مكابرة قصورًا في هذا الجانب، ثاني هذه النقاط اعتماد التدوير الوظيفي للوظائف التنفيذية والإشرافية بصفة دورية ، بحيث لا تسمح للموظف بالاستيلاء على وظيفة بعينها أكثر من أربع سنوات . وثالث هذه النقاط مراجعة الإجراءات المتبعة في الكشف عن قضايا الفساد بشكل عام وقضايا اختلاس المال العام على وجه الخصوص، ورابعًا مراجعة التشريعات القانونية وقياس مدى كفايتها وكفاءتها في مكافحة الفساد بكل ألوانه وأشكاله، وخامسًا عدم التستر على المفسدين سواءً كانوا من صغار القوم أم من عليتهم، حتى لا نهلك بذنوبنا كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما هلك الذين قبلكم، إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).

      وفيما يتعلق بقضية وزارة التربية والتعليم، فإنّ الفعل من دون شك فعل مشين وخسيس، لأنه يُشكل اعتداءً صارخًا على حرمة المال العام، وجراءة مفضوحة من قبل أشخاص اؤتمنوا على الوظيفة العامة بكل ما كان لديهم من اختصاصات يملكونها بحكم وظيفتهم، فاستغلوها لتحقيق مصالح خاصة لهم ، فأساءوا لأنفسهم وأساءوا للدولة والمجتمع ، في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها المواطن، وفي وزارة يُفترض أنها مهدٌ للتربية والتعليم.

      ومع كل هذا علينا أن ننتظر نتائج التحقيق، الذي يجب أن يُعرض على الرأي العام بكل تفاصيله وجزئياته، فالقضية أصبحت قضية رأي عام، وفي المقابل علينا كأفراد ألا نلقي بالتهم جزافًا دون دليل، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته ، وتثبت إدانته بصدور حكم قضائي بات ، وإلا سنكون قد خالفنا قول الله عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
      فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.

      كما أنُ المتمعن في سورة يوسف عليه السلام سيدرك حقيقة وأهمية الدليل في اتهام الأشخاص، إلا إذا كنا نريد هدم وتجاهل – لا سمح الله – أحكام ديننا ومبادئ القانون والأخلاق، وإنني وقد مارست القضاء لمدة تزيد على ثلاث عشرة سنة، ونظرت فيها العديد من القضايا بما فيها قضايا قتل، أُدرك معنى الاتهام وكيف أنَّ المُتهم قد يكون بريئًا والأمثلة كثيرة وعديدة، ويحضرني هنا قضية قتل قُدّم فيها متهمان من جنسية آسيوية وقد جُمعت ضدهما بعض الأدلة ومن بينها اعتراف مسجل لهما أمام السلطة المختصة، وبعد عدة جلسات تَحول مسار القضية ليظهر أن القاتل شخصٌ آخر ومن جنسية أخرى .

      وحتى لا يُفهم كلامي خطأ، أنا هنا لا أبرئ أحدًا وفي الوقت نفسه لا أتهم أشخاصًا بعينهم، وربما هذا الذي دفعني لعدم الكتابة في هذا الموضوع، حتى تنجلي الحقيقة، وللمرة الثالثة أناشد السلطة المعنية بسرعة الكشف عن تفاصيل هذه القضية، وإحالة مرتكبيها إلى عدالة المحكمة المختصة ليناولوا أشد العقوبة على أفعالهم التي اقترفوها بحق الوطن والمجتمع والمال العام، والسلام على من اتبع الهدى والتقى والعفاف والغنى ونهى النفس عن طريق الضلالة والعمى.

      Source: atheer.om/archives/496837/%d8%…d8%af-%d9%88%d8%ad%d8%b1/