د.عبدالله باحجاج يكتب: هواجس مجنونة ، لكنها موضوعية .. تستشرف ما وراء الدعوة لعقد قمتين طارئتين في مكة قريبًا

    • خبر
    • د.عبدالله باحجاج يكتب: هواجس مجنونة ، لكنها موضوعية .. تستشرف ما وراء الدعوة لعقد قمتين طارئتين في مكة قريبًا

      Atheer News كتب:

      أثير-د.عبدالله باحجاج

      في الواقع هي ثلاث قمم ستنعقد في السعودية ، اثنتان طارئتان ، وهما عربية  والأخرى خليجية على التوالي ، والثالثة إسلامية وهي اعتيادية ، والطارئتان ستعقدان في يوم الثلاثين من مايو الجاري في مكة المكرمة ، والمكان والتاريخ والسياقات الظرفية الإقليمية والدولية الراهنة ، تثير مجموعة هواجس كبرى إذا أمعنا الفكر في افاقها المقبلة من مقاربتين أساسيتين ، تاريخية وسياسية ، وهما – أي المقاربتين – تدفعان بنا الى فتح هذا الملف الجدير بالمتابعة .

      سنبدأ بالمقاربة السياسية ، وهي الأهم ، لأنها ستضعنا عند خلفيات الارادات السياسية ” الإقليمية والدولية” لمستقبل المنطقة القريب ، وثانيا ، المقاربة التاريخية وذلك بغية إضفاء مبدأ الاقناع على مآلات المقاربة السياسية استشهادا بالتاريخ ، وستظهر لنا الرؤى ونتائجها صادمة .

      والنتيجة التي خرجنا بها من خلال هذه المنهجية العلمية ، تصطدم باعتقادنا بأن كل ما يقوم به ترامب وادارته من ارسال الاساطير والتلويح بالحرب الرابعة في المنطقة من قبل الاسترزاق ” اساطيل الاسترزاق ” في استمرارية لاستنزاف حليب البقرة ، التي تعد قوة مالية مستهدفة في حد ذاتها ، حيث يؤمن ترامب في احدى تغريداته ” أن الخليج شعبا وحكاما يملكون الكثير من المال الذي لا يستحقونه ”

      ورغم هذه القناعة الخاصة بنا ، الا أننا وجدنا من خلال إعمال الفكر المنهجي في التحليل من خلال تلكم المقاربتين أن هناك مجموعة أولويات تتزاحم لدى الإدارة الامريكية ..فإحدى عينيها على المال الخليجي ، والأخرى لتحقيق اجندة سياسية ملحة ، قد أصبحت كل التطورات الإقليمية – سيأتي ذكرها لاحقا – تسهم باللاوعي في إنتاجها .

      أولا : المقاربة السياسية :

      وهي تتجلى في طبيعة الدولة صاحبة الدعوة للقمتين ، وكذلك في الظروف والمعطيات التي تتقاطع معها ، فالرياض قد بررت دعوتها لعقد القمتين لإدانة ايران التي تحملها مسؤولية تفجيرات الناقلات التجارية في المياه الاقتصادية للفجيرة رغم النفي الإيراني ، وكذلك استهداف العمق السعودي من قبل الحوثيين ، فلو تمكنت من الحصول على الإدانة الخليجية والعربية ، فهذه ورقة – حتى لو كانت شكلية – لكنها يمكن ان تمنح الشرعية لأية عمل عسكري ضد طهران .

      وإن كان العمل العسكري مستبعدا من منظور التصريحات الإيرانية والأمريكية ، وكذلك معظم التحليلات ، لكن لا يمكن استبعاده تماما ، وقد تدخل هذه التصريحات من ضمن دبلوماسية الحرب حتى يتم انضاج كل الظروف والبيئات لها ، فالحشود العسكرية في الخليج مكلفة ماليا حتى لو سيتحملها الخليج الثري، ولا يمكن ان تكون في حجمها الكثيف ما لم يكن هناك ولو احتمالا بسيطا للحرب ، فكيف لو كانت هناك احتمالات ممكنة للحرب يمكن ان تخدم ما يسمى صفقة القرن .

      وصفقة القرن ، قد تكون مبررًا لقعد القمتين الطارئتين في وقتهما المحدد من قبل الرياض ، فشهر يونيو المقبل يشكل علامة تاريخية فارقة للمنطقة بأسرها ، ومن الجدير بالذكر هنا ، لفت الاهتمام الى تزامن وقوع عدة احداث كبرى في هذا الشهر بصورة متزامنة ومتتالية ، وكلها تخدم صفقة القرن ، ففي يونيو سيتم عقد القمتين الطارئتين ” العربية والخليجية ” وقبلها بيومين سيتم عقد مؤتمر اقتصادي في البحرين بشراكة مع أمريكا ، يشكل – كما هو معلن – الجزء الأول من صفقة القرن ، وفي يونيو كذلك ستعلن الإدارة الامريكية ، تفاصيل صفقة القرن ، وهذا المتوالي الزمني واحداثه ، لا يمكن ان يكون صدفة ، وانما وراءه ترتيب سياسي ممنهج ومدروس .

      وسيحضر مؤتمر البحرين الاقتصادي وزير مالية الكيان الصهيوني وحكومات عربية وعالمية والمجتمع المدني وقادة اقتصاديون عالميون وإقليميون ، تحت عنوان ” السلام من أجل الازدهار ” وهو مؤتمر يسبق القمتين العربية والخليجية ، والكشف عن تفاصيل صفقة القرن .

      من هنا ، تذهب بنا السياقات الى طبيعة الاجندة السياسية المتوخاة من عقد القمتين الطارئتين ، وبالتالي ، لا يمكن استبعاد التبرير للحرب الرابعة في المنطقة أو تمرير صفقة القرن باجماع خليجي وعربي ولاحقا إسلامي ، او كلاهما ، على اعتبار ان الحرب ستشكل مسألة ضرورية لصفقة القرن التي تحتم التخلص من كل قوة معارضة لها في المنطقة .. أو اية قوة قد تشكل خطرًا على الكيان الصهيوني ولو من منظور أسوأ الاحتمالات ، والاحداث الجسام التي ستغير الأفكار وملابساتها على الارض ، مثل صفقة القرن ، لا يمكن تمريرها بسهولة الا بواسطة حرب تقلب أوضاع الجغرافيا المستهدفة ، وتفتتها لكي يسود الكيان على المنطقة المتفتتة ، وقد يصبح هو حارسها مستقبلا .

      ومنطقة الخليج الآن تعج بالحشود العسكرية الامريكية وبأحدث أسلحتها في ظل موافقة ثلاث دول خليجية على نشر قوات أمريكية على أراضيها ، وتسربت مؤخرا أنباء عن ” 120 ” ألف جندي امريكي سيتم نشرهم في الخليج رغم نفي ترامب .

      ثانيا : المقاربة التاريخية .

      الباحث في تاريخ القمم العربية ، على الأقل في معظمها ، سينتابه الدهشه من السياقات التاريخية للقمم العربية ، وسيقف عند تلاقي المقاربة التاريخية مع المقاربة السياسية سالفة الذكر ، وهذا مخيف جدا في حد ذاته ، فتاريخ معظم القمم العربية ، قد أصبحت تختزن في ذاكراتنا ما هو أسوأ ، فكل قمة تؤشر على حدث سلبي كبير ، إما هي منتجة له ، كقمة 1990اثر الغزو العراقي للكويت ، وما اعقبها الإطاحة بصدام  ، أو تكون مصاحبة ومتزامنة مع القمة ، فحديثا ، قمة الظهران واعلان ترامب نقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة ، وقمة أخرى ، يعلن ترامب متزامنة معها ، بصهوينية الجولان السورية المحتلة .

      والسياقات التاريخية تجعلنا نتساءل عن الحدث أو الاحداث السياسية والعسكرية المتوقعة من القمتين الطارئتين اما كإنتاج مباشر لهما أو غير مباشر قد يستغلها ترامب وادارته التي تتكون من اطر وكوادر صهيونية ، خاصة وان خيار الحرب الرابعة في المنطقة هو حلم نتنياهو وفاعلين اقليميين ، وخاصة كذلك ان صفقة القرن من لبنات أفكار نتانياهو كذلك ؟ وما تبني ترامب وادارته هذه الصفقة الا لدواعي مسرحية التمرير والقبول .

      والحلم في حرب جديدة قد أصبح يتلاقي مع قناعة استحالة تغيير النظام الإيراني من الداخل رغم العقوبات ، وهذا أيضا عامل إضافي يرجح أسوأ الاحتمالات ، وما سيتمخض عن القمتين قبل اقل من عشرة أيام ، وهي نتائج لن نتوقعها مباركة الحرب ، وانما قد تستغل إدارة ترامب ادانة العالم الإسلامي ايران كمبرر يعطيها شرعية الحرب الجديدة ، مثلما أعطت إحدى القمم العربية في القاهرة شرعية الإطاحة بصدام بعد ان تم إدانة احتلال الكويت .

      ومن خلال تلكم المقاربتين ، بدا لنا القلق من تزامن عقد القمتين الطارئتين مع احداث المنطقة العسكرية والسياسية ، مما تطرح هاتان المقاربتان كل الاحتمالات قائمة ، وعلى نفس الأهمية ، حرب رابعة – لا قدر الله – وتمرير صفقة القرن – لا قدر الله – الا اذا وافقت طهران قبول صفقة القرن ، وربما تكون الاساطيل الحربية الامريكية في المنطقة من هذا المنظور كقوة اجبار لفرض صفقة القرن ” سلما أو حربا ” .

      والسيناريو الأخير ، وهو الحرب ، شبيه الان بسيناريو غزو العراق عام 2003، فالمشهد الان ، تهديدات وتحشيدات عسكرية لم يسبق لها مثيل منذ غزو العراق للإطاحة بصدام – وفق رؤية بعض المحللين – وهي تتصاعد حتى يخيل للمراقب ان الحرب ستحدث بين ليلة وضحاها أو عند اية استفزاز أو انها تتنظر شرعية خليجية وإسلامية ، ولو وقعت الحرب – لا قدر الله – فالكل خاسر ، والضرر سيعم الكل .

      هل من صوت للحكمة سيخرج من القمتين الطارئتين المقبلتين ؟ رغم احتماليته الضعيفة ، الا أننا ندعو قادة القمتين الى إعمال العقل ، والى الرجوع الى عقلانية الحكمة الخليجية القديمة ، فقد كان ” فن التعامل مع ايران ” حكمة خليجية ، جنبت المنطقة ويلات حروب وصراعات كثيرة ، ولم تسمح بالتدخلات الخارجية فيها الا بالقدر الذي يصنع التوازن المسموح به لدعم الحكمة ، فسيادة الحكمة وفاعليتها ، تحتم توازنا حسابيا منطقيا في قوة الأطراف ، وهو ما آمنت به الحكمة الخليجية القديمة ، وبالتالي ، فقد كانت نتائجها ، تحييد قضايا الخلاف بعيدا عن التلويح بالحرب أو تغيير الأنظمة ، وجعل الخلاف مع طهران حول أراضٍ محتلة أو قضايا مذهبية .. في اطار الخلافات المتعايش معها الى مستوى رفيع من العقلانية السياسية .

      هذه العقلانية التي تنتجها الحكمة الخليجية للقادة المخضرمين ، قد جعلت ايران الشريك التجاري الثاني عالميا مع الامارات أولا والسلطنة وقطر والكويت ثانيا والسعودية والبحرين ثالثا ، من هنا نتوجه لقادة القمتين بالقول المشهور ” من اوتي الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا ”  فلا تفقدوا فن التعامل مع ايران ، فالحرب ان وقعت بين دولكم المتجاورة ستشعل النيران فيها ، تفجيرات الفجيرة والطائرات المسيرة قد هزت اهم عواصم الخليج الاقتصادية ، وارعبت اهم الممرات العالمية ، فكيف بحرب رابعة .

      هل نتوقع من القمتين ان يخرج صوت للحكمة يجنب المنطقة الدمار ويحافظ على الحدود الممكنة للاستقرار ؟ الامل ضعيف ، والسيناريو الأرجح انهما ستمنحان الشرعية بصورة او بأخرى لاستخدام القوة العسكرية أو الاكتفاء بإدانة ايران ، فقد يجد ترامب فيها الشرعية لو أراد استخدام القوة ، اللهم اصلح الشأن ، وجنب المنطقة ويلات الحرب ، واجعل تدبير كل من أراد لها شرا تدميرا له عاجلا وليس آجلا .. اللهم آمين .

      Source: atheer.om/archives/498903/%d8%…8%a9-%d8%8c-%d9%84%d9%83/