افعل شيئاً مختلفاً

    • افعل شيئاً مختلفاً

      لقد اقتبست هذه التسمية من الحكمة المؤثرة التي تقول:

      (من غير المنطقي أن تفعل نفس الشيء وبنفس الطريقة وتتوقع نتيجة مختلفة) وبمعنى مختصر آخر، إذا فعلت ما تعودت فعله فستحصل على ما تعودت الحصول عليه. فمتى يحدث الفرق ومتى يكون التغيير؟ يكون عندما تفعل شيئاً مختلفاً. فهّلا تفكّرت معي الآن بمغزى هذه العبارة الملهمة!



      المبدأ الأول: التغيير يبدأ من دائرة التأثير[1]

      الفكرة التي تقوم عليها دائرة التأثير بسيطة للغاية إلا إنها مؤثرة جداً, فهي دائرة تشمل كل القرارات والأفعال التي تقع تحت تأثيرك وحدك وتحتاج إلى قرار منك وحدك, دون انتظار التدخل من أي طرف آخر. بهذا تستمد قوتك من ذاتك وتوقف آهاتك, بدلاً من أن تضع يدك على خدك وتنتظر من الآخرين التدخل لحل مشكلتك أو المساعدة في حلها. وهذا هو ما يسمى بالمبادرة, ولك أن تقرأ في السير الذاتية للعظماء لتعرف حجم المبادرات التي قاموا بها خلال مسيرة كفاحهم ونجاحهم.

      فإذا كنت في وظيفة ما مثلاً ولا يعجبك الروتين الإداري والطريقة التي يدار بها العمل, فبادر أنت لفعل شيء مختلف يغير من مسار الأمور للأفضل, أما الشكوى فاتركها للآخرين. وليكن نصيبك العمل ونصيبهم الجدل فكما في الأثر ما ترك قوم العمل إلا أوتوا الجدل. فهم يجدون لكل مشكلة شخصاً ليلصقوها به, بينما تجد أنت لكل مشكلة حلاً.

      فربما كانت مبادرتك للإصلاح في العمل عن طريق كتابة مقترحات مرنة تضيف تحسينات على الخدمة التي تؤديها المؤسسة, وتتكفل أنت شخصياً بمتابعتها إذا وافق عليها المدير, وإذا لم تنجح فربما تقوم بعمل لوبي إصلاحي صغير في العمل, حتى لو قام بمشاركتك شخص واحد فقط, بأن تطورا من عملكم الشخصي وتقدما خدمة أفضل, لتكون أول قطرة في منبت الإصلاح, وتنتشر عدوى العمل الطيب هذه في الإدارة وتكونوا أنتم أصحاب المبادرة.

      وإن وجدت نفسك تعمل وحدك ولا أحد معك فلا تحزن واعلم أن الله معك (لا تحزن إن الله معنا)[2]وقل (كلا إن معي ربي سيهدين) [3]ولتسمع قوله سبحانه (إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا)[4] فبادر بالعمل. عليك الجهد وعلى ربك التكلان, وحين تحل المصائب وتختبئ رؤوس النعام في الأرض, قل أنا لها أنا لها, وكن كما قال الشاعر: إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا

      واهتد بقوله تعالى:

      (فإذا عزمت فتوكل على الله)[5]

      واعلم أن المبادرين في العالم قلة قليلة, وأقل منهم من يقومون بتغيير أنفسهم, ناهيك عن التأثير في المجتمع. فكما يقول عالم النفس الكويتي صلاح الراشد:

      إن أغلب الناس ينطبق عليهم قول فرويد (ولدوا هكذا وعاشوا هكذا وسيموتون هكذا). ذلك أن الإحصاءات تشير إلى أن نسبة من يقومون بتغيير أوضاعهم وسلوكياتهم للأفضل هم 3% فقط وأمّا بقية الـ 97% فهم من أهل الشكاية الذين ينتزعون قوة الاختيار والمبادرة من أنفسهم ويمنحونها للآخرين ويصنعون لأنفسهم حائط مبكى يقيمون عليه مأتماً وعويلاً.

      لقد آن الأوان أن تقول أنا مسؤول عن حياتي, وسأبادر باتخاذ قرار التغيير بنفسي. ولا تفكر في الناس كيف تتغير, فكر أنت كيف تتغير, كيف تغير أسلوبك في الكلام والتعامل؟ كيف تغير ردة فعلك تجاه الأحداث؟ كيف تستعد للفرص؟ كيف تتلقى حوادث القضاء والقدر؟ وكيف تبذل أسباباً أكثر في المنطقة الصحيحة وبطريقة أفضل؟ لا تنتظر وحياً ينزل لينتشلك, ولا فارساً ملثماً يأتي لينقذك, ولا مارداً يقول شبيك لبيك, ولا دعوات دور العجزة.

      تنبّه لهذه الحيل النفسية ولا تضع أسباب التغيير بيد غيرك, فإذا كنت تعتقد أن أستاذك سبب رسوبك أو جامعتك سبب تعثرك أو مديرك سبب شقائك, وأسرتك مصدر الجحيم والحكومة في جهنم وبأس المصير, وأمريكا شيطان والعرب كان يا مكان, وكل شيء بيد غيرك, ولا تريد أن تتحمل أي مسؤولية, إذن لن يتغير شيء لأنك تعتقد أنه ليس بيدك شيء ولا أنت مسؤول عن شيء.

      ماذا لو اعترفنا بأننا كنا سبباً في كثير مما حدث لنا ويحدث لنا في الحياة, فمواقفنا تجاه الأحداث التي مرت بنا كانت سبب نعيمنا أو شقائنا, وكلنا أخطأنا ونخطئ ونتعلم من مدرسة الحياة والأهم من ذلك أن نتحمل مسؤولية حياتنا.

      لذا تذكّر دائماً أنك صاحب اختيار في نطاق ما لديك من إمكانات أيّا كان حجمها, وأن أول طريق للحصول على ما ليس لديك هو ما لديك فعلاً, والشيء الوحيد الذي لن تصل إليه هو الذي لم تبدأ به بعد.

      والآن اجلس مع نفسك وفتش في دائرة تأثيرك واسأل ماذا يمكن أن أفعل لإصلاح الخطأ الفلاني أو لتحسين المهارة الفلانية أو الخدمة الفلانية.؟ ماذا يمكن أن أفعل؟؟

      هذه أبجدية لغة الأقوياء.!

      هم المؤمنون الأقوياء وغيرهم المؤمنون الضعفاء, هم اليد العليا وغيرهم اليد السفلى. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول(الناس معادن)[6] فما هو معدنك؟ ماس أم نحاس؟ ويقول (الناس كإبل مائه, لا تجد فيهم راحلة[7] (فأنت من المائه أم الراحلة؟ إخواني لنبدأ بالسهل اليسير ونصنع إرادة التغيير ولتتأملوا معي هذه القصة ففيها شيء من التبصير ببساطة العمل بدائرة التأثير.

      كنت أصلي بأحد المساجد أثناء دراستي بإحدى الدول العربية, وكان هذا المسجد يصلي فيه باستمرار اثنان من الحدادين ورائحة الحديد كما تعلمون ليست بطيبة وقد كان قدري أن يصليا بجانبي على الأقل كل يومين مرة واحدة, وكم كنت أتضايق جداً من الرائحة وأفقد تركيزي في الصلاة, وأبقى أتذمر كل مرة في نفسي وأنا أجري معهم حوارات تأديب بداخلي, فلا أنا ارتحت ولا هم سمعوني.

      حتى قررت أن أفعل شيئاً مختلفاً, لأحدث تأثيراً متجنباً الحلول التي ليست باستطاعتي لأفكر فقط بما أستطيع حتى اهتديت لفكرة مناسبة, وهي أن أهديهم في البداية عطراً ليتطيبوا منه وقت الصلاة, ثم أنصحهم بتغيير القميص وقت الصلاة واستبداله بآخر. ففعلت ذلك ورفعت عن نفسي الضيق وعنهم الحرج. فقد توجهت إليهم بعد انتهاء الصلاة وتمشيت معهم بعيداً عن المصلين والمسجد, وامتدحت فيهم حرصهم على الصلاة في المسجد وأخبرتهم بأني أحب الناس الذين يعملون بأيديهم, وكسبهم من عرق جبينهم, حيث أن الأنبياء صلوات الله عليهم كانوا يحترفون المهن ويأكلون من صنع أيديهم, ثم ذكرت لهم أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم كما في الحديث وأن النبي صلى الله عليه وسلم حث الناس على أن يكون لهم ثوب عمل وثوب صلاة, يقول جل جلاله في كتابه الكريم (خذوا زينتكم عند كل مسجد)[8]. فما وجدت من الرجلين إلا كل حب وترحاب وتبسم وشكروني وانصرفت. وعند العصر أهديتهم عطرين وقلت هذه هدية لكما لأني مسافر وتركتهم ومشيت, وإذا بهم يلحقوا بي إلى الباب ويشكرونني ويعرفونني بأسمائهم, فأصبحنا إخوة متحابين بعد أن أوصلت لهم رسالتي فقبلوها مني, ولم يكن هذا ليحدث لولا أني سألت نفسي ذلك السؤال الساحر، ماذا يمكن أن أفعل؟!

      يقول غاندي ملهم الهند: (كن أنت التغيير الذي تريده في العالم)، هذا الاعتقاد عند غاندي هو الذي جعله يقود الهند نحو التغيير والتحرير, حين أخذ يقلّب في دائرة تأثيره وهو يسأل ماذا يمكن أن افعل؟

      من السهل أن تكون جزءاً من المشكلة وتلطم خدك حسرة وندماً, والأفضل أن تفعل شيئاً لتغيير واقعك. لا تبكي على عاهة, عالجها وخطط وأنجز وعش حياتك, لا تتذمر من سوء المعاملة, تعامل أنت مع الآخرين أفضل معاملة وعلّم الآخرين فنون التعامل, لا تتحسر من روتين العمل الحكومي بل خطط وشق طريقك إلى العمل الخاص الذي تحبه.

      ويا أخت لا تكثري الشكوى من زوجك بل تعلمي أنت مهارات وفنون التعامل والعشرة الزوجية وعلميه عن طريق سلوكك كيف يقوم بها, واجتهدي في حياتك فبإمكانك أن تحصلي على التقدير والاهتمام أثناء نجاحاتك في الحياة فالتقدير ليس وقفاً على مصدر واحد.

      نقول هذا الكلام لأنه يأتي مصداقا لقوله تعالى ( لست عليهم بمسيطر)[9]

      وقوله (وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم)[10] و(ليس عليك هداهم)[11]

      فابدأ بنفسك وكن أنت التغيير الذي تريده في العالم, انطلق من دائرة التأثير, تعرف على مواهبك وقدراتك واستثمرها, اقرأ تعلّم, تدرّب, استشر, لاحظ, جرّب, غامر, صادق, وتأكد بأنه لا يستحق السعادة من لم يفعل شيئا للحصول عليها.

      ختاماً دعني استدعي همتك بقصة قصيرة.

      كنت أمشي قبل أيام مع صديقي في إحدى الحدائق العامة الجميلة وأثناء المشي وقعت أعيننا على مأساة أخلاقية قبل أن تكون بيئية, فلقد حول مرتادو هذا المكان الجنة إلى جحيم, حيث تركوا على عشبنا الناعم الأخضر, فحم شوائهم الأسود, وعلى بساط الأزهار علب المشروبات والفشّار, وكأنهم يلعبون دور البطولة في مسرحية كن متسخاً وتبجّح!! حاولنا أن نغض الطرف ونستمتع بالمشي لكننا لم نستطع لان الآهات كانت أكثر من الأنفاس, فقررنا أن نوقف هذا النحيب ونفعل شيئا مختلفا في حدود ما نستطيع, ولم تمض سوى أيام, حتى اشترينا سلالا كبيرة للقمامة ووزعناها في أرجاء الحديقة, لأننا اخترنا أن نكون جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة.



      يا رجال ونساء التغيير



      نستطيع أن نجلس على الأطلال ونذرف دموعنا أنهاراً ونلعن الظلام إلى الصباح ونقوم بنفس أعمالنا التقليدية من الصباح إلى الظلام ولكن بدلاً من أن نلعن الظلام... دعونا نشعل شمعة!



      تابع في العدد القادم، المبدأ الثاني: قوة الانطلاقة.


      [1] - أفضل من تحدث عن دائرة التأثير هو ستيفن كوفي في كتابه العادات السبع

      [2] - التوبة 40

      [3] - الشعراء 62

      [4]- الكهف 30

      [5] - آل عمران 159

      [6] جزء من حديث متفق عليه, مسلم 2526, البخاري 2439

      [7] جزء من حديث متفق عليه, مسلم 2547, البخاري 6498

      [8] الأعراف 31

      [9] الغاشية 22

      [10] النمل 81

      [11] البقرة 272


      نقلا من مجلة عالم الابداع،،،،