Source: alwatan.com/details/391290Alwatan كتب:
![]()
سعود بن علي الحارثي
نعم، هي عازمة على أن تأخذني بعيدا في طريق المجهول حيث المزالق والشراك والسقوط المدوي، وتستدرجني استدراجا لأرتكب الأخطاء وأقع في المحذورات والمحظورات وأقدم وأجرب وأتنعم بجميع ما أشتهيه من الملذات والشهوات والمغريات..
أراها تدفعني دفعا إلى طريق الهوى، إلى المزالق والشراك والأنفاق المظلمة، بل وتحرضني بقوة وثقة وجرأة مسنودة بشتى أنواع الأسلحة الهجومية من إغواء وإغراء واستدراج وأفكار مشككة ومؤثرات معيشية متعددة الأوجه، وممارسات وبدع ومواقف وتجاوزات وصور شتى يتبناها ويقلدها ويعتاد عليها قرناء لها مما تعشقه وتهواه وتتمناه وتجمله للسير على هداهم، وسائل وأدوات ومسالك وتحايل واستغلال وتوظيف للفرص واستثمار للمكانة والعلاقات وتنميق للكلمات تزلفا وتملقا، مثل وقيم ترفع شعاراتها في موقف ومكان وزمان يستدعيان ذلك، وتهوي سريعا متى ما اختلفت الظروف وتغيرت الأوضاع وحانت المكاسب الشخصية وتطلب جنيها التخلي عن مبادئ بالية ـ كما توسوس وتصوغ ـ وفي كليهما فالحجج والمبررات والذرائع والأسانيد معدة مهيأة لتلافي وتفادي واتقاء أية تأثيرات على شكل صحوة وقبس وتأنيب تتولد وتنشأ وتنبثق من عقل راجح وضمير يقظ وصديق مخلص، وفي عزيمة وهمة ومثابرة تلهب وتحمس وتهيج كل كوامن الضعف والوهن، وما جبل عليه الإنسان أو اكتسبه واعتاده من حب جم للمال وتعلق بالجاه، وهيام وهوى وتولع بالمظاهر تردفها بوساوس وخوف من المجهول وفقر وفقد للمكانة ولذائذ الحياة، ودعوة إلى اغتنام فرصة لن تتحصل ولن تتكرر لاحقا وتقديم نماذج لشخصيات بلغت شأوا عظيما وتتنعم اليوم بالمباهج ورخاء العيش وقوة النفوذ؛ لأنها كانت صلبة وشجاعة وقوية سارت على هذا الدرب دون تردد أو مبالاة، ولم يوقفها نص قانوني لا قيمة له في فكر وثقافة وروح أهل العزائم والطموح، ولا شعارات جوفاء يرددها العاجزون الخائبون ولا ترى في طريقها سوى تحقيق أهدافها وغاياتها، تهتدي بقول الشاعر الفطن: (إذا هبت رياحك فاغتنمها * فإن لكل عاصفة سكونا). نعم، إنها تؤلبني وترغبني وتدفعني دفعا شديدا لا يعرف الكلل ولا يعترف بالهزيمة، فماذا أنا صانع أمام تلك الحجج والبراهين والمسوغات والنماذج والصور والمشاهد التي تكثف وجودها وتحشد أسلحتها وتجري قدما للسيطرة على عقلي وضميري، ومحو وإماتة كل ما اكتسبته من مثل تأسست لسنوات على ضوء قبس يستمد نوره من بيئة وتربية وتعليم وقراءات؟ ماذا أنا فاعل أمام تلك التحديات والدفوعات والقوى وجيوش الترغيب والتحبيب والإثارة والتزيين التي تكاد تحكم قبضتها علي؟
وهل من خيار أملكه إلا الاستجابة والإذعان والانقياد والاستسلام لأسلحتها الصلبة المستحكمة التي تغرز أنيابها وتنقض على العوائق والموانع التي تتراجع أمام الإدراك العقلي الذي أكرم به الله الإنسان والوعي بمخاطر الطريق المدفوع نحوه والإيمان الديني والقيم الأخلاقية والتربوية التي تشربتها من البيت والمسجد والسبلة والمدرسة والكتاب… فهل من السهل واليسر أن أستسلم للنفس (الأمارة بالسوء)، وأقر بالهزيمة، وأتجاهل ما قيل من أن (الانتصار على النفس هو أعظم انتصار)؟ نعم، هي عازمة على أن تأخذني بعيدا في طريق المجهول حيث المزالق والشراك والسقوط المدوي، وتستدرجني استدراجا لأرتكب الأخطاء وأقع في المحذورات والمحظورات وأقدم وأجرب وأتنعم بجميع ما أشتهيه من الملذات والشهوات والمغريات، أشعر بعمق الصراع الداخلي الدائر بينها وبين العقل في جدل صاخب قوامه مبررات ومصوغات شتى وساحتها أنا القلق المتوجس الخائف المتقلب بينهما، تستدرجني النفس إلى أمكنة ومواقع، وتسول لي القيام بخطوات وتصرفات ورسم سياسات وإعداد خطط واتخاذ قرارات وتعميق علاقات، اقتناعي واستسلامي وموافقتي وإقراري تقودني إلى الانغماس في الملذات، والسقوط في جب الشبهات والفساد، والكفر والتخلي عن كل ما أُومن به وأعتقده وتمسكت به وارتضيته من قيم سامية وأخلاق عالية ومبادئ العزة والكرامة الإنسانية، ويقف لها العقل بالمرصاد رادعا مانعا صادا مدافعا سائسا حريصا على موقف صاحبه وعلى مكانته وعلى صون إنسانيته، وعلى أن يظل مثالا مثلما هو عليه في التمسك بالأخلاق والمبادئ والالتزام بما نصَّت عليه النصوص الشرعية والقانونية، والإبقاء على ذات المسافة القائمة ما بينه وبين المحظورات .. فلماذا أسير خلفها مستسلما منقادا لرغبتها وتوجهاتها وأفكارها؟ لماذا أساندها وأوافقها في مواجهة عقل حريص على مصلحتي موكل بحمايتي من المزالق، بمؤشره أزن ما يصلح شأني ويفسده، محاسب به عن جميع خطواتي وأعمالي؟ لماذا تضعف النفس أمام المغريات وتأخذ زمام المبادرة سباحة في تيارات الهوى؟ لماذا تزين للإنسان أخطاءه وتجمل له قبحه وتقوده سعيدا إلى حتفه؟ أوليست كرامة الإنسان وعزته ومواقفه الشجاعة وانتصاره إلى الحق والخير والعدل ومكانته ووقاره وصلاحه، وأعماله الفاسدة وشره في المقابل إنما تقرن جميعها بالنفس؟ ومتى ما صلحت النفس وقوي إيمانها وانتصرت في صراعها إلى كل ما فيه خير الإنسان صلح هذا الإنسان، ومتى ما فسدت وسارت على درب الشر واتبعت الهوى فسد، وضعف أمام المغريات وأخذته الحمية الجاهلية وانقاد خلف التعصب الأعمى..؟ أو ليست النفس هي الإنسان وعندما ننعته أو نصفه أو نشير إليه سلبا وإيجابا في سلوكه وأعماله وقراراته وأفكاره وإدارته نشير إلى النفس فننسب إليها الفضل في استقامته وخيره، أو نقذفها بالسوء عندما ينحرف أو يخطئ أو يقع في الشراك؟ ولكن ما هي هذه النفس التي وصفها البارئ بأنها (أمارة بالسوء)؟ ما ماهيتها وكيف لنا أن نعرفها ونتبين صلتها وتأثيراتها على الإنسان؟ إن فهم النفس وتعريفها وشرح حقيقتها لم يقد إلا إلى المزيد من الجدل والخلافات والالتباس والتشابك والمناقشات الساخنة بين التيارات الفكرية والمفكرين والعلماء والمختصين، صراع لم يهدأ ولم يتفق على رأي مشترك، فالنفس هي (النشاط الذي يميز الكائن الحي ويسيطر على حركاته)، و(القوة الخفية التي يحيا بها الإنسان)، والنفس هي أنا ذاتي وعندما أقول نفسي فأنا أخاطب أنا، والنفس هي المرآة الحقيقية التي تعكس أعمال الإنسان، تكشف لنا طبيعته وتعرفنا على سلوكياته وعاداته، وفي النفس قيل: (من قوي على سياسة نفسه ومجاهدتها، وقمع جماحها، ذلت له الصعاب، ومن عجز عن تقويمها، فلا يلومن من لا يستقيم له ذلك)، ويقول الشاعر العربي (والنفس كالطفل إن تهمله شب على ** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم). ويقول أحمد شوقي (صلاح أمرك للأخلاق مرجعه ** فقوم النفس بالأخلاق تستقم). فمجاهدة النفس والانتصار على وساوسها وما تزينه لنا من مغريات وارتكاب للأخطاء يمثل القوة الحقيقية للإنسان الخير والعدل والحب والجمال والإصلاح.سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com
النفس
- خبر
-
مشاركة
-
مواضيع مشابهة