دور وسائل الإعلام فـي تشكيل صورة الدولة

    • خبر
    • دور وسائل الإعلام فـي تشكيل صورة الدولة

      Alwatan كتب:

      محمد بن سعيد الفطيسي

      على ضوء ذلك، فإن السلطنة اليوم بحاجة إلى تعزيز دور الإعلام في الحياة الوطنية، بحاجة إلى تقوية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام الوطنية المختلفة في الدفاع عن مصالح البلد ضد كل من تسول له نفسه الإضرار بها من الداخل والخارج..

      الإعلام العماني عين الأمة الوطنية التي تشاهد بها ماضيها التليد وحاضرها القائم ومستقبلها القادم “المرآة التي تعكس منجزاتنا وتطورنا”( 1). العين التي يشاهد بها المواطن ما يحدث في الداخل الوطني والخارج الدولي، لذلك لا بد أن تكون تلك العين في أتم صحتها وعافيتها، وتلك المرآة في أحسن صفائها ونقائها، وإلا فلا شك لن تحقق الأهداف والغايات التي وجدت لأجلها، والأخطر من ذلك أنها يمكن أن ترتد سلبا على الداخل الوطني.
      الإعلام قوة وطنية، وسبب من أسباب “إسعاد وتثقيف المواطن ونقل الصورة الحقيقية لحياته الجديدة وآماله المرتقبة”( 2). إنه أداة لتقوية المناعة الداخلية، وتعزيز مكانة الأمة الوطنية بين الأمم في مختلف أرجاء العالم، وسلاح للوقاية والدفاع والهجوم. الوقاية من كل ما يمكن أن يهدد كيان هذه الأمة من أخطار فكرية وأوبئة ثقافية، ودفاع عن تراب هذا الوطن ضد كل من تسول له نفسه العبث به من الداخل والخارج، وسلاح هجوم يستخدم في وقت اللزوم ضد الأعداء في مختلف الحروب الإعلامية والنفسية. ولعل إدراك القيادات السياسية في كل دول العالم للدور الذي يلعبه الإعلام بمختلف فروعه في حياة الأمم والشعوب هو ما دفعها دائما إلى الاهتمام به بشكل كبير للغاية، ومن جميع النواحي والجوانب، كاختيار القيادات المناسبة له في كل مرحلة من مراحل الحياة الوطنية، وهي حقيقة لا بد أن تستوعب، فلكل زمان أفراده الذين يملكون خصائص العصر وأفكاره.
      ومع اختلاف الأفكار والتوجهات والمتغيرات الوطنية والدولية فإنه من الضروري أن يتم تجديد الدماء والأفكار لتواكب تلك التحولات، وأنه ليس من المقبول أن تستمر الأفكار التي يدار بها الإعلام بعقلية القيادات الكلاسيكية والتقليدية التي لا تواكب متغيرات العصر، وآمال الشعوب، وتعرف كيف تحول إعلامها الوطني إلى كيان وطني قادر على التعاطي مع مختلف الظروف والمتغيرات السياسية والاقتصادية والأمنية الوطنية والدولية.
      وفي هذا السياق يقول الرئيس الأميركي توماس جيفرسون “لو ترك الأمر لي للاختيار بين حكومة بلا صحافة، أو صحافة بلا حكومة لاخترت الثانية بلا تردد”( 3)، كما أن هناك جانبا آخر من جوانب الإعلام وهو “جانب الفكر الإعلامي الذي يجب ان يكون موجها، وهذا الجانب من الإعلام مهم جدا، لأنه عندما توجه الإنسان فقد توجهه إلى الصح أو إلى الخطأ، يجب أن يكون الهدف دائما هو التوجه الهادف، ولا شك أن الهدف دائما هو الإصلاح “( 4) كما أكد ذلك مؤسس نهضة عُمان الحديثة “طيب الله ثراه”. لذلك الإعلام سلطة، وأمانة، ورسالة، لذا “يجب أن يكون له مهمتان، الأولى هي نقل الحقائق كما هي وأن يكون صادقا في نقل هذه الحقائق، والمهمة الأخرى، إنه يجب أن ينقل الحقائق أكانت إيجابية أو سلبية بالصورة التي تكون ذات مردود مفيد على المستمع والرائي والقارئ، أكان هذا الإنسان داخل السلطنة أو خارج السلطنة” ( 5)
      على ضوء ذلك، فإن السلطنة اليوم بحاجة إلى تعزيز دور الإعلام في الحياة الوطنية، بحاجة إلى تقوية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام الوطنية المختلفة في الدفاع عن مصالح البلد ضد كل من تسول له نفسه الإضرار بها من الداخل والخارج، إعلام مسؤول يعرف كيف يتحول من أداة وقاية وطنية إلى أخرى دفاعية وهجومية وقت الحاجة، لأن هذا الإعلام هو إحدى أهم الوسائل والأدوات التي تشكل الصورة الذهنية للدولة العمانية.
      وإن كان من كلمة أخيرة تقال في هذا السياق، فهي أن المرحلة الوطنية الراهنة والنهضة الثانية التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ يجب أن تعمل على تقوية دور الإعلام في الحياة الوطنية، خصوصا الإعلام الإلكتروني، فهو لغة العصر والفكر، ولعل ذلك لن يتحقق من غير إعطاء مساحة أكبر للحرية الإعلامية في نقل الحقائق بكل وعي ومسؤولية ومساهمة في تعزيز دولة القانون. يضاف إلى ذلك ضرورة وجود قانون إعلام حديث ومتطور قادر على تحقيق أهداف وأدوار الإعلام والتعاطي معه في عالم متغير، سريع التقلبات، في بيئة أمنية داخلية ودولية تحتاج إلى مزيد من الحرص والرعاية والتركيز على توطيد أركان الاستقرار والأمن والسيادة الوطنية، هذا بالإضافة إلى أن يكون الإعلام صوت المواطن وعينه ولسانه.
      أخيرا، بات من الضروري كذلك أن يتم العمل على إعادة بناء هياكل ومؤسسات الإعلام الوطني بطرق حديثة ومتطورة، عبر مؤسسة إعلامية وطنية كبيرة وقوية ومتطورة تضمن تحقيق تلك الأهداف سالفة الذكر.
      اللهم احفظ عمان من كل كائد حاقد فاسد حاسد، وقيض لقائد نهضتها البطانة الصالحة التي تعينه على أمر دينه ودنياه وخدمة شعبه. اللهم آمين.

      ــــــــــــــــــــــــــــ
      مراجع
      1 ـ – خطاب حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس (طيب الله ثراه) إلى الشعب عبر التلفزيون بتاريخ 26 نوفمبر 1975
      2 ـ المصدر السابق
      3 ـ – د. مجدي محمود، قواعد القوة في الفكر السياسي المعاصر، دار الفاء للطباعة والنشر، الإسكندرية، ط1/2016م، ص 715
      4 ـ – من المؤتمر الصحفي الذي عقده حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس “طيب الله ثراه” مع أجهزة الإعلام والصحافة العمانية بتاريخ 22 أكتوبر 1985م
      5 ـ – المرجع السابق

      محمد بن سعيد الفطيسي
      باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
      رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
      azzammohd@hotmail.com
      @MSHD999

      Source: alwatan.com/details/391291