إبراهيم الفرعي
كانَ يمشي بتعالٍ ويتفاخر بقوتهِ وينتقلُ من جهةٍ إلى أُخرى؛ ليروي العطشى حسب خريطة مُسبقة تم التخطيط لها مسبقا، ويأخذ معه على طريقهِ ما استطاع أخذه وخاصةً ذاتَ الأوزان الخفيفة.
كانِ يترنحُ من جدولٍ لجدولٍ وكأنَ الشراب أثقلَ كاهله، لا يتوقف أبدا حسب الوقت الذي يتحكم به صاحبه، وإذا انتهى انتقل لصاحبٍ آخر ليداوي به قلوب أشجاره، ولا يتوانى عن ري الزروع وما همهُ أكانَ ذلك ليلا أم نهارا.
بمرورِ الأيام بدأت قواه تخذله، ولم يسعفهُ كبرياؤه ولا تعاليه، فدق ناقوس النهاية وتوقف الركام الثقال عن الهطول، ولوحَ أهالي الأخضر أياديهم مودعينهُ بأعيُنٍ دامعة وقلوبٍ مفجوعة، وهم يرون زروعهم تتهالك أمام ناظريهم ولا يلوذون على شيءٍ إلا الدعاء، وبكاء الأطلال.
دارت الأيام العجاف بل السنون، وهلكَ من هلك وقضى الأحبة نحبهم، واستطاع بعضهم أن يمد زروعه بماءٍ الآبار حتى تبقى على قيد الحياة ولو إلى حين، ومنهم من سلم الأرض للممات وهو حسير، حتى “إذا ضاقت حلقاتها” قدر الله هبة جُلى، وفضل لا يسعه المدى شُكرا؛ فتبدلَ الحال وتغير “المال” وها هو وكيل الفلج العم سيف بن سلطان البوسعيدي يُبشر أهالي الأخضر بالأيام السمان بمشيئة الرحمن.
بدأت حركة المياه تنبضُ شيئا فشيئا، ومنسوب الفلج يزداد يوما بعد يوم، وجدوله عاد ليكون وريد البلدة المزهو بممشاه المخملي الآسر، إذ يعبر السكة رواء لكل نبت وزرع، فحق علينا شكر نعم الله التي لا تحصى وآلائه التي لا تستقصى، حمد الشاكرين المعظمين لأمره وأقداره العادلة وصدق قوله عز وجل: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) وما بين “غمضة عين وانتباهتها” يظل الفلج مآلات حياة بين قحط وخضرة.


