يقدم أعمالا روائية مليئة بالدهشة والبحث والتقصي ..الكاتب خليفة سليمان :

    • خبر
    • يقدم أعمالا روائية مليئة بالدهشة والبحث والتقصي ..الكاتب خليفة سليمان :

      Alwatan كتب:

      - النظر بعمق فـي الموروث الاجتماعي دفعني للبحث عن علاقة بعض المتخيّل الشعبي بالواقع
      - هناك أفكار وأفعال وأقوال جدلية انتقلت عبر الأجيال دون الوصول إلى حقيقة يقينية عن مدى صحتها من عدمه
      - رواية «ثورة بورا» تبحث فـي مفهوم التغيير
      كتب ـ خميس الصلتي:
      الكاتب العماني خليفة سليمان، دائما ما يقترب من بيئته حيث تلك المفردات التي تجسد المجتمع وتداخل أفكاره وقيمه الإنسانية، مرورا بتلك الوقائع التي لربما تشكل إضافة نوعية لواقع السرد، حيث الدهشة والدخول إلى تلك العوالم غير المألوفة، وهنا ومن خلال إصداراته التي نحن بصدد الاطلاع على أحداثها، حيث روايتي «رقص المغاصيب»، و«ثورة بورا»، نلاحظ بروز معالم تلك العوالم التي تدعو القارئ أيضا إلى عدم ترك كل فكرة فيها مع التقصي والبحث والسؤال..
      رقص المغاصيب
      يقدم لنا الكاتب خليفة سليمان فكرة رواية «رقص المغاصيب»، التي تبدو محفزة للاكتشاف، وعلاقتها بالإنسان والأرض، وارتباطها بالواقع بخطوط واضحة، وهنا يقول في هذا الشأن: النظر بعمق في الموروث الاجتماعي دفعني للبحث عن علاقة بعض المتخيّل الشعبي بالواقع. كما أن محاولة الموروث الاجتماعي تفسير الموت أو المصير بعيدا عن المنطلق الديني كان نقطة أساس في انطلاق الفكرة. والحقيقة أن هناك كما هائلا من الأفكار والأفعال والأقوال الجدلية التي انتقلت عبر الأجيال دون الوصول إلى حقيقة يقينية عن مدى صحتها من عدمه. في رواية رقص المغاصيب انطلق من رؤية فلسفية قدمها العديد من الفلاسفة أمثال ابن رشد حول قدرة العقل على الاستدلال والتفكير، وهي رؤية تتناقض بلا شك مع بعض الموروث الاجتماعي المستند إلى الخرافة وعالم الأرواح والمعتقد الشعبي، والتي بدورها تركن إلى الغيب وتغيّب العقل والدين. كما يأخذنا بقوله إلى ركائز تفاصيلها، وهنا يشير إلى أن الرواية تقوم على مجموعة من الركائز أهمها تجارب الناس أو ما أصبح الناس على يقين بأنه معتقدٌ أو عُرف صحيح مع الزمن.. أو تلك الحكايات الشعبية التي يتناقلها الناس عن شهود عيان، ورغم وجود بعض الاتفاق على حدوثها إلا أن هناك اختلافا حول تفاصيلها، فكل يرويها بطريقته. من تلك الشهادات انطلقتُ في الكتابة، موظفا المتخيّل الشعبي في قالب روائي بعيدا عن حقيقة الشخوص ودون تحديد قطعي للمكان أو الزمان فالرواية ارتكزت ـ كما يقول خليفة كذلك ـ على بيان بعض التقاليد والمعتقدات والأعراف الشعبية الجدلية، كالسحر والحسد والزار والخرافة والعلاجات الشعبية التكميلية.. ومدى تأثير تلك المفردات على سلوك المجتمع وذات الفرد. في هذه الرواية حاولت الوصول مع القارئ إلى فهم أوضح لتلك المفردات، والبحث عن مدى استيعاب العلم الحديث لها وعلاقة ذلك بالدين أو بالطب.
      خطوط واضحة
      وحول ما إذا كانت تربط الواقع بخطوط واضحة يقول خليفة: من خلال الثيمة العامة للرواية وهي «المغاصيب» أو ما يطلق عليهم في بعض المناطق «المغايبة» هناك ثمة اقتراب من الواقع كون تلك المفاهيم والمعتقدات موجودة بين الناس ويتم تناقلها بين الأجيال دون الجزم متى حدثت أو لمن حدثت. كمية من نقاشات وقعت حول هذه المفاهيم، سواء حوارات مكتوبة أو حديث مجالس دون أن تنتهي تلك النقاشات إلى نتيجة نهائية، لتبقى تلك المفاهيم مبهمة. أعتقد أنه من المهم جدا أن يقترب الكاتب من الواقع وينقل صورة فعلية عن المجتمع وأفكاره وقضاياه. ربما لا يقدم الكاتب حلولا أو إجابات لبعض المفاهيم والأفكار الجدلية، ولكن مجرد إثارتها كفيل برفع الوعي لدى القارئ بضرورة فرز تلك الأفكار والمعتقدات والأخذ بالمناسب منها وترك ما لا يناسب. هي أيضا رسالة للمختصين، كل في شأنه، بضرورة البحث وتقديم تفاسير أكثر منطقية لتلك المفاهيم. في النهاية يجب أن يحمل العمل الأدبي رسالة، وأتمنى أنني قد وفقت في توصيل الرسالة. في رواية «رقص المغاصيب»، أيضا ثمة أحداث متداخلة، يشعر القارئ بتنقل غير مربك بين حيثياتها، هنا يوضح الكاتب خليفة استطاعته نقل تلك الأحداث بالصورة التي يبحث عنها ذلك القارئ، مع حرصه على تفنيد واقع التشويق ونقل ما في خلده ككاتب، وهنا يؤكد: الموروث الاجتماعي بلا شك مليء بالقضايا ذات الأبعاد المختلفة، المادية منها والشعورية. الاقتراب من الناس ومن قضايا موروثهم الشعبي يجعلك جزءا من تلك المنظومة الاجتماعية المتداخلة، ومن ثم تستطيع بما تملكه من أدوات كتابية التعبير عن تلك القضايا بطريقة مبتكرة، وإعطاء صورة مغايرة عن بعض المسكوت عنه في المجتمع دون الإخلال بأساسيات وفنيات الكتابة الأدبية، وبالتالي تستطيع أن تقدم عملا أدبيا متكامل العناصر من جهة، ومقبولا ومثيرا للقارئ من جهة أخرى. وبالرغم من توجس بعض القراء من الفكرة، كونهم قد سمعوا أو قرأوا الكثير عن تلك المفاهيم والأفكار إلا أنهم وجدوا شيئا مختلفا بين ثنايا الرواية. محاولة البحث عن الحقيقة وفتح الأبواب للبحث في ماهية تلك المفاهيم الجدلية ومدى صحتها أعطى بعدا مختلفا للرواية. الطرح الجريء لتلك الجدليات بين الدين والعرف.. بين العقل والغيب.. وبين الطب السلوكي والخرافة أعطى عمقا أكبر للسرد في الرواية. كما أن الصور السردية اقتربت من روح القارئ بشكل كبير لدرجة أن البعض شعر وكأن تلك الأحداث قد وقعت في قريته فعلا.
      ثورة بورا
      حول رواية «ثورة بورا»، قد يطرح المتتبع لتفاصيلها الكثير من الأسئلة حول ماهيتها وفكرة نشأتها، وهنا يفند خليفة: ثورة بورا رواية تبحث في مفهوم التغيير. التغيير الذي يستند على أيقونة «الثورة» كونها الطريق الأسرع لحدوث التغيير. الرواية تقوم على خلق مقاربة بين الواقع الذي يستند إلى الثورة في إحداث التغيير السياسي، والضمير الذي يستند إلى التمرد في إحداث تغيير الذات. ومثلما يصل الجمع من الناس إلى مرحلة رفض للواقع الاقتصادي مثلا، يصل الفرد أيضا إلى مرحلة رفض للسلوك الجمعي والأعراف والمعتقدات. ومن خلال أبطال الرواية الذين عاشوا جزءا من إرهاصات ثورة 25 يناير في القاهرة، نستطيع أن نتلمّس حاجة الفرد إلى إحداث تغيير مفاجئ في سلوك حياته، بالشكل الذي يمنحه مساحات أكبر من الحرية الذاتية ويخلصه من الوصاية أي كان نوعها.
      إيقاع نفسي
      المتتبع للرواية يلحظ أن الإيقاع النفسي حاضر وبقوة بين دفتيها، وهنا يصف خليفة ذلك الإيقاع، وحضوره أيضا مع المقتني للرواية: ثورة بورا اقتربت من الذات الإنسانية أكثر، لتغوص في أعماق الصراع الداخلي بين الممكن وغير الممكن، بين المقبول والمرفوض، بين الرقابة الإلهية والمجتمعية من ناحية وبين الرقابة الذاتية من ناحية أخرى. ارتكزت الرواية أيضا على موضوعية الأفعال التي ترافق نهج الثورة ومآلاتها، وبالتالي طرحت مجموعة من التساؤلات أهمها هل كل ثورة أو تمرد ناجح أو منطقي فعلا؟ تلك المرتكزات تحكمت في الإيقاع النفسي للرواية بشكل كبير. ومع تزايد حركة الشخصيات نحو الفعل ومحاولة كسر التابوهات تسارع الزمن النفسي للرواية، حيث يجد الأبطال أنفسهم محاصرين بفترة زمنية قصيرة، وهي مدة إقامتهم في القاهرة، في مقابل رغبتهم الكبيرة نحو القيام بأفعال كثيرة، فالكثير من القراء تفاعل مع أحداث الرواية بشكل جيد، كما تم تناول الرواية من قبل بعض النقاد وبعض الدراسات المتخصصة من جوانب عدة، كالحقول الدلالية واستخدام السرد المتقطع والإيقاع النفسي للحدث، مما كان له الأثر الإيجابي على نفسي كون العمل هو باكورة كتاباتي في مجال الرواية
      واقع روائي
      للكاتب خليفة سليمان رأي في الواقع الروائي في عمان، وأثر البيئة المتنوع في ذلك الواقع وهنا يشير بحديثه: النتاج الروائي في عمان غزير ومتنوع بتنوع البيئات وأساليب السرد والمدارس الأدبية. ومع تنوع الرؤى السردية للكتّاب في عمان أصبح لدينا مكتبة لا يستهان بها من الأعمال الروائية المتميزة، والتي أصبح البعض منها لا ينافس على المستوى المحلي فقط.. وإنما على المستوى الإقليمي والعالمي. ما ينقص الحركة السردية بشكل عام في عمان والروائية بشكل خاص، وجود حركة نقدية موازية، وذلك لأهمية النقد الأدبي في تطور الإبداع الكتابي. ورغم وجود بعض المحاولات النقدية من قبل بعض الصحفيين والكتّاب، إلا أننا ما زلنا في حاجة أكبر إلى أن تجد أعمالنا الإبداعية ميزانها الحقيقي في النقد.
      حول الكتابة والكاتب بشكل عام، ثمة علاقة تمهد وصولهما للقارئ بأساليب لا تخلو من الابتكار والتقنية، هنا يفصل خليفة سليمان تلك العلاقة التي يراها أكثر جذبا لذلك القارئ ويقول: أعتقد أن القارئ وهو شريك الكاتب في صناعة العمل الأدبي. القارئ هو من يحدث ذلك الضجيج المحفز للإبداع وهو من يصنع المواقف التي تبعث بالإلهام، لذلك دائما ما أحاول الاقتراب من المجتمع ومن الناس وقضاياهم، أحاول أن أستمد الفكرة من القارئ نفسه قبل الشروع في الكتابة. ومن متابعة شخصية وجدت أن القارئ غالبا ما يفضل الأعمال الأدبية التي تلامس واقعه وقضاياه، أو تلك التي تلامس شعوره وأفكاره، أو التي ترتبط ببيئته الاجتماعية سواء في الماضي أو الحاضر. أيضا أن ما يدفع القارئ إلى التفاعل مع العمل الأدبي بصورة أكبر هي الفكرة، ولذلك على الكاتب أن يشتغل على أفكاره بشكل متقن، مع ضرورة تكثيف بعض السمات في العمل الأدبي دون الإخلال الأسلوب الكتابي العام، ومن أهم تلك السمات الخيال، اللغة والصور الفنية. والحقيقة أن ما يثري العمل الأدبي أيضا هو قوة العاطفة التي تدفع بالقارئ إلى الاقتراب من النص أكثر وتحليله أو النظر إليه بزاوية قد تختلف عن المرجعية الفكرية للكاتب نفسه.

      Source: alwatan.com/details/392613