طلال ابوغزاله:
لقد أسهم دخولنا إلى عصر الرَّقمنة في التَّفكير في رقمنة العُملة.. فاخترعت أميركا، كما يشاع، عملة (البيتكوين:Bitcoin) ورمز لها بـ(BTC) لتصبح العُملة الرَّقميَّة المشفَّرة الأولى في العالم؛ هادفة من اختراعها استدراج أصحاب الأموال المشبوهة، ومراقبة مَن يتعامل بالسٌّوق السَّوداء، واستطلاع الرأي العام لاستحداث عملة رقمية.
ويُشاع أن (ساتوشي ناكاموتو) هو أو هم من اخترع (البيتكوين) ولا أحد يعرف مَن هو أو مَن هم! فلماذا شغلت (البيتكوين) العالم، وماذا استفادوا منها، وهل لها مستقبل؟
ولقد ذكرتُ التسارع في رغبة العالم للتحول إلى الرَّقمنة والعيش الذكي في كتابين، الأول بعنوان (العالم المعرفي المتوقد) الذي يعنى بالثورة الصناعية الرابعة، والثاني بعنوان (المستقبل الرَّقمي الحتمي) الذي تمم الأول نحو التوجُّه إلى عالم المدن الذكية، وقد بدت حقيقة ظاهرة، في زمن تتسارع فيه الأحداث نحو الفوز بمصنَّفات الذَّكاء الاصطناعي من أجل عيش أكثر سعادة.
ألغت البيتكوين(البيروقراطية) المعمول بها عند تحويل الأموال من فتح للحساب البنكي، وإقرار بمصدر الأموال، وإثبات هُوية المُحوَّل إليه، فلا يُشترط ذلك كلُّه! ولكن هل ثمَّة مشكلات جرَّها التَّعامل الرَّقمي بالعُملة الرَّقميَّة؟ نعم، ومن أبرزها عدم خضوع الشَّركات للنِّظام الضَّريبي، وعدم معرفة مصادر الأموال، وهُوية أصحابها ومَنْ ستُحوَّل إليهم.. أما زلنا بعد كلِّ هذا نعدُّ (البيتكوين) عملة تداول؟
أظن بأنَّها كذلك إذا وافقت أميركا، وهي صاحبة الولاية على أقوى عملة تداول في العالم، أي وافقت على استبدال قيم الدولار بها في التَّعاملات التِّجارية الرَّقميَّة، وهذا أمر مقبول الافتراض. ولكن هل ثمة مَن ينافس أميركا؟ نعم، إنَّها الصِّين؛ إذ وفَّرت أرضية تعامل تجارية بالعُملة الرَّقميَّة، واخترعت أشكالًا مختلفة منها، أهمها (اليوان الرَّقمي) وفي عام 2019 كان أربعة من كلِّ خمسة أشخاص في الصِّين يستعملون العُملة الرَّقميَّة، أي أنَّهم يتعاملون من خلال مؤسسات مالية رقمية في تبادلاتهم التِّجارية.
إذن، هو حلمٌ صيني بأن تتحرَّر من سيطرة أميركا ودولارها.. وقد خططت لذلك منذ زمن حين فرضت شرطها التَّعامل بعملتها وليس بالدولار إذا أرادت منظمة التِّجارة الدَّولية لها الانضمام.
ومنذ ذلك الوقت والحرب الاقتصادية لم تنطفئ بين العملاقين.. فأميركا من جهة فرضت تسعير النفط بالدولار، وكتبت اتفاقياتها الدَّولية به، والصين من جهة أخرى فرضت نفسها من خلال حجم التداول المالي الضخم لها على السَّاحة العالمية، وباتت تقف وجهًا لوجه مع أميركا، مما قد يُمهِّد الطَّريق لسحب البساط من تحتها، وبالتَّالي من تحت عملتها التي تكتسب قوَّتها منها.
وأخيرًا فما زالت العملة الرَّقميَّة الأولى، والأكثر شعبية، وانتشارًا في العالم هي (البيتكوين) التي هي تحت عباءة أميركا ودولارها، والذي لن يكتب لها الحياة إلا إذا أميركا أرادت ذلك، وبالتَّالي سيموت الحلم الصيني.
ويحمل التعامل الرَّقمي بالبيتكوين خطورة عالية؛ إذ لا توجد ضمانات للأرقام الداخلة إلى المحافظ، ولا لتلك الخارجة منها. وإن إغلاق أي منصَّة تداول رقمية سيغلق معها الأرقام المتداولة من خلالها دون أي ضمان! فليس ثمَّة احتياطي خاص بالبيتكوين، ولا من سياسات حاكمة لها، ولا قوانين أو مرجعيات. ولقد ولَّى عهد ضمان العُملة باحتياطي الذَّهب الذي يدعمها، ولم يَعد الذَّهب مادة احتياط، وضمان للعملات. إنَّنا في عصرٍ جديد.. قلب الطاولة رأسًا على عقب!
Source: alwatan.com/details/420296Alwatan كتب:
في آراء 3 أبريل,2021
نسخة للطباعة
