Source: alwatan.com/details/420472Alwatan كتب:
دول منتجة للقاح وباء كورونا، ودول أخرى مستهلكة له، دول تبيع اللقاح، ودول تشتريه، أسواق سوداء مفتوحة للمتاجرة بملايين الجرعات لمن يدفع أكثر ويتعاقد خارج إطار القانون والنظام، دول تعاقدت على شراء اللقاح ولم تحصل عليه رغم ذلك؛ لأن اللقاح ذهب إلى دول أو مؤسسات أخرى، ودول أخرى حصلت على اللقاح بكل يسر وسهولة ودون أي عوائق أو حتى تعاقدات، هكذا تم تحويل العلاقات والتبادلات بين مختلف أطراف العلاقات الدولية في زمن جانحة كورونا.![]()
محمد بن سعيد الفطيسي
السؤال: لماذا كل هذه الفوضى الحاصلة حول لقاح كورونا؟ لماذا تسبب لقاح كورونا بشرخ واضح في العلاقات بين الدول؟ لماذا قسم لقاح كورونا العالم إلى قسمين؛ قوي منتج يبيع ويتحكم بالسوق، وآخر ضعيف مستهلك يشتري بالكيفية والكمية التي يقررها القسم الأول؟ ولماذا أفرز لقاح كورونا أسوأ ما في العلاقات بين الدول؟ أقصد الأنانية والمصلحة المفرطة. أسئلة كثيرة لعل الإجابة عليها أسهل بكثير عند منظِّري العلاقات الدولية، خصوصا أصحاب النظرية الواقعية.
باختصار شديد، كل شيء يدور حول مفهوم القوة والهيمنة في النظام العالمي، القوة في السيطرة والتحكم بمصادر القوة نفسها، المال والثروة، أنظمة الحكم، وفي مختلف الجوانب الحياتية، وما يثير الاهتمام في هذا السياق “هو أن القوة لم تعد تقاس اليوم بالقدرات العسكرية، بل إن مفهومها يتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد بكثير حيث القوة والهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية وغير ذلك”.
بل وأصبح الأمر يتجاوز حتى الدول نفسها، فامتلاك القوة لم يعد يقتصر عليها فقط كما كان معروفا حتى وقت ليس ببعيد. فالقوة اليوم أصبحت مقسمة ومبعثرة على فاعلين لم يكن لهم أي مكانة في يوم من الأيام، كما هو حال التنظيمات والجماعات الإرهابية، كما تم مضاعفة مفهوم القوة عما كان قبل زمن من اليوم عند المؤسسات والشركات العابرة للحدود الوطنية، والأغرب من ذلك أن طبيعة القوة وتأثيرها لم يعد يحمل ذات الثقل والمعنى الذي كان معروفا لدى القوى الدولية السابقة، حيث نلحظ وجود دول تمتلك قدرات عسكرية، ولكن أمنها مهدد مثل الدول الكبرى كأميركا، بينما نجد أن دولا أخرى لا تملك ذات القدرات العسكرية ومع ذلك فإن أمنها غير مهدد كما هو حال اليابان، على سبيل المثال.
وبالعودة إلى لقاح كورونا تتأكد الصورة السابقة بشكل واضح، فدول كبرى كالولايات المتحدة الأميركية لم تحُلْ قوتها العسكرية أو حتى التكنولوجية دون تمركزها على رأس قائمة الدول التي اجتاحها وباء كورونا من حيث الإصابات والوفيات، في وقت نجحت فيه دول صغيرة ولكنها تملك رأس المال والعلاقات القوية بغض النظر عن أسلوب وطرق إدارتها لعلاقاتها الدولية من الحصول على اللقاح بنسب تجاوزت الـ60% من سكانها، وبينما بعض الدول تعاقدت مع مؤسسات صحية منتجة أو وسطاء للحصول على اللقاح، ولكنها وبالرغم من ذلك لم تحصل عليه كما توقعت، يلاحظ نجاح قوة سياسية أخرى في الشرق الأوسط أقصد “إسرائيل” في الحصول على اللقاح بكل يسر وسهولة.
دول تصنع اللقاح وتتاجر به وتهديه تحت شعار توطيد العلاقات الدولية، وأخرى تصنعه لتبيعه، بينما تتزايد أعداد الوفيات بين سكانها، ودول ثالثة تتاجر به خارج إطار القانون الدولي الإنساني؛ ما يؤكد ـ وبكل جلاء ـ أن النظام الذي ترتكز عليه قواعد العلاقات الدولية في مختلف الأنظمة الدولية هو نفسه لم تتغير إلى حد بعيد برغم التحولات وتعاقب الأنظمة والأفكار والتوجهات السياسية، حيث يبقى لمفهوم القوة والمصلحة الثبات في قواعد العلاقات الدولية.
نعم هي الواقعية الحاكمة، الثابت في قواعد العلاقات الدولية، حيث من يملك هو الذي يسود ويسيطر ويهيمن، ويبقى المستهلك رهينة الابتزاز والإخفاق والضعف والانقياد إلى الأقوياء والدول الكبرى، ويبقى المال والثروة والسلطان فوق الإنسان والأخلاق والمثالية، رغم إيماني الشخصي بأن للأخلاق والمثالية دورا مهمًّا وقويا في بناء وتنظيم وتسيير هياكل النظام العالمي والعلاقات الدولية.
وكما يؤكد ذلك هانز مورجنتاو الذي يُعد مؤسس النظرية الواقعية كقواعد ومنهج يدرس بقوله “مفهوم المصلحة المعروف بوصفه قوة يفرض نظاما فكريا على المراقب، ويحقن نظاما عقلانيا في موضوع السياسية، بالتالي يجعل الفهم النظري للسياسة ممكنا، أما من جانب اللاعب فإنه يوفر نظاما عقلانيا في التصرف ويخلق تلك الاستمرارية المدهشة في السياسة الخارجية التي تجعل الأميركيين والروسيين والبريطانيين يبدون أذكياء، كما يخلق استمرارية عقلانية منسجمة مع ذاتها داخليا، بغض النظر عن البواعث المختلفة، وأشكال التفضيلات والصفات الفكرية والأخلاقية لرجال الساسة المتعاقبين”(1)
ـــــــــــــــــــ
مراجع
1 ـ د. جوانيتا الياس، أساسيات العلاقات الدولية، ترجمة: أ.د. محيي الدين حميدي، دار الفرقد، دمشق، ط1 / 2016م، ص 64
لقاح كورونا يؤكد ثبات النظرية الواقعية في العلاقات الدولية
- خبر
-
مشاركة