رحاب: استعادة الفردوس

    • خبر
    • رحاب: استعادة الفردوس

      Alwatan كتب:

      د. أحمد المعشني

      تساءلت أين كان كل هذا الجمال؟ يا إلهي نحن في بداية الربع الأول من فصل الصيف في جبال ظفار، تتلظى الأرض حرارة وفي نفس الوقت تتلقى بنسمات هواء بارد يمتزج بزقزقة العصافير ونقنقة الحجل العربي وهديل الحمام الذي كان يرافقنا ونحن نتوغل سيرًا بين العيون المائية الصغيرة والينابيع والمسارب التي تحيط سد وادي حزيم شمال وادي (صيلال) بولاية طاقة.
      التقينا بالشاب سهيل العوائد الذي لم يكتف بإكرامنا بحليب النوق الطازج، بل شرح لنا معالم المكان وأرشدنا إلى مسالكه التي توصلنا إلى العيون والينابيع المائية المتناثرة في أنحاء متفرقة ومتقاربة من الوادي.
      طفنا بتلك العيون التي تنتشر على شفتي الوادي الصغير، على يمينه وشماله، تتناثر أشجار التين البري
      (لطيق) وأشجار (الثومر) الأكاسيا، وتتوزع كثير من الكهوف التي كانت مأوى للناس والحيوانات في العصور السابقة، ثم تحولت إلى معالم سياحية في الوقت الراهن.
      تنثال مياه تلك الينابيع الصغيرة بكميات متفاوتة، بعضها يسيل وبعضها يثعب والبعض الآخر بالكاد ترى قطرات مائه تتساقط بهدوء عبر الصخور.
      ما أجمل هذه البقعة التي انطلقنا إليها أنا وصديقي الدكتور سعيد بن علي تبوك في تمام الساعة السادسة والنصف صباحا بدأنا مشوارنا بالسيارة من صحلنوت بصلالة، ووصلنا إلى قرية (فيقيتي) التي تقع جنوب مدينة الحق.
      ركنا سيارتنا في مكان ينحدر إلى جهة الجنوب الشرقي من القرية، وبدأنا مشوارنا باتجاه وادي (غيضت).كانت الرحلة ممتعة جدًّا، تنقل تفكيرنا وتلون مشاعرنا وتعطينا إحساسًا، كما لو كنا نرتاد كوكبًا آخر في حياة حالمة.
      كل شيء من أمامنا ومن حولنا ومن خلفنا يسجل لحظات ميلاد روحي وعقلي ونفسي غير مسبوقة، نشعر بأننا في رحلة لاستعادة الفردوس بعد أسبوع من عمل صارم تتخلله أخبار وتحذيرات وإجراءات احترازية للوقاية من كورونا.
      خرجنا من شعب (إماهيتا) ويعني وادي العيون المائية، وصعدنا قليلا نحو الهضبة التي تقودنا إلى وادي
      (غيضت) شعرنا بجهد الطلوع، ثم مشين مستمتعين على مسطحات ذهبية تغطيها الحشائش والأعشاب اليابسة، وترعاها الأبقار فتزيدها فرادة وجمالًا.
      بدأنا نرى بطون الوديان التي تلتقي في عين (غيضت) وتزحف بقوة نحو وادي دربات، يستطيع من يتمتع بحاسة شم قوية أن يشم أزهار شجرة الأكاسيا (ثومر) حيث يكسو بياضها الناصع صدور الجبال وشرفات الأودية، وينتهز السكان هذا الموسم فيوزعون مناحلهم في تلك الأماكن لجمع عسل (الثومر) المعروف بحلاوة ذوقه وقيمته الشفائية العالية، تابعنا سيرنا مستمتعين وقد بدأ الحر يشتد رويدًا رويدًا، ولكننا استطعنا أن نسبقه في الوصول إلى العين.
      سبق أن زرت هذه العين مرات كثيرة بالسيارة، ولكنها المرة الأولى التي آتي إليها راجلًا، هنا تلتقي المياه الجوفية من وديان وشعاب كثيرة عند سقوط الأمطار وجريان السيول.
      تبدو العين الواسعة كعين حسناء تحيطها أهداب خضراء وبيضاء من جميع جوانبها، عين من الجمال والروعة، وهناك اخترنا مكانا يتيح لنا الاستمتاع بخرير الماء المتدفق بقوة من العين، والنظر إلى البحيرة الصغيرة التي تمتد إلى الأسفل من مكان استراحتنا، ولم نكد نجلس ونضع حقائبنا حتى أقبل علينا شابان من المنطقة اجتذبتهم العين كحالنا، نحن مجذوبون إلى الطبيعة التي نستعيد من خلالها طفولتنا ونبحث فيها عن صورة الفردوس الذي لا يزال يسكن أفئدتنا وأرواحنا منذ أن خلق الله أبينا آدم وأسكنه الجنة.

      * مؤسس العلاج بالاستنارة ( الطاقة الروحية والنفسية)
      رئيس مكتب النجاح للتنمية البشرية

      Source: alwatan.com/details/420619