في العمق: حرائق المنشآت السكنية الموت الصامت الذي يجب إيقافه

    • خبر
    • في العمق: حرائق المنشآت السكنية الموت الصامت الذي يجب إيقافه

      Alwatan كتب:

      د. رجب بن علي العويسي:
      مع قدوم فصل الصيف، والتوقعات بارتفاع درجات الحرارة وما ينتج عنها من حوادث مختلفة، لعلَّ من أكثرها شيوعا وانتشارا ما تفجعنا به الأخبار من حوادث حرائق الصيف عامة وحرائق المنشآت السكنية بشكل خاص، والتي تستدعي اليوم مراجعة جادة لمنظومة السلامة المنزلية وبناء السلوك الآمن، وعبر تعزيز نظم الوقاية وإجراءات السلامة واشتراطات الأمان المنزلي لمنع وقوع مثل هذه الحوادث، والمخاطر الناتجة عنها على مستوى الأفراد والممتلكات، وبات الأمر أكثر إلحاحا في ظل تعدد مسببات هذه الحوادث، وتنوع الأسباب التي تقف خلفها، والتي مع مزيد من الجدية والاهتمام والحرص والمتابعة والعزيمة والإرادة سوف تتلاشى عن واقعنا، وسيتم التغلب عليها.
      ومع أن الحرائق عامة وحرائق المنشآت السكنية خاصة أصبحت تحدث بصورة مستمرة في مختلف الأوقات والظروف؛ إلا أن التوقعات باتساعها وانتشارها وزيادة الآثار الناتجة عنها في الصيف أكثر من أي وقت مضى، ناتج عن طبيعة الجو ذاته، وتهييج درجة الحرارة الخارجية المرتفعة لها في هذه الفترة، بالإضافة إلى توقع استمرار الخطر نظرا للاستخدام اليومي لهذه الأدوات والتعامل الدائم مع هذه التوصيلات والأجهزة الإلكترونية والكهربائية، والتي تصبح مع كثرة الاستخدام ومرور الوقت واستخدام التوصيلات غير المضمونة أو التقليدية، يجعلها عرضة للتلف وسوء الاستخدام، وتتطلب المزيد من العناية في آلية التعامل معها، ذلك أن وجود أجهزة الآيباد والهواتف المحمولة في يد كل طفل وتعددها في الأسرة الواحدة، التي أصبحت اليوم من الضرورات في نظام التعليم عن بُعد، والحاجة إلى وضع هذه الأجهزة في الشاحن الكهربائي في وقت الليل أو في أثناء النوم لاستخدامه في وقت الصباح، من الخطورة بمكان أيضا نظرا لأن أغلب هذه الحرائق تحدث في أوقات الاستراحة العائلية (منتصف الليل وحتى الفجر)، وهو ما يضع ولي أمر الأسرة والكبار فيها أمام متابعة هذا الأمر، ومنع الإبقاء على هذه الأجهزة في وضع التشغيل في غرف النوم أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى استنشاق الدخان والاختناق الذي يودي بحياة الأطفال والأسرة.
      لقد أفصحت السنوات الماضية عن حوادث حرائق مميتة، أسدلت الستار على حياة أسر بأكملها بين أنقاظ الرماد، وأعادت إلى الأذهان بعض الحوادث التي ذهب ضحيتها الأبرياء من الأطفال والنساء والكبار، وأتت النيران فيها على الأخضر واليابس، وعلى الرغم من أن حالات الحرائق بكل أنواعها شهدت انخفاضا في السنوات الماضية حيث بلغت في عام 2018 (4602) وتراجعت في عام 2019 حيث بلغت (3864) حادثا، وسجلت في عام 2020م (3409) بانخفاض بلغ (455) حادثا، مسجلا بذلك انخفاضا وقدره 12%.؛ كما أن حوادث الحرائق بالمنشآت السكنية شهد أيضا انخفاضا في عدد الحوادث، حيث تشير إحصائيات الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف إلى انخفاض في حرائق المنشآت السكنية، وبمقارنة الحوادث الواقعة على المنشآت السكنية بين عامي 2018 و2019 يلاحظ وجود انخفاض وقدره (138) حادثا، حيث تم تسجيل (1335) حادث حريق في عام 2018، مقارنة بـ(1152) حادثا في عام 2019؛ ومع وجود هذا الانخفاض إلا أن أعداد حرائق المنشآت السكنية ما زالت تمثل رقما صعبا، في ظل ما نتج عنها من وفيات وأضرار بالمنشآت السكنية، وبالتالي الحاجة إلى الوصول بهذه الحوادث على درجة الصفر ومنع وقوعها في المجتمع وتكاتف الجهود من أجل الحيلولة من حدوث ما لا تحمد عقباه.
      عليه، لم يعد الأمر يحتمل التأخير، ولم تعد مسألة توفير الاشتراطات اللازمة لسلامة الأرواح والممتلكات حالة مزاجية بين أبناء المجتمع، كما لم يعد ذلك مرهونا بقدرة الأسرة على توفير هذه الاشتراطات والمتطلبات؛ بل يجب أن تتجه الجهود إلى تبني سياسات وطنية تدعم المجتمع في تبني هذه الاشتراطات والالتزام بها، بالإضافة إلى تشريعات وبرامج ومبادرات عمل جادة، تشجع المجتمع بأفراده وأسره على وضع السلامة المنزلية أولوية أسرية واجتماعية، وتشجيع المجتمع على تبنِّي برامج تطوعية تستهدف بناء ثقافة السلامة والأمان لسلامة الأرواح والممتلكات والحدِّ من هذه الحوادث ومنع مسبباتها، وتهيئة المجتمع بأفضل الممارسات الإيجابية التي يجب أن يتجه إليها في أثناء وقوع الحادث، والطرق الصحيحة لمنع وقوع هذه الحوادث، منطلقا من التشريع الإسلامي وتأصيل القِيم الدينية في الوقاية والالتزام، والمحافظة على النفس واتباع أسس السلامة ومعاييرها، وفي الوقت نفسه تبني منهجيات متوازنة في الخطاب التوعوي والتثقيفي الإعلامي المؤسسي المتخصص في رسالة السلامة في الحدِّ من حوادث الحريق، بحيث تتجه عملية التوعية وبرامجها لمختلف فئات المجتمع، الكبار منهم والصغار، والرجال والنساء، وعمّال وعاملات المنازل في التعامل مع الحريق، ولا يكفي فقط توفير الأجهزة التي تمنع الحريق أو تكشف الحرائق، بل في الاستعداد الذهني والنفسي للمجتمع في التعاطي مع الحوادث الحرائق في حالة حدوثها؛ فإن أكثر المخاطر والإصابات تنتج من حالة الاندفاع والارتباك والصراخ في التعامل مع الحريق، وعدم القدرة على التصرف وضبط النفس في المواقف الحرجة، لذك تأتي أهمية تثقيف المواطن والمقيم بالإجراءات التي عليها أن يتبعها في حالة حدوث حريق، والأولويات التي يجب أن يعمل عليها لتدارك امتداد تأثير الحريق في المنشأة السكنية، وتقديم سيناريوهات متعددة تضع الجميع أمام إدراك واع بالمسؤولية التي يجب أن يقف عليها في هذا الوضع، وأن ترافق عمليات التوعية والتثقيف والمتابعات المستمرة للجهات المختصة، تدريب أفراد المجتمع على عمليات الإخلاء والتعامل مع الحرائق وكيفية المحافظة على سلامة الأفراد في هذا الجانب، وتبنِّي حملات توعية مستمرة تبدأ بفترة مبكرة قبل الصيف في تهيئة المجتمع نفسيا وفكريا في التعامل مع حوادث الحرائق، لتتجه عملية التوعية والبرامج إلى دور شركات الكهرباء ومسؤوليتها في تبصير المواطن بهذه الإجراءات والإرشادات، وتوفير الأجهزة المأمونة للكشف عن الحريق بأسعار رمزية.
      وبالتالي تبقى المسألة اليوم مرهونة بمدى وجود وعي مجتمعي بما يسببه الإهمال والتراخي وعدم المبالاة في التعاطي مع أسباب ومسببات الحرائق المنزلية والوقوف عليها وإدراك مخاطرها، والقناعة بما يجب على الفرد والأسرة أن تتخذه من إجراءات وتدابير، وتلتزم به من اشتراطات، في ظل حوار يبدأ مع الأطفال في التعليم ما قبل المدرسي والمدارس ويستمر لمراحل دراسية عليا، وعبر تبنِّي برامج تعليمية توعوية وتثقيفية مستحضرة أكثر الأسباب التي تؤدي إلى هذه الحوادث (استخدام شاحن الآيباد والهواتف المحمولة) وعبر تنفيذ برامج توعوية وتثقيفية تتناسب مع مختلف الأعمار وتتكيف مع البيئات المنزلية التي يعيش فيها الأطفال، وتفعيل المنصات الإعلامية والتواصلية والتعليمية في تقديم منتج توعوي عبر الفيديوهات واليوتيوب التي تبرز أفضل الممارسات في حياة الأطفال بكيفية المشاركة في إنقاذ أنفسهم وأسرهم من خطر الحريق، وكيف يمكن أيضا أن تسهم الممارسات غير المسؤولة والعادات غير الصحيحة في نشوب حريق أو دمار منزل وخراب بيت، وبالتالي تعدد البدائل الترويجية والتسويقية التي يمكن أن توظف في هذا الشأن، وأن تكون منظومة السلامة العامة والشخصية إحدى المفردات التي تدعم بها مناهج التعليم ـ وعبر جهود الهيئة العامة للدفاع المدني في تنفيذ برنامج الإخلاء في المدارس والمؤسسات التعليمية ـ بالإضافة إلى برامج توعوية للأسرة والإرشادات التي تتبعها في التعامل مع التوصيلات والأجهزة الكهربائية وإغلاق غاز الطبخ، مثل “برنامج توعوي للتأكد من إغلاق الأجهزة قبل النوم وتشجيع الأبناء على ذلك”.
      من هنا تأتي أهمية تضامن الجهود الوطنية وتفاعلها، بحيث تتجه نحو البحث عن أدوات أكثر ابتكارية ترتبط بسلوك الإنسان اليومي، عبر بناء علاقة مع الإنسان نفسه مستخدم هذه الأدوات والأجهزة والحوار معه والتأكد من حصوله على هذه الجرعات التثقيفية، والقناعة بها والإيمان بمسؤولياته نحوها، فبالإضافة إلى ما تقدمه الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف من نصائح مستمرة في الوقاية من حرائق المنازل، يبقى الحس الاجتماعي، والتزام أفضل الممارسات الإيجابية في الوقاية والسلامة، وتكثيف البرامج التوعوية والتثقيفية والمراجعات الدورية الإلزامية لأنظمة الأمن والسلامة في المنازل، وإجراء المسوحات التشخيصية والتقييمية المستمرة التي ترصد مسببات وقوع هذه الحرائق والإفصاح عنها بكل شفافية، وتشجيع الخبرات الوطنية نحو ابتكار وإنتاج أدوات الأمن والسلامة وإتاحتها في السوق وفق معايير عالية الجودة؛ الطريق لضمان الحدِّ من انتشار هذه الحرائق والوقوف عن ملابساتها أولا بأول.
      أخيرا، وحتى لا تتكرر المآسي المؤلمة، وتزهق الأرواح البريئة، بفعل حرائق الصيف التي طالت الممتلكات، وأزهقت أرواح أسر بأكملها، والتي شبح مظلم يدق ناقوس الخطر بما خلَّفته من فواجع وتركته من أحزان، لتؤكد في الوقت نفسه على أهمية مراجعة هذا الملف والوقوف عليه، وإعادة هندسة عملياته وفق مستجدات الحالة والظروف التي باتت تصنعها، كما آن الأوان لتشريعات تحفظ الحياة، وتمنع الممارسات الخاطئة والإهمال وعدم المبالاة التي تسببت في هذه الحرائق، فلنكن يدا واحدة في الحدِّ منها، من أجل حياة آمنة، وبيوت مطمئنة، وصيف خالٍ من حوادث الحرائق.

      Rajab.2020@hotmail.com

      Source: alwatan.com/details/421790