Source: alwatan.com/details/421797Alwatan كتب:
علي بدوان:
نمت وترعرعت أجيالٌ حزينة في عموم التجمعات الفلسطينية (مخيمات ومناطق) في دول الطوق (سوريا + لبنان + الأردن)، تفتّح وعيها على أفقٍ ممدود ومثقل بمرارة الماضي وبالأحزان والهموم، تُحيط به الخرائب والمآسي وتُحاصره الأسئلة الصعبة، وقد هَرِمت تلك الأجيال التي وصلت قبل نحو سبعين عامًا من فلسطين إلى تلك الدول، وهي تحمل حصيلة مأساوية لعمر حزين كاد ينقضي دون أن تحقق حلمها الموعود بالعودة إلى فلسطين، إلى يافا، وحيفا، وعكا، وصفد، واللد، والرملة… لكنها بالمقابل أضافت زرعًا جديدًا من دفق الأجيال الجديدة التي أنجبتها، وهي تحمل الراية وتسير بها بإرادة أقوى وأوسع وأشد تصميمًا على العودة إلى فلسطين مما حمله الجيل الأول والثاني من نكبة فلسطين.
لقد التصقت كلمة (مخيم) في القاموس العربي الحديث والمعاصر باللاجئ الفلسطيني، ولم تلتصق تلك الكلمة بالمخيم الكشفي أو بالمخيم السياحي كما هو مُتعارف عليه عمومًا. فحكاية النكبة واللجوء ترافقها على الدوام حكاية المخيم، أو التجمع الفلسطيني، لتصبح حكاية المخيم وكلمة المخيم “احتكارًا فلسطينيًّا بحتًا”، وجزءًا أصيلًا من التاريخ السردي الشفهي والعملي الحي الملاصق والمرافق لدراما نكبة فلسطين، منذ أن أُشتقت تلك الكلمة وباتت تميّز الحالة الفلسطينية في الشتات وحتى في الداخل المحتل عام 1967 حيث تتواجد نسبة عالية من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات قطاع غزة والقدس والضفة الغربية.
وعليه، التصقت كلمة (المخيم) بقاموسنا العربي الحديث والمعاصر بنكبة فلسطين وضياع الوطن الفلسطيني، وتشرّدِ أكثر من (65%) من شعب فلسطين في دياسبورا المنافي والشتات. لتصبح كلمة (مخيم) كلمة فلسطينية بامتياز وذات دلالات قاطعة، فالمخيم هو الحاضنة، وهو العنوان الكفاحي والرمزية للشعب الفلسطيني، حتى لو كان من طراز مدينة عامرة كمخيم اليرموك ـ قبل ما حل به من دمار في المحنة السورية ـ والذي بات في حقيقته مدينة كبيرة تتبع مدينة دمشق مباشرة كحي من أحيائها، تتوافر داخله كل مقومات الحياة المتوافرة في المدن، حتى في إطار الخدمات والبنية التحتية، والأهم من كل ذلك أن مخيم اليرموك كان وما زال مخيمًا معطاءً على صعيد الحركة الوطنية الفلسطينية منذ بواكير تَشكُلها بعيد النكبة، ومنذ مشوارها الكفاحي فجر العام 1965 وحتى اللحظة الراهنة، ليصبح عاصمة الفلسطينيين في الشتات، يَبتَسمُ لجميع من يلج داخله عندما تَعبس المدن الكبرى.
لقد ارتسمت علامات المخيم الفلسطيني وفرادته منذ بواكير النكبة الأولى، فبنى اللاجئون الفلسطينيون الذين “يتمتهم النكبة” فلسفتهم الخاصة في حدود المخيم الفسيحة في عمقها، ومن رقعته الجغرافيا الضيقة إلى الحدود غير المتناهية من التفاؤل والحلم المشروع، فباتت ذاكرة أجيالهم المتعاقبة ومنذ (الأسنان اللبنية) أشد التصاقًا في الوعي الخلفي ومخزون الوعي الحاضر، حيث سيرة المخيم وأهل مخيم اليرموك من أبناء لواء الجليل من صفد والناصرة وعكا ولواء حيفا ولواء اللد وغزة.. والتموج القزحي الذي يلون ساحات المخيم وشوارعه ومدارسه… وحتى دكاكينه، حاملًا أسماء فلسطين وراياتها من رأس الناقورة حتى رفح، ولا يغيب عن البال الشهداء من محمد الجمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي، وعز الدين القسام، وصولًا إلى عرفات ووديع حداد وكنفاني وخليل الوزير وطلعت يعقوب وفتحي الشقاقي وأحمد ياسين وجهاد جبريل… في الذاكرة اللبنية، المحمولة داخل وعي أبناء مخيم اليرموك، وعلى أجساد غضة طرية بريئة، اندمجت وانحفظت مشاهدها في الصور القديمة للتجمع الفلسطيني الذي أسماه مفتي فلسطين المرحوم الحاج محمد أمين الحسيني (مخيم اليرموك) عندما نشأ عام 1954، حيث الكم البشري من هذا الجيل الفلسطيني، ومؤسسات الرعاية الإنسانية تساعد على حمل تنوء به الجبال، من وكالة الأونروا إلى الاتحاد اللوثري العالمي إلى مؤسسة اللاجئين، وبطاقة الإعاشة الموزعة من قبل وكالة الأونروا.كاتب فلسطيني ـ مخيم اليرموك
محنة المخيم الفلسطيني
- خبر
-
مشاركة
