أحمد صبري:
أثار الانفتاح العراقي على محيطه العربي عبر زيارات واتفاقيات اقتصادية وأمنية مع عدة دول وازنة في منظومة العمل العربي المشترك أثار جملة من التساؤلات حول جدية هذا التحرك واشتراطاته؛ في وقت يهيمن على القرار السياسي في العراق ومفاعيله واتجاهاته قوى وأحزاب سياسية على الحكم غير متحمسة لأي تحرك جاد لعودة العراق إلى محيطه العربي الذي يعاني هو الآخر عبر التدخلات الخارجية التي أصبحت مصدا أمام أي محاولة لتفعيل هُويته العربية.
وأمام هذا الحاجز ما هي فرص نجاح فك ارتباط العراق من أنياب المشاريع الخارجية التي تتقاطع من وحدة المصير والأمن القومي العربي؟ وهل تقاطع المشروعين “العربي والخارجي في العراق سينعكس سلبا على جهود الساعين لحفظ هُوية العراق العربية وعمق ارتباطه بمحيطه العربي؟
ونزيد على ذلك بتساؤل آخر: هل اشتراطات نجاح الانفتاح العراقي على محيطه العربي مرهونة بنتائج المفاوضات الإيرانية الأميركية حول الاتفاق النووي وترسانة مخزونها من الأسلحة ووضوح موقف الإدارة الأميركية الجديدة في التعاطي مع القضايا العربية وتحديدا مع العراق؟
والإجابة عن ذلك تكمن بتفعيل ودعم أي مبادرة جادة وحقيقية لعودة العراق إلى محيطه العربي، والتصدي لأي محاولة لإفشال الانفتاح من خلال ربط العراق ومنافذه مع محيطه العربي بمشاريع اقتصادية وتكاملية وأمنية لسد الطريق على الساعين لإبعاد العراق عن محيطه العربي.
وفي المقابل مطلوب من العرب موقف واضح المعالم لمساعدة المخلصين من أبناء العراق لتمكينه من استعادة دوره في مسيرة العمل العربي المشترك، وتجسيد هُويته العربية ليكون ركيزة للعمل المشترك. فالعراق لم يكن يوما بمثل الحال الذي يعيشه حاليا، فبعد ما كان حاضرة العرب، وعامل قوة وتوازن في منظومة العمل العربي، تراجع دوره وتأثيره في محيطه العربي.
وما يؤكد الانكفاء العراقي وضعف ارتباطه بمحيطه العربي وتفاعله مع قضاياه وتحدياته وشواغله هو الدستور العراقي؛ الذي كتب على عجل تحت إشراف حاكم العراق السابق بول بريمر؛ حيث حاول مشرعوه تكريس حال العراق الجديد في محاولة لسلخه عن أُمته وهُويته العربية بنص يقول: (إن الشعب العربي في العراق هو جزء من الأمة العربية). وكأن عرب العراق أقلية بالمفهوم الأميركي ورغم اعتزازنا بشركاء الوطن ومكوناته؛ فإن عروبة العراق وهُويته لا يقبلان الشك، فنسبة عرب العراق نحو 80 بالمئة من سكان العراق وهم أغلبية بكل المقاييس، وإن كل دساتير العراق المؤقتة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921م وحتى احتلاله نصَّت صراحة على أن العراق جزء من أمته العربية؛ فكيف أصبح الشعب العربي في العراق وهو يمثل أغلبية السكان جزءا من الأمة العربية، وهذا النص أريد له أن يكون مصدا مانعا بين العراق ومحيطه حتى يسهل تغييب هُويته وإبعاده عن دوره وإخراجه من منظومة العمل العربي.
فهُوية العراق العربية وعمق ارتباطه بأُمته العربية هي مصدر قوة ومنعة لجميع مكونات المجتمع العراقي، وليس مصدر قلق لهم كما يتوهم البعض. فوحدة العراق ودوره المؤثر في مسيرة العمل العربي هي من تحمي السلم الأهلي والعيش المشترك بين مكونات العراق؛ وتبعد عنه نزعات الاستئثار بالسلطة والإقصاء.
من هنا تكمن أهمية استعادة العراق لدوره الفاعل بعد خروجه من النفق المظلم وغيابه خلال العقود الأخيرة، الذي كان له أثره السلبي على مستقبل المنطقة واستقرارها لصالح المشاريع التوسعية التي تتقاطع مع موجبات الأمن القومي العربي.
Source: alwatan.com/details/421789Alwatan كتب:
في آراء 17 أبريل,2021
نسخة للطباعة
