محمد بن سعيد الفطيسي:
لن أدخل في تفاصيل السياسات والتوجُّهات الحكومية التي اتخذتها العديد من الدول حول العالم والمتعلقة برفع الضرائب والرسوم على العديد من خدماتها التي تقدمها للجمهور، ومن ضمنها تلك الخدمات الملزمة إنسانيا ودستوريا كالرعاية الصحية أو توفير المياه الصالحة للشرب، على سبيل المثال. فالموضوع له أهله من أهل الاختصاص؛ ما يهمني في هذا الموضوع هو ردود الأفعال المجتمعية حيال تلك الضرائب والرسوم والتوجُّهات الحكومية الأخيرة الساعية إلى مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط وانتشار فيروس كورونا حول العالم، والنتائج التي خلَّفتها تلك المعالجات على مختلف شرائح المجتمع بلا استثناء.
والأهم من ذلك، وهو ما أحاول الإشارة إليه والتركيز عليه في هذا الطرح بشكل موجز، أقصد الطريقة أو الأسلوب الذي يتم من خلاله إيصال القرارات والتوجُّهات الحكومية إلى المجتمع أو الجمهور. وبمعنى آخر، الكيفية التي يتم إيصال تلك التوجُّهات الحكومية عبرها إلى الأفراد من خلال المؤسسات المعنية أو الأشخاص المعنيين، وهل لتلك اللقاءات الإعلامية والصحفية مع المسؤولين وأصحاب الشأن تداعيات أخطر بكثير من القرارات نفسها؟
إذًا معظم دول العالم عالجت تلك التداعيات بذات المعالجات تقريبا، كما سعت في ذات الوقت إلى تدارك آثار تلك القرارات والمعالجات على بعض شرائح المجتمع عبر استثناء البعض منها والتخفيف من إلزاميتها على البعض الآخر، أو عبر حزم من الدعم والتمويل والقروض والتسهيلات، ومن المؤكد أن ردود الأفعال هي نفسها بوجه عام، فلا أتصور وجود أفراد أو مجتمع مثالي يقبل أي نوع من الإضرار بمصالحه، وهي حالة طبيعية لدى معظم البشر في مختلف الأزمنة والعصور.
على أن ما يزيد من رصيد السخط والامتعاض من تلك القرارات هو الطرح الجاف والأسلوب الذي يفتقد إلى زراعة الأمل في النفوس في بعض الأحيان، ولا نعمم بكل تأكيد. فقد يتم تعريف الأفراد بالنتائج الإيجابية لتلك الضرائب والرسوم، وقد يتم توضيح الفوائد والعائدات الاقتصادية والاجتماعية على المدى المتوسط والطويل، ولكن الأسلوب الجاف والطرح الذي يفتقد للمنهجية والعلمية، والقدرة على مراعاة الزمان وتناسب فترات طرح كل توجُّه قد يكون له أثر أخطر من تداعيات القرار نفسه.
ومن وجهة نظري فإن فقدان الطرح لأسلوب الرفق والرحمة واللين في القول له أضرار وخيمة وتداعيات خطيرة مع الوقت، خصوصا على الجوانب النفسية والأمنية على المجتمع، لذلك ورد عنه صلى الله عليه وسلم في الرفق أنه قال: “إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله” كما قال صلى الله عليه وسلم قال: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه”.
إذًا، إن كان ولا بُدَّ من فرض كل هذه الضرائب والرسوم بسبب الظروف التي تمرُّ بها معظم الدول فليتم طرحها على المجتمع والأفراد بأسلوب الرفق والرحمة واللين، إن كان ولا بُدَّ من ذلك فلتمرر للناس بطريقة تبقي على الأمل في نفوسهم بتغيير إلى الأفضل، لا بطرق تشعرهم باليأس وفقدان الشعور بالطمأنينة والأمان بالغد الأفضل، فاختيار الكلمات والمفردات مهم للغاية خصوصا في مثل هذه الظروف، والحذر من القسوة والأسلوب الجاف في الطرح وتمرير القرارات والسياسات الحكومية، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
صحيح أن ذلك لن يخفف من التداعيات المادية لتلك القرارات على حياة الأفراد، ولكن على أقل تقدير سيكون له الأثر الطيب والمخفف من الآثار النفسية، والتي تتحمل المسؤولية المباشرة حيال العديد من التداعيات والآثار التي يمكن أن تتسبب بأزمات وكوارث اجتماعية وأمنية خطيرة. ففقدان الأمل في النفوس والإحساس بانعدام التغيير إلى الأفضل يُعد بحدِّ ذاته دافعا للكثير من الجرائم، كما يمكن التأكيد على أهمية زيادة التواصل مع المجتمع في هذا الوقت، خصوصا النزول الميداني إلى الشارع والسوق، فالناس بحاجة إلى من يشعرهم بالأمل، وأنه قريب منهم ومن مشاكلهم وهمومهم، وبحاجة أكبر إلى من يزرع الأمل في نفوسهم في هذه الظروف القاسية.
باختصار، زراعة الأمل في النفوس، خصوصا في وقت الأزمات، صمام أمان قد يحول دون الكثير من التداعيات والآثار الناتجة عن معالجات التداعيات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا وانخفاض اسعار النفط، الأمل هو الحياة والدافع إلى الاستمرار والعطاء، لذلك يجب أن نحافظ عليه عند إيصال الرسائل إلى الجمهور، الأمل قيمة مضافة يمكن أن تزيد من ثقة المجتمع في الحكومة ومؤسسات الدولة، وفقدان الأمل يمكن أن يسهم في انتشار السخط والامتعاض واليأس، وهي بكل تأكيد أخطر بكثير من أي أزمة اقتصادية أو سياسية أو أمنية أو غير ذلك.
أخيرا، لنتذكر جيدا قول الشاعر: أعلل النفس بالآمال أرقبها * ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
Source: alwatan.com/details/421960Alwatan كتب:
في آراء 18 أبريل,2021
نسخة للطباعة
