د. خصيب بن عبدالله القريني:
يمثل شهر رمضان مناسبة مهمة لجميع المسلمين للتفكر والتدبر في أحوالهم، سواء كانت دنيوية أو أخروية، إذ الأمر ليس مجرد امتناع عن أكل وشراب فحسب، بل هو في الواقع استراحة من عناء ١١ شهرا قضاها الإنسان في اللهاث وراء هذه الحياة، ويأتي هذا الشهر ليعمل نوعا من التحديث لحياة الإنسان والوقوف عند نقاط معيَّنة لا بدَّ من التمعن بها، مع العلم أن هذا الأمر مطالب به الإنسان بصورة دائمة لكني أجده في رمضان أكثر أهمية لربما لتناسب الأجواء الزمانية والمكانية والبشرية مع كل ذلك.
ولعل أبرز مجال يمكن الحديث عنه هنا هو مجال تغيير العادات السيئة ذلك أن رمضان قائم في الأصل على مبدأ التغيير للأحسن، فهو يختلف عن بقية الشهور ظاهريا وباطنيا، وهذا الاختلاف يجب أن يستغل بالطريقة الصحيحة والإيجابية بعيدا عن التغيير الذي يتجه إلى إقامة فعاليات تتعارض مع روحانية هذا الشهر.
إن المتأمل للوضع الحالي الناتج عن جائحة كورونا ليدرك كم تخلينا عن عادات هي في الأصل عادات حسنة فرضتها ظروف الوباء مثل الإفطار الجماعي الذي يدل على التعاون والتعاطف والتسامح الديني الذي يتميز به المجتمع، ورغم ذلك تمت عملية التغيير وتقبل الناس هذا التغيير رغم ما يمثله هذا الأمر من حسرة في النفوس على ضياع أجر عظيم. وقس الأمر على موضوع صلاة التراويح التي كانت تقام بصورة جماعية وكانت إحدى الشعائر التي ينتظرها المسلمون بشغف كبير، فإذا هي الأخرى تكون في قائمة الممنوعات رغم الأجر الذي يناله المسلم من عملية إقامتها وغيرها من العبادات. الاستنتاج هنا إذا كان بإمكاننا أن نغير عادات حسنة وشعائر مهمة تُعد من صلب أعمال شهر رمضان بسبب جائحة ألمَّت بنا، فلماذا لا نستطيع أن نغير عادات أخرى نمارسها في هذا الشهر مثل الإسراف المبالغ فيه في إعداد الموائد الرمضانية التي يتغير فيها رتم المأكولات عن بقية الشهور لدرجة يخال إليك أن هذه المأكولات محرم أكلها إلا في رمضان؟ فمن الطريف أن بعض المأكولات تصلح للصيف مثلا، ولكن حتى ولو أتى رمضان في الشتاء تجدها حاضرة وبقوة أيضا، وكأن الأمر يتعلق بالشهر وليس بمجال آخر، وما حاويات القمامة إلا دليل على ما ذهبت إليه. وأيضا مواضيع السهر إلى الفجر ومشاهدة المسلسلات والبرامج غير الهادفة، هي في الواقع عادات لا تمت للشهر بأي صلة، فهل فكرنا في تغييرها؟ إذا كان الجواب يعتمد على قيام غالبية الناس بها، فهذا ليس مبررا يمكننا الاتكاء عليه، فتغيير العادات ـ كما يقال ـ يتم بصورة فردية وليس جماعية.
خلاصة القول إننا قادرون على التغيير متى ما فرض علينا، ولكننا نعجز أن نغير عادات دخيلة تفقد الشهر جزءا من قدسيته ليس إلا؛ لأنها تتناسب مع أهوائنا ورغباتنا، بغض النظر عن تأثيراتها الأخرى، ولكن التأمل في قدرتنا على التغيير ـ وإن كان بقرار رسمي ـ هذا معناه أننا قادرون على هذه العملية، ولكن نحتاج لقرارات فقط، فنحن لا نغير من أنفسنا، بل نحتاج لتدخل خارجي يفرض علينا حتى نقوم بالتغيير والمقصود هنا فرض قرار رسمي حكومي حتى يحدث أمر التغيير. وهذا أمر مستحيل فليس من المعقول كلما ظهرت عادة سيئة طلبنا قرارا لإيقافها، فالأمر يحتاج نوعا من التقييم الذاتي الذي يخضع لمعايير وقِيَم المجتمع الذي نعيش فيه، وعندها ستكون عملية التغيير والتطوير سهلة وميسَّرة، سواء في رمضان أو غيره من الشهور.
Source: alwatan.com/details/421949Alwatan كتب:
في آراء 18 أبريل,2021
نسخة للطباعة
