Source: alwatan.com/details/422109Alwatan كتب:
د. يوسف بن علي المُلَّا:
في خضم مآسي جائحة كورونا الطاحنة وتطوراتها السلبية المتسارعة، قد يطلب منا جميعا الإجابة عن هذا السؤال: أيُّ أجزاء منا ستبقى على قيد الحياة؟ بالتأكيد لا يمكن للمرض أن يقتلنا جميعًا، لكنها تسببت بالفعل في خسائر فادحة بالنسبة للكثير منا، بل كانت الخسائر تحاصر بعضا من أفراد المجتمع في دوائر حزن شديدة، وتخنق أولئك الذين فقدوا أكثر من قبل!
ولعلَّه وصل الكثير لمرحلة ما خلال هذه الجائحة، ليقال له يجب أن تختار ما يجب المحافظة عليه: راحتك؟ إنسانيتك؟ والديك أو كبار السن؟ وظيفتك؟ أسلوب حياتك ومجتمعك؟ فهل الفكرة هنا تتعلق فقط باختيار كيفية ترتيب أولويات الأشياء التي نقدِّرها، أم أن السؤال الذي يطرح نفسه متعلق بكيفية (فتح البلاد أو المضي بإجراءات الغلق أيًّا كانت)، ألست معي أنه هو أيضًا سؤال حول ماذا حدث ومن سينجو؟!
حقيقة ليس فقط للمسؤول أو لجنة ما أن تجيب، إنه سؤال لكل واحد منا، بالمعنى الفردي، حول كيفية تعاملنا مع بعضنا البعض، حول متى وكيف نذهب إلى متجرٍ أو بقالة ما، حول ما نحن عليه ولسنا على استعداد لتقديم تنازلات للموظفين والعاملين لدينا ـ إن تحدثت عن بعض الشركات على سبيل المثال. ومع ذلك، فإن أصعب الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا لا تزال صغيرة جدًّا؛ لأن البقاء على قيد الحياة ربما غير كافٍ!
أخشى ما يخبئه الوباء أو هذه الجائحة لنا، ومع ذلك أجد نفسي متفائلا أنه خلال الأشهر القادمة ستنتهي هذه القصة مع تكاتف الجميع وأخذ اللقاح بكل تأكيد، وستكون تاريخا كما آل إليه الكثير من الأحداث في الماضي، ولكن الأهم هنا أن ندرك أن الكثير من الناس تراجعت حياتهم تمامًا، ومهما كنا نعيش حياة طبيعية فإنها قد نمت بشكل غير طبيعي خلال هذه الجائحة. ولعلِّي أقول هنا بأن الطبيعي، من الآن فصاعدًا، هو العالم الذي يمكننا تكوينه معًا أفرادا ومجتمعا.
وبشكل ما يبدو أن المرض الذي يسببه هذا الفيروس يتغذَّى على الأمل، يتحسن الوضع قبل أن يزداد سوءًا، بدرجات، مما يهدِّئنا في لحظة راحة. كما وصفه العديد من المرضى نوبات بدا أنهم في تحسن، تليها مرحلة جديدة أكثر فظاعة من المرض. تبدأ الحمى، والتعب، والألم، وضيق التنفس في التلاشي، ولكن بعد ذلك فقط، يسيطر بعض اليأس على الرئتين ويصبح المريض في أحضان الفيروس ومرضه ساحبا إياه إلى مصير مخيف بل ومحزن.
وبالتالي هذا يقودنا إلى مفهوم الرعاية وتعلم أن الاعتناء بأنفسنا، يعني على مستوى ما الاهتمام بمن حولنا. وهنا الاهتمام بلا شك ليس فقط بالأشياء الموجودة في حياتنا وتأثيرها على عالمنا، ولكن بالأشخاص الذين صنعوها وأعطوها لنا. ليس هناك ما يضمن لأي منا أنه حتى لو أخذنا هذه الرعاية، فسنبقى على قيد الحياة. ولكن نظرًا لأن الفيروس، أثناء انتشاره، ينشر أيضًا الوعي وينذر بالانهيار العميق والطويل الأمد في المجتمع (إن لم يتبع أفراده الإرشادات الطبية وأخذ اللقاح)، فأجد نفسي هنا آملا أن نكافح من أجل شيء أكبر من البقاء على قيد الحياة.
ختاما، يمكن للفيروس استخدام أي عدد من الأسلحة ضدنا كالخوف والجشع مثلا، حتى يتم تطعيم معظم أفراد المجتمع أو إصابتهم. وسنستمر هكذا على ما يبدو في لعبة شطرنج بطيئة ومؤلمة مع هذه الجائحة، حيث لم تظهر تحركاتها إلا بعد أسابيع وأشهر من قيامنا بتحركاتنا. وـ سبحان الله ـ لحظة من الإهمال تعطي القاتل فرصة، لذلك ربما أفضل قوة من جانبنا هي الرعاية. فنحن حقيقة بحاجة إلى إعادة تجديد الحياة أو العالم الذي تركناه وراءنا، وعلينا أن نبدأ بكيفية اهتمامنا ببعضنا البعض.طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
النجاة من هذه الجائحة لا تكفي!
- خبر
-
مشاركة
