في رحاب الشهر الفضيل

    • خبر
    • في رحاب الشهر الفضيل

      Alwatan كتب:

      محمد عبدالصادق:
      كنا نمني النفس أن نستقبل رمضان هذا العام وقد اختفى وباء “كورونا”، أو حتى على الأقل خفت حدَّته، لنستطيع تنسم نفحات الشهر الفضيل ونستعيد عطر لياليه بين محاريب المساجد وروحانيات الذكر والتراويح، كنا نمني النفس بأن يكتفي “كورونا” بما أحدثه من خسائر في الأنفس والأموال السنة الفائتة، وأن يأتي رمضان هذا العام بطلته البهية وعطاياه العميمة.
      نلتقط الأنفاس وتخف وطأة الاختبار الثقيل الجاثم على صدورنا منذ أكثر من عام وكأن “كورونا” عقاب للإنسانية من الخالق على ما أفسده الإنسان في الأرض وما أحدثه من فوضى وعبث بمفردات الطبيعة، أخلت بالتنظيم الدقيق الذي خلق الله الكون عليه، وربما حان الوقت ليدفع جيلنا والأجيال اللاحقة الثمن ونتحمل تبعات ما صنعته أيدينا، من استنزاف للموارد الطبيعية، والجور على حقوق سائر الكائنات طوال العقود الماضية.
      كنت أمني نفسي أن يأتي رمضان هذا العام، وقد استطعنا استعادة دفء التواصل الذي كان يميز الشهر الفضيل بصلة الرحم والتئام شمل أفراد العائلة الممتدة من الجد حتى الحفيد، ولكن خاب ظني واستقبلنا رمضان جديدا ونحن متخفين خلف “الكمامة”؛ نكابد العزلة والوحدة والخوف والتوجس من أن يتحول أي عارض صحي “سعال أو عطس” إلى “كورونا”، هذه المشاعر والأحاسيس المضطربة التي فرضها الوباء علينا، ألقت بظلالها على سلوكنا وملامحنا وحالتنا النفسية.
      يكفي أن نفتح أعيننا كل يوم على وقع زيادة أعداد الإصابات والوفيات، والتحذير من تحورات وتحولات وأعراض خطيرة للفيروس المستجد، وعجز العالم بإمكاناته البشرية والمادية، بعلمه وعلمائه عن اكتشاف علاج ناجع أو لقاح قوي فعال يستطيع القضاء أو حتى السيطرة على هذا المرض، فحتى الآن لم تجرؤ دولة الإعلان عن نجاحها في القضاء على كورونا رغم أن بعضها قارب على الانتهاء من تطعيم كافة سكانه، ولكن ما زالت الإصابات والوفيات مستمرة، وتحول “كورونا” إلى مارد خرج لنا من القمقم، وراح يعيث في الكون فسادا وعجزت البشرية ـ حتى الآن ـ في التغلب عليه وإعادته من حيث أتى.
      جاء رمضان للمرة الثانية، ونحن نواجه شلالا من المعلومات المتضاربة، وما زالت تنهمر التصريحات على رؤوسنا من الخبراء الذين كثر عددهم في زمن كورونا، كل يوم أخبار لا يعلم إلا الله صحتها عن ملايين الفيروسات غير المكتشفة نصفها في الطريق ـ يستعد الآن ـ لغزو الأرض وإصابة البشر وسيكون معظمها أكثر فتكا من كورونا، كل يوم نسمع عن سلالات وتحورات وأعراض جديدة تصيبنا بالرعب والهلع.
      يأتي رمضان الذي كان موسما للاقتراب ممن نحبهم، ولكن الجائحة تستعر وأصبح الجفاء والابتعاد أهم سمات الشهر الفضيل، خصوصا مع آبائنا وأمهاتنا من كبار السن، وبعد أن كان التقدم في العمر مدعاة لمزيد من الاحتضان والاقتراب من الأبناء والأحفاد، أصبح الابتعاد ضرورة خوفا عليهم من انتقال العدوى التي لن تقوى مناعتهم الضعيفة على الصمود في وجهها.
      جاء رمضان هذا العام، والحظر ومنع الحركة مفروضان منذ الساعة التاسعة مساء، وصلاة التراويح ما زالت محظورة في الجوامع مخافة الاختلاط وانتقال العدوى، وأصبحنا بين نارين، أن تصلي التراويح مع أسرتك في المنزل وتحرم من أجر صلاة العشاء المسموح بها جماعة في المسجد، أو أن تصلي العشاء في المسجد وتحرم من التراويح.
      هل رمضان و”كورونا” يلقي بظلاله على الصحة العامة، فرياضة المشي التي كان يحرص عليها أمثالي من الكهول بعد الإفطار، أضحت بعيدة المنال، فما زلنا نذهب صباحا إلى العمل، والطقس والسن لا يسمحان بالمشي تحت أشعة الشمس الممتدة حتى أذان العصر، والوقت المتاح بين المغرب ووقت الحظر محدود لا يسمح بأكثر من الصلاة، أخشى أن نفلت من “كورونا” ونصاب بأمراض الضغط والسكري وارتفاع الكوليسترول؛ نتيجة الكسل والخمول وقلة الحركة، والجلوس أمام شاشات التليفزيون ساعات طويلة، نتسلى بالمسلسلات والطعام والشراب حتى مطلع الفجر.

      Source: alwatan.com/details/422108