رحاب: الاستنارة بالصوم

    • خبر
    • رحاب: الاستنارة بالصوم

      Alwatan كتب:

      د.أحمد بن علي المعشني:
      طلب من العامل أن يفرغ مكتبه من بقايا المكسرات وعلب البسكويت وقنان المياه المعدنية وعلب السكر والقهوة والشاي التي كانت مبثوثة في زاوية ركنية من مكتبه.
      كان يخاطب نفسه ويتخيل كيف سيمضي يومه غدًا بدون قهوة وبدون شاي كرك الذي اعتاد أن يشربه بكميات ملحوظة في أوقات مختلفة من ساعات العمل.
      كيف سيمضي عمله بدون أن يشرب الماء الذي اعتاد أن يشربه؟، لكن أعادته ذاكرة معدته إلى خبرات حسية عاشها في السنوات الماضية.
      يستعيد تجربته المفرحة تدريجيًا مع صيام رمضان لأربعة عقود مضت من عمره، كانت تساوره مخاوف الحرمان من الماء والشاي والقهوة وطعام الغداء، وبمجرد أن يدخل شهر رمضان يتغير كل شيء في حياته.
      يستهل شهود رمضان بروحانية فائقة، يصبح صائمًا، يمسك عن كل ملذاته الحسية.
      يأتي كعادته كل صباح إلى عمله، يجد مكتبه مهيئًا للعمل، ويلاحظ سجادة صلاته التي يصلي عليها نافلة الضحى، ويرى مصحفه الذي يفتحه بين وقت وآخر حتى لا يكون هاجرًا للقرآن.
      يباشر مهام عمله المعتاد بهمة ونشاط، لم يشعر بأية معاناة، يتفقد أحاسيس فمه وحلقه وبطنه، وجميع حواسه وأعضائه.
      يجلس في وضعية استرخاء وتأمل، يتواصل مع جسمه من رأسه إلى بقية أعضائه، مستشعرًا وعي الصوم.
      ينقل تركيزه من الوعي الحسي المادي، ويتجاوزه إلى مستوى الأفكار المنطقية التي يهيمن عليها الماضي تارة وتارة تمتطيها أضغاث المستقبل، ولكنه في وضعية التأمل التي من خلالها ينجح في تحييد نشاط التفكير ويبلغ مستوى تركيز الوعي الذي ينقله إلى حالة المراقبة الداخلية التي تتيح له تناغم الجسم مع الحواس والتفكير عن طريق التركيز على الشهيق والزفير والعيش في الحاضر.
      هنا تنشط طاقته الروحية في الاتصال بمصدرها النوراني الذي يفيض إبداعا وحكمة، تتجلى في الحلول الإبداعية والقرارات الملهمة.
      خلق الله النور ومن نوره يخرج نور كل شيء، ومن خلال وضعية الصائم المتأمل ينشط الحبل النوري بين الصائم وبين ربه.
      عندما يمسك الصائم عن الطعام والشراب والملذات الأخرى تنشط طاقته النورانية ويتجلى جوهره الإلهي، فتزيد قدراته على تلقي الإرشاد والتوجيه من الله، ينخرط في أعماله اليومية مسددًا بهدي الوعي الفائق القدرة المتصل بالنور.
      هذا النور هو وعي الله الذي يحيط بكل شيء.
      إن الاستنارة بالصوم تتحقق عبر هذا الاتصال الذي يجعل وعيه متصلا بوعي خالقه عزوجل في جميع الأوقات وفي مختلف الأوضاع متجاوزًا حدود الزمان والمكان.

      * مؤسس العلاج بالاستنارة (الطاقة الروحية والنفسية)
      ـ رئيس مكتب النجاح للتنمية البشرية

      Source: alwatan.com/details/422104