تُؤشِّر الإحصائيات كافة في أنحاء العالم والمسجَّلة بصورة يومية إلى انتشار غير مسبوق لمرض فيروس كورونا “كوفيد 19″ تشهده دول العالم كافة ودون استثناء، والمؤسف أن هذا الانتشار ليس ثمة في الأفق ما يشير إلى نهاية قريبة له، فالتصريحات القادمة من الدول الكبرى، وخصوصًا المُصنِّعة للقاحات، على مستوى قادتها ورجال سياستها، وعلى مستوى المسؤولين الصحيين بها، تؤكد أن وباء “كوفيد 19″ لم يصل إلى المرحلة التي يمكن القول إنه أصبح وراءنا، وإنما ما زال أمامنا بكل قوَّته وضراوته، بل يزداد قوة وشراسة وفتكًا، وأن ما تحصده الشعوب والدول من الإصابات والوفيات ليس قابلًا بعد للتوقف، فما هو قادم أسوأ؛ أي أن على كل مدينة وكل قرية، وكل حلة وشارع، وكل منزل الاستعداد لاستقبال المزيد من الإصابات والوفيات، والمزيد من الآلام والأحزان.
وحين نقف على هذه التصريحات ونقاربها مع الواقع، نجد هناك ما يعزِّزها ويؤكد صحتها، فإعلان دول متقدمة وكبرى عن انهيار نظامها الصحِّي، وإعلان أخرى عن عدم قدرتها على توفير أجهزة التنفس الاصطناعي، وذلك لتسجيلها أرقامًا فلكية وغير مسبوقة في أعداد الإصابات، وتسجيل أخرى أرقامًا عالية جدًّا في أعداد الوفيات، إنما يؤكد كل ذلك أن العالمين ببواطن الأمور وخفايا الوباء محقون فيما ذهبوا إليه من تصريحات وتحذيرات، وما كالوه من كلمات سوداوية سلبية، وتبشير يزف الشؤم والحزن.
والمؤسف حقًّا أن مع هذه السوداوية ومظاهر الشؤم التي يسدلها أولئك على الفضاء العالمي، تُسجِّل عمليات التصنيع والتوريد للقاحات المكتشفة بطئًا لافتًا، ومثيرًا للعديد من علامات الاستفهام التي تبحث عن إجابات شافية، لكنها لا تزال معلَّقة، ولم يأتِ اليوم الذي يمكن رؤية شيء من المكاشفة، أو سماع أقوال الصراحة وسكب الحقائق على قبور الضحايا، وعلى أفئدة المفجوعين بفقد أحِبَّتهم وأعزَّائهم، وفلذات أكبادهم، حيث تمثِّل عملية التسييس واحدة من الحقائق التي تعوق عمليات التصنيع والتوريد للدول التي تستغيث وترفع نداءها لمساعدتها بتقديم شيء من اللقاحات لتخفف به من وطأة الوباء الذي أصبح كالطوفان مكتسحًا كلَّ ما هو أمامه ودون هوادة.
وتبدو عملية تسييس توفير اللقاحات وتوريدها واضحة من خلال المباهاة التي بدت عليها دول لنجاحها في توفير ما تحتاجه من اللقاحات لتطعيم مواطنيها، وعدم وصول جرعة واحدة لدول أخرى تُركت تصارع الوباء وتُواجه مصيرها، دون أدنى التفاتة إلى نداءات استغاثتها، في حين تُقارع أخرى وتبذل كل ما في وسعها لأن تتمكن من توفير الحدِّ الأدنى من اللقاحات والذي يُمكِّنها من الحدِّ من تفشِّي الوباء، والعودة إلى فتح أنشطتها الاقتصادية والتجارية، وتخفيف العبء عن قطاعها الصحِّي.
لذلك لا سبيل لمواجهة هذا الوضع القائم والمؤلم مع موجة الوباء المستشرية، والتسييس المتَّبع من قبل بعض الدول المحتكرة للقاحات، والتصريحات السوداوية، إلا بالتقيُّد التَّام والالتزام الرصين بالتعليمات والإرشادات الصحية، والتحلِّي بالوعي والفهم لما يدور، وإدراك الحقيقة وهي أن كل إنسان معرض للإصابة، وأن حياته وصحته مهددتان، ولا مهرب من ذلك سوى اتِّباع الإجراءات الاحترازية والتمسك بها.
Source: alwatan.com/details/422266Alwatan كتب:
في آراء 20 أبريل,2021
نسخة للطباعة
