في العمق: الشفافية الإعلامية وخيار إدارة الواقع الاقتصادي الجديد

    • خبر
    • في العمق: الشفافية الإعلامية وخيار إدارة الواقع الاقتصادي الجديد

      Alwatan كتب:

      د. رجب بن علي العويسي:
      يمر الواقع الاقتصادي الوطني اليوم بالكثير من التحديات والتعقيدات والتداخلات والظروف الصعبة، في ظل تراكمات اقتصادية وإجراءات لها تداعياتها على الواقع الاجتماعي، واستمرار هاجس الباحثين عن عمل، والمسرحين من القطاع الخاص يلقي بظلاله وتأثيره على سياسات الحكومة في تصحيح المسار الاقتصادي، فمع ما فرضته جائحة كورونا من تأثير على المنظومة الاقتصادية في ظل حالة المنع والإغلاق والتعلق للأنشطة الاقتصادية في فترات متقاربة ومنذ أكثر من عام، قد يؤدي في حالة الاستمرارية إلى إفلاس وإقفال وانهيار لمشاريع الشباب والمجتمع الصغيرة والمتوسطة، ناهيك عن معطيات الواقع الاقتصادي الأخرى التي أسهمت في مزيد من الركود الاقتصادي بسبب التقاعدات ووقف الترقيات والحوافز والامتيازات وسحب العلاوات، ورفع الدعم عن الوقود الكهرباء والماء وارتفاع أسعارها الاستهلاكية، والسلع الاستهلاكية والبضائع، وضريبة العصائر المحلاة، وارتفاع أسعار الخدمات الحكومية لتضيف ضريبة القيمة المضافة إليها أداة ضغط اقتصادي جديدة اختلطت فيها الأوضاع الاقتصادية على المواطن، في قائمة ضريبية غير منتهية مع استمرار عقدة الإجراءات الإدارية التي يدفع المواطن فاتورتها النقدية، ويتحمل عبء الهدر النفسي والمالي وهدر الوقت والجهد والتنقل لإنجازها.
      وفي ظل معطيات هذا الواقع الوطني، والضغط النفسي الناتج عن حالة منع الحركة والإغلاق الليلي وإغلاق الانشطة الاقتصادية والتجارية، طيلة شهر رمضان المبارك وفي فترات متقاربة، بدأ يظهر على السطح نشاط إعلامي غير اعتيادي لـ”لسوشل ميديا” ومنصات التواصل الاجتماعي في بث المعلومات والأفكار المغلوطة أحيانا، لتهييج الرأي العام وإثارته، وزرع الخوف والقلق في حياة الناس من المستقبل المجهول، وما يؤول إليه الوضع الاقتصادي الحالي، وكثرة تداول ما يكتب حول هذه المواضيع بصورة تحمل صبغه سلبية، في مقابل تدني وكفاءة مستوى المعروض من المنتج الإعلامي أو الفكري الإيجابي المتداول حول هذه الموضوعات، والقادر على استيعاب الواقع، وامتصاص الأزمة، واحتواء ردات الفعل، وتوفير الإجابة الفورية والمقنعة عن كل التساؤلات التي يطرحها المواطن في ظل هذه الأوضاع، وأين موقعه من الإعراب في خضم هذه التغيرات التي بات يقرأ فيها تحولا سلبيا، ويجد فيها اندفاعا نحو الأخذ من جيب المواطن باعتباره كبش الفداء في معركة الاقتصاد الشرسة، التي تضع الحكومات أمام مزيد من الحكمة وعدم التسرع في التعامل مع المؤثرين الاقتصاديين والأهمية الناتجة من احتوائهم والمحافظة على بقائهم في السوق لتستمر المسيرة وتتحقق الأهداف، هذا الأمر كما أشرنا أسهم في غلبه المعلومات والمعارف عبر هذه المنصات على نتاج الإعلام الرسمي الذي ما زال يعيش مساحة من الركود وتدني مستوى الجاهزية وتوليد البدائل والحلول ومحاولة التوفيق بين حالة الاندفاع التي يعيشها المواطن في تصوراته السلبية للإجراءات الحكومية المتخذة ومساسها المباشر بحياته اليومية، وبين الضمانات ومساحة الثقة التي يصنعها الإعلام والتأثير والاحتواء الذي يمارسها في استيعاب المواطن لها الوضع، وإعادة ثقته بالمنتج الإعلامي الرسمي ومستوى تقبله له، كمصدر أساسي في معلوماته ومعارفه وإجاباته حول تجليات هذه المنظومة والأبعاد النفسية والأمنية والاجتماعية والفكرية والقناعات المرتبطة بها على المدى البعيد.
      وبالتالي ما يعنيه ذلك من مسار جديد لإعلام المرحلة، يجب على الإعلام الوطني أن يسلكه في إدارة هذه التحولات الاقتصادية ونواتجها والتخفيف من ثقلها النفسي والفكري وأثر الشائعات التي يتداولها المواطن والشباب حوله الوضع الاقتصادي، وعبر ترسيخ مفهوم الشفافية الإعلامية باعتبار الخيار الاستراتيجي الذي يحفظ البلاد والعباد، ويحافظ على رصانة المنجز الوطني وقدسيته وحضوره في قلب كل مواطن، وإضفاء روح التجديد والتغيير وإعادة الهيكلية لنهضة عمان المتجددة لقادم أفضل لعمان وأبنائها، وتقريب الصورة الحقيقية للمواطن بما يدور خلف الكواليس من توجهات وقرارات ومبادرات وأحداث قادمة، وتعميق روح المسؤولية والثبات والثقة والصبر والإيجابية في فقه المواطن وعبر توجيه هذا الشفافية نحو إعادة التوازن في فكر وقناعات المواطن حول مسببات هذه الإجراءات ومبرراتها والدواعي الوطنية لها، بما ينقل المواطن من حالة التأزم وعدم الرضا وتدني الثقة في الواقع، إلى مرحلة جديدة قوامها المواطن نفسه، ويدير حركتها وتطورها ونهجها نتاج أفكاره وثباته على مبادئه والتزامه ورغبته في الإصلاح وما يحمله من هاجس الحب والتغيير لبناء عمان المستقبل، بحيث يكون لشفافية الإعلام الوطني في رصده وتشخيصه والحديث عن إرهاصات هذا الواقع وتجلياته، والتحديات والصعوبات التي تواجهها الحكومة، والمواقف الصعبة التي تتحملها في إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني والتراكمات التي يعيشها في ظل العجز والمديونية، الطريق لرسم ملامح الواقع العماني الجديد، وخفض درجة القلق والشحن السلبي للمواطن، وعبر وقوف الإعلام الوطني بكل فنونه وأنوعه وخياراته وبرامجه ومستوياته على واقع حياة الناس، والاستماع الجاد إليهم والسماع الصادق منهم، وتقبل أطروحاتهم، والحوار معهم، ووضع مداولاتهم قيد المتابعة والإجابة والرد المقنع عليها، في ظل ترقية أساليب الخطاب، والحكمة في إدارته، والوقوف على أحوال الناس وظروفها، وحكمة التعامل مع استغاثاتهم، ونقل صوت المواطن للجهات المعنية، بما يصنع للإعلام الوطني قيمة وثقة ومصداقية في نفوس العمانيين، في ظل إيمانه بإنسانيتهم والتزامه بتعهداته نحو تحقيق طموحاتهم.
      وعليه، يبقى هاجس التخوف من نواتج الشفافية الإعلامية، مجرد تكهنات لا قيمة لها، فإن ما تحمله الشفافية الإعلامية من فرص تفتح الآفاق العريضة للمواطن والحكومة للقاء مشترك لفهم الواقع وتفهم ما يحدث؛ الطريق الأنسب للوصول إلى مشتركات عمل تضع الحكومة والمواطنين على حد سواء أمام مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية في استدراك معطيات المرحلة، وإعادة هندسة بناء عمان المستقبل، فهي بذلك مرحلة متقدمة من الوعي المهني والسلوك الراقي، وتعميق روح المسؤولية المهنية، وتجسيد عملي لأخلاقيات الإعلام والرسالة الإعلامية في طرح الواقع الوطني بكل مهنية ووضوح ومصداقية وموضوعية، تزرع الثقة والصبر في المواطن، وفق مؤشرات واضحة وقراءات دقيقة، وتحليلات عميقة، وبالتالي الإحاطة التامة بكل الظروف والمتغيرات التي تقف خلف هذا الواقع وأنتجته، والمبررات التي اتجهت إليها الحكومة، والتأثير الحالي لها على المواطنين ومدة التأثير المتوقعة، ثم النتائج المرتقبة لها في السنوات القادمة، وما يمكن أن تحققه من إنجازات نوعية، هذه الشفافية الإعلامية من شأنها أن تعزز من جهود الحكومة وتؤصل فقه الشراكة وتبرز خطوط التأثير وتكامل المسؤوليات، وتعمل على إزالة هاجس الخوف والقلق لدى المواطن عامة والشباب من المستقبل وتبصرهم بمسؤولياتهم الحالية، ومسؤولية الدولة وواجباتها، ومسؤولية رؤساء الوحدات الحكومية وقيادات الدولة في مختلف المواقع والمسؤولية، إن من شأن هذه المكاشفة والمصارحة والوضوح، وجلد الذات، وتحديد موقع الخلل، ومكمن التحدي الحاصل ووضع اليد عليه، وآلية التعامل مع الملفات المرافقة لهذه التحولات الاقتصادية، خصوصا ما يتعلق منها بملفات الاختلاس للمال العام للدولة، وإساءة الوظيفية والفساد الإداري والمالي والمحسوبيات، سوف تضمن تكاتف الجهود نحو تعزيز نهج المحاسبة، وترقية فرص النزاهة وتعظيم حضورها في قواعد البناء الإداري للدولة والإسراع في ترسيخ منظومة شاملة للرقابة والمتابعة للأداء الحكومي والشركات الحكومية حسب الوارد في المادتين (65 و66) من الفصل السادس من النظام الأساسي للدولة، والذي من شأنه أن يضع المواطن أمام مساحة أمان من الطمأنينة والاستقرار النفسي، لبداية مرحلة جديدة تنتج من رحم الأزمات والظروف والأحداث لتتحول إلى طاقة إيجابية من الشغف والإنجاز والعطاء والحب لعمان، تنعكس على ثقة المواطن في المنظومة الإعلامية والتسويق لها، وحرصه على متابعة برامجها، باعتبارها مصدره الأفضل أمام تشويهات الإعلام الآخر، فيعظّم قدرها، ويرفع شأنها، وينصت لها، ويشاهدها باطمئنان، ويقرأ ما بين سطورها بعمق، ويشارك في إبداء الرأي حولها في قنواتها الرقمية، ويجيب عن التساؤلات والاستطلاعات والمسوحات التي تطرحها لتطوير برامجها بمهنية وموضوعية، فهي صوته الغيور على وطنه، تجسّد شخصيته، وتعبِّر عن واقعه، وتقرأ حدسه، وتحمل طموحاته، وتبني على توقعاته، وتجيب عن تساؤلاته، وتطرح له البرامج التي يشعر بحاجته إليها، في سبر أعماق الحقيقة التي يبحث عنها.
      أخيرا، تبقى الشفافية الإعلامية معادلة الأمان الوطني لبناء عمان المستقبل، في وضوح وشفافية الحكومة في الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها والأبعاد القريبة والبعيدة لها وموقع مفردة “عدم المساس بالحياة المعيشية الكريمة للمواطن” منها، وبين قدرة المواطن على استيعاب الأحداث وفهم الحقائق وحصوله على إيضاحات مقنعة، وتفسيرات علمية صحيحة مبنية على دلائل الواقع وفهم دقيق للمنظومة الاقتصادية الوطنية والمؤثرين الاقتصاديين الفاعلين فيها، وبين ما يطالب به المواطن اليوم من محاسبة المسؤول الحكومي الذي تجاوز حدود عمله، واستغل موارد الدولة لأجندته الشخصية، وعبثه بمقدرات الوطن والمواطن، وبين قدرة الإعلام على خفض درجة التذمر وغصة الألم ونبرات صوت المواطن الغارقة في بحر الديون وغلاء الأسعار والضرائب المتتالية وتصرف الوافد وسيطرته على الاقتصاد، لتتسع إلى إشراكه في تقييم أداء الجهاز الإداري للدولة والمسؤول الحكومي، واقتراح الآليات التي تساعد الحكومة في إعادة تقييم واقع الممارسة، إنها منصة يشترك فيها الجميع أبناء عمان وبناتها، وفق منظومة عمل وتشريعات وقوانين وأخلاقيات أقرها النظام الأساسي للدولة، للوصول إلى حلول مشتركة لقضايا المجتمع الاقتصادية والمحافظة على العيش الكريم الأمن للمواطن في بلده.

      Source: alwatan.com/details/422268