الأرقام التي تُوافينا بها وزارة الصحة عن حالات الإصابة والوفاة الناتجة عن انتشار مرض فيروس كورونا “كوفيد 19″ هي أرقام ما زالت مرتفعة، وتؤشر أن الموجة التي تشهدها السلطنة لا تزال قوية، ومحافظة على عنفوانها وشراستها؛ ذلك أن أعداد حالات الإصابة بالفيروس لم تنخفض بعد عن مستوى الألف إصابة ونيف، وكذلك الحال بالنسبة لأعداد حالات الوفاة ما فتئت تتراوح بين أكثر وأدنى بقليل من العشرين حالة وفاة وبصورة يومية.
وحين نقف على تلك الأرقام نجد أن الجنائز لا تتوقف، بل إنها لا تريد أن تتوقف في ظل استشراء هذه الموجة وشراستها، وأن كلَّ ولاية وكلَّ قرية لا تخلو من هذا المشهد الأليم، ولا تخلو من مظاهر الحزن والألم لفقدها أعزَّ أبنائها، وإذا ما استمرَّت هذه الموجة الشرسة بالقوَّة ذاتها، فإن كلَّ بيت مرشح ـ لا سمح الله ـ أن تمرَّ عليه فتصيب أو تختطف منه حبيبًا عزيزًا، وتُدخل الحزن والألم واللوعة على بقية أهله، وتضعهم في حالة طوارئ ـ إن أصابت واحدًا من بينهم ـ مُفرِّقة وعازلةً كلًّا منهم، ومُدْخلةً عليهم الرعب والقلق.
المثير للشفقة وللأسى والألم والحسرة مع كلِّ وفاة جرَّاء جائحة كورونا “كوفيد 19″ هو المشهد المتمثِّل في أن أسباب الموت المألوفة كالحوادث والأمراض المزمنة وغيرها قد اختفت أو ندرت، وقد حازت هذه الجائحة كلَّ الأسباب، وسيطرت على المشهد، وصاغت تفاصيله وفق شروطها، حيث غابت كلُّ الطقوس والمظاهر والعادات والتقاليد المتَّبعة عادةً عند حدوث وفاة، فاختفت مواكب الجنائز، وأعداد المشيِّعين والمودِّعين، والمعزِّين، كما اختفت مظاهر زيارات الناس لأهلهم وأقاربهم وأحبابهم وكلِّ من يعزُّ عليهم الذين يرقدون مرضى في المستشفيات.
إن اختفاء هذه الطقوس والمظاهر والعادات والتقاليد، وعدم تمكُّن كلِّ فرد من وداع عزيز لديه واتِّباع جنازته ودفنه كما يجب وكما كان، وعدم تمكُّنه من إقامة عزاء تعبيرًا عن الحزن وألم الفقد، إن هذا الاختفاء ليدعو اليوم إلى وقفة تأمل وانتباه، وإلى اليقظة، والوقوف مع النفس وقفات صدق ومراجعة، والبحث عن أسباب هذا الوباء وانتشاره وعدم زواله حتى الآن، الأمر الذي يدفع بالمقام الأول نحو التوجُّه إلى الله سبحانه وتعالى بقلب سليم وبنية خالصة صادقة، وتطهير النفس من الأدران؛ لأنه لا ملجأ ولا مفرَّ من ذلك إلا إليه، وسؤاله سبحانه وتعالى أن يزيل هذا الوباء ويرفعه عن أُمَّته؛ لتعود الحياة إلى الأفضل والأنقى، بيوته الطاهرة من جوامع ومساجد عامرة بالصلاة وبالذكر، وحياة عباده حافلة بالصدقات والقربات والأعمال الصالحة والعمل والإنتاج، فمُنْزِلُ البلاء هو الله، والمُبْتَلَى هو العبد، ورافع البلاء مُنْزِلُه، وهذا ما يجب أن يتَّجه إليه اليوم العباد، بعيدًا عن السياسات المزدوجة، وازدواجية المعايير، وتسييس عمليات التصنيع والتوريد للقاحات مع أنها مجرد سبب للحصول على الشفاء، وإلَّا فإن الشافي المعافي هو الله وحده.. حفظ الله الجميع من كلِّ سوء ومكروه.
Source: alwatan.com/details/422544Alwatan كتب:
في آراء 24 أبريل,2021
نسخة للطباعة
											