بداية سطر: وداعا العم عامر .. كل من عليها فان

    • خبر
    • بداية سطر: وداعا العم عامر .. كل من عليها فان

      Alwatan كتب:

      د.خلفان بن محمد المبسلي:
      عند هطول الأمطار تصبح الأرض خضراء يانعة فيعقب ذلك خيرًا عميمًا، لتترك أثرًا طيبًا في القلوب، يموت عباد الله الصالحين فتبقى ذكراهم خالدة بما تركوا لنا من أسلوب حياة يعد من أرقى أساليب الحياة متمثلًا في القدوة الحسنة وهو ما يبرز سيرتهم العطرة بيننا.
      ذلك ديدن الرجل الصالح الذي زارته المنية في فراشه يحمل في ذاكرته تاريخًا عريقًا، جاب به بلدان كثيرة أبرزها تنزانيا التي كانت محط أنظاره منذ الطفولة فاكتسب منها مهارات الحياة وتأسيس فكره وثقافته فارتدى وقتئذ لباس التقوى وتجرد من شهوات الدنيا وملذاتها.
      سلك سلوك الزاهدين حين تعمم بالتواضع فكان ساجدًا لله صوامًّا وقوامًّا..
      ألفه الناس في المسجد بمحاذاة داره إذ كان يرفض التغيب عن صلاة الجماعة مهما عظم البلاء وجار الخطب فخرت له أرض (لزق) بشرقية عمان باكية متضرعة لله تعالى (إنّا لله وإنا إليه راجعون).حينما نتحدث عن فقيد ذي شأو عظيم وهمة عالية ونخصص له مساحة في عمود (بداية سطر) فلأن شهادات المتحدثين عن حسن سيرته وعطر حياته تعكس انطباعًا تصدّق ما نورد في هذه المساحة.
      وتؤكد بأنّ فقيدنا ليس برجل هيّن، إنّه في قلوبنا وقلوب محبيه لعظيم وما نورده هنا لا يمكن أن يعكس حياة الرجل التقي النقي الذي بلغ التسعين عامًا ولا يزال وكأنه في ريعان العمر في الهمة الصادقة وفي العطاء الوفير والأعمال الصالحة المستمرة حتى أخر رمق من عمره.
      فهذه السلوكيات الحسنة التي تقرب العبد الى ربه ترفع همم الآخرين فيستنيرون بها دروبهم لتوقظ أحاسيسهم بأن العبد لا محالة سيغادر الدنيا الفانية وخير ما يترك فيها العمل الصالح الذي يبقى صدقة جارية للعبد الى يوم الدين.
      توفي العم عامر وترك لنا إرثا عظيما من الصلاح والتقوى والزهد فلربما نتعلم من مدرسته الصادقة ونقتفي أثره ولو بشيء يسير.
      ما أحوجنا اليوم الى تعلم معاني الثبات على الدين والتقوى من مثل هؤلاء الرجال الصالحين.
      قبل أسبوع من وفاته زرته في بيته وهو في سرير المرض يرطب لسانه بذكر الله ويشد على يدي وكأنّ لسان حاله يوصيني بتقوى الله في السراء والضراء فلقد كان متهللًا بشوشًا فرحًا كما هي عادته مبتسمًا لمن يعوده ويدعو الله لنا في كل زيارتنا له، ويدعونا الى عدم التخلف عن زيارات الأرحام..نعم السلوك سلوكه..فلقد كان رائعًا يمشي بين أفراد الأسرة.
      أي حزن غشي أفراد الأسرة إبان تشييع جثمانه لأننا فارقنا رجلًا عزيزًا على قلوبنا خطفه الموت بعد معاناته من مرض عضال وترك لنا أحداثا وذكريات ستنتابنا لا ريب إلا أن الانسان مهما بلغ من العمر عتيا فلن يبقى الى الأبد وهو مصير كل حي.
      فالإنسان بعد وفاته إما ان تبقى له سيرة حسنة عطره يذكر الناس مناقبه أو صمتا لا حديث عنه، رحل العم عامر ولا نملك غير الدعاء أن يدخله الله فسيح جناته كما نعزي أنفسنا بهذا الرحيل الثقيل على قلوبنا فموت (الشيّاب) موجع فهم البركة والقدوة والخير الدائم للبيوت.
      وأخيرًا رحم الله العم عامر فكم من إنسان نسجت أكفانه من حيث لا يدري كان بيننا بشوشًا ضاحكًا وأضحى في اللحود.
      فكم من الدروس والعبر والمواعظ تركت بعد رحيل رجالها من الحياة الدنيا.. فهل نتعظ ونعتبر نحن بني البشر منها..؟ فكفى بالموت واعظًا.
      وها هي (لزق) تحزن اليوم على فراق الرجل الصالح العم عامر بعد أن كان عقب كل صلاة يتجاذب أطراف الحديث مع محبيه وجيرانه الذين ذرفوا دموع الحزن على فراقه دون توديع.
      فبقيت سيرته الحسنة في أوساطهم حديث الساعة متجلدين ومتصبرين على فراقه فما أضيق الدنيا لولا فسحة الأمل.
      وداعًا العم عامر وأرقد بسلام، فكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.

      dr.khalfanm@gmail.com*

      Source: alwatan.com/details/423118