سلاح المعلومة بين مقاييس العقل وهشاشة العاطفة

    • خبر
    • سلاح المعلومة بين مقاييس العقل وهشاشة العاطفة

      Alwatan كتب:

      سعود بن علي الحارثي:
      هل خير الإنسان ومصلحته وتمكنه من اتخاذ قراراته بيسر وسهولة، وتحقيق تطلعاته بحرية أكبر ومستوى أعلى من الواقعية والصواب مرتبط بشكل ما ومتيسر فعلا بتوافر هذا الكم الهائل من المعلومات والأخبار والتقارير والنصوص والصور والمقاطع والآراء والدراسات… التي يتلقاها ليلا ونهارا من مشارق الأرض ومغاربها والتي تلاحقه أينما حل وارتحل وإن كان نائما في سريره أو مستمتعا في جلسة حميمية مع أسرته أو صحبه؟ أم أن السلامة والفضل والخير وراحة البال وهدوء النفس والقدرة الفائقة على التفكير واتخاذ القرارات بمهارة وحصافة متحققة في بيئة منعزلة بعيدة خالية من كل هذه الضوضاء والصخب والفوضى التي تضج بما لا يستطيع الإنسان استيعابه وفهمه وما يزيده لبسا وتوترا وغموضا وترددا في اتخاذ قراراته وحسم أموره والمضي برضا وطمأنينة في مسيرة حياته؟ من الصعب أن يلقي المرء بنفسه في بحر لجي، ويغامر بالإجابة عن هذا السؤال الواسع والعميق والصعب والدقيق والخادع والفارق في حياة الإنسان. فالمعلومة ثروة عظيمة، وسهولة الوصول إليها تيسير وتسهيل، وتعبِّر عن تقدُّم إنساني كبير، وتعزِّز وتعمق العلم والمعرفة والفهم والوعي، ويفترض بأن هذا الكم المتدفق من البيانات والمعلومات ييسر على الإنسان، ويعلي من شأنه ويساعده على اتخاذ قراراته، ويسهم في تحقيق أهدافه وتطلعاته… ولكنه سيل منهمر بلغ في قوَّته وتدفُّقاته مستوى العواصف والأعاصير المدمِّرة والمخيفة، ويحتشد بالغث من التفاهات والإشاعات واللغط والأخبار والتقارير المشبوهة والمزورة والمزيفة والمغلوطة والملعوب فيها؛ للتدليس والتغرير والنصب والاحتيال وتحقيق مآرب فئات ومذاهب وعقائد وأعراق وأحزاب وأفكار… والبشر ليسوا على شاكلة واحدة في مستوى التعليم والتفكير والتخصص والقدرة على التمييز والفهم وتكوين الرأي، ويتفاوت تأثيرهم وتصديقهم وقناعاتهم بما يتلقونه ليلا ونهارا من أخبار ومعلومات، فكيف يمكن حماية الإنسان من حرب المعلومات المدمرة التي يقودها الإنسان نفسه؟ أذكر قبل أكثر من خمسة عقود من الآن نظمت حملة لتطعيم السكان في عُمان من وباء أو مرض “الجدري” ـ على ما أعتقد ـ وكان يطلق على التطعيم “التشطيب”؛ لأنه يتم بطريقة الضغط أو الختم على اللحم الذي يترك أثرا، وما زالت علامته باقية في يدي اليسرى حتى اليوم، وفي اللغة “شطب الجلد بالسكين إذا أثر فيه وشطبه إذا قطعه، وتشطيب اللحم تشريحه”. وكانت الفرق الطبية تمرُّ على القرى والمدن، وتخصص ساحة السوق أو المجلس العام لإجراء التطعيمات، ويعلن للناس عن مكان التجمع والساعة المحددة، والكلُّ يلبي النداء ويخضع للتطعيم قناعة منهم وتسليما بأن الغاية مصلحتهم، والحكومة تقدم لهم المصل لتحقيق هذه الغاية، ولم تكن لديهم في ذلك الزمان أجهزة هاتف واتصالات، ولا وسائل إعلام ولا “تويتر وفيسبوك وواتساب” وخلافه، والتواصل شبه معدوم، والأحداث التي تجري في مكان ما تحتاج إلى أشهر حتى تصل إلى مناطق أخرى، ولا يوجد دواء في العالم ولا مصل إلا وله تأثير ومضاعفات على بعض البشر اعتمادا على جيناتهم وأعمارهم وما لديهم من أمراض وما يتعاطون من أدوية، ولم تكن لدى الغالبية آنذاك القدرة على ربط التأثير الذين يصيبهم به ـ أي المصل ـ والقلة الذين يحدث تغييرا في أجسامهم لا يعرف به الآخرون عادة، فيتلاشى أثره في ذات القرية والمكان… أما اليوم فقد ابتلي الإنسان بسرعة انتقال الخبر وبالتأويلات والتفسيرات والأخبار والدراسات المتناقضة، واستعراض الناس للمواقف والآثار والأعراض التي تحدث لهم، فيتوه المتابعون والمستمعون والمتلقون لكل ذلك الكم من الأخبار متسائلين: أين هي الحقيقة يا ترى؟ ولا يمتلكون الأدوات والوسائل العلمية التي تفنِّد وتفسِّر وتشرح ما التبس عليهم. ودخلت نظرية المؤامرة التي تستهدف البشر، وتسعى إلى قتل أكبر عدد منهم من باب الأوبئة والحروب والتطعيمات والأزمات الاقتصادية، بل وحتى الأعاصير والزلازل والبراكين… فكلُّ ما يحدث في هذه الدنيا خلفه دول عظمى ومافيات تجارية ومنظَّمات وجاسوسيات ومخابرات وخلافه تستهدف القتل والتدمير، وخلط الأوراق وإحداث تحوُّلات عميقة على الأرض، وإجراء فبركة جديدة للتحكم وبسط اليد والتسيُّد، والناس خبط عشواء كلٌّ يدلي بدلوه ويرمي ما في جعبته فيما يخصه ولا يخصه، ما يعلمه ويجهله، ما هو متخصص فيه أو ما هو ليس ذا معرفة ويد وفهم به، وكأن الدنيا كانت في الماضي خالية نظيفة من الأوبئة والكوارث والحروب والتطعيمات… فهل كورونا مؤامرة وراءها أهداف وغايات خبيثة واستهداف لدول ومجتمعات واقتصادات؟ أم وباء تسرب من مختبرات علمية بفعل خطأ بشري غير مقصود؟ أم عدوى مرض وصل إلينا من بعض الحيوانات “الخفافيش” كما بيَّنه بعض العلماء والباحثين؟ وهل أمصال هذا الكورونا صنعت للوقاية منه؟ أو لتدمير خلايا الإنسان وقتله؟ أو للسيطرة والتجسس عليه؟ هل كورونا والتطعيمات صنعت لتدمير الإنسان؟ لغط وهرج ومرج وجدل لم يتوقف منذ سنة ونصف حتى اليوم والإنسان البسيط حائر بين أكوام من البيانات والمعلومات والتقارير والأخبار والمقاطع والصور والسرد التي تطمئنه وتخيفه، تحثه على الشيء ونقيضه في وقت واحد وهو يتأرجح بينها. فمن مرَّ بتجربة انطماس نظره أو أصيب بجلطة دموية أو أزمة نفسية أو انتفاخ في بطنه أو إسهال ووعكة صحية قصَّ على العالم قصَّته وتجربته في وسائل التواصل لاعنا اللقاح وكلَّ من صنعه وشجعه على أخذه؛ لأنه تسبب له في ذلك. إنها المؤامرة الدنيئة التي تسعى إلى قتله، فهل اللقاح هو الذي تسبب له في المرض والأعراض أم هناك أسباب أخرى لا يعرفها إلا المتخصصون والأطباء؟ أليست الأمراض والمضاعفات والأعراض والوفيات تصيب الملايين من البشر يوميا قبل كورونا ولقاحه؟ فلماذا بات ينسب كل شيء إلى الأمصال؟ إنها وسائل التواصل، وهذا التدفق الهائل في المعلومات التي نتلقاها، وهذا الترابط العميق بين البشر الذي حوَّل الدنيا إلى قرية صغيرة، ودواءنا الحقيقي في استخدام عقولنا كمقياس لتقييم كل معلومة لا عواطفنا الهشة، والأخذ بالأسباب وتدبر أحوالنا في حدود المستطاع والسعي إلى تطوير ذواتنا لنتمكن من تمييز الغث من السمين والابتعاد عن كل سلبي محبط، وما لا يعنينا ولا يفيدنا ولا نستطيع فهمه، وعلينا كذلك أن نعزِّز ثقتنا في مؤسساتنا وكوادرنا الوطنية لتحديد خياراتنا واتخاذ قراراتنا وتكوين رأي ينفعنا، فلا يمكن أن يجتمع كلُّ هؤلاء على ضلالة.

      Saud2002h@hotmail.com

      Source: alwatan.com/details/423246