Source: alwatan.com/details/432874Alwatan كتب:
د ـ أحمد بن علي المعشني:
انطلقت يوم الخميس الماضي برفقة بعض الأصدقاء الذين سردوا لنا خلال مشوار سيرنا من منطقة (ونت) إلى وادي (صواع)
قصة نجاح صنعها رجل مبهر يسمى بخيت المُهر.
كان بخيت يعمل أجيرًا لدى أحد أصحاب الإبل من عشيرته، وفي ذات ليلة وقف ذلك الرجل وفرز بخيت كأي ضيف عابر على خيام أصحاب الإبل، فاستنكر الشاب بخيت المُهر ذلك وعلق قائلًا: أنا لست ضيفًا، أنا من أصحاب الإبل، لكن الرجل قال بصوت أجش ومستفز: من لا يملك إبلًا يفرز مع الضيوف، وأنت ليس لك إبل، أنت ضيف.
استنكر بخيت المُهر هذا الكلام الجارح دون أن يعقب، كان يظن نفسه أحد أرباب الإبل، خاصة وأن الرجل الذي صدمه بتلك الحقيقة المُرّة كان ابن عمه، وكان بخيت يقوم على خدمة إبله، يعتني بها ويرعاها كما لو كانت ملكه تمامًا.
لم يكن يفكر مطلقًا بأنه أجير، وكعادة أصحاب الإبل والمواشي الأليفة كانوا يخصصون للرعاة بعض الأجر المتمثل في إعطائهم بعض الحيوانات نظير خدمتهم كل عام، لكن بخيت أحزنه ما سمع من ابن عمه ولم يرد عليه.
أمضى بخيت المُهر ليله حزينًا، يستعيد مرارًا وتكرار ما سمع من ابن عمه (من ليست له إبل، يجب أن يعامل كضيف).عندما انفطر الصبح وتلاشى ظلام الليل ذهب بخيت المُهر قاصدًا صلالة دون أن يلتفت إليه أحد، وهناك قابل رجلًا كريمًا ومعروفًا يدعى (سعيد بن قطميم المرهون) وكان من وجهاء صلالة المعروفين ومن المشهود لهم في ظفار قاطبة بالشهامة، والنخوة، والشجاعة، والكرم، ذهب معه وكفله لدى أحد التجار، فاشترى بخيت ما يكفيه من مؤنة ومعدات لاستخراج اللبان، وقصد منطقة مهجورة حافلة بأشجار اللبان، وتتفرع تلك المنطقة الوعرة من رأس وادي (صواع).كان المشتغلون باستخراج اللبان يزهدون فيها بالرغم من كثرة ووفرة أعداد أشجار اللبان فيها، وذلك بسبب وعورتها وقلة الماء فيها وبُعدها عن الناس، فهي صعبة وموحشة، لكن بخيت المُهر صمّم أن تكون تلك المنطقة الوعرة محطة انطلاقه.
كان الوادي وعر المسالك، مليئًا بالكهوف، تتفرع منه شعاب كثيرة، وتطل عليه جبال شاهقة، فأقبل بخيت المُهر مندفعًا بشغف النجاح؛ يعمل ليل نهار لمدة سنتين حتى ملأ جميع الكهوف والمغارات بكميات مأهولة من اللبان الفاخر.
تذكر الروايات أنه لم يخلع عمامته خلال تلك السنتين وعندما تأكد بأنه قد أكمل مهمته، رفع العمامة المهترئة عن رأسه بيده فخلعت شعره من منابتها لشدة التصاقها برأسه.
وهنا واجه بخيت المُهر تحديًّا صعبًا يتمثل في صعوبة نقل تلك الكميات من اللبان، فلا توجد طرق تستطيع الرواحل أن تسلكها لنقل تلك الكميات الضخمة من اللبان، فقام المُهر بجهد ابداعي استمر حتى هذه اللحظة شاهدًا على صبره وجهده وتحديه للصعاب.
بدأ مشروع شق طريق في تلك المنحدرات الوعرة لمسافة تفوق 2 كيلومتر من قمة الجبل إلى قاع الوادي مرورًا بتلك الكهوف والمنحدرات الوعرة، وعندما أكمل مهمته وقف فخورًا بعمله وهو يشاهد طريقًا حلزونيًا وعرًا يربط تلك المسالك والشعاب ببعضها.
عرض المُهر على أرباب الجمال فرصة لاستئجار رحالهم، وكانت أجرة الجمل المتعارف عليها في تلك الأيام لا تزيد عن 6 ريالات فضية، لكنه عرض لكل راحلة 12 ريالًا فضيًا، وافق أصحاب الجمال وتشجعوا الأمر الذي ساعده وبسرعة غير متوقعة على إيصال كل تلك الكميات من اللبان إلى مدينة صلالة، وباعها هناك بمبالغ كبيرة نقلته من الفقر المدقع إلى الغنى غير المتوقع، فاشترى بكل تلك المبالغ إبلًا من سلالات أصيلة، وساقها المُهر مبتهجًا فرحًا في موسم الصرب (الربيع)
وعندما اقترب بخيت المُهر من الناس الذين كانوا يعتبرونه أجيرًا قليل الشأن، انبهروا بتلك الأعداد الضخمة من الإبل التي اشتراها بخيت من سلالات منتقاة، وأدركوا أن الذين يؤمنون بجمال أحلامهم لا يعرفون الوعورة ولا المشقة في سبيل تحقيق ما يريدون.
* رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية مؤسس العلاج بالاستنارة (الطاقة الروحية والنفسية)
رحاب: على خطى بخيت المُهر
- خبر
-
مشاركة
