Source: alwatan.com/details/433036Alwatan كتب:
محمد بن سرور المهري:
بينما تظهر السلالات الهندية المتحوِّرة وتتفشى في عدة دول تارة باسم دلتا، وتارة أخرى تحت مسمى “دلتا بلس” كسلالة أكثر تطورا من حيث الانتشار وحدَّة الأعراض، تخيم على العالم حالة من السكون الملفوف بالخوف والقلق الشديدين، وذلك من العودة إلى المربع الأول إبان شيوع الجائحة. فالبشرية لم يَعد في وسعها احتمال المزيد، فالخسائر الفادحة التي ألحقها هذا الفيروس الذي لا يُرى بالعين المجرَّدة أرهقت العالم ماديا ومعنويا ونفسيا، ناهيك عن خسائر الأرواح التي لا توازيها خسارة، فالإنسانية قاطبة دفعت ثمن هذه الفاتورة الباهظة.
لقد ذاق الاقتصاد العالمي الأمرَّيْن خلال العام المنصرم، وما زال يكابد إلى هذه الساعة تركة ذلك العام الثقيل وما خلَّفه من انهيارات اقتصادية وانتكاسات مالية فاقت كل التوقعات، وتجاوزت كل الاحتمالات، في أزمة تُعد الأولى من نوعها بعد الحرب العالمية الثانية من أربعينيات القرن الفارط. وما يميِّز هذه الأزمة عن سابقاتها هو عدم قدرة العلماء ومراكز البحث ومؤسسات على استشراف المستقبل والتنبؤ بنهاية هذا الفيروس الغامض والمعقد، الأمر الذي جعل العالم يأتي الشيء ونقيضه. ففي اللحظة التي تقل فيها أعداد الإصابات والوفاة يتم تخفيف الإجراءات الاحترازية المفروضة، وما أن يرتفع المنحنى تصاب الحكومات بالهلع لترجع إلى سابق عهدها، في دائرة تكاد تكون غير ذات جدوى على المدى البعيد، لا سيما وللفيروس القدرة على التحوُّر والقفز من سلالة إلى أخرى في غضون أيام أو أسابيع قليلة، فهل ستظل حكومات العالم تدور حول نفسها في دوامة تلك الإجراءات التي باتت معلومة بالضرورة؟ أم التعايش والانفتاح على هذا الفيروس أصبح أمرا واقعا يستدعي من البشرية التكييف التام معه، ومزاولة الحياة وفق مقتضيات الحال والمصالح الدولية المشتركة.
ليس هناك ما هو أغلى من الروح، والحفاظ عليها حاجة إنسانية تنبثق من ذات الفرد والمجتمع والحكومات المتمثلة في مؤسساتها الصحية والقانونية والأمنية، في منظومة متكاملة للحفاظ عليه. إلا أن شمولية الحفاظ على تلك الروح التي لا تقدر بثمن لا بُدَّ أن تراعي بالضرورة الجوانب النفسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، في معادلة شاملة لحمايته من الهلاك؛ إذ تضاعفت معدلات القلق والاكتئاب والميل إلى الانتحار على مستوى العالم خلال فترات الحظر والإغلاق، الأمر الذي يجعل الرجوع إلى إجراءات الأمس نذير شؤم يؤجج تلك الحالات بالتوازي مع معدلات الإصابة والوفاة بـ”كوفيد١٩”، ناهيك عن انخفاض الجهاز المناعي لأولئك إثر الأسباب المذكورة أعلاه، مما قد يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس، فهل من المنطق معالجة المشكلة بأخرى قد توازيها في الضرر والتداعيات؟ أم البحث عن العلاج المناسب والحدُّ من مضاعفاته ضرورةٌ من الضرورات التي يجب أن تتسم بها المرحلة الآنية والقادمة في المستقبل؟
قرارات اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا “كوفيد١٩” تصب في اتجاه الحيلولة دون انتشار الفيروس والحدِّ من تداعياته الصحية والاقتصادية، إلا أن الرياح قد تأتي بما لا تشتهي السفن، فرغم تلاحق القرارات بعضها بعد بعض ومعدل الإصابات والوفيات ما زال في منحنى غير ثابت، إذ يتساءل الكثير عن مكامن الضعف وأوجه القصور التي رافقت إدارة هذه الجائحة، فهل يكمن الخلل في تقدير اللجنة العليا للمتغيرات الوبائية الداخلية والخارجية ومواءمتها بالمعالجات اللازمة؟ أم أن الالتزام المجتمعي لم يبلغ السقف المطلوب منه؟ وهل للإشاعات دورها، خصوصا نظريات المؤامرة التي تُسفل من خطورة الفيروس وتشكك في حقيقته؟ أم لتأخر الطعوم وعدم الإقبال عليها دور في إشعال فتيل الجائحة؟ كل هذه التساؤلات وغيرها محل بحث وتساؤل، وقد لا تنجلي عنها إجابات شافية على الأقل في الأفق القريب أو المنظور.
ختاما، ليس أمامنا ـ بعد التضرع إلى الله عزَّ وجلَّ ـ إلا التقيد التام والالتزام المستمر بإجراءات التباعد الجسدي ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، إذ برهنت التجارب العملية بالدليل القاطع أنها أكثر الوسائل نجاعةً للحدِّ من انتشار الفيروس وتفشِّيه، وللخروج من نفق “كوفيد١٩” المظلم والعودة المأمولة إلى الحياة من جديد.
كورونا والعالم إلى أين؟
- خبر
-
مشاركة
-
مواضيع مشابهة