تجارة الأعمال الخيرية

    • خبر
    • تجارة الأعمال الخيرية

      Alwatan كتب:

      جودة مرسي:
      أصبحت رسائل تحية الصباح التي يتبادلها العديد من الأشخاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي بديلا عن الاتصال أو اللقاء مع الأصدقاء والأقارب للاطمئنان، خصوصا في زمن كورونا (كوفيد 19)، والكثير من هذه الرسائل يتملكها محتوى الدعاء لربِّ العباد بالصحة وإزاحة البلاء الذي ينشر جناحَيْه في أرجاء المعمورة وما زال يحصد أعدادا ليست بقليلة مع تحوُّراته الجديدة التي نسمع عنها كل يوم في بلد جديد وكيفية انتشارها السريع، ومن ضمن الرسائل التي وصلتني رسالة يدعو فيها أحد علماء الأمة بالشفاء والخلاص من هذا الوباء، وهو يعدد النعم التي افتقدنا الاستمتاع بها منذ ظهور هذا الفيروس, والتي عدَّد منها صلاة الجماعة وتنظيم الأفراح، ولقاء الأهل والأصدقاء في الأعياد، وإلى آخره من النعم التي حرمنا منها ولم نكن نشعر بها. إلا أن الإنسان دائما ما يصادف في حياته نماذج تعطيه الأمل رغم الألم فيرفع يديه تضرعا بالشكر لربِّ العباد.

      من هذه النماذج التي تعرفت عليها أثناء زيارتي لأحد الأصدقاء الذي يملك متجرا لبيع الاحتياجات الخاصة والتكميلية البدنية والذهنية للمعوقين على اختلاف أعمارهم، والتي تشمل كراسي متحركة مختلفة الأنواع مبهرة في صناعتها وشكلها الأنيق، أو تلك التي تساعد على قضاء الحاجة والذهاب إلى دورات المياه، وإلى آخره العديد من تلك الأجهزة التي ساعدت كثيرا في تخفيف آلام ومعاناة ذوي الاحتياجات الخاصة؛ لكي يستطيعوا العيش تأقلما مع إصابتهم. وعلى قدر إعجابي بهذا التقدم في هذه الصناعة إلا أن ما أبهرني أكثر من كل تلك الأجهزة المتطورة جدا هو شاب يجلس أمام مكتب وأمامه جهازا حاسوب (كمبيوتر ولاب)، يعمل عليهما ويتحرك بسلاسة بينهما كأنه عازف (الهارمونيكا) البلجيكي الشهير توتس تيلامانس، وكل أدوات هذا الشاب للعزف هي قلم يضعه في فمه يحرك به “الماوس” تارة وتارة أخرى بالجزء الأسفل من الوجه (الذقن) فاقتربت منه أكثر واكتشفت أن المعرفة الغائبة عني أن هذا الشاب يعاني من شلل رباعي في اليدين والقدمين، وصعوبة في الكلام، وقفت مشدوها وأنا أشاهده وهو يعمل بكل إتقان وجدِّية، ولا يعير انتباها لمن حوله، فقط تركيزه التام في عمله، حتى أن صديقي صاحب المتجر كلما أراد الاستفسار عن شيء يتوجه إلى هذا الشاب ليستفسر عن مبتغاه، خصوصا وأن هذا الشاب وظيفته مسؤول المبيعات عن طريق الإنترنت، وهو يقوم بعمله على أكمل وجه، بل إنه من الموظفين المثاليين والذين يأتون مبكرا إلى عملهم سباقا عن زملائه، وسألت صديقي أن يحدثني عنه، فقال لي إنه سبب في ارتفاع المبيعات بالمتجر لأسلوبه المميز في مخاطبة الزبائن عبر الإنترنت، وأنه لم يكتفِ بعمله معي فقط، بل يقوم أيضا بعمل الترجمة اللغوية لبعض المكاتب. وخلال وجودي وأنا أتابعه كل الوقت وأتابع عمله ولم أجده يتحرك من مكانه إلا مرة واحدة اصطحبه أحد زملائه ليساعده في الذهاب لتأدية الصلاة.

      إن هذا النموذج من الشباب الذي التقيته يعرف لنا معنى الحياة والعمل مهما واجهنا من صعاب، وأن نعم الله على علينا لا تُعد ولا تُحصى، وأن ما أظهره منا (كوفيد19) أكثر من كونه تسبب في محن اقتصادية ونفسية ومالية. كما أننا يجب أن ندرك أن العطاء يشمل العديد من الأشياء التي يجب أن نبحث عنها ونقوم بها مثل إقامة مثل هذه المشاريع التي توظف لصالح فئة معيَّنة من مجتمعاتنا تحتاج مساعدة الأصحاء، كما أن التجربة أوضحت أنه بالفعل إن كانت التجارة مع احتياجات المعوقين لكسب المال فهي أيضا تجارة مع الله؛ لأنك تخفف الآلام عن أناس يبحثون عن الحياة. فقد استمتعت بتجربتي في التعرف على هؤلاء الأشخاص المهمين في حياتنا، وأن يكون لدي عقل متفتح بأنه لا مستحيل مع الظروف الخاصة في الحياة، وأعطتني الرغبة بأن أبحث عن مثل هؤلاء نماذج يرتقون بنا عن الطرق المألوفة لنفهم مغزى حقيقة أن الأشياء لا تبدو متشابهة عندما يتم النظر إليها من زوايا مختلفة؛ لأنه من المهم السعي للمعرفة لأنه مفيد ليس فقط للأصحاء، ومن المهم للغاية اكتساب المعرفة فيما يتعلق بالاختلافات والتشابه بين أناس يحتاجون إلى معاملات مختلفة، وهي دعوة لنستثمر في تجارة الأعمال الخيرية.

      Source: alwatan.com/details/433188