شراع: أفغانستان (طالبانية).. النهاية مرسومة

    • خبر
    • شراع: أفغانستان (طالبانية).. النهاية مرسومة

      Alwatan كتب:

      خميس بن حبيب التوبي:
      أنْ تشرع حركة طالبان في دخول العاصمة الأفغانية كابول والسيطرة عليها ليس أمرًا مثيرًا للدهشة والاستغراب؛ ذلك أنَّ سيطرة هذه الحركة على العاصمة ليس جديدًا. فقد كانت المدينة خاضعة لها بعد معارك شرسة خاضتها الحركة في إطار إحكام سيطرتها على كامل الجغرافيا الأفغانية وذلك قبل الاجتياح الأميركي ـ الأطلسي لأفغانستان على خلفية هجمات الحادي عشر من سبتمبر، واتهام واشنطن تنظيم القاعدة بشنِّ هذه الهجمات. لكن ما يجب أنْ يثير الانتباه هو أنَّ أفغانستان بلدٌ عصيٌّ عن السيطرة عليه، فالتاريخ يُسجِّل في صفحاته اليوم أنَّ إمبراطورية ثالثة ـ بعد الإمبراطورية البريطانية والامبراطورية السوفيتية ـ وهي الولايات المتحدة الأميركية لم تستطع البقاء في أفغانستان وإحكام السيطرة عليها رغم مشاركتها من قوى عسكرية كبرى كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، كما سيسجِّل التاريخ أنَّ الخسائر الأميركية والأطلسية في ذلك البلد هي الأعلى حيث تقارب تريليون دولار، بالإضافة إلى الخسائر البشرية.
      الزَّحف المُتسارع لحركة طالبان الرَّامي إلى إحكام قبضتها على كامل التراب الأفغاني يؤكِّد أنَّ الدول التي يقوم الغزاة والمستعمرون بإسقاط أنظمتها وحكوماتها تصبح دولًا فاشلة ومفكَّكة وغير مستقرَّة ولو بعد حين؛ لأنهم لم يأتوا لتحقيق ما يرفعونه من شعارات برَّاقة وخادعة بإقامة ركائز الديمقراطية والعدالة والمساواة، وإنَّما غزوا واستعمروا لأهداف سياسية واقتصادية، لذلك من الاستحالة بمكان أنْ يعمل كُلُّ غازٍ ومُستعمِر على إقامة ركائز الديمقراطية والاستقرار الطويل في بلد خَطَّط لاستهدافه وتدميره ونهب ثرواته، وإنَّما كُلُّ ما يهمُّه أنْ يضمن استمراره في النَّهب والسَّرقة، ولكي يتحقَّق له ذلك يأتي بموالين وعملاء وخونة له، وليس بمَنْ ولاؤهم لوطنهم، لا سيَّما أولئك الذين يحملون الجنسية المزدوجة على النَّحو الذي يراه الجميع اليوم في الوطن العربي بدول قام الغُزاة والمستعمرون بإسقاط أنظمتها وحكوماتها ونصَّبوا حكومات موالية لهم؛ لأنَّ هؤلاء الغُزاة والمستعمرين متيقِّنون تمامًا بأنَّ تنصيب مَنْ لهم ولاء لوطنهم أو الحرص على إقامة ركائز الديمقراطية والاستقرار والعدالة والمساواة سيُعجِّل برحيلهم وبزوالهم.
      من الواضح أنَّ الولايات المتَّحدة لم تَعد قادرة على الاستمرار في شراء الولاءات ودفع الأثمان الباهظة للبقاء على أرض أفغانستان هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يتوافق هذا البقاء على جغرافيا تمثِّل بؤرًا خطيرة من جميع الاتجاهات، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتَّحدة إلى التفرُّغ لمواجهة ما تَعده عدوَّها اللَّدود في الحاضر والمستقبل، ويُهدِّدها بالنزول عن عرش الهيمنة على العالم ألا وهو العملاق الصيني، وبجانبه كُلٌّ من روسيا الاتحادية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. لذا الخروج من أفغانستان مهمٌّ حتَّى لا تشرب من الكأس التي أسقتها الاتحاد السوفيتي السابق، فعودة أفغانستان إلى وضعها السابق حيث وجود الحركات المسلَّحة المتطرِّفة وصراعها، من شأنه أنْ يخدم أميركا في المواجهة القادمة، حيث من الممكن أنْ تتحوَّل هذه الحركات المسلَّحة إلى خطر محدق بدول الجوار، وبمَنْ تراهم واشنطن أعداء لها، ما يجعل قواهم مشتَّتة مع وجود أكثر من خصم بجانب الولايات المتَّحدة.
      الفعل الخارجي كان له الدور الأكبر في تعاظم الحركات المسلَّحة في أفغانستان، فحركة طالبان لم تبْنِ قوَّتها بجهودها أو بما تملكه من موارد، وإنَّما بما تتلقَّاه من دعم مالي وعسكري من الخارج. فقد لعب هذا التدخُّل الخارجي دورًا كبيرًا في نُمو التطرُّف في ذلك البلد، يُغذِّيه العامل القَبلي والدِّيني.
      الرئيس الأفغاني أشرف غني خاطب الشعب الأفغاني بأنَّه شرع بغية تحقيق الاستقرار ومنع الانهيار في إجراء مشاورات واسعة النطاق داخل وخارج الحكومة ومع القيادات السياسية والشركاء الدوليين، متعهدًا بالكشف عن نتائج هذه المشاورات للرأي العام قريبًا، لكنَّ السؤال هو: ما مدى استعداد الشركاء الدوليين لتقديم الدعم والإسناد؟ وما نوع هذا الدعم والإسناد في الوقت الذي تعمل فيه واشنطن ولندن على إجلاء دبلوماسييها ورعاياها؟ في تقديري أنَّ أفغانستان ستكون مثالًا آخر إلى باقي الأمثلة الأخرى والتي تكتظ بالأخطاء الاستراتيجية الفادحة للدول الامبريالية والاستعمارية.

      Source: alwatan.com/details/434237