Source: alwatan.com/details/434409Alwatan كتب:
محمد عبدالصادق:
أعود إلى مصر بعد غياب أكثر من عامين، لا أثر لجائحة كورونا والكمامة تكاد تكون نادرة، دخلت المسجد لصلاة الجمعة الصحن يغص بالمصلين المتلاصقين، وتقريبا كنت الوحيد ومعي عدد لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة الذي يضع على وجهه الكمامة ويصطحب معه سجادة للصلاة، حتى خطيب الجمعة ظل قرابة ثلثي الساعة يلقي خطبته بكل أريحية دون الالتفات لتنبيهات كورونا، الزحام شديد في المترو والقطارات، وحافلات النقل العام والخاص تغص بالركاب، وباستثناء البنوك وبعض المصالح والمقرات الحكومية لا وجود لتباعد أو كمامة، فالناس في بر مصر لديهم ما هو أهم من كورونا.
ظاهرة قديمة جديدة لاحظت اتساعها في هذه الزيارة وهي طلب “البقشيش” بكل جراءة وفي أكثر من مكان دون خجل أو وجل، ولا أدري سببها هل هي تداعيات كورونا؟! تذهب إلى ورشة الميكانيكا لتصلح سيارتك، تقوم بمحاسبة المعلم صاحب الورشة وتعطيه قيمة التصليح دون فصال أو مجادلة، تفاجأ به يقول لك “راضي الواد” يقصد الصنايعي الذي قام بالتصليح، تتجه لمحطة الوقود لتزويد سيارتك بالوقود، ينتهي العامل من الخدمة، تعطيه ثمن الوقود المسجل في ماكينة الوقود وتنتظر أن يرد إليك باقي المبلغ، يتجاهلك ويذهب للزبون التالي، رغم أنك في قرارة نفسك ربما كنت ستتركه له، ولكنه اعتبره حقا مكتسبا وحرمك من متعة إعطائه “البقشيش”. وبالتقصي عن سبب ذلك، تبيَّن أن محطات الوقود تعطي العمال أجرا زهيدا وتضعهم في مواجهة الزبائن لاستكمال أجرهم، أو أنها لا تعطيهم راتبا على الإطلاق، وتجعلهم يعتمدون على “البقشيش” الذي يقتضونه غصبا أو طوعا.
وبمناسبة الحديث عن “البقشيش” وتفشيه في مصر كحقيقة مسلَّمة وأمر واقع، تم مؤخرا التحقيق مع لاعب بالفريق الأولمبي المصري العائد من اليابان بعد المشاركة في منافسات كرة القدم بأولمبياد طوكيو، وكانت التهمة الموجهة له محاولة التحرش بعاملة خدمة الغرف اليابانية في الفندق الذي تقيم فيه البعثة، وبعد التحقيق وتفريغ كاميرات الفندق، تبيَّن حسن نية اللاعب الذي أراد أن يعبِّر عن امتنانه للعاملة على الطريقة المصرية، فقام بإخراج 200 جنيه مصري من محفظته وحاول أن يعطيها “بقشيشا”، ولكن العاملة لم تفهم مقصد اللاعب وظنت أنه يتحرش بها أو يعرض عليها رشوة جنسية وقامت بتصعيد الأمر لإدارة البطولة، وتم تحرير بلاغ ضد اللاعب وكاد يقبض عليه ويدخل السجن لولا تدخل السفير المصري في اليابان، والذي تعهد بخضوعه للتحقيق عند العودة إلى مصر. اللاعب أنكر التهمة وحاول توضيح وجهة نظره، ولكن يبدو أن اختلاف اللغة وتباين الثقافات، جعلت السلطات اليابانية مصرة على إدانة اللاعب ولم تسمح له بالعودة إلى مصر إلا بعد التعهد بعقابه وإيقافه عن اللعب من قبل اتحاد الكرة المصري.
كنت أُمني النفس بقضاء إجازة في القاهرة في جو صيفي معتدل مماثل لما تحمله ذاكرتي من معلومات، ولكني فوجئت بطقس شديد الحرارة قريب من الأجواء الخليجية، ورغم ذلك قررت السير على قدمي على غير هدى في الشوارع التي لي معها ذكريات، أتوقف أمام عربة التين الشوكي وأنتظر تقشير بضع تينات أتناولها على عجل، تأخذني قدماي إلى محل عصير القصب وأتابع أعواد القصب وهي تتلوى داخل المعصرة، وتنتج الرغاوي المختلطة بألواح الثلج، ومع كل رشفة أتذكر حادثة صيفية وقعت في هذا الشارع الذي لم يطرأ عليه الشيء الكثير، باستثناء الزحام.
هناك حالة تعطش لدى المصريين للفكاك من أسر كورونا، فالمصايف التقليدية في الإسكندرية ورأس البر وجمصة وبلطيم كاملة العدد وليس هناك موطئ لقدم، والمصايف الحديثة على الساحل الشمالي الغربي الممتدة من الإسكندرية إلى مطروح، تستطيع الحصول على حجز لمصيف لمدة أسبوع بصعوبة بالغة وبمقابل مرتفع والحجز ممتد حتى شهر سبتمبر.
عادت الحياة لمعظم الأنشطة الترفيهية على طول نهر النيل، وتتعالى الأصوات حتى ساعات الفجر، ويزداد الصخب الصادر من المراكب النيلية وقاعات الأفراح، ولا يخلو يوم من مواكب عرس تخترق شوارع القاهرة، رغم عزقة السير وحركة المرور المتعثرة.
يحدث في بر مصر
- خبر
-
مشاركة
-
مواضيع مشابهة