Source: alwatan.com/details/434405Alwatan كتب:
نجوى عبداللطيف جناحي:
أتَذْكُر عندما كنت صغيرا بين ذراعَيْ أُمِّك، ترعاك عيناها، ويحرسك قلبها، تعنى بكل شؤونك لتحافظ عليك سليما معافى، وكأنك أمانة استودعت إياها، تحافظ على صحتك فتختار غذاءك بعناية فائقة، وتهتم بنظافة كل شيء حولك، أواني طعامك، غرفتك، وملابس، وتخاف عليك من شمس النهار؛ كي لا تصيبك بالإجهاد الحراري أو تُغيِّر لون بشرتك، تخاف عليك من طعام البائع الجوال، وتقيم الأرض ولا تقعدها إن مرضت فتجند أهل البيت لخدمتك، وتزلزل عيادة الطبيب، وتعلن الطوارئ في المطبخ لتوفر الخادمة الطعام الصحي. أما مواعيد تناولك للأدوية فعليها رقابة عسكرية صارمة… كل هذا لتحافظ على شءئ ثمين، وهي صحتك.
هي تحافظ على سعادتك وابتسامتك، فتفعل كل ما يسعدك، تصطحبك للحدائق للعب، وترتب الزيارات مع أصدقائك الذين أقامت علاقة وطيدة مع والدتهم لتطمئن أنك مع صاحب من أُسرة صالحة، وتتابع شؤونك في المدرسة، علاقاتك مع المعلمين، ومع زملائك الطلبة، وقد تتدخل لتنال مكاسب تسعدك كأن تطالب بتسجيل في فصل معيَّن، أو تطالب أن يكون مقعدك الدراسي في المكان الذي يريحك، والويل كل الويل لإدارة المدرسة إن عطل مكيف الفصل، فقلبها الذي يرعاك لا يتحمل أن تمرَّ عليك نسمات حارة. أما إن غابت ابتسامتك وارتسم الحزن على وجهك فتلك مشكلة كبيرة بالنسبة لها، فتكرس جهدها لتعرف ما الذي أحزنك وتتدخل بكل قوَّتها لتعيد لك ابتسامتك.
هي ترسم في ذهنها طريقك للنجاح وأهداف حياتك، فتجتهد في متابعة تحصيلك الدراسي، وتراقب الجوانب التي لا يغطيها المنهج الدراسي بحسب طموحها لك، فتأخذك لمعاهد تدريبية بعد اليوم الدراسي، لتصقل موهبتك وتُنمِّي قدراتك، فأنت في نظرها تستحق رعاية أكثر مما تقدمه لك المدرسة، فإما تأخذك لمعاهد تدريبية لتعلم لغة أجنبية، أو تعلم المزيد من مهارات الحاسوب أو تدريبات تصقل موهبتك في الرياضة.
والآن لم تعد أمك مسؤولة عنك ترعى صحتك، وسعادة قلبك، ومستقبلك، فمن سيتولى هذه المهمة؟ هذه المهمة الصعبة المعقدة قد انتقلت لك كاملة، فأمل مشوار أُمك بنفس الكفاءة التي كانت تقوم بها، فعليك الحفاظ على صغيرها الذي كبر ومراعاته بنفس النهج الذي كانت تنتهجه، تحافظ على صحتك بوقايتها من الأمراض وزيادة قوَّتك الجسدية، فتهتم بغذائك، وبالرياضة، ومواعيد نومك لتقي جسمك من الأمراض، وعليك بالعلاج المبكر للأمراض التي قد تصيبك قبل أن تستفحل في جسدك، وعليك رعاية صحتك النفسية فتحافظ على سعادة قلبك، فتبتعد نفسك عن الضغوط النفسية، وتعرف كيف تتعامل معها، وتجتهد لمستقبلك.
سُئل معمر: كيف وصلت لسن المئة وما زلت قادرا على الحركة، وممارسة حياتك الطبيعية، ونشاطك الاجتماعي؟ أجاب ببساطة: لقد أكملت مهمة أُمِّي وهي رعاية صغيرها وهو أنا، فأتعامل مع نفسي على أنها ذلك الطفل الذي تهتم أُمِّي برعايته، فلم تشغلني مسؤولياتي تجاه أُسرتي، ولا مسؤولياتي تجاه عملي، ولا حياتي الاجتماعية مع أصدقائي عن رعاية نفسي (طفل أُمِّي) فلا أتنازل عن الوقت الذي أخصصه لرعاية نفسي كالرياضة، وإراحة قلبي بالصلاة والدعاء، والتخطيط لمستقبلي، معتبرا أن هذه أمانة من أُمِّي أوكلتها لي لأحافظ عليها، فاعتنوا بطفل أُمَّهاتكم، واستمروا في الطريق الذي بدأته، تزيدوا من أعماركم وتحافظوا على حياتكم لتعيشوا فيها بأفضل ما يكون… ودمتم أبناء قومي سالمين.كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
najanahi@gmail.com
تويتر: @Najwa.janahi
كُنْ أُمًّا لنفسك
- خبر
-
مشاركة