Source: alwatan.com/details/434575Alwatan كتب:
أ.د. محمد الدعمي:
الشتاء في بغداد “كان غير” كما يقول البعض. وقد كان جزءًا من همومي وأنا فتى صغير في المدرسة الابتدائية، إذ لم أزل أذكر ذلك “الصقيع” الشتوي الذي كان يجمد أيدينا الصغيرة الناعمة ونحن نحمل حقائبنا المدرسية متوجهين إلى المدرسة مشيًا على الأقدام، علَّ الشمس تشرق بعد سويعات لتمنح من يترقبها شيئًا من الدفء، درجة أن بعض المعلمين في مدرستنا كانوا يستثمرون بزوغ الشمس فرصة للخروج مع طلابهم إلى الساحة المدرسية بقصد “التشمس”، أي البقاء وتحت أشعة الشمس لمدة كافية.
إذا كانت هذه لقطات من شتاء بغداد حتى سبعينيات القرن الماضي، فإن هذا الشتاء قد فقد برودته القارصة مع انقلاب سنوات التاريخ إلى القرن الحادي والعشرين، إذ إني غادرت بغداد الحبيبة (2006)، بعد أن فقد الشتاء بغداد تثليجه وتجميده، بينما صار الصيف أسخن، قبل أن يعرف العراقيون أجهزة التبريد والتكييف، إذ كان البعض منهم يصنع من سعف النخيل مشبكات يحشونها بما تجود به الأرض من النباتات الشوكية، “الصبير”، ليثبتوها على شبابيك دورهم من خارج الدار كي تلطف درجة حرارة الهواء الداخل إلى البيت.
غدت هذه الظواهر من الذكريات التي لم يطوِها الزمن فحسب، ولكن من الذكريات التي تثير دهشة الأجيال اللاحقة التي لم ترَ شيئًا مما تقدم.
وعليه، فإني قد تيقنت اليوم بأن التغير المناخي ليس بــ”خرافة” من اصطناع العلماء والباحثين عن الشهرة أو المال من أصحاب العقول الذكية التي تتابع درجة حرارة الأرض كما يتابع الأطباء درجات حرارة مرضاهم بين الفينة والفينة، خشية تدهور الحال فجأة.
وإذا كان الكثيرون من متابعي البرنامج التلفازي الأسبوعي، “العلم للجميع”، في تلفزيون بغداد، يتندرون بما كان يتوقعه مقدم البرنامج، المرحوم كامل الدباغ، من تغيرات مناخية، فإنهم لا بد وأن يشعروا بالصدمة الآن بسبب أن ما كانوا يستهزئون به إنما هو حقائق علمية لا مناص من تصديقها والتسليم بها.
لذا، يبقى العلم هو الملَّاح الحقيقي الذي يتوجب اعتماده لتوجيه دفة السفينة بالاتجاه الصحيح نحو بر الأمان. أما اعتماد “القدرية” واللجوء إلى استصغار خلاصات العلم والعلماء ونبوءاتهم والاستخفاف بها، كما فعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فهو شكل من أشكال الانتحار الذي يستدرج البشرية نحو اللايقين.
والحق، فإن للمرء أن ينوِّه إلى خطورة هذا المفصل الحيوي الذي يمرُّ به النوع الآدمي الآن، خصوصًا عبر العالم العربي، بسبب ما نلاحظه من لجوء الملايين من النشء والشبيبة العربية إلى “القدرية” العمياء التي تخص العلم بنظرة دونية لا تليق بالشبان الواعدين قط.
إن التغيُّر المناخي لم يعد حقيقة ثابتة، بل إنه غدا حقيقة تتطلب شكلًا من أشكال قوانين الطوارئ على سبيل الحفاظ على ما تبقى للإنسانية من “إنسانية”، وللأرض من “عطاء” وجمال!
عليكم (بالعِلم)
- خبر
-
مشاركة