Source: alwatan.com/details/435244Alwatan كتب:
د. يوسف بن علي المُلَّا:
قد مرَّت على عائلات كثيرة ـ وخلال الأسابيع الماضية ـ أيام محزنة نتيجة فقد عزيز لديهم أُصيب بفيروس كورونا (كوفيد-19)، وقد يكون حقيقة من الصعب تخيل هذا المستقبل مع ملء وحدات العناية المركَّزة مرَّة أخرى إذا لم يستمر الناس بالتقيُّد بالإجراءات الاحترازية، إضافة إلى تلقِّي اللقاح. وبشكل ما فإنَّ الجائحة ستنتهي بطريقة أو بأخرى.. سوف تنتهي! فعندما يكتسب عدد كافٍ من الناس بعض المناعة من خلال التطعيم أو العدوى ـ ويفضل التطعيم ـ ربما سينتقل هذا الفيروس إلى مرحلة يطلق عليه بالوباء المستوطن (بمعنى سيكون مرضا موجودا بشكل دائم في منطقة أو مجموعة سكانية ولكنه مستقر). حيث إنَّه لن يتم القضاء عليه، لكنه لن يقلب حياتنا بعد الآن.
ولعلَّنا سنرى في تلك المرحلة عددًا أقل من حالات دخول المستشفى ووفيات أقل من فيروس كورونا، لا سيَّما وأنَّ التطعيم المعزِّز يمكن أن يعيد ويحفِّز المناعة بشكل دوري أيضًا. ومع ذلك قد تستمرُّ الحالات في الارتفاع والانخفاض في هذا السيناريو، وربما بشكل موسمي، ولكن ـ بلا شك ـ سيتم تجنُّب أسوأ النتائج.
وبطبيعة الحال، سيتعيَّن علينا جميعًا أن نغيِّر تفكيرنا بشأن فيروس كورونا. فهذا الفيروس ليس شيئًا يمكننا تجنُّبه إلى الأبد، علينا الاستعداد لاحتمال تعرضنا جميعًا بطريقة أو بأخرى. بل ـ وإن صحَّ لي القول ـ هذا شيء علينا التعايش معه طالما أنَّه لا يؤثر على الرعاية الصحية ككُلٍّ، وهنا أعتقد أنَّنا نستطيع ذلك.
وحقيقة يبدو أنَّ مرحلة (التوطُّن) لهذا الفيروس ونهاية لعبته واضحة تمامًا، لكن كيفية الوصول إليها هي أقلُّ وضوحًا. وقد يعود ذلك جزئيًّا إلى أنَّ تلك المرحلة تعتمد علينا! حيث إنَّ احتمالية انتشار فيروس كورونا ـ المستوطن ـ لا يعني أنَّنا يجب أن نتخلَّى عن جميع الاحتياطات. وممَّا لا شك فيه سيعتمد الطريق ـ إلى أن يصبح فيروس كورونا مستوطنًا ـ على مدى استمرار تحوُّر الفيروس نفسه. ومع ذلك فالنَّبأ السَّار هو أنَّه من غير المرجَّح أن يتطوَّر هذا الفيروس لدرجة أنَّه يُعيد مناعتنا إلى الصفر، لا سيَّما وأنَّ استجاباتنا المناعية معقَّدة للغاية، ومن المستحيل أساسًا أن يفلت الفيروس منها جميعًا.
نحن الآن حيث اعتقدنا أنَّنا سنكون قبل عام، لا تزال اللقاحات تحمي بشكل جيِّد من الأمراض الخطيرة، كما هو متوقع، لكن المناعة المجتمعية (مناعة القطيع) تبدو مرَّة أخرى بعيدة المنال. سيستمرُّ الفيروس في الانتشار، لكن عددًا أقل من الناس سيمرضون بدرجة كافية لدخول المستشفى أو الموت. ناهيك أنَّه مع اكتساب المزيد من الناس مناعة عن طريق العدوى أو التطعيم، سيحاول فيروس كورونا إيجاد طرق للتهرب من هذه المناعة أيضًا. هذه نتيجة طبيعية للتعايش مع فيروس منتشر؛ فالإنفلونزا تتحوَّر أيضًا كُلَّ عام استجابةً للمناعة الموجودة. لكن في سيناريو كورونا المستوطن، حيث يتمتع الكثير من الناس ببعض المناعة، لن يتمكن فيروس كورونا من إصابة عدد كبير من الأشخاص، ولن يتكاثر عدَّة مرَّات في كُلِّ شخص يصيبه.
من ناحية أخرى، يُعد انتقال فيروس كورونا كجائحة إلى فيروس مستوطن أمرًا نفسيًّا أيضًا. فعندما يكون لدى كُلِّ شخص بعض المناعة، سيصبح تشخيص (كوفيد-19) روتينيًّا مثل تشخيص الإصابة بالإنفلونزا ـ ليست أخبارًا جيدة ـ ولكنها ليست سببًا للخوف أو القلق أو الإحراج أيضًا. فمع الإنفلونزا، نحن كمجتمع نتفق بشكل عام على المخاطر التي كنَّا على استعداد لتحمُّلها. وصراحةً مع فيروس كورونا لم نتَّفق بعد. الأهم وواقعيًّا، ستكون المخاطر أصغر بكثير مما هي عليه الآن وسط موجة دلتا، لكنها لن تختفي أبدًا.
ختامًا، قد تقلِّل اللقاحات الأفضل والعلاجات الجيِّدة من خطر الإصابة بـفيروس كورونا بشكل جيِّد. وربَّما تدفع التجربة الأشخاص أيضًا إلى أخذ جميع فيروسات الجهاز التنفسي على محمل الجِد، ممَّا يؤدِّي إلى تغييرات دائمة في ارتداء الكمَامات والتهوية. لذلك عندما نصل إلى مرحلة الوباء المستوطن لفيروس كورونا، فهذا يعني إيجاد طريقة جديدة يمكن تحمُّلها للتعايش مع هذا الفيروس. ستشعر بالغرابة لفترة ثم لن يحدث ذلك… سيكون طبيعيًّا.طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
فيروس كورونا هنا للأبد!
- خبر
-
مشاركة