Source: alwatan.com/details/435240Alwatan كتب:
أحمد صبري:
لم تقف ظروف الغربة ومحدداتها حائلا أمام ازدهار الحركة الثقافية العراقية في خارج الوطن التي حوَّلها المبدعون إلى ظاهرة لافتة أثرت الحياة الثقافية وازدهارها رغم الظروف الصعبة التي واجهت نخب العراق ومبدعيه خلال السنوات الماضية.
وتسببت تداعيات غزو العراق واحتلاله هجرة ملايين العراقيين إلى دول الجوار العربي والإقليمي وبلدان الشتات، خصوصا نخبه وعلماءه ومثقفيه ومبدعيه في شتَّى الاختصاصات الذين نالوا القسط الأكبر من الاستهداف عبر الملاحقة والخطف والقتل في مسلسل ممنهج طاول هؤلاء على مدى السنوات الماضية.
ولم يقتصر هذا المسلسل على الاستهداف وإنما حرمانهم من حقوقهم المدنية المشروعة في التقاعد، في محاولة لإيقاع أفدح الخسائر بهم وإجبارهم على مغادرة العراق لإفراغه من نخبه بشكل مقصود. وانعكس هذا الاستهداف على واقع الحركة الثقافية والإبداعية بتراجع دورها مع عزوف روادها على ارتيادها.
هذا في العراق، أما في دول الشتات فالأمر يختلف حيث ازدهرت الحركة الإبداعية والثقافية، وأنشئت عشرات المجالس والمنتديات التي تحوَّلت إلى ميادين للإبداع وإثرائه، في موقف يعكس تصميم مبدعي ونخب العراق على مواصلة مسيرة النهوض بالواقع الثقافي كردٍّ على محاولات تقويضه وعرقلة انتشاره وازدهاره.
وعندما نتحدث عن المجالس الثقافية والفكرية والمنتديات المتخصصة في الأردن، كنموذج لنشاط مبدعي العراق، نتوقف عند أهم مجلس ثقافي في عمَّان من حيث سعة المشاركة فيه وانسيابها والقضايا التي تتعلق بمستقبل الحركة الإبداعية، وتلمُّس مستقبل العراق على ضوء أزماته فإن مجلس الخميس الثقافي لهيئة علماء المسلمين يتصدر هذ الحراك الفكري والإبداعي، حيث استضاف خلالها نخبة مختارة من مبدعي العراق وعلمائه ليطرحوا رؤيتهم أمام جمهور المجلس، في عملية تفاعلية تعكس أهمية المجلس ودوره في إثراء العمل الإبداعي والثقافي وحتى السياسي، في متوالية بين الجمهور والأفكار التي تطرح لبلورة رؤية تحافظ على إرث العراق وحضارته وتراثه في مواجهة معاول الهدم الشعوبية التي تستهدف حاضر ومستقبل العراق وعروبته.
وعندما نتوقف عند مجلس الخميس الثقافي فلا يفوتنا ذكر مجالس الدبلوماسيين والأكاديميين والفنانين والإعلاميين والأدباء والكفاءات ورجال الأعمال، فضلًا عن قاعات عرض الفنون التشكيلية وإشهار أحدث إصدارات الكتب والمدونات.
وهنا نستحضر أمسية خاصة أقامها مجلس الخميس الثقافي اهتمت بتاريخ المجالس الثقافية في العراق عامة، وفي بغداد على وجه الخصوص، استعرضها مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين الدكتور مثنى حارث الضاري الذي أشار إلى أن كتب التاريخ زاخرة بالمشاهد والواقع التي تؤصل للحركة الثقافية في العراق؛ إذ كانت المجالس وسيلة لإشاعة الثقافة في المجتمع، لا سيما وأن الذين يترددون إليها هم من مثقفي المجتمع وعامة الناس، الذين يسعون للتذاكر في العلوم وتحصيلها وكسب المعلومات في شتَّى الموضوعات، مشيرًا إلى أن تلك المجالس كانت رائجة وظاهرة بشكل لافت لحين غزو التتار لبغداد سنة 656هـ، فانقطعت لبعض الوقت بسبب الظروف التي أحاطت بالبلاد، ثم عادت للنهوض مرة أخرى، وبدأت حركة علمية جديدة بعد قرون تحديدًا في القرون الثلاثة الأخيرة من تاريخ العراق الحديث؛ حيث انطلقت حركة علمية لإعادة أمجاد الثقافة والعلم، وبدأت بتأسيس المدارس الدينية وما يتبعها من مجالس علمية وثقافية، في العراق عمومًا، وفي بغداد وعدد من المدن كالموصل والبصرة والنجف والسليمانية وغيرها.
إن تداعيات احتلال العراق أثرت سلبا على مسار وازدهار الحركة الثقافية والإبداعية في شتَّى صنوفها، الأمر الذي يستدعي العمل على إعادة الروح لهذه الصروح الحضارية التي تحصن المجتمع من فيروسات الطائفية والجهل والتخلف وتغييب الوعي الجمعي.
مبدعو العراق: حراك فكري وثقافي
- خبر
-
مشاركة